لماذا أرسل النظام السوري تعزيزات عسكريّة إلى السويداء وما موقف روسيا؟

إبراهيم الحريري

استفزّ تصاعد نبرة السويداء السلمية والعسكرية بشكل ملحوظ النظام السوري، الذي يبحث عن طريقة لإنهاء حراك المحافظة، فرغم تمسك أبناء السويداء بخيارهم السلمي، إلا أنّه لا يمكن إنكار وجود فصائل محليّة تحمل السلاح خارج سيطرة النظام وتفرض قوّتها حين تريد ذلك.

شكّلت حادثة اعتقال عدد من ضباط النظام نقطة فارقة، حيث كان بينهم رئيس فرع الهجرة والجوازات في مدينة السويداء العميد الركن منار محمود ومرافقته، مع احتجاز ضابط وعناصر آخرين قرب بلدة المزرعة في الريف الغربي.

وقد جرى اعتقالهم ردّاً على اعتقال قوات النظام لأحد أبناء السويداء الطالب (داني عبيد) في مدينة اللاذقية، وهنا وصلت الرسالة كاملة إلى النظام بفقدانه كل أوراق القوّة والضغط على المحافظة المنتفضة في وجهه.

يستطيع النظام السوري تجاهل المظاهرات إلى حدٍّ ما ربما، لا سيما أنه أمام تحديات كبيرة في حال أراد قمعها بشكل مباشر وهو ما أخّر تحركه حتى الآن، لكنه يجد صعوبة كبيرة بفقدانه التام للسلطة في محافظةٍ قد تقلب الطاولة عليه في حال استمرت على هذا النهج من التنظيم السلمي، المتزامن مع تصاعد القوة العسكرية الأهلية بشكل بعيد عن العشوائية والتفرقة.

عقب هذه الحادثة وحوادث مشابهة أُخرى حصلت في السويداء، يبدو أنّ النظام قرّر دفع قوات نحو نقاط عسكرية قرب السويداء، لكن حتى الآن لا يتضح أن حجم القوات كاف لشن اقتحامات شاملة كتلك التي كان ينفذها في غيرها من المحافظات السوريّة.

مقارنة بخط التصعيد من قبل النظام تجاه المحافظات السورية، فإنّه من المتوقّع أن يبدأ بمحاولات لإعادة التوغل في السويداء من خلال شن عمليات دهم واعتقال، أو ربما سيلجأ إلى وضع حواجز تقطّع أوصال المحافظة التي تتكثف فيها الاجتماعات ويتم تبادل الرؤى.

وهناك هدف رئيسي سيعمل عليه النظام وهو التشويش على الحراك السلمي المتصاعد، لا سيما أن وفود المتظاهرين تتجمع من جميع أرجاء المحافظة وسط مدينة السويداء بكلّ “راحة وسلاسة:، ودون اعتراضها من أي قوّة أمنيّة أو عسكريّة.

“إرسال التعزيزات إلى السويداء قرار إيراني”

عند النظر إلى القضية على أنّها قرار إيراني، ستظهر قراءة أخرى وأوسع للمشهد، حيث دأبت إيران على فرض وجود عسكري لها في الجنوب السوري، لكنّ إسرائيل منعتها إلى حدّ ما من تعزيز وجودها قرب الجولان المحتل، ورضخت إلى تفاصيل اتفاق الجنوب، القاضي بإبعاد الميليشيات الإيرانية 40 كيلومتراً عن حدود الجولان.

أربعون كيلومتراً هي مسافة كافية لتفرض إيران وجودها على تخوم السويداء ضمن مطاري الثعلة وخلخلة، حيث توجهت معظم التعزيزات العسكرية بالفعل، عدا عن كون المطارين قابلين إلى أن يكونا محطات إطلاق للمسيرات الإيرانية.

وجود ميليشيات إيران تحت غطاء أجهزة النظام الأمنية وكتائبه العسكرية في هذه المنطقة قد يحقّق لها عدة أهداف استراتيجية أهمها: ضمان بقائها في الجنوب السوري وعدم خروجها منه، أمّا الجانب الآخر فهو ضمان الوصول نحو الحدود الأردنية، حيث تنشط ميليشيات عديدة في تجارة وتهريب حبوب “الكبتاغون” المخدّر، ومؤخراً تهريب السلاح نحو أراضي المملكة.

الخط العسكري المار بين أراضي درعا والسويداء والواصل من مطار الثعلة حتى مطار خلخلة قد يبدو بمنزلة عمق عسكري استراتيجي واصل بين أهم نقاط ميليشيات إيران قرب العاصمة دمشق، مع نقاط التهريب على الحدود الأردنية.

يتقاطع ذلك أيضاً بما فعلته الفصائل المحليّة بتجّار المخدّرات المحليين في السويداء، حيث قتلت راجي فلحوط أكبر تجار الكبتاغون في السويداء والمرتبط بشعبة المخابرات العسكرية، ثم قتلت الأخوين عايد وشاكر شويعر وأبرزت نفسها كقوة يمكن الاعتماد عليها دولياً في مكافحة تهريب المخدرات ما أثار مخاوف النظام وإيران التي تدعم التجارة.

خيارات أبناء السويداء

منذ دفع النظام السوري بالتعزيزات العسكرية الأخيرة، نشطت في السويداء لقاءات على عدة مستويات أكّد خلالها رجال الدين والوجهاء وقادة المجموعات المحليّة أنّهم متمسكون بالخيار السلمي ما لم يبادر النظام بالطلقة الأولى تجاههم، فحينها لن يقفوا مكتوفي الأيدي وهو ما ظهر خلال كلمة لرئيس طائفة الموحدين الدروز حكمت الهجري، الذي التف حوله جميع أبناء الجبل.

في موازين القوى، قد لا تظهر قدرة عسكرية لدى فصائل السويداء المحليّة لمواجهة آلة الحرب الفتّاكة التي يستخدمها النظام السوري وميليشياته.

لكن التساؤل هنا هو إلى أي حد قد يصعّد النظام ضد السويداء التي تحظى بحساسية عالية، والحرب فيها لن تكون من دون تداعيات سياسية دولية وإقليمية، عدا عن حساسية اشتراك الميليشيات الإيرانية بهذه الحرب ضد أقليّة (الدروز) لها امتداد وجذور في مناطق أخرى، فضلاً عن احتمالية اشتعال جبهات أخرى في درعا الجارة، التي قد تجد فرصة جديدة لخلع الطوق العسكري الذي فرض عليها، عام 2018.

الموقف الروسي

الأهم من قرار إيران ونظام الأسد هو قرار روسيا التي تدير المنطقة الجنوبية من سوريا، والتي قد لا ترغب بإشعال جبهات قتالية تشوّش عليها وتحقّق مصالح غيرها، وهنا قد تضبط روسيا إيقاع الجميع لمنع التصعيد كما فعلت ذلك مرات عديدة في درعا، حين استقدمت إيران ميليشيات وقوات عسكرية، عام 2022، وبدأت حملة عسكرية انتهت بعودة تلك الميليشيات بأمر روسي.

يمكن القول إنّ نظام الأسد باشتراك محدود من ميليشيات إيران سيعملان على فرض وجود عسكري محدود حول وقرب السويداء، إلى جانب بدء العمل لإعادة التغلغل على المدى الطويل في المحافظة وتشويش الحراك السلمي والتنظيم المدني وحالة الاستقرار قدر المستطاع، حتى تتهيأ ظروف دولية جديدة قد تسمح للنظام بشنّ أعمال عسكريّة أوسع.

المصدر: موقع تلفزيون سوريا

 

ليس بالضرورة أن يعبر رأي المقال عن رؤية الموقع

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. نعم ماذا يريد نظام طاغية الشام من إرساله تعزيزات عسكريّة إلى السويداء؟ المنطقة الجنوبية تضبط إيقاعها المحتل الروسي ضمن توافقات إسرائيلية أمريكية، وتمدد لنفوذ أذرع ملالي كهران ضمن أجندتها بإستهداف الأردن من خلال المخدرات وموطئ قدم لهم، هل يبغي السيطرة الأمنية؟ أم إنها بروباغندا ضمن حلقاتها المتوالية، المهم شعبنا مستعد لمواصلة حراكهم السلمي.

زر الذهاب إلى الأعلى