قراءة في رسالة ماجستير: إعادة بناء الهوية الوطنية السورية في مرحلة ما بعد النزاع

أحمد العربي

مازن نقاشة باحث سوري، أنجز رسالة الماجستير التي تتناول الوضع السوري بعنوان:

إعادة بناء الهوية الوطنية السورية في مرحلة ما بعد النزاع: تحليل دور الثقافة مع التعليم، والمصالحة، والتجارب الدولية. وذلك في شعبة العلاقات الدولية، المدرسة العليا للصحافة والتواصل، باريس. تحت اشراف د. خطار أبو دياب…

لقد اعتمد الباحث مازن نقاشة في إنجاز بحثه على طرح مقدمات نظرية مفتاحية للدخول في موضوع بحثه، كما حول العناصر الأساسية لبحثه إلى مجموعة أسئلة تتناول موضوع بحثه وكانت حول:

١ . دور الثقافة والتعليم في إعادة بناء الهوية الوطنية السورية ما بعد النزاع.

٢ . تحديد مبادرات ثقافية وتعليمية في إعادة بناء الهوية الوطنية السورية بعد النزاع.

٣ . التحديات التي تواجه البرامج الثقافية والتعليمية في إعادة بناء الهوية الوطنية السورية بعد النزاع.

٤ . دور المصالحة الوطنية في بناء الهوية الوطنية والتماسك الاجتماعي.

٥ . هل هناك نماذج دولية للمصالحة الوطنية يمكن الاستفادة منها.

٦ . كيفية الاستفادة من هذه النماذج. حيث توجد نماذج جنوب أفريقيا، ورواندا، وسنغافورة.

كما وجه الباحث هذه الاسئلة الى عينة مدروسة من رجالات الفكر والسياسة السوريين والعرب. وأخذ بعين الاعتبار التنوع المجتمعي السوري. بحيث طالت الأسئلة ٢٣ من هؤلاء. وجاءت الأجوبة بعضها مكتوب والبعض الآخر على شكل تسجيلات صوتية أعاد الباحث فرزها وتصنيفها وحولها الى نتائج بحثية. ووضع في نهاية البحث النصوص المكتوبة التي جاءته من بعض الشخصيات .

لقد انطلقت رسالة الماجستير للباحث أن الحرب السورية “النزاع” أدى الى ضرب البنية الوطنية السورية الواحدة. وجعلت بعض الأطراف تدخل في حالة نزاع عنيف أدى إلى ما ادى في سورية. والرسالة تتحدث عن ما يمكن تسميته “اليوم التالي في سورية” ، قافزا فوق الواقع القائم في سورية، والذي يظهر وكأن لا توافق بين الأطراف المتحكمة في الحال السياسي السوري حول أي يوم تالي أو أفق مستقبلي.؟!!. وهذا ما نناقشه بعد ذلك.

لقد اتفقت كل الاجوبة تقريبا على أهمية المطلوب من خلال التساؤلات لاعادة بناء الهوية الوطنية السورية الجامعة. يعني أهمية التعليم والثقافة والمصالحة الوطنية والاستفادة من تجارب الدول التي أنجزت مصالحتها الوطنية وصنعت دولا نموذجية. مثل جنوب أفريقيا ورواندا وسنغافورة. بحيث كان تركيز البعض على عوامل مفتاحية مثل العامل السياسي واشتراط إسقاط الاستبداد وبناء الدولة الديمقراطية مقدمة لإمكانية إعادة بناء الهوية الوطنية. وان قوى الأمر الواقع المسيطرة في سورية تجعل الحل شبه مستحيل في هذه الظروف. كما ذكر د. برهان غليون في اجابته. كما ركّز د .عبد الحكيم بشار على الهوية الاثنية داخل المجتمع السوري مثل الأكراد والتركمان والاشوريين والارمن.الخ ، سواء في إعطاء الحق للتعليم بلغاتهم الذاتية ومزيد من إفساح المجال لخصوصيتهم…

انتهت الدراسة إلى مجموعة توصيات:

١ . تأسيس لجنة حقيقة ومصالحة وطنية.

٢ . تطوير برامج تعليمية شاملة.

٣ . تعزيز العدالة الانتقالية.

٤ . تعزيز التنمية الاقتصادية.

٥ . بناء نظام حكم رشيد.

٦ . تعزيز الشراكات الاجتماعية.

٧ . احترام التنوع الثقافي واللغوي.

٨ . تعزيز التعايش السلمي.

٩ . تطوير البنية التحتية التعليمية والثقافية.

١٠ . تبني مفهوم الكتلة التاريخية. الذي طرحه غرامشي .

في التعقيب على رسالة الماجستير اقول:

اعترف بالجهد الكبير الذي قام به الباحث مازن نقاشة، بإشراف د خطار أبو دياب. وحتى من خلال تواصله من عينة نموذجية من المفكرين والسياسيين السوريين والعرب. ومع شمولية تناوله لموضوعه من جوانبه المختلفة واطلالته عليه بكل موضوعية. لكن لفت نظري أن الشخصيات التي تم استجوابها لم تشمل اي باحث أو مفكر سوري من التيار الإسلامي السوري. وهذا يعتبر نقصا في تناول موضوع يشمل السوريين جميعهم. والإسلاميين منهم.

ثم اني متفق مع كل ما طرحه الباحث سواء تساؤلاته أو إجابة المبحوثين…

 لكن المشكلة فعلا ان الموضوع المطروح قفز مباشرة إلى سؤال ما العمل بالنسبة للقضية السورية. رغم أننا مازلنا نعيش في واقع المشكلة السورية وتداعياتها. مطلوب منّا أن نجيب عن سؤال ما المشكلة اولا ؟. في غياب الهوية الوطنية السورية الجامعة وتحول الواقع السوري الى صراع مسلح استئصالي تبعه احتلالات لسورية وتقسيم واقعي لها لأشباه دول.؟. ثم البحث في ما الحل المطلوب للانتقال إلى بناء الهوية الوطنية الجامعة وتجاوز واقع الصراع وتحقيق المصالحة الوطنية وبناء سورية الديمقراطية لكل السوريين.؟. ثم يأتي سؤال ما العمل ؟. الذي اشتغل عليه الباحث بكل جدية وعمق ومسؤولية…

لذلك ابدأ تعليقي على رسالة الماجستير للباحث مازن نقاشة بضرورة أن يسبقها الجواب عن السؤال ما المشكلة في سورية التي تستوجب المصالحة الوطنية؟. وبناء الدولة الديمقراطية والمواطنة المتساوية؟. وما الحل لذلك ؟.وبعد ذلك تأتي رسالة الباحث…

المشكلة السورية بالأساس سياسية. بمعنى أن الفاعل الأساسي في خلق الصراع المجتمعي وتبعيات ما حصل في سورية كان من النظام السياسي الحاكم ولن نعود الى ما قبل ١٩٦٣م حيث سيطر حزب البعث على السلطة في سورية وبعدها سيطر حافظ الأسد منذ ١٩٧٠م وبعده ابنه الى الان على السياسة السورية بالمطلق. لن نعود لما قبل لأنه لم يبقى لاي من معطيات ما قبل هذه المرحلة سياسيا ومجتمعيا أي حضور في سورية…

نعم في سورية تنوع ديني مسيحي وإسلامي متعدد المذاهب من الطرفين. وفيها تنوع طائفي اسلامي و تنوع مذهبي سني وفيها تنوع اثني عربي، كردي، ارمني تركماني، اشوري سرياني… وهناك تنوع بين أبناء الريف والمدينة والعشائر… الخ…

كل ذلك لم يكن ومنذ قرون مجال صراع اجتماعي ذاتيا إلا بحدود ضيقة ويكاد يحصل الصراع بين أبناء المكون نفسه بنفس النسبة بين مكونين أو أكثر. وان ما حصل من صراع في السابق كان بسبب السلطة السياسية. منذ قرون ايضا…

وبالانتقال إلى سورية المعاصرة من بداية القرن الماضي للآن كان التعايش بين المكونات السورية هو الأصل. بل حصلت تحالفات بين هذه المكونات في مواجهة القوى الخارجية مثل مواجهة المحتل الفرنسي لسورية.

الذي حصل منذ استلام حزب البعث السلطة في سورية تحت ادعاء شعارات قومية عربية واشتراكية. وبعد تفرد الاسد الاب بالحكم أصبحت سورية دولة استبدادية بامتياز واجهتها المدعاة حكم بعثي قومي عربي والحاكم الفعلي بنية عسكرية أمنية من الطائفة العلوية. توسعت بالسيطرة على مفاصل الدولة حتى وصلت للهيمنة المطلقة على قيادات الجيش والأمن وكل المراكز الحساسة في سورية في المباشر وغير المباشر…

لم يستطع الشعب السوري وقواه المعارضة بتنوعها الإسلامي و القومي الناصري والشيوعي أن يواجه النظام المستبد الذي توحش في تعاطيه مع المعارضة. حيث استأصلها قتلا وتشريدا واعتقالا عبر عقود. لذلك ارتد المجتمع السوري الى بناه المجتمعية التقليدية ليحتمي بها في مواجهة تغول سلطة النظام القمعية. ولكي يستمر النظام في بسط هيمنته خلق بنية انتهازية مصلحية من كل المكونات تتبع إملاءات النظام وتأكل من فتاته. وبقيت هذه الفئات معزولة اجتماعيا. مع عيش أغلب الشعب السوري التقية للمحافظة على الوجود وممارسة حق الحياة بحده الأدنى…

حصلت ثورة الشعب السوري في ربيع ٢٠١١م. وواجهها النظام بكل التوحش العسكري والأمني. وأبرز الوجه الطائفي العلوي لسلطته. بقصد دفع الطائفة العلوية لدعم النظام على أنها معركة وجود. وأفرج عن المعتقلين الإسلاميين ودفعهم عبر عنفه ليأخذوا طريق العنف المسلح في مواجهته. وبدعم من قوى إقليمية ودولية واوصلت سورية لحالة صراع “أهلي”. والحقيقة أنه صراع سياسي ألبس هذا الثوب ليجد النظام مخرجا له انه يحارب الارهاب الاسلامي الدولي القاعدة وداعش…

ليس فقط هذا بل استدعى النظام حليفه الطائفي الشيعي الإيراني وحزب الله والميليشيات الأفغانية وغيرها، حتى يخوضوا “جهاد مقدس” ضد الشعب السوري. ودخل الروس على خط الصراع لدعم النظام وليكون لهم حضور استراتيجي في سورية. وأعاد النظام دعم حزب العمال الكردستاني الـ ب ك ك ليسيطر على شمال شرق سورية وشرق الفرات. في مواجهة الجيش الحر الذي توسع في سورية. ودعمت  أمريكا حزب العمال الكردستاني في حجة مواجهة داعش التي أطلقها النظام. وحقيقة الأمر حتى تسيطر على النفط والغاز السوري و تنهبه و رعاية كيان انفصالي كردي.

انتهى المشهد السوري بعد ثلاث عشر سنة من بداية الثورة: بعض سورية تحت سيطرة النظام وحلفائه إيران وحزب الله وروسيا. وبعضه تحت سيطرة حزب العمال الكردستاني الـ ب ك ك وبعض سورية تحت سيطرة جبهة النصرة باصولها القاعدية وبعض سوريا المجاور لتركيا تحت سيطرة الجيش الحر… وبعض سورية من المكون الدرزي في السويداء وجوارها يقوم بثورته بمطالبها السورية إسقاط الاستبداد والمطالبة ببناء دولة الحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية والمواطنة المتساوية…

هذه سورية الآن ولا صراع طائفي بين المكونات فعلا. بل صراع على ارضية سياسية والبعض او الكل له ارتباطاته الدولية والإقليمية…

واقع الحال السوري هذا نتج عنه مليون شهيد ومثلهم مصاب ومعلق ومعتقل ومفقود. و١٣ مليون سوري مشرد ولاجئ داخل سورية وخارجها والبنية التحتية لسوريا مدمرة وأسباب الحياة بحدها الأدنى معدومة…

نعم المصالحة الوطنية مطلوبة لكن بعد إسقاط الاستبداد ببنيته الامنية العسكرية المهيمنة، الذي أوصل سورية الى هذا المآل وتحرير سورية من المحتلين جميعا. وإعادة نصف الشعب السوري المهجر. وتحقيق العدالة الانتقالية فعلا. وإعادة إعمار سورية وتعويض الأضرار عن السوريين جميعا. وبناء الدولة الوطنية الديمقراطية في سورية. محققة الحرية والعدالة الاجتماعية والحياة الأفضل لكل السوريين…

عند ذلك وليس قبله نبدأ بتنفيذ المقترحات القيمة التي طرحتها رسالة الماجستير للباحث مازن نقاشه…

أما والأمر الواقع على ما هو عليه. تبدو المقترحات والتوصيات زراعة في البحر. ولا جدوى من طرحها…

 وقد يتطرف البعض ويقول هي محاولة لتغطية حقيقة الواقع وإعادة الاعتبار للنظام وتجاوز اجرامه.

ثقتنا برسالة الماجستير، بمتنها، ومطلبها وجوهرها، انها تطلب الخير لسورية ولشعبها وهذا ما نرجوه جميعا…

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. قراءة جميلة لرسالة الماجستير المعدة من قبل الطالب /الباحث مازن نقاشة عن “إعادة بناء الهوية الوطنية السورية في مرحلة ما بعد النزاع” وتعقيب وتقييم موضوعي، إنه هناك ثورة الشعب السوري ضد نظام طاغية ديكتاتوري مستبد، واليوم التالي لن يكون إلا بإنهاء هذا النظام بهكليته ورموزه، وأسباب والثورة لم تكن هوياتي ولكن سياسي، وإن مشكلة الهوية ظهرت بعد الثورة لأسباب شخصية وليست موضوعية .

زر الذهاب إلى الأعلى