تصر الأمم المتحدة على أن الهدنة الدائمة هي وحدها التي ستحل الأزمة الإنسانية في غزة. لكنّ هذا لا يبدو وشيكا. فقد صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في مقابلة مع شبكة إسرائيلية يمينية، بأنه مستعد لعقد “اتفاق جزئي” لإطلاق سراح بعض الرهائن في غزة. وأضاف: “لكننا ملزمون بمواصلة الحرب بعد توقف قصير”.
* * *
ساحل غزة- على طول ستة كيلومترات، لا يعرض الطريق سوى مشهد قمري مغبر من دون أي ملمح للحياة المدنية. ويشق “ممر نتساريم”، كما تسميه إسرائيل، مساره عبر خاصرة غزة الضيقة، من حدودها مع إسرائيل في الشرق إلى ساحلها على البحر الأبيض المتوسط غربًا. وقد تحولت المباني على كلا الجانبين إلى أكوام من الأنقاض. وبينما تتقافز القافلة التي تضم صحفيي “الإيكونوميست” على طول المسار المتعرج، لا يرى المرء أي فلسطينيين؛ ثمة فقط جنود إسرائيليون ومركبات عسكرية ودوامة مستمرة من الرمال. ثم ينبثق مشهد مبهر من الزرقة: ينتهي الممر عند البحر، والرصيف الفولاذي الضخم الذي أنفقت الولايات المتحدة 230 مليون دولار على تركيبه على شاطئ غزة.
في آذار (مارس)، عندما أعلن جو بايدن عن بناء الرصيف، جعل الغرض من بناء الرصيف يبدو واضحًا. كانت غزة تعاني من مشكلة الجوع، ولدى أميركا حل سريع؛ جسر عائم معياري سينقله جيشها نصف الطريق حول العالم ويتم تجميعه في البحر الأبيض المتوسط عند ساحل غزة. وقال الرئيس إن ذلك الرصيف سيوفر “زيادة هائلة” في المساعدات لسكان القطاع.
لكن الواقع كان أكثر تعقيدًا. فقد تم الانتهاء من بناء الرصيف في 16 أيار (مايو)، ولكن سرعان ما تضرر بسبب أمواج البحر الهائجة. وقد عمل لمدة أسبوعين فقط من الأسابيع الستة الأولى منذ تشغيله.
عندما زارت مجلة الإيكونوميست الرصيف في 25 حزيران (يونيو)، وكان موفدوها أول صحفيين يرونه من داخل غزة، كان يعمل مرة أخرى: قامت مركبتا إنزال بحريتان بتفريغ حمولتيهما في ما يزيد قليلاً عن ساعة. وانطلقت الشاحنات بعد أن تم تحميلها من السفن، نزولاً على جسر مصنوع من أجزاء فولاذية متشابكة، وإلى منطقة التجميع، وهي مساحة من الشاطئ قام الجيش الإسرائيلي بتسويتها وتحيط بها السواتر والحواجز الخرسانية.
تقول وزارة الدفاع الأميركية إن الرصيف وفر أكثر من 6.200 طن من المساعدات بهذه الطريقة منذ تركيبه لأول مرة، أي حمولة ما يعادل ما بين 25 و30 شاحنة في اليوم -وهو رقم ليس تافهاً، ولكنه أقل بكثير من الـ150 شاحنة في اليوم التي وعدت بها أميركا.
ومع ذلك، فإن الرصيف ليس سوى جزء واحد من عملية إغاثة أكبر، حيث يتم إدخال الإمدادات عبر “معبر كرم أبو سالم”، المعبر التجاري الرئيسي في الجنوب، بالإضافة إلى ثلاثة معابر برية في الشمال. ويقول الأدميرال دانيال هاغاري، المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي: “نحن نحاول توفير أماكن دخول مختلفة من أجل تقليل الاحتكاك”.
هذا الربيع، ولفترة وجيزة، قال عمال الإغاثة إن الأمور كانت تتحسن. وفي آذار (مارس)، قال “التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي”، وهو مبادرة تدعمها الأمم المتحدة لقياس الجوع، إن مئات الآلاف من الأشخاص في شمال غزة سيواجهون المجاعة في غضون شهرين. لكن دراسته الأخيرة، التي نشرت في 25 حزيران (يونيو)، وجدت أنه تم تجنب المجاعة، ولو كان ذلك مؤقتًا، من خلال زيادة كبيرة في تسليم المساعدات منذ آذار (مارس).
لكن الأخبار السارة تنتهي عند هذا الحد. فقد أعلن “التصنيف”، مؤخرًا، أن 495.000 من سكان غزة (حوالي 25 في المائة من السكان) ما يزالون يواجهون مستويات “كارثية” من الجوع. وقد باع أكثر من نصف سكان القطاع ملابسهم لشراء الطعام. ويُمضي واحد من كل خمسة مواطنين أيامًا وليالي كاملة من دون تناول الطعام.
تحتوي مناطق التجميع والتخزين التي تجاور الرصيف الأميركي على مجموعتين من البوابات. وتستخدم الشاحنات القادمة من الرصيف تلك الموجودة على الجانب الغربي بجوار البحر، لإيداع حمولتها، في حين أن البوابات الشرقية مخصصة للسواقين الفلسطينيين الذين يصلون لاستلام المساعدات. لكن الجيش الإسرائيلي يقول إن أحدًا لم يأت عبر هذه البوابات الأخيرة منذ أسبوعين، وإن 7.000 حزمة من المساعدات (معظمها من المواد الغذائية) قد تراكمت في مناطق التجميع. ورأى الصحفيون من هذه المجلة صفوفًا طويلة منها، يحمل معظمها شعار “برنامج الأغذية العالمي”. أي أن المساعدات تصل إلى غزة -ولكن لا أحد يقوم بتوزيعها.
وتلقي إسرائيل باللوم على “حماس” في التأخير. وتقول إن الجماعة هاجمت مرارًا الرصيف البحري و”معبر كرم أبو سالم”، وإنها أوقفت بشكل دوري تسليم المساعدات من هناك. ويقول السيد هاغاري: “مشكلة التوزيع شيء تصعب إدارته. على المجتمع الدولي أن يبذل المزيد من الجهد”.
ويقول عمال الإغاثة الشيء نفسه عن إسرائيل. في 25 حزيران (يونيو)، حذرت الأمم المتحدة من أنها ستعلق عملياتها في غزة ما لم يقم الجيش الإسرائيلي بالمزيد من التنسيق معها. وينطوي إرسال قافلة لالتقاط الإمدادات على العديد من التأخيرات، غالبًا في المناطق التي تشهد اتصالات متقطعة وقتالاً قريبًا. ويقول ماثيو هولينغورث من “برنامج الأغذية العالمي”: “سوف نطلب الضوء الأخضر لتحريك تلك الشاحنة الفارغة إلى نقطة طريق، ثم بعد ذلك ننتظر الضوء الأخضر لانتقالها إلى نقطة طريق أخرى. وهكذا تكون في أيامك المكونة من 12 ساعة مجرد ساعة واحدة من العمل”.
ويشكك الكثير من الفلسطينيين في الرصيف. في 8 حزيران (يونيو)، حررت القوات الإسرائيلية أربع رهائن كانت تحتجزهم “حماس” على بعد بضعة كيلومترات. وأظهر شريط فيديو صوَّره جندي إسرائيلي نقلهم إلى طائرة عمودية بالقرب من الرصيف ثم إجلاءهم من غزة. وقد غذت هذه اللقطات نظريات المؤامرة القائلة بأن أميركا بنت الرصيف لأغراض عسكرية وليس لتوفير المساعدات.
وفي “معبر كرم أبو سالم”، حيث تتراكم المساعدات منذ أسابيع، يشبه هولينغورث امتداد الطريق الرئيسي من المعبر بشيء من فيلم “ماكس المجنون”: “أيُّ شاحنة تذهب ستفقد مراياها الجناحية، وسيحاول الناس تحطيم الزجاج الأمامي، وسيحاول الناس الدخول”. وتُنسب أعمال العنف هذه إلى العصابات الإجرامية التي تستخدم شاحنات المساعدات لتهريب السجائر (التي تصل تكلفتها الآن إلى 25 دولارًا لكل علبة) إلى الجيب الفلسطيني. ولا يجعل الجيش الإسرائيلي ولا حماس الطريق آمنًا.
تصر الأمم المتحدة على أن الهدنة الدائمة هي وحدها التي ستحل الأزمة الإنسانية في القطاع. لكنّ هذا لا يبدو وشيكا. في 23 حزيران (يونيو)، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في مقابلة مع شبكة إسرائيلية يمينية، إنه مستعد لعقد “اتفاق جزئي” لإطلاق سراح بعض الرهائن في غزة. ثم أضاف: “لكننا ملزمون بمواصلة الحرب بعد توقف قصير”.
وقد أثارت تعليقاته غضبًا في إسرائيل، لأنه بدا وكأنه يتخلى عن العديد من الرهائن. كما أنها أزعجت المسؤولين في واشنطن لأن بايدن أيد في أيار (مايو) اقتراحًا يمكن أن ينهي الحرب إلى الأبد. وبعد يوم واحد من تصريحه، بدا أن نتنياهو بتراجع، وقال إنه ما يزال “ملتزما” بالصفقة التي اقترحها السيد بايدن.
كان التراجع هو النمط السائد في سلوك رئيس الوزراء الذي تردد منذ فترة طويلة بشأن ما إذا كان سيعقد صفقة لمبادلة الرهائن، كما يريد معظم الإسرائيليين، أو أنه سيواصل الحرب، كما يطالب أنصاره اليمينيون. ومن جانبها، تريد “حماس” ضمانات أكثر وضوحًا بأن الاتفاق سينهي الحرب بشكل دائم. ومثل خطته للرصيف، تصطدم جهود السيد بايدن في منطقة الدبلوماسية بواقع صعب.
*نشر هذا التقرير تحت عنوان: Is the American-built pier in Gaza useful or a fiasco?
المصدر: الغد الأردنية/ (الإيكونوميست)
الرصيف البحري الأميركي في غزة، نجح بخداع الجهلة وأخفق بمساعدة شعبنا الجائع بغزة، فهل كانت غاية إنشائه إنقاذ شعبنا بغزة من المجاعة؟ أم بروباغندا أمام الرأي العام والناخب الأمريكي، والحقيقة خدمة لوجستية للكيان الصهي.وني بحربه المتوحشة القذرة بحق شعبنا، وجاء دوره بعملية 08-06 برفح لتحرير المحتجزين الأربعة،