أحداث الشمال والمأساة السورية

معقل زهور عدي

أعادت أحداث الشمال إلى الواجهة المأساة السورية في افتقاد النخب في الميدان إبان أي تحرك شعبي. يتراكم الغضب والاحباط ثم ينفجر في فعل عفوي يسهل اختراقه وإعادة توجيهه كما حدث في الثورة السورية تماما.

قدمت أحداث الشمال كشفا بحساب ثلاثة عشر عاما لم نتقدم خلالها خطوة واحدة في طريق بناء نخب سياسية فاعلة على الأرض، لا نقابات ولا أحزاب ولا جمعيات …لا أحد سوى شبان تقودهم مشاعر الإحساس بالتمرد على حالة الذل والتشرد المفروضة عليهم من جهات متعددة تقاسمت فوقهم السلطة والمال وتركتهم في مواجهة مصير قاتم.

لا أحد سوى بيانات مبعثرة هنا وهناك، مزاودات من جهة ومناقصات من جهة ثانية لكن في الحالتين لا تضيف شيئا لواقع تخلت عنه النخب السورية في خضم خلافاتها وانقساماتها الأبدية.

لم تفعل شيئا أطنان الورق الذي كتب حول الثورة السورية ولا كل الحبر الذي أريق، مازلنا في نقطة الصفر.

بقدر ما يشعر المرء بالتعاطف مع هذا الشباب الذي لم يعد يطيق احتمال وضع لا يحتمل بأي مقياس، يشعر أيضا بالخيبة من افتقاد الوعي السياسي والرشاد في ذلك التحرك الواسع.

لا يمكن للحركة العفوية إنتاج سياق سياسي يمكن من خلاله مراكمة إنجازات مهما كانت صغيرة للوصول بعدها لتغيير نوعي في الحراك الشعبي، مثل تلك الحركة سرعان ما تتبخر نتائجها وآثارها لنعود لنقطة البدء .

بدون قوى مدنية منظمة متناسقة فاعلة في الميدان ليس هناك من أمل في حراك شعبي يمكن الاستناد إليه في تغيير الواقع السياسي ليس في الشمال فقط ولكن في كل مكان من البلاد .

ما تقوله أحداث الشمال أننا كما يبدو مازلنا بعيدين عن بذل الجهد في المكان الصحيح، وأن جهودنا تبذل في المكان الخطأ حيث لا يمكن أن تغير في الحالة السورية لتبقى مفاتيح الحل والربط بيد القوى الخارجية أو قوى الأمر الواقع التي أصبحت جزءا من المشكلة ولم تعد جزءا من الحل .

نتوجه للخارج لكن ماذا يستطيع الخارج أن يقدم لنا ونحن على هذه الحالة من التشرذم والانقسام والعجز حين لا يكون لنا في الشارع قوى منظمة قادرة على استقطاب الفعل الشعبي وترشيد طاقته بدلا من أن تتبدد أويتم حرفها عن مسارها الوطني .

متى نتوقف عن التنظيرات المترفة والجدل الذي لاينتهي ونلتفت إلى العمل الوطني المجدي الذي لا يمكن أن يقوم سوى على وحدة الهدف ووحدة الصف وترك الخلافات الجانبية والنزول لميادين الكفاح الحقيقية إلى جانب الشعب وليس بعيدا عنه .

ثلاثة عشر عاما مرت ومازال الشارع في واد والنخب السورية في واد آخر، ومن يشك في ذلك فلينظر إلى صورة أحداث الشمال الأخيرة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى