نزار قباني والمرأة/2

حسن علي الخليل

بنت حواء وما أدراك من هي بنت حواء إنها منجم السحر والجذب والقوة المغناطيسية التي لم ينج أحد من قوة جذبها.

نصفنا الثاني ومنبع الأمن والأمان والحضن الدفيء الذي لا غنى لنا عنه.

ألم يلجأ الرسول صلى الله عليه وسلم الى حضن سيدتنا خديجة عندما نزل عليه الوحي …؟

ألم يقل الله سبحانه وتعالى: ((ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمه)) …؟ صدق الله العظيم

ألم يهم بها المشاهير ويتغنى بها المغنون ويتغزل الشعراء …؟

فكيف لمثل شاب مثقف وحلو ومدلل وشآمي ألا يهيم بها ويتغنى ويتغزل بها أيضا

وهو الوسيم الذي يشار اليه بالبنان أنه شاعر المرأه والمتهم بتغزله وتشببه بها بل وأثيرت حوله زوابع ووجهت إليه اتهامات وصلت الى حد مناقشة أمره في مجلس النواب السوري مما أثار وولد في نفسه قوة التحدي والمواجهة

ومثلما اختار لنفسه لغة وأسلوبا في الكتابه اتخذ لنفسه أيضا أسلوبا في الغزل فهو يكتب عنها وإليها

ولنتأمل قصيدته {امرأة حمقاء}

هذا خطاب امرأة حمقاء

ياسيدي أخاف أن أقول مالدي من أشياء

أخاف لو فعلت.. أن تحترق السماء

فشرقكم يا سيدي العزيز… يصادر الرسائل الزرقاء

يصادر الأحلام من خزائن النساء

يصنع تاج الشرف الرفيع من جماجم النساء

فشرقكم يا سيدي العزيز يحاصر المرأة بالحراب

يبايع الرجال أنبياء ويطمر النساء في التراب

ففي هذه القصيدة تعبير حي وصادق ودقيق لحال المرأة ليست الدمشقية فحسب وانما الشرقية بعامة ولا أرى أن فيه مبالغة أو تجنيا … إنه عارف بالحال وعبر عنه كما هو

أما في قصيدته {الرسم بالكلمات} فيقدم نفسه على أنه زير نساء

لم يبق نهد أسود أو أبيض إلا زرعت بأرضه راياتي

لم تبق زاوية بجسم جميلة إلا ومرت فوقها عرباتي

فصلت من جلد النساء عباءة وبنيت أهراما من الحلماتِ

وبهذه وبمثلها أقاموا عليه الدنيا وأقعدوها ومن هم هؤلاء…؟

انهم ظالموها ومن أرادوها أداة طيعة مطيعة مكانها المطبخ … وهم من هاجموه في المجلس النيابي وهم من عناهم في قصيدته {خبز وحشيش وقمر} ومن قال عنهم: وحين الليل يطويهم يضمون التصاويرا

في الرسم بالكلمات خروج عن أسلوب الغزل المعروف وهي تهويمات شاعر يصور نفسه عنترة في الحب ولو توقفنا عند {نهد أسود أو أبيض} {وزاوية بجسم جميلة} {وتفصيل عباءة } لما وجدنا أنها تناسب الغزل وما المعيب فيها وما الذي جناه منها سوى أنه تلاعب في المفردات لتشكيل القصيدة

ويشتكي منها وإليها أيضا وهذا ما يوضحه قوله:

علمني حبك أن أحزن وأنا محتاج منذ عصورِ

لامرأة أبكي بين ذراعيها مثل العصفورِ

لامرأة تجمع أجزائي مثل البللور المكسورِ

ونزار عاصر تيارات ثلاثة تناولت موضوع المرأة … تيار ضدها… وتيار يناصرها …وثالث وسطي

لكن نزار وقف مع التيار الأول وتجاوزه

قال فيها وعنها الكثير واصفا مفاتنها وأدق تفاصيلها وجها وقدا ونهدا ومع ذلك لم يقل ما قاله امرؤ القيس:

إذا ما بكى من خلفها انصرفت له

بشقٍ…………………………..

ومثلك كم حبلى طرقت ومرضع

وألهيتها عن ذي تمائم محول

ولا ما قاله عمر بن أبي ربيعه:

هيفاء لفاء مصقول عوارضها

تكاد من ثقل الأرداف تنبتر

ولا ما قاله ابراهيم طوقان:

لم ألق بين ليالي التي سلفت

كليلة بتها في دير قديس

ضممت حسناء لم يُخلق لها مثل

بين الحسان ولا حور الفراديس

ما عهد بلقيس في ابان دولتها

ولا سليمان مزفوفا لبلقيس

يوما بأعذب منا في الفراش وقد

دام العناق إلى قرع النواقيس

وحتى في أحد إصحاحات الانجيل وصف ادق من وصف نزار وعلى ما اعتقد الإصحاح 19                                              فلماذا نقرأ لهؤلاء ونمر به مرور الكرام …؟ ولماذا نلوم نزار ونتهمه بأنه زير نساء (ونسونجي)…؟ وهو الذي اهتم بأمرها وجعلها قضية كبرى

فنزار وُلد في مجتمع يظلم المرأه وتقاليده صارمة بحقها وحواجز امنية أمامها تحجب بينها وبين المجتمع وأوضحها حينما أحد يقرع الباب يفتحه الرجل وإذا كان القارع سيدخل يصيح الرجل بكل قوته (خذوا طريق)

والأهم أن نزار شهد انتحار أخته لأن الأهل منعوها من الزواج ممن تحب

وانتقد هذا المجتمع الذي يراها وليمة فوق السرير والذي يُغيب نصفه بل ويستعبده ويكتم أنفاسه

لذلك صور لنا حالة عشناها وهي جريمة مشاهدة البنت ورؤية الآخرين لها فيكون اللجوء لأساليب أخرى تمكن من التواصل معها …ومنها النظر من خلف شقوق الأبواب … والسلام بلمس الشعر

الى غير ذلك … فيقول:

لماذا في مدينتنا نعيش الحب تهريبا وتزويرا

ونسرق من شقوق الباب موعدنا

ونستعطي الرسائل والمشاويرا

إلى هنا لا نلوم نزارا لكننا لو نظرنا وأمعنا في نظرنا بشعره وقيمنا حقيقة نزار وموقفه الحقيقي لوجدنا أنفسنا مخطئين بحق الرجل وجاهلين وظالمين له لقد رآها مسلوبة الحقوق فتطوع لإنصافها بالدفاع عنها

فهي عنده قضية وليست وسيلة للمتعة ولا تمثال عاج نتلذذ ونستمتع به …بل يريدها وعيا وحضورا … فكرا وثقافة … حوارا ونقاشا … تدرك أمورها وحقوقها ومكانتها … وتشارك بقضايا عصرها… خارج المطبخ وليس بداخله … وحينما يكتب عنها فإنه يكتب عن قضية كبرى ولذلك لابد له من التطرق لها فتنة ووجها وطولا وقدا وفخذا ونهدا … وهي عنده رمز حيث خاطب دمشق على أنها امرأة:

انت النساء جميعا ما من امرأة

أحببت بعدك إلا خلتها كذبا

ورمز للحضارة أيضا …ألم يقل: والأنثى حضارة

وهو الوحيد الذي جعلها قضية العصر وقيمة القيم فيه لكنها مظلومة ومسلوبة الحرية وفي مجموعته الشعرية: يوميات امرأة لا مبالية

تصوير دقيق وحي لا أرى فيه مبالغة أو تجنيا أو ما يخدش الوجه ويدعو للخجل بل هو ما نتحدث فيه ونتداوله كل يوم ولنتأمل ما قال وعلى لسانها:

سأكتب لايهم لمن …؟ سأكتب هذه الأسطر

لكل سجينة تحيا معي في سجني الأكبر

حروف سوف أغرسها بلحم حياتنا خنجر

أليس هذا ماتشعر به وتحسه كل مولودة أتت إلى هذه الدنيا وكبرت وتتطلع لشريك تعيش معه ما فطرت عليه وهو حقها الطبيعي …. ويسهب في القول:

