الأسد وبوتين في رقصة السولو مع مراعاة التباعد الاجتماعي

تسفي برئيل 

في الأسبوع الماضي فرضت روسيا الفيتو على مشروع القرار الذي قدم لمجلس الأمن، الذي بحسبه ستواصل كل المعابر الحدودية بين سوريا وتركيا العمل مثلما كان في الماضي؛ من أجل قوافل المساعدة المخصصة للمحافظات في تركيا والمناطق التي تقع تحت سيطرة مليشيات المتمردين. عارضت روسيا والصين اقتراح تسوية يسمح لمعبرين للحدود مواصلة العمل، وتطالبان بعمل معبر واحد تحت سيطرة النظام السوري، بحيث يخدم قوافل المساعدات. وتفسير ذلك أن كل إرساليات المساعدة إلى سوريا عبر الحدود التركية ستصل إلى دمشق، ومنها ستوزع على المحتاجين حسب ما يراه النظام السوري وفق توجيهات القوات السورية. ويبدو أن هذه أداة ضغط جديدة تستخدمها موسكو لقطع علاقة الأكراد في سوريا مع الولايات المتحدة. ومن أجل الضغط أيضاً على محافظة إدلب التي يتركز فيها نحو 50 ألف من مقاتلي المليشيات.

مثلما في فترات الحرب السابقة في سوريا، ستجد قوات الولايات المتحدة الآن صعوبة في شمال شرق سوريا –الذي تتركز فيه قوات المتمردين الأكراد– من أجل مواجهة الحصار الاقتصادي الذي تمارسه روسيا على المنطقة، إلا إذا قررت واشنطن المواجهة بصورة مباشرة مع القوات السورية.

للأكراد الذين يحظون -كما يبدو- بحماية أمريكية، من الواضح تماماً من يسيطر على المنطقة. في الأسبوع الماضي التقى قائد القوات الكردية مظلوم عابدي، قائد قوات روسيا في سوريا ألكسندر شايكوف، كي يطلب منه وقف هجمات الطائرات بدون طيار التركية على المحافظات الكردية والمساعدة في نقل المساعدات المدنية. بعد ثلاثة أيام التقى عابدي كينيت مكانزي، قائد المنطقة الوسطى الأمريكية من أجل “تنسيق استمرار الحرب ضد قوات داعش”، حسب أقوال عابدي.

رغم تصريحات الرئيس دونالد ترامب قبل سنة تقريباً، ما زالت الحرب ضد “داعش” مستمرة. صحيح أن “داعش” لم يعد يسيطر على مناطق في سوريا والعراق، ولكن وحداته تواصل تنفيذ عمليات، وبهذا فهي تمنح واشنطن الشرعية لإبقاء قواتها في شمال سوريا والعراق وتأخير انسحابها. ومن يحاربون “داعش” فعلياً هم الأكراد الذين يجابهون مقاتلي “داعش” والمليشيات المؤيدة لإيران العاملة في منطقة دير الزور المحاذية للعراق، ومع وحدات الجيش السوري.

تطمح روسيا إلى فك العلاقة الوطيدة بين واشنطن والقوات الكردية لإخضاع الأكراد لخطتها السياسية، الساعية إلى إعادة فرض سيطرة الأسد على كل سوريا. من أجل ذلك، بدأت روسيا في نيسان سلسلة لقاءات مع رؤساء القبائل العربية في شمال سوريا، وعرضت عليهم إنشاء قوة عسكرية منفصلة خاصة بهم، بحيث تكون خاضعة لقيادة روسيا، ولكنهم في هذه الأثناء رفضوا الاقتراح. فهم يشكون بنية روسي إنشاء قوة عسكرية قبلية سيتم إرسالها إلى ليبيا في نهاية فترة التدريب والإعداد للمساعدة في الحرب ضد الحكومة المعترف بها هناك.

في الوقت نفسه، تستثمر قوات روسيا جهوداً إعلامية لإقناع القيادة الكردية بالانفصال عن الولايات المتحدة. وحسب أقوال الروس، قد تقرر الولايات المتحدة في أي لحظة انسحاب قواتها من المنطقة بصورة كاملة، وهكذا سيبقى الأكراد بدون حماية. ومقابل الانفصال، تقول موسكو، سيحظى الأكراد بدعم سياسي وتعهد بأن يكونوا جزءاً لا ينفصل عن العملية السياسية، وسيكونون شركاء في حكومة سوريا التي ستتشكل عند انتهاء الحرب. حتى الآن كان هناك عدة لقاءات بوساطة روسيا بين ممثلين أكراد وممثلي حكومة سوريا، ولكن بدون إحراز نتائج حتى الآن.

هكذا يتضح أن الأكراد لا يسارعون إلى تبني اقتراحات موسكو، وعندما حاولت القوات الروسية بناء قاعدة عسكرية محاذية لمدينة مالكية في شمال شرق سوريا، قرب الحدود مع تركيا، ووجهوا بمعارضة شديدة من السكان الأكراد، فاضطروا إلى التنازل عن خطتهم. قبل نحو سنة، أعلن عابدي بأنه لا يمكن للأكراد الاعتماد على الروس، لكنهم لن يعارضوا “المسار السياسي؛ لأنه المسار الوحيد لإنهاء الحرب”. بيد أن هذا المسار مسار مغلق، ولا يتعلق فتحه بالأكراد وحدهم.

بشار الأسد نفسه غير متسرع للذهاب إلى أي مكان. وإن تبني دستور جديد وإجراء انتخابات وتشكيل حكومة جديدة، يعني تقليص صلاحياته واستبدالها بخضوع مطلق لروسيا. صحيح أن الأسد الآن مضطر إلى تنفيذ التوجيهات الروسية وإعطاء روسيا امتيازات اقتصادية سخية مقابل النفط والمساعدات العسكرية التي يحصل عليها، ويصك أسنانه عندما تهاجم إسرائيل أهدافاً إيرانية في أراضيه والعيش بسلام مع سيطرة تركيا على مناطق في سوريا، ولكن كل ذلك يضمن له البقاء في الحكم والحفاظ على تركة والده. وحسب رأيه، لم تستكمل روسيا مهمتها بعد، ولم ينجح فرضها على الأتراك سحب مليشيات المتمردين من محافظة إدلب، ولم تقم بإخضاع الأكراد، ومن هنا لم تنضج الحاجة إلى حل سياسي.

أما سوريا فموقفها يظهر بأن إذا أرادت روسيا تطبيق دستور جديد وفرض تنازلات سياسية على الأسد فعليها أن تتأكد من إلقاء المعارضة المقاتلة لسلاحها، وسحب تركيا لقواتها، وكذلك الولايات المتحدة. يبدو أن ليس للأسد أوراق مساومة أمام روسيا، لكن له سيطرة مدنية على معظم أجزاء سوريا، والجيش الذي ما زال في معظمه مخلصاً له – وروسيا لا يوجد لها حتى الآن زعيم بديل يستطيع أن يقوم بالعمل من أجلها.

المصدر: هآرتس /القدس العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى