جولة سوليفان مختلفة هذه المرّة

علي حمادة

زيارة مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان الحالية للرياض وتل أبيب مختلفة عن سابقاتها. ففي المحطة الأولى في الرياض يوم السبت الفائت حمل سوليفان إلى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان نسخة أميركية شبه نهائية للاتفاقية الاستراتيجة السعودية – الأميركية التي جرى التفاوض عليها شهوراً طويلة بين الجانبين. طبعاً النص شبه النهائي أميركي، ويتوقع أن تدخل عليه القيادة السعودية تعديلاتها من أجل إنهاء مرحلة الصياغة والمباشرة بمرحلة الإعداد لترتيبات الإعلان عن الاتفاق الذي يمكن أن يحصل في غضون شهر حزيران (يونيو) المقبل.

ولعلّ أهمية زيارة سوليفان لكل من الرياض وتل أبيب مردها إلى تداخل بعض بنود الاتفاقية مع حالة الحرب القائمة في قطاع غزة منذ أكثر من سبعة أشهر، وخصوصاً أن الحرب المذكورة وصلت حسب القراءة الدولية إلى نهاياتها مع مباشرة إسرائيل هجومها “المعدّل” على مدينة رفح، وذلك بعدما ضغطت إدارة الرئيس جو بايدن على حكومة بنيامين نتنياهو من أجل إلغاء الاجتياح بصيغته الأولى، والاستعاضة عنه بتوغلات برية متدرجة وبمستوى عنف أقل من الذي اتسمت به التوغلات في الشمال والوسط. فإدارة بايدن لم تعد تقبل أن تستمر الاجتياحات بمستوى العنف والكثافة السابقة. أكثر من ذلك، فإن الضغوط العربية وفي مقدمها الضغط السعودي “أثمرت” في مكان ما تصميماً أميركياً للإسراع في الانتقال في التفكير العملي إلى مرحلة ما بعد الحرب. فالمطلوب إنهاء الحرب بأسرع وقت، والانتقال إلى مرحلتي ما بعد الحرب وما بعد “حماس”، وإلا فلن يحصل تقدم جوهري في التفاوض مع السعودية ودول أخرى في المنطقة لإبرام اتفاقيات استراتيجية صلبة بينها وبين الولايات المتحدة.

لقد كان ولي العهد السعودي حاسماً عندما ربط كل شيء بمسار جدي ذي مصداقية لقيام الدولة الفلسطينية. فالقضية الفلسطينية هي بالنسبة إلى القيادة السعودية أساس لا يمكن تجاوزه في أي تحول استراتيجي في المنطقة، فما بالك بتحول تاريخي طويل الأمد كالذي يتم العمل عليه اليوم؟

إن موقف السعودية واضح لجهة إيقاف حرب غزة مهما كلف الأمر، وإطلاق مسار جدي لقيام دولة فلسطينية. هذه مسؤولية أميركية في وقت تجهد إدارة بايدن لتحقيق إنجاز تاريخي بالتوقيع على اتفاقية استراتيجية مع المملكة العربية السعودية. والاتفاقية التي نتحدث عنها تشمل دعم الولايات المتحدة للبرنامج النووي السعودي المدني، ويجب أن تتضمن قبولاً أميركياً ثم دولياً بقيام الجانب السعودي بتخصيب اليورانيوم مع تخزينه على أرض السعودية. أما الاتفاقية الأمنية التي يحكى عنها فلن تكون أقل مستوى من تلك المعقودة بين أميركا وكوريا الجنوبية، بحيث تصل بالتزاماتها من جهة واشنطن إلى درجة أقل بقليل من المادة الخامسة المنصوص عنها في معاهدة حلف شمال الأطلسي “الناتو”.

ومن المهم جداً أن نشير إلى جانب شديد الأهمية بالنسبة إلى الخطط السعودية المتصلة برؤية 2030 للأمير محمد بن سلمان، وبالتحديد التطوير التكنولوجي مع إصرار الرياض على انتزاع قرار أميركي بتخفيف القيود على استيراد المملكة رقائق شبه المواصلات من الجيل الأخير المستخدمة في تطوير أدوات الذكاء الاصطناعي.

وأما البند المتعلق بالعلاقة مع إسرائيل فهو متصل حكماً بخريطة الطريق نحو الدولة الفلسطينية، كونها تشكل مقدمة طبيعية لأي تطبيع.

وسؤالنا اليوم: هل يملك الرئيس الأميركي جو بايدن الإرادة والتصميم من أجل إبرام اتفاقية استراتيجية طويلة الأمد بضمانات تشريعية من الكونغرس الأميركي كي لا تصبح في مهب تبدل الإدارات؟ وهل يملك بايدن ما يكفي من السلطة المعنوية والميدانية من أجل إحداث تغيير جوهري في مقاربة

 المستوى السياسي الإسرائيلي لفكرة الدولة الفلسطينية؟

المصدر: النهار العربي

 

الأفكار والآراء الواردة في المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي ملتقى العروبيين

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. الإدارة الأمريكية بايدن/بلينكن يلعبون بالوقت المستقطع قبل انتخابات الرئاسة، ينادون بحل الدولتين ويستخدمون الفيتو ضد تمتع فلسطين بكامل العضوية، ينادون بوقف إطلاق النار بغزة مع إستسلام المقاومة الفلسطينية، إنه العهر السياسي بإمتياز، هل يمكنهم عقد إتفاق مع المملكة؟ وهل يضمنوا استمرار الإتفاق؟ كُلٌ يلعب.

زر الذهاب إلى الأعلى