حملت تصريحات وزير الدفاع التركي يشار غولر بشأن سورية، يوم الخميس الماضي، شروطاً تركية بشأن الحوار مع النظام السوري إذ لفت إلى أن وجهة نظر أنقرة بشأن سورية “واضحة”، مضيفاً: “لدينا ما ننتظره من النظام، وهو قبول الدستور (الجديد) وإجراء انتخابات حرة، وسنحترم من يفوز بهذه الانتخابات”. وأضاف: “احترام حدود البلاد ينطبق على كل جيراننا، نلتقي في محادثات أستانة، وليست لدينا أطماع في أرض أو نفط أي أحد، نقول اقبلوا بالدستور، واذهبوا إلى الانتخابات، وانتصروا، هذا ما نقبل به”.
شروط حوار تركيا مع النظام السوري
وأكدت تصريحات المسؤول التركي أن أنقرة ليست بصدد الانفتاح على النظام السوري مع تعطّل العملية السياسية منذ عام 2022، خصوصاً لجهة كتابة دستور جديد وإجراء انتخابات على أساسه، وفق مضامين القرار الدولي 2254. وكانت موسكو قد قادت جهوداً لردم هوة الخلاف بين أنقرة ودمشق، بعد أكثر من عقد من القطيعة الكاملة بسبب رفض النظام التعاطي بإيجابية مع محاولات تركية لتطويق الأزمة السورية في بداياتها مطلع عام 2011. واجتمع في ديسمبر/كانون الأول 2022، وزير الدفاع التركي (في ذلك الحين) خلوصي أكار ونظيره في النظام السوري علي محمود عباس، بمشاركة وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، واتفقا على تشكيل لجان مشتركة من مسؤولي الدفاع والمخابرات.
وعُقدت عدة اجتماعات عسكرية وأمنية بين الطرفين في العاصمة الروسية، تمهيداً لاجتماع رباعي عُقد في مايو/أيار 2023، ضم وزراء الخارجية في ذلك الحين؛ روسيا (سيرغي لافروف) وتركيا (مولود جاويش أوغلو) وإيران (حسين أمير عبد اللهيان) والنظام السوري (فيصل المقداد) انتهى بتكليف نوابهم لإعداد خريطة طريق لاستئناف العلاقات بين دمشق وأنقرة. بيد أن الجهود الروسية اصطدمت بشروط متبادلة من دمشق وأنقرة، إذ رفض النظام السوري المضي في مسيرة التقارب إلا بعد انسحاب تركيا من الشمال السوري، وهو ما رفضته أنقرة المستندة في وجودها على اتفاق أضنة الموقّع في عام 1998 بعد توتر كبير في العلاقات بين البلدين. وسمح الاتفاق للجيش التركي بالتوغل خمسة كيلومترات في الأراضي السورية شمالي البلاد، في حال تعرّض الأمن القومي التركي للخطر، تحديداً من قبل حزب العمال الكردستاني، الذي كان مدعوماً من النظام السوري في حينه. واعتبرت أنقرة “وحدات حماية الشعب” الكردية التي تشكل الثقل الرئيسي في قوات سوريا الديمقراطية (قسد) امتداداً سورياً لهذا الحزب المصنف لدى العديد من الدول في خانة التنظيمات الإرهابية.
كما رفضت أنقرة التخلي عن فصائل المعارضة السورية في شمال سورية، مقابل تنسيق وعمل مشترك مع النظام من أجل التعاطي العسكري مع “قسد”، المسيطرة على الجانب الأكبر من الشمال الشرقي من سورية. وحال الرفض الأميركي والروسي دون قيام الجيش التركي باستهداف “قسد”، المدعومة من التحالف الدولي ضد الإرهاب، باعتبارها الذراع البرية لهذا التحالف في مواجهة تنظيم داعش في شمال شرقي سورية، المعروف بشرق الفرات. وسبق لأنقرة أن شنّت حملتين ضد “قسد” في السنوات الأخيرة: عملية درع الفرات بين عامي 2016 و2017، وعملية غصن الزيتون في عام 2018. وتعليقاً على تصريحات غولر، رأى المحلل السياسي التركي هشام جوناي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “موقف الدولة التركية كان واضحاً منذ نحو عامين”، مضيفاً: “كلا الجانبين (النظام السوري وتركيا) يعتبران تنظيم الوحدات الكردية في شمال شرقي سورية تهديداً، لذا أعتقد أن أنقرة تفضّل بقاء نظام الأسد على تجزئة الأراضي السورية”. وتابع: “تركيا لا تريد أن ترى دويلة ذات طابع كردي على حدودها الجنوبية، فهذا الأمر يهدد وحدة أراضيها”. وأشار إلى أن الهواجس التركية حيال هذا الأمر “هي التي دفعت وزير الدفاع التركي إلى حث النظام السوري على القبول بكتابة دستور وإجراء انتخابات لبدء الحوار بين البلدين”.
أسس موقف تركيا
من جهته، رأى مدير وحدة الدراسات في مركز “أبعاد” محمد سالم، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن “تصريحات المسؤول التركي تتسق مع موقف أنقرة الرسمي عموماً، الذي لا يزال يتمسك بالقرار 2254 وضرورة إنشاء دستور جديد عبر اللجنة الدستورية تحت إشراف الأمم المتحدة وإجراء انتخابات بناء على هذا الدستور”. وأضاف: “لكن صدور هذه التصريحات من وزير الدفاع وفي هذا الوقت له دلالة إلى حد ما على أن جهود التطبيع مع النظام قد تراجعت وباءت بالفشل”. وأعرب عن اعتقاده بأن “عدم استجابة النظام السوري مع جهود التقارب التي قام بها الجانب الروسي في العام الماضي، وتراجع الحاجة التركية الانتخابية، وتراجع أهمية ملف اللجوء في تركيا، دفع وزير الدفاع التركي إلى عدم إظهار الحماس للتطبيع مع النظام السوري بسبب كل ذلك”.
وبات الشمال السوري، غربي نهر الفرات، بدءاً من ريف اللاذقية الشمالي، إلى منطقة جرابلس على ضفاف الفرات الغربية، شرقي البلاد، منطقة نفوذ تركية. أما شرقي نهر الفرات، فهناك منطقتا تل أبيض في ريف الرقة الشمالي، ورأس العين في ريف الحسكة الشمالي الغربي. وأقامت الحكومة التركية خلال الأعوام الماضية العديد من القواعد العسكرية داخل الأراضي السورية، على امتداد الشمال سواء شرقي الفرات أو غربه، ونشرت آلاف الجنود خصوصاً في ريف إدلب، ليس بعيداً عن خطوط التماس مع قوات النظام والمليشيات الإيرانية المساندة لها. ولأغلب فصائل المعارضة السورية في الشمال السوري التي فقدت قدرتها على شن عمليات عسكرية أو تغيير خرائط السيطرة من دون موافقة أنقرة، ارتباط بالجيش التركي.
المصدر: العربي الجديد
العلاقات بين الأنظمة يحكمها المصالح فقط، فهل إنتهت مصلحة السياسة التركية الأردوغانية للتطبيع مع نظام دمشق؟ ليعود بالتمسك بالأولويات التي كانت قبل 2020 من تطبيق القرار 2015/2254 والإنتخابات الديمقراطية الشفافة واللجنة الدستورية؟