مخاوف في كردستان العراق من استبعاد الإقليم عن مشروع “طريق التنمية”

رستم محمود

مع التقدّم السريع في إنجاز مشروع “طريق التنمية”، تتفاقم مخاوف إقليم كردستان العراق بشأن إمكان استبعاده من أكبر مشروع استراتيجي في البلاد، القائم على تشييد مسارات للطرق البرية وسكك الحديد، من ميناء “الفاو الكبير” بالقرب من مدينة البصرة على الخليج العربي جنوباً، وصولاً إلى الحدود البرية بين العراق وتركيا شمالاً، تنقل كميات هائلة من البضائع المصنّعة في بلدان شرق آسيا إلى قارة أوروبا، وبالعكس، إذ تتداخل الملفات السياسية الإقليمية والحساسيات الأهلية الداخلية وتؤثر على هذا المشروع بقوة.

هواجس الإقليم

الناطق الرسمي باسم حكومة كردستان بيشاوا هوراماني نقل هواجس الإقليم خلال لقاءات صحافية عدة أجراها خلال الأسبوعين الماضيين، وقال خلالها إنّ “الحكومة العراقية تحاول عرقلة حصول إقليم كردستان على مميزات مشروع تطوير الطرق”. وأضاف: “لا ينبغي استبعاد مدن إقليم كردستان من هذا المشروع. نحن عازمون على بذل كل الجهود الممكنة لضمان عدم حصول ذلك”.

العديد من السياسيين ومراقبي الشأن العام في الإقليم، شدّدوا خلال الأسابيع الماضية على أهمية إصرار الإقليم على رفض أي تهميش له من المشروع، مصنّفين الأمر بمثابة “أمن قومي”، لأنّ تحول الإقليم وأراضيه إلى جزء من هذا المسار الاقتصادي العالمي الاستراتيجي، إنما سيرفع القيمة السياسية والاقتصادية له، وسيدفع الكثير من القوى العالمية والإقليمية لأن تعتبر استقرار إقليم كردستان وتنميته جزءاً من سياساتها الاستراتيجية في هذه المنطقة، وهذا غير الفوائد والقيمة الاقتصادية المضافة التي سيكسبها على الدوام جراء تجارة العبور التي ستمر ضمن أراضيه.

ووفق المخططات والخرائط الموضوعة، فإنّ سلسلة الطرق البرية وسكك الحديد المنوي تشييدها ضمن الأراضي العراقية، والتي تمتد على 1200 كلم، ستكون ضمن أراضي الإقليم بقرابة 55 كلم، وتمتد من شمال مدينة الموصل وحتى معبر “فيش خابور” الحدودي مع تركيا، مروراً بمُدن مثل آكري ودهوك وزاخو، وتنقل البضائع الزراعية والصناعية من الإقليم إلى مختلف مناطق العالم، مضاعفاً حركة السياحة والتواصل الثقافي للإقليم مع العالم الخارجي.

تعديل الجغرافيا؟

جغرافياً، لا يمكن لمسارات النقل المرسومة للمشروع إلّا أن تمرّ عبر إقليم كردستان، فكل الحدود التركية – العراقية هي معه. لكن تسريبات تقول إنّ العديد من القوى السياسية العراقية تسعى لأن تجترح معبراً حدودياً بين تركيا والعراق عبر الأراضي السورية، تشغل تركيا خلالها عسكرياً منطقة صغيرة من المثلث الحدودي بين البلدان الثلاثة، لإيصال محافظة نينوى العراقية مع معبر “أوفاكوي” ضمن الأراضي التركية.

مصدر سياسي في إقليم كردستان كشف لـ”النهار العربي” عن وجود تطمينات تركية للإقليم بشأن ضرورة إشراكه في هذا المشروع، نقلها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان خلال زيارته الأخيرة لبغداد وأربيل. وأكّد المصدر وجود “عقلانية” تركية في مقاربة هذا الملف الاستراتيجي تماماً، والذي لا يُمكن له أن يتأسس ويستمر بهذه النوعية من المعاندة السياسية اللاغية لكيان دستوري وموقع جيوسياسي مثل إقليم كردستان.

ووفق مخططات الحكومة العراقية، فإنّ نسبة إنجاز المشروع تراوح بين 35 و65 في المئة، بين تشييد للموانئ وسكك الحديد والطرق البرية، وسينتهي تماماً مع حلول العام 2028، بتكلفة تتجاوز 17 مليار دولار، وبتمويل وشراكة من دولتي قطر والإمارات العربية المتحدة، ويتضمن إنشاء مدن صناعية ومراكز تجارية في مختلف أماكن مروره ضمن الأراضي العراقية، هذا إلى جانب اندراج العراق في عدد من الاتفاقيات الجمركية والتجارية والاقتصادية مع مختلف الدول المنخرطة في المشروع. فالخط التجاري المرسوم من المتوقع أن يقصّر مدة إيصال البضائع أكثر من كل الخطوط الإقليمية والدولية المنافسة.

نحو تسويات إقليمية؟

الباحث الاقتصادي ولات حاج جمعة شرح في حديث لـ”النهار العربي” المزاحمة الإقليمية وصعوبة تجاوزها للوجود السياسي والجغرافي الكردي المركزي بين هذه البلدان، قائلاً إنّ “المناقشات نفسها تحدث منذ أوائل السبعينات من القرن المنصرم، حينما حاولت الحكومات العراقية تمديد أنابيب تصدير النفط من منطقة كركوك إلى ميناء جيهان التركي، ومثلها حينما حاول النظام السابق التجارة مع تركيا متجاوزاً لإقليم كردستان خلال عقد التسعينات. فكلها كانت تتطلب جهداً عسكرياً يحطم الأساسيات ويزيل ملايين الأكراد من مناطقهم الجغرافية، وهو ما ظهر واضحاً أنّه غير ممكن، وانزاحت هذه المشاريع في المحصلة لمصلحة الجغرافيا السياسية”.

يضيف حاج جمعة: “لكن الملاحظ أنّ كل تلك المشاريع، حينما تمّ تنفيذها، فإنّها أُلحقت بمشاريع سياسية تصالحية، بين الحكومات التركية والعراقية والقوى السياسية الكردية، وذلك لخلق تغطية سياسية واستقرار أمني لهذه المشاريع الاقتصادية الكبرى. فما نلاحظه راهناً هو إيجابية تركية استثنائية لإيجاد توافق بين حكومة الإقليم والحكومة الاتحادية العراقية. والبدء بهذا المشروع الاستراتيجي الضخم يفترض موضوعياً نهاية الصراع العسكري العنيف على المنطقة الحدودية بين تركيا والعراق، حيث تدور صراعات قومية وإيديولوجية وطائفية معقّدة، بين تركيا وحزب العمال الكردستاني وفصائل من الحشد الشعبي ومثلهم قوى متنوعة محسوبة على إيران وقوى إقليمية أخرى. وهذه جميعاً تحتاج لإرادة سياسية استثنائية، تصفي العديد من الملفات المعقّدة التي تتسبب بهذه الصراعات العنيفة”.

المصدر: النهار العربي

 

هذا المقال قد لا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. مشروع “طريق التنمية” من مشاريع النقل الإستراتيجية شرق غرب والقائم بمسار لطريق بري وسكة الحديد، تصل ميناء “الفاو الكبير” على الخليج العربي جنوباً وصولاً للحدود البرية بين العراق وتركيا شمالاً، حكومة إقليم كردستان العراق تتخوف من إستبعادها من هذا المشروع للأوضاع السياسية بعلاقاتها من الحكومة المركزