هدنة غزّة: بايدن يسعى للتّعادل مع ترامب بتطويع نتنياهو؟

وليد شقير

كانت المرّة الأولى التي يصف مسؤولون أميركيون ردّ “حماس” على اقتراح وقف الحرب وصفقة التبادل، بأنه “إيجابي”. الوصف نقله موقع “أكسيوس” الإخباري الأميركي عن هؤلاء المسؤولين أوّل من أمس. فواشنطن اتّهمت في الأشهر السابقة الحركة بعرقلة الاتّفاقات، على الرغم من أنّ بنيامين نتنياهو مَن أفشلها بإصراره على “الانتصار”. بعض الموفدين الغربيين ينقلون عنه بأنّه سيعلن “الانتصار” على حماس، لكن سيواصل الحرب!

مع زئبقيّة التوقّعات، حول توسّع الحرب بين إسرائيل والحزب وعدمه، وذروة التصعيد الأخيرة، تتقاطع وقائع حول فرصة لوقفها. توحي الوقائع بأنّ جو بايدن يسعى إلى التعادل مع دونالد ترامب بعد تعثّره في المناظرة، وذلك بـ”التغلّب” على حليف الأخير، نتنياهو، وتطويعه. لذلك يقرن إصراره على المضيّ في ترشّحه، بإنجاز اتّفاق حول غزة قبل خطاب رئيس حكومة إسرائيل في الكونغرس في 24 تموز؟

مخاطر اندفاع إسرائيل نحو حرب ضدّ الحزب ولبنان باتت هاجساً لعدد كبير من دول العالم والإقليم، لا سيما واشنطن المضطربة بسبب ضعف رئيسها جو بايدن بعد مناظرته الأخيرة أمام المرشّح الرئاسي دونالد ترامب.

ما شهدته جبهة شمال إسرائيل وجنوب لبنان يومَي الأربعاء والخميس الماضيين تكرار للنموذج الكارثيّ لما يمكن أن تكون عليه هذه الحرب المحتملة. موانعها تتساوى نظراً لأضرارها الكبرى مع عوامل وأهداف اندلاعها. الشائع هو التحذير منها، لكن لا بدّ من التقاط إشارات تستبعدها. قد يبدو أقرب إلى التمنّيات نظراً إلى سوابق نتنياهو في إفشال مشاريع اتّفاقات الهدنة.

في هذا السياق يُسجَّل الآتي:

المستوى العسكريّ مُصرٌّ على وقف الحرب

  • القناة 14 الإسرائيلية قالت الأسبوع الماضي: “لن تندلع حرب بين إسرائيل والحزب في المستقبل القريب. ومن المحتمل ألّا تكون على الإطلاق. هناك فجوة بين التصريحات العلنية للمستوى السياسي (التلويح بالحرب) وبين المناقشات في الغرف المغلقة”.
  • صحيفة “نيويورك تايمز” نقلت عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إنّ “الجيش يدعم بالكامل صفقة التبادل ووقف إطلاق النار”. ونسبت الصحيفة إلى هؤلاء المسؤولين الإسرائيليين أنّ الجيش “يخشى من حرب “أبدية” تتآكل فيها طاقاته وذخائره تدريجياً”.
  • بلغ الأمر لدى المسؤولين الإسرائيليين حدّ القول، وفق الصحيفة، إنّ “إبقاء حماس في السلطة حالياً لاستعادة المحتجزين يبدو كأنّه الخيار الأقلّ سوءاً لإسرائيل”. وذكرت الصحيفة أنّ “مسؤولي الجيش يعتقدون بإمكان العودة والاشتباك مع حماس لاحقاً”.
  • جنرالات إسرائيل يعتقدون أنّ “قوّاتهم تحتاج إلى وقت للتعافي في حال حرب برّية ضدّ الحزب، كما يظنّون أنّه يمكن للهدنة مع حماس أيضاً أن تسهّل التوصّل إلى اتفاق مع الحزب”.
  • حديث نتنياهو وقيادة الجيش عن أنّ القيادة السياسية صادقت على “الانتقال تدريجياً إلى المرحلة الثالثة من الحرب خلال الشهر الحالي”. والمرحلة الثالثة تعني وفق الجيش الانسحاب من مناطق واسعة في القطاع لمصلحة التركيز، حسب رئيس الأركان هرتسي هليفي، “على عمليات أضيق نطاقاً الهدف منها منع حركة حماس من إعادة ترتيب صفوفها، وذلك عبر شنّ عمليات اقتحام ومداهمة”.
  • مبرّر نتنياهو لرفض الهدنة ضعيف. إذ تشمل المرحلة الثالثة بقاء الجيش في شريط فيلادلفيا ومعبر نتساريم في رفح.

الإشارات المقابلة: إيران وقنوات “الأيدي المكبّلة”

تندرج هذه الإشارات في سياق ما يجري داخل “الغرف المغلقة” التي تحدّثت عنها القناة 14، وفي إطار السجال الداخلي الدائر منذ أشهر بين المستوى العسكري وبين نتنياهو وحلفائه المتطرّفين حول الافتقار إلى خطّة اليوم التالي.

لكنّ هناك إشارات من الجهة الأخرى إلى حرب محتملة. ففي موازاة أسراب الطائرات المسيّرة وصواريخ الحزب على إسرائيل انتقاماً لاغتيالها القائد في المقاومة أبي نعمة ناصر يمكن تسجيل الآتي:

  • قال قائد سلاح الجوّ – فضائي التابع لـ”الحرس الثوري” الإيراني أمير علي حاجي زاده: “أيدينا مكبّلة ولسنا في وضع يسمح باتّخاذ إجراء ضدّ إسرائيل”. وهناك حديث في بيروت عن لقاءات أميركية إيرانية مباشرة، في أربيل وفي بغداد، في إطار السعي الأميركي إلى “خفض التصعيد”. وهي من القنوات الخلفيّة التي نشطت في الأسابيع الثلاثة الماضية، إضافة إلى قناة سلطنة عُمان بين طهران وواشنطن.
  • نائب الأمين العامّ للحزب الشيخ نعيم قاسم قال: “إذا كان هناك وقف لإطلاق النار في غزة، فسنتوقّف من دون أيّ نقاش”. جاء كلامه بعد أسبوع على لقائه نائب مدير المخابرات الألمانية أولي ديال الذي تحرّكت بلاده على خطّ خفض التصعيد ونقل الرسائل بين الحزب وتل أبيب. إلا أنّ قاسم احتاط لإمكان فشل مساعي هدنة غزة، فقال: “إذا كان ما سيحدث في غزة مزيجاً بين وقف إطلاق النار وعدم وقف إطلاق النار، فلا يمكننا الإجابة كيف سيكون ردّ فعلنا الآن”. هكذا يبدو واضحاً أنّ الحزب يريد ضمانات بألّا يواصل الجيش الإسرائيلي اصطياد قادته، المؤلم، في ظلّ وقف النار وتنفيذ صفقة التبادل في غزة.

ضغوط مصر وقطر والسّعوديّة

  • نصل إلى الضغوط المصرية والقطرية على “حماس” – الخارج. وهي تصاعدت خلال أسابيع جمود التفاوض على وقف الحرب. فأبدت “حماس” مرونة وقدّمت تنازلات. يشمل ذلك جدولة الانسحابات الإسرائيلية. إذ ثبت أنّ الضغط العسكري في القطاع لن يغيّر في موقف “حماس” – الداخل، أي يحيى السنوار. لكنّ القاهرة هدّدت مراراً في الأسابيع الماضية بالانسحاب من مفاوضات وقف النار بفعل التسريبات الإسرائيلية ضدّ موقفها منها.
  • أمّا المملكة العربية السعودية فقد صعّدت ضغوطها لوقف النار، في العلاقة مع واشنطن. وأطلقت لهذه الغاية رسائل علنية. قال وزير خارجيّتها الأمير فيصل بن فرحان آل سعود أوّل من أمس: “لا يمكن السماح باستمرار انتهاك القانون الدولي في غزة”. وكرّر دعم نشر قوّة أممية في القطاع مهمّتها دعم السلطة الفلسطينية (قرار القمّة العربية في المنامة). وأضاف: “نشاهد كلّ يوم في غزة والضفة الغربية عناصر تعمل على تهديد حلّ الدولتين”. ونبّه إلى “خطر توسّع الحرب في لبنان… ولا نرى أيّ أفق سياسي”. وهذا يكمل موقف الرياض الرافض لأيّ بحث في مشروع بايدن للسلام مع إسرائيل.
  • يبقى أنّ الحجّة الإسرائيلية حول الحاجة إلى إعادة 100 ألف نازح إلى المناطق الشمالية التي غادروها، قد باتت ضعيفة. فحتى لو كان هدف العملية العسكرية عودة هؤلاء، يحتاج الأمر إلى أشهر وربّما إلى سنوات لإعادة إعمار ما تهدّم في شمال إسرائيل بسبب قصف الحزب. على الأقلّ فإنّ كبريات المستوطنات كريات شمونة والمطلّة أصاب أبنيتها دمار شبه كامل، أسوة بالشريط اللبناني المقابل.

الدّولة الأميركيّة العميقة

العوامل الإسرائيلية الداخلية، وتهيّب إيران، والضغوط العربية، رافقتها اندفاعة أميركية لترجيح وقف الحرب في غزة، ومنع توسّعها من الجبهة الشمالية. تراهن أوساط فلسطينية على جدّية الضغوط الأميركية على نتنياهو أكثر من السابق، ليس فقط لحاجة بايدن إلى إنجاز لأغراض انتخابية، فالأخير يحرص على توظيف إنجاز وقف الحرب في سياق تصويب وضعه الانتخابي، سواء بمواجهة ترامب أو داخل حزبه.

في اعتقاد هذه الأوساط التي تحدّث إليها “أساس” أنّ الدولة الأميركية العميقة مارست في الغرف المغلقة نفوذها على الجانب الإسرائيلي. وهي لم تعد تحتمل آثار استهداف المدنيين على صورة أميركا، ولا تمرّد نتنياهو ضدّ “الإستبليشمنت” الذي دعم الدولة العبرية لدرجة غير مسبوقة. واستطراداً لن تسمح بجرّ أميركا إلى تعقيدات توسيع الحرب مع الحزب، وبالتالي مع إيران وأذرعها.

لم يكن التلويح بحجز شحنات قنابل ثقيلة الوزن، ثمّ الإفراج عن جزء منها لردع الجانب الإسرائيلي، سوى إحدى الوسائل. فالجنرالات الأميركيون الموجودون في غرف العمليات الإسرائيلية لعبوا دوراً في تمايز موقف الجيش عن موقف نتنياهو والمتطرّفين داخل حكومته في إسرائيل. وتترقّب هذه الأوساط صحّة المعطيات عن أنّه لا يُعقل أن يدخل نتنياهو البيت الأبيض في 24 تموز للقاء بايدن من دون تقديم تنازل ما. إلا أنّ هذه الأوساط تبقى حذرة من أن يقدّم نتنياهو تنازلات قبل هذا التاريخ ثمّ يعود عنها بعده.

المصدر: أساس ميديا

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. الإدارة الأمريكية بقيادة الديمقراطيين “بايدن” بعد المناظرة مع ترامب يعمل جاهداً لتحقيق تقدم بسباق الرئاسة، وليس أمامه إلا تحقيق تقدم بالملف الفلسطيني وحرب غزة، فهل سيستطيع بايدن والإدارة الأمريكية تطويع نتني.اهو للقبول بصفقة التبادل مع المقاومة ويثنيه عن تطلعات اليمين المت.طرف؟

زر الذهاب إلى الأعلى