أنا أنثى …. أنا أنثى

نهار أتيت للدنيا وجدت قرار إعدامي

ولم أر باب محكمتي ولم أرَ وجه حكامي

وتقول:

لماذا يستبد أبي ويرهقني بسلطتهِ

أبي لم ينتبه يوما إلى جسدي وثورتهِ

وثورة الجسد هذه هي اكتماله وبلوغه سن النضج وحقها الطبيعي في أن تحب وتتزوج وتتفهم ما لها وما عليها لا أن تذهب إلى بيت الزوجية صماء بكماء

أليس هذا ما شاهدناه بأعيننا وعشناه واقعا مرا نحن جيل الخمسينات والستينات وهذه المظالم تعدت المرأة ومورست على الأبناء ألم يزوج الأب ابنه من الفتاة التي يختارها الأب وليس الابن   وأحيانا حينما لا يوافق الابن يجبره الأب على الزواج من الفتاة التي يختارها الأب له  ….وحتى احيانا وحينما تتضارب المصالح يجبر الولد أو البنت على الطلاق والكارثة زواج البِدلة { امرأة بامرأة }  وحينما تطلق إحداهما تجبر الثانية على الطلاق

والمتعارف عليه أن بنت العم لابن عمها شاءت أم أبت وهكذا

لهذاوضع نزار المرأة نصب عينيه وحملها على أكتافه متطوعا للدفاع عنها و خلال عشرين عاما كرسها كقضية من أكبر وأهم قضايا عصره متحديا وغير مبال متحملا أعباء قناعاته وما يؤمن به فدعاها للثورة وللتمرد على العادات والتقاليد السائدة بقوله :

ثوري أحبك أن تثوري

ثوري على شرق السبايا والتكايا والبخور

ثوري على التاريخ وانتصري على الوهم الكبير

لا ترهبي أحدا فإن الشمس مقبرة النسور

ثوري على شرق يراك وليمة فوق السرير

وذلك لنيل حريتها التي يراها مقدمة لحرية الوطن

هنا لابد من السؤال: هل أتى نزار بهذا من الخيال …؟

أم أنه مكرس في واقع مرير …؟

وهل جاء بمفردات {السبايا والتكايا والبخور }من عالم الغيب ….؟

أم انها متداولة وتمارس في المجتمع …؟

وهل المرأة بنظر الكثيرين غير وليمة فوق السرير …؟

نحن هنا نتكلم عن زمن نزار وعصره

فنزار أعطاها قيمة وحضورا لم يعطه لها أحد غيره وأنصفها خير انصاف ومجموعاته: قالت لي السمراء …وسامبا …. وطفولة نهد … وغيرها كلها تحكي عنها

وعيناه كامرتان من الطراز الحديث تصوران بدقه و360 درجه ولنقف امام هذه الصوره التي التقتطها هذه الكميرات لحسناء شاهدها وليست من عالم الخيال:

أنقطة نور بين نهديك ترجف

صليبك هذا زينة أم تصوف

فأي صورة هذه …؟ وأي مصور بارع ومتقنن ومتمرس في مهنته

إنه صادق وصريح وواضح ومؤمن ومقتنع بما يقول ويكتب متحديا ويعالج قضايا كبرى اجتماعية وثقافية وسياسيه ومن أوابها الكبيره همه الإصلاح دون مكاسب وتكسب ودفع ثمن قناعاته التي عبر عنها بصدق

فشعر نزار واحة فسيحة غناء مليئة بكل ما خلق الله من المنبوتات والمرأة ورودها وأزاهيرها ترضي النفوس وتخلب الألباب ومن يدخلها يحتار أين يتجه …؟ وإلى أين ينظر …؟ كل ما فيها مشوق وساحر وجذاب

وكل بيت من شعره ينبي عن قضية بفصولها ومفاصلها وتحمل النقد البناء ولننظر في بعض ما قال :

وحدويون والبلاد شظايا

كل جزء من جسمها أشلاء

قرشيون لو رأتهم قريش

لاستجارت من رملها البيداء

ماركسيون والجماهير تشقى

فلما لا يشبع الفقراء

إنه يشير وينبه إلى تقصير الجميع فماذا فعل الماركسيون والوحدويون والقرشيون وماذا قدموا …وبالتالي من حق أي إنسان أن ينتقد شريطة أن يكون النقد صادقا ومنصفا وبناء

                  1

نزار الغائب الحاضر

إذا كان أحمد شوقي قد لٌقب بأمير الشعراء فإن نزار قباني شاعر الشعراء بدون منازع لأنه الشاعر الوحيد الذي تفرد بشخصية وبإسلوبِ وبشعر وبمواقف لم يتصف بها أحد غيره لا سابقاَ ولا الآن ولا مستقبلا

فقد عاش حياته على سجيتها وعلى طبيعتها لم يتكلف ولم يتصنع بل يقول كلمته كما ترد على لسانه وبأسلوبِ شعري سهل وواضح وبسيط يفهمه المتلقي مثيرا للذائقة فهماَ … وحفظاَ ومهما يكن مستوى ذلك المتلقي مثقفا او أميا … أديبا أو عالما

وفي مواقفه النابعة من قلبه وعقله تجاه الأرض والوطن وتجاه الإنسان فيهما والتي هي ليست لأغراضِ شخصية أو منافع ذاتية

فهو حينما يكتب القصيدة يكتبها انطلاقا من قناعاته ومن أحاسيسه ومن مشاعره فنكسة حزيران أيقظته وهزته وغيرته وحولته من شاعر يكتب شعر الحب والحنين لشاعر يكتب بالسكين حسب قوله:

يا وطني الحزين

حولتني بلحظة من شاعرِ يكتب شعر الحب والحنين

 لشاعر يكتب بالسكين

في هذه القصيده هجا عبد الناصر رغم هالة عبد الناصر وعظمته ودون أن يسميه وحينما اتخذت السلطات المصريه اجراءات بحقه  بمنع دخوله مصر  ومنع بيع دواوينه في مكتباتها  ووقف اذاعة الأغاني التي هي من شعره  أرسل القصيدة إلى عبد الناصر  الذي قرأها وأمر بإلغاء تلك الإجراءات   بقوله :

(مهو الزلمة موجوع زيه زينا رجعوا كل حاجه زي ما كانت)

وحينما مات عبد الناصر رثاه باكثر من قصيده وقال :

زمانك بستانُ وعصرك أخضر                وذكراك عصفور من القلب ينقرُ

ملأنا لك الأقداح يا من بحبه                 سكرنا كما الصوفي بالله يسكرُ

تأخرت عن وعد الهوى يا حبيبنا            وما كنت عن وعد الهوى تتأخرُ

فأي كلام هذا وأية بلاغة وأي سحر وصدق فيه

هكذا يقف الرجال مع الرجال ويكتسب بعضهم بعضا فهل اتخذ شاعر مثل هذا الموقف وفعل ما فعله نزار

وحينما قلت نزار شاعر الشعراء كنت انطلق من هذه الفردانية وغيرها ولو لم يكن هناك امير للشعراء لسميته أميرهم

ولو نظرنا لغيره وليكن المتنبي بعظمة شاعريته وهو يتوسل لكافور الإخشيدي بقوله :

ابا المسك هل في الكأس فضل أناله             فإني أغني منذ حين وتشربُ

وإلى الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري الذي لم يترك حاكما أو أميرا إلا وتسوله ومدحه وهو  الشاعر الكبير والماركسي العريق مما حدا برفيقه غالي شكري الذي خاب أمله به أن يؤلف بحقه كتيبا عنوانه : من الأرشيف السري للثقافة المصرية

ونزار حينما يهجو أو يمدح فإنه يفعل ذلك لهدفِ شاملِ وعام وليس لغاية في نفس يعقوب

فهو هجا السادات لأنه تفرد بالصلح مع اسرائيل

هل وصلتك الأخبار يا متنبي

أن كافور فكك الأهراما

سقطت مصر في يد قروي

لم يجد ما يبيع إلا التراما

وهجا الملك حسين لأنه قتل الفدائيين في ايلول الأسود بقوله :

وقاتل في ذرا الأردن محترف

ماحرك القتل من أعصابه عصبا

ومدح الفدائي لغاية واحده هي أنه يذود عن الأرض والعرض فقال:

الفدائيُ وحده يكتب الشعر

وكل الذي كتبنا هراءُ

إنه الكاتبُ الحقيقيُ للعصر

ونحن الحُجّابُ والأُجراءُ

وحينما يهجو لا يستخدم مفردات {العهر والشتيمة } ولا يسمي من يهجو وذلك كما فعل في هجائه لعبد الناصر وإنما قدم المسببات أو كما يسمى بالمنطق المقدمات ولم يكن شامتا أو شاتما أو حاقدا  وإنما كان ناصحا بل طبيبا مداويا كما في قوله :

لو أحد يمنحني الأمان

لو كنت أستطيع أن أقابل السلطان

قلت له يا سيدي السلطان

كلابك المفترسات مزقت ردائي

ومخبروك دائما ورائي

عيونهم ورائي …أنوفهم ورائي…أقدامهم ورائي

كالقدر المحكوم كالقضاء

يا سيدي السلطان

لقد خسرت الحرب مرتين

لأن شعبنا ليس له لسان

لو أحد يمنحني الأمان

قلت له لقد خسرت الحرب مرتين

لأنك انفصلت عن قضية الإنسان

فهل هذا ناقد …؟ أم طبيب ماهر جراح …؟ يشخص العلل ويعالجها …يشخص الداء ويقدم له الدواء

وطبيعي أنه موجوع أصابته النكسة وأكلت من حشاشة قلبه فشكا له من ضخامة وثقل وحجم هذا الوجع بقوله:

يا حضرة السلطان {ولم يقل ياسيدي}

لأنني اقتربت من أسوارك الصماءِ

لأنني حاولت أن أكشف عن حزني وعن بلائي

ضُربت بالحذاءِ

لهذا فهمه عبد الناصر وقدره كرجل له قضية مؤمن بها وتأذى بأذاها

إنه شاعر تعجز النساء أن تلد مثله وتعجز العربية أن تجود بمثله وظاهرة لن يكررها العصر

وحسبه هذا الموقف مع عبد الناصر وأنه الوحيد في الكون كله الذي ييسر أمر زواجه رئيس دولة كما حصل معه إذ أن الرئيس العراقي أحمد حسن البكر من فعل ذلك

ويكفيه فخرا ومجدا واعتزازا أن عمالقة الفن انشغلوا بالتلحين له وكبار المطربين غنوا له وأشعاره تتردد في كل مكان وعلى كل لسان

فنزار لم يكن مداحاَ ولا قداحا إلا بسببِ واحد هو أنه صاحب قضية لايساوم عليها هي قضية الوطن ومحورها فلسطين ويرفض أن يكون الشعر بغير هدف أو غايه ولا يريده أن يكون وسيلة أو بوقا يخدم الظلم والطغيان حينما يقول:

نرفض الشعر أن يكون حصاناَ

يمتطيه الطغاةُ والأقوياءُ

كل شعرِ معاصرِ ليس فيه

غضب العصرٍ نملةُ عرجاءُ

والشعر عنده رسالة سهلة الغاية وواضحة الهدف يوصل بها للناس ما يريد عندما قال:

نرفض الشعر عتمة ورموزا

كيف تسطيعُ أن ترى الظلماءُ

وحينما يغضب ويشتكي فإنه يلجأٌ إلى ذلك الوطن ليلقي بهمه اليه فلم يجد إلا دمشق يشكو لها معاناته فيقول:

دمشقٌ يا كنز أحلامي ومروحتي

 أشكو العروبة أم أشكو لك العربا

أدمت سياطُ حزيران ظهورهمُ

فأدمنوها وباسوا كف من ضربا

وإلى العظماء كحاجته إلى سيف خالد بن الوليد

يابن الوليد ألا سيفا تؤجره

 فكل أسيافنا قد أصبحت خشبا

ويتذكر صلاح الدين وطارق بن زياد ويستنكر كل ما يراه غير مجد كتعللنا بالتاريخ والاعتزاز بمآثر الأجداد مالاَ من ذلك وماجاَ له حينما يقول:

يازمان المعلقات مللنا

 ومن الجسم قد يمل الرداءُ

أما المثقف الانتهازي فيقول عنه :

وإذا أصبح المفكرٌ بوقا

يستوي الفكر عندها والحذاءُ

ومسؤولية نكسة حزيران يُحمِّلُها للجميع ولا يستثني أحدا

ما لنا مالنا نلوم حزيران

 وفي الإثم كلنا شركاءُ

من هم الأبرياءٌ … ؟ نحن جميعا

حاملوا عاره ولا استثناءُ

وهذا العار هو هم ثقيل وكبير لا يجلب له إلا الألم والحزن الذي يحمله بداخله

إن في داخلي عصورا من الحزن

فهل لي إلى العراق التجاءُ

أما ملوك الخليج وأمراؤه فلا وجود لهم ولا يراهم وإنما تدلل عليهم العباءات التي يرتدونها والتي لولاها لما عرفهم

لولا العباءات التي التفوا بها

ماكنت أحسب انهم أعرابُ

يتقاتلون على بقايا تمرة

فخناجر مرفوعة وحرابُ

وحينما يهجو وينتقد يحس بمرارة ووجع ما قال ويعترف بذنبه قائلا :

أنا إن أكن قد كويتُ لحمَ بلادي

فمن الكيِّ قد يجيء الشفاءُ

شعره مفهوم وسهل الحفظ ما أن تقرأه حتى تحفظه كسلسبيل ماء ولا تمله بل تبحر فيه ولا تستطيع تركه والابتعاد عنه

ونزار طَوّع اللغة وجعلها سلسة لينة بين يديه وبمفردات محدودة انجز تراثا ثرا وقيما لا يقاس بالذهب المصفى وتستطيع القول أن له لغته الخاصة به

إنه طود شامخ في عالم الشعر وبين الشعراء ما أن تسمع شطر البيت حتى تردده قبل سماع شطره الثاني ومساحة شعره واسعة كبحر لا حدود له مياهه صافية وأموجه تحركها نسائم تشرح الصدور وتبهج النفوس

وهو الشاعر الوحيد الذي كرس شعره للقضايا الكبرى.. قضية الحرية وصلبها حرية المرأة والإنسان.. والقضية الفلسطينية ومحورها القدس.. وقضية الشعر الذي يرى أنه يجب أن يحمل هموم الإنسان وليس أداة بيد الطغاة والظالمين.. وقضية الحب والوحدة العربية و  و  و  وكل بيت من شعره يكاد يكون قضية وينطلق من التاريخ ويتأسى عليه

إن كان من ذبحوا التاريخ هم نسبي

مدى العصور فإني أرفض النسبا

وإن من يدخل جنائنه لا يحتار وإنما يضيع ولا يريد الخروج منها لكنه لن يخرج منها خالي اليدين  وإنما ممتلئهما

ونزار رغم غيابه حاضر بشعره يعيش معنا نذكره ونتذكره ونستشهد بشعره الذي نميزه بخصائصه التي ذكرنا بعضها عن شعر غيره ومن منا لم يحفظ لنزار ومن لم يعجب بشعره ألم يتداول الناس أشعاره ويتبادلونها سراَ وعلانيةَ

إنه موجود في قلوبنا وعقولنا وبيوتنا وحاضر بيننا رغم رحيله

وهو مدرسة أدبية اسمها المدرسة النزارية.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. في القسم الثاني من نزار قباني والمرأة، يظهر لنا دور المرأة في شعر عملاق الششعر العربي “نزار قباني” من خلال قصيدته {امرأة حمقاء} وقصيدته {الرسم بالكلمات}، ولم ينسى السياسة فنراه يهجو السادات، والملك حسين، ومدح الفدائي ، إنه العملاق .

زر الذهاب إلى الأعلى