“قسد” تستعد وأنقرة أيضا!

سمير صالحة

اعتمد ما سمي بالمجلس العام في الإدارة الذاتية لشرقي الفرات في أواخر العام المنصرم تعديلات طالت بنية هذه الإدارة وإعلان ما سمي بالعقد الاجتماعي الجديد في تلك المنطقة، خطوة على طريق التأسيس للكونفدرالية استعدادا لأي تسوية محتملة في سوريا.

الترجمة الجديدة لهذه الخطوة هي الإعلان عن 11 من حزيران المقبل موعدا لإجراء انتخابات محلية في شرقي الفرات ليتحول ذلك إلى إضافة جديدة للملفات الأمنية والسياسية الحساسة التي تنتظر الحسم من قبل الجانب التركي .

حذرت واشنطن أمام التصعيد التركي حليفها السوري من الإقدام على هذه الخطوة المرفوضة محليا وإقليميا وبعدما أعلنت أنقرة عن استعدادها الميداني للرد لإفشال مخطط بناء “إرهابستان” جديدة على حدودها الجنوبية فكيف ستسير الأمور في الساعات المقبلة؟

تسعى “قوات سوريا الديمقراطية” منذ إعلان تشكيلها عام 2013 للحصول على غطاء قانوني لسلطة الأمر الواقع التي تفرضها بالقوة الأميركية على شرقي الفرات. يمنح تمسك واشنطن بحليفها المحلي “قسد” في شرقي الفرات فرص الاستقواء الميداني والسياسي ليس في مواجهة اللاعبين المحليين الآخرين فقط، بل يشجعها على الوقوف في وجه اللاعبين الإقليميين أيضا. آلاف أطنان السلاح، إلى جانب الدعم السياسي الأميركي وغطاء لوجستي يقدمه التحالف الدولي في الحرب على داعش يعزز مواقع ونفوذ “قسد” منذ سنوات في شرقي الفرات باتجاه بناء الكيان الكردي المستقل على الحدود السورية المشتركة مع تركيا والعراق.

تبحث هذه المجموعات منذ العام 2014 عن فرص إضفاء الشرعية على حراكها السياسي والاجتماعي في محاولة بناء معادلة سياسية وأمنية واجتماعية واقتصادية سورية ثالثة على خط النظام والمعارضة. هي مستبعدة من قبل الطرفين لكنها تعول على ضعف النظام وتنسيقه العسكري والإداري معها والذي تريده أن يتحول إلى قبول سياسي يتجاهل ما تقوم به وما تعد له في شرقي سوريا .

أعلنت واشنطن تحفظها على العملية االانتخابية التي تعد لها قسد “شروط الانتخابات الحرة والنزيهة في شمال شرقي سوريا غير متوفرة “. وكأن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 لا يعنيها كثيرا، من مصلحة واشنطن ترك الأمور تذهب نحو التأزم والتصعيد في سوريا لإرباك أنقرة وطهران وموسكو هناك. لكننا لا نعرف معنى عدم توافر الشروط والظروف والمقصود بذلك؟ هل المقصود التريث بانتظار حدوثه بعدما تعد قسد بشكل جيد للخطوة؟ أم منح أنقرة الضوء الأخضر لحسم مسألة طرح المسألة من جذورها عبر عملية عسكرية واسعة أو استهداف مواقع عسكرية وأمنية لقسد قبل توجه سكان المنطقة إلى الصناديق؟

يرى دولت بهشلي زعيم حزب الحركة القومية أن هذه الانتخابات محاولة لتقسيم سوريا تحت ستار الديمقراطية “أُعلن أن الولايات المتحدة هي مخرجة هذه الانتخابات المزعومة في 11 من حزيران”.

تجاهل واشنطن لحراك قسد، يتركها أمام تحمل مسؤولية فتح الطريق أمام “قسد” لإيصال الأمور إلى ما هي عليه اليوم، وتمسك “وحدات الحماية الكردية” بالسير وراء تحقيق هذا الإنجاز قبل حدوث سيناريوهات مفاجئة بينها المزيد من التفهم الأميركي لما تقوله وتريده تركيا التي أفشلت مخطط إيصال “قسد” إلى الحدود السورية البحرية في شرقي المتوسط لتتحرك باسم واشنطن وتل أبيب هناك، أو حدوث انتخابات رئاسية أميركية تزيح إدارة بايدن وتعيد ترامب وسياسته السورية إلى الواجهة، أو تسجيل أنقرة وطهران اختراقا سياسيا في ملف غزة على حساب تل أبيب سيكون له حتما إرتداداته في سوريا، أو مفاجأة عراقية تقود إلى انسحاب أميركي عسكري من العراق ينعكس على المشهد السياسي والعسكري في سوريا.

لم نسمع قيادات العدالة والتنمية وهي تعقب على دعوات دولت بهشلي حليفها في تحالف الجمهور “وهو يدعو للتنسيق بين أنقرة ودمشق لمواجهة مشروع “قسد” الانتخابي في شرقي الفرات. لكن تصريحات وزير الدفاع التركي يشار غولر حول “مواصلة العمليات في سوريا والعراق ضد المجموعات الإرهابية، ووجود 20 لواء تركي ينشطون على الأرض بهذا الخصوص، تكاد تقول إن تصريحات بهشلي هدفها تذكير النظام في دمشق بمسؤوليته في تجاهل ما يجري في شرقي سوريا أولا وتبرير أي تحرك عسكري تركي لإفشال مشروع “قسد” ثانيا. وإلا فما معنى أن يواصل الوزير غولر القول “لن ننسحب من سوريا إلا بعد تأمين إعداد دستور سوري عصري جديد وإجراء انتخابات عادلة وتوفير بيئة شاملة للتطبيع والأمن مع الجار الجنوبي؟”.

يردد القيادي في صفوف “قسد” صالح مسلم أن تركيا تريد تخريب الانتخابات المحلية المرتقبة في شرقي الفرات. تركيا تريد أكثر من ذلك بكثير كما قال بهشلي “تسيطر مجموعات وحدات الحماية بالقوة وبالدعم الأميركي على مناطق سورية، وتريد إجراء الانتخابات فيها تحت ذريعة استكمال المسار الديمقراطي”. فعن أي مسار ديمقراطي يدور الحديث وسط الحالة السياسية والأمنية والاجتماعية التي تعيشها سوريا؟.

تصريحات رئيس الوزراء العراقي الأخيرة عن جهود تبذلها حكومته بعيدا عن الأعين للتوسط بين أنقرة ودمشق تتطابق مع مواقف المعارضة التركية حول ضرورة الحوار والانفتاح بين أنقرة والنظام في دمشق لمواجهة المشروع الأميركي، وهو ما قد تبني عليه قيادات العدالة والتنمية إذا ما قررت طرح سياسة سورية جديدة، وما قد يدفع واشنطن لتبديل مواقفها وسياساتها وتعطي تركيا ما تريده في مواجهة قسد اليوم.

أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل أيام على هامش مناورات “أفس – 2024” أن هدف ما يجري في شرقي الفرات “ليس محاربة داعش، بل تقسيم سوريا”. أردوغان يتحدث بعد أيام على صدور بيان مجلس الأمن القومي التركي الذي يقول إن أنقرة لن تكون في موقف المتفرج على ما تعد له واشنطن وتل أبيب في شرقي سوريا. فهل هذا ما دفع البيت الأبيض للمسارعة في التحذير من ارتدادات خطوة “قسد” في هذه الظروف؟

سيناريو تراجع قسد عن الانتخابات بعد أيام لا يحمل معه قناعة التخلي عن أهدافها المعلنة، بل إرجاء الموعد لمزيد من الترتيبات والتريث بانتظار أجواء وظروف مؤاتية أكثر. كدخول إسرائيلي مباشر على الخط، يحسن من وضع تل أبيب الاستراتيجي ويقربها أكثر من الحدود التركية في ملفات الطاقة والمياه والزراعة وهو أبعد بكثير من مسألة الرد على التصعيد التركي ضد نتنياهو في غزة.

 

المصدر: موقع تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. هل قرار تأجيل الإدارة الذاتية “مسد” الإنتخابات البلدية هو تغيير بتوجهاتها؟ أم تأجيل لإعداد الإمكانيات الأكبر بعد الموقف الأمريكي والإقليمي الرافض للخطوة؟، سلطة أمر الواقع قسد/مسد تحاول جاهدة إطفاء الشرعية لوجودها بشمال شرق سورية، سيكون مصيرها مصير كل سلطة أمر واقع لا وطنية، أي الإندثار.

زر الذهاب إلى الأعلى