تزايدت أعداد المهاجرين من أبناء مدينة السويداء وريفها خلال الأشهر القليلة الماضية إثر تدهور الوضع الاقتصادي في المحافظة وفي ظل مخاوف من أي حلول عسكرية وأمنية قد يبادر بها النظام السوري لقمع الحراك المناهض له بعد مضي نحو عشرة أشهر على انطلاقته.
وتتربع الدول الأوروبية على رأس قائمة الوجهات التي يفكر فيها معظم الراغبين بمغادرة السويداء هرباً نحو واقع حياتي أفضل، تليها دول أميركا الجنوبية وتحديداً الأرجنتين والبرازيل والبيرو والإكوادور وكوبا على اعتبار أنّ معظم الجالية السورية في تلك الدول هم من أبناء محافظة السويداء ومغتربين فيها منذ عدة عقود، في حين تفكّر نسبة ضئيلة من أبناء السويداء بالهجرة إلى مصر أو لبنان أو الإمارات.
وعزا الناشط الإعلامي سلطان الحلبي خلال حديثه لموقع تلفزيون سوريا تزايد أعداد المهاجرين منذ بداية العام 2024 الجاري إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية في المحافظة، مؤكداً أنّ ضعف القطاع الصناعي في المحافظة وافتقارها للمصانع أدى في سنوات سابقة لزيادة نسبة البطالة، وتبعه زيادات أخرى نتيجة تراجع القطاع الزراعي وقلّة فرص العمل في القطاع الخاص للأكاديميين وخريجي الجامعات بالتزامن من انخفاض أجور العاملين في القطاع العام لأقل من 16 دولارا أميركيا.
وأضاف الحلبي: “التفكير بالهجرة هاجس لأغلبية الشبان وحتى الشابات في السويداء وريفها، وكل يحدد وجهته حسب قدرته المالية”، لافتاً إلى وجود العديد من الأشخاص سافروا على نفقة أحد أفراد عائلتهم المغتربين مسبقاً على أنّ يسددوا تكلفة الرحلة عندما يحظى أحدهم بفرصة عمل.
500 مغادر شهرياً
ويعتبر إلياس التامر وهو اسم مستعار لناشط سياسي من مدينة السويداء أنّ تلويح النظام السوري وفروعه الأمنية بالحلول الأمنية وفرض السيطرة العسكرية على المحافظة لقمع الحراك فيها زاد من مخاوف الأهالي على مصير أبنائهم، ودفع بهم لإبعادهم خارج سوريا.
وبحسب التامر فإنّ المتوسط الشهري لأعداد المهاجرين لا يقل عن 500 شاب غالبيتهم من الذكور، مؤكداً عدم وجود إحصائيات دقيقة لأعداد المهاجرين خلال العام الجاري.
ويرى الباحث السياسي تركي المصطفى أنّ قضية هجرة أبناء السويداء هي جزء من مشكلة عامة تشهدها كافة المحافظات والمدن السورية ولو أنها بنسبة أعلى قياساً ببقية المناطق، لافتاً إلى أنّ الوضع الاقتصادي المتدهور للسوريين هو الدافع الرئيسي للهجرة.
ويستبعد المصطفى قيام النظام السوري بأي عملية عسكرية في محافظة السويداء، معتبراً أنّ التعزيزات العسكرية التي أرسلها النظام السوري مطلع مايو/أيار الجاري إلى محافظة السويداء لا تشكل تهديداً على مسار الحراك أو المشاركين به بقدر ما هي مهمة لبقاء الطرق الرئيسية بين المحافظات تحت سيطرته، إضافة لاستخدام “القوات النظامية” كغطاء لنشاط الحرس الثوري الإيراني والميليشيات المرتبطة به في المنطقة الجنوبية من سوريا.
وأشار الباحث إلى عدم إمكانية الحديث عن عواقب وتبعات هجرة الشبان لخارج سوريا كونها تشهد ظرفاً استثنائياً تعصف الحرب وآثارها بكافة مناطقه وليست بلداً مستقراً، مضيفاً أنّ شريحة واسعة من العائلات السورية تعيش على الحوالات المالية الواردة من المغتربين واللاجئين، الأمر الذي يمكن اعتباره إيجابياً من الناحية الاقتصادية في المرحلة الحالية.
لبنان.. محطة انطلاق أبناء السويداء
ويلجأ غالبية الشبان للانتقال إلى لبنان كمحطة يمكنهم الانطلاق منها نحو وجهتهم النهائية التي يصلها بعضهم بصورة قانونية وآخرون عبر طرق التهريب، وفقاً لما ذكر جميل أبو الفضل العامل في أحد المكاتب السياحية في مدينة السويداء والتي تلعب دور الوساطة لبعض الشبان فيما يتعلق بدخولهم إلى لبنان أو الحصول على فيزا السفر.
ووفقاً لأبي الفضل فإنّ دور المكاتب يقتصر على تسهيل عبور الراغبين بالسفر للأراضي اللبنانية ومساعدتهم في التقديم على طلب تأشيرة السفر لدى بعض السفارات مقابل مبلغ مالي يتراوح بين 300 و1000 دولار أميركي حسب وضع المسافر، يُضاف إليها رسوم الفيزا التي تصل إلى 300 دولار لبعض بلدان أميركا الجنوبية وإلى 3200 دولار للراغبين بالسفر إلى الإمارات عن طريق فيزا العمل ومدتها عامان فقط.
وأوضح أبو الفضل أنّ واحداً من بين 15 مسافراً يتوجهون إلى مصر رغم أنها الأقل كلفة إذ لا تتعدى مبلغ 2000 دولار أميركي سواء من مطار بيروت أو من مطار دمشق الدولي.
سماسرة الهجرة في السويداء
وكشف الناشط السياسي إلياس التامر عن وجود سماسرة في محافظة السويداء يعملون لصالح شبكات تهريب البشر في لبنان، لافتاً إلى أنّ أولئك السماسرة يدعون العمل كطرف ثالث أو ضامن أو ما يعرف محلياً باسم “مكتب تأمين”.
وبيّن التامر أنّ السماسرة ينظمون رحلات الهجرة غير الشرعية عبر مياه البحر المتوسط انطلاقاً من سواحل لبنان، ويتاقضون من الراغبين بالسفر إلى الدول الأوروبية نصف تكاليف الرحلة والتي تتراوح بين 6000 دولار أميركي في حال حال كانت الوجهة إلى قبرص، و8000 إلى 9000 دولار في حال كانت الوجهة إلى إيطاليا أو سواحل دولة أوروبية أخرى، على أن يُعاد كامل المبلغ في حال تعثر الرحلة أو عدم رغبة المهاجر بالمتابعة.
ويتحمّل الشبان تكاليف الإقامة في لبنان وبعض مصاريف الرحلة التي تستغرق ما بين 4 أيام إلى أسبوع واحد حسب حالة الطقس وظروف الملاحة البحرية، إلى جانب مصاريف أخرى لاستكمال رحلتهم إلى دول أوروبية كالنمسا وهولندا وألمانيا وبلجيكا، ما يُضيف نحو 2500 دولار أميركي إلى تكاليف الرحلة.
ويعمل غالبية السماسرة بصورة غير قانونية تحت غطاء مكاتب عقارية أو مكاتب بيع وشراء السيارات دون وجود أي عقود أو سندات تُثبت تسلمهم لمبالغ مالية تضمن عودتها لأصحابها.
وتنامت ظاهرة بيع العقارات والممتلكات منذ بداية العام الجاري ما أدى لزيادة ملحوظة في عروض العقارات في السويداء مقابل قلة الطلب وعزوف المستثمرين والتجار عن الشراء بالأسعار الرائجة لكل عقار، الأمر الذي انعكس سلباً على واقع أسعار العقارات في مدينة السويداء وبعض مناطق الريف، وفقاً لحديث أبو فارس مالك أحد المكاتب العقارية.
وحسب إفادة أبو فارس فإنّ “70 في المئة من عروض بيع الأراضي والمحال والمستودعات وحتى المنازل السكنية تكون بداعي سفر مالكها أو لتغطية نفقات هجرة أحد أفراد عائلته”.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا
غياب الضوء بنهاية النفق للوضع السوري، لغياب الإرادة الدولية والإقليمية والعربية لتطبيق القرارات الأممية بالتغيير السياسي وإنهاء نظام طاغية الشام، وتدهور الوضع الإقتصادي والمعيشي، يدفع المواطن للهجرة، وأبناء السويداء ضمن هذه الظروف وبعد الحشود الأمنية والعسكرية إزدادة الهجرة، يسعون لحل نتائج المشكلة ويتغاضون عن أسبابها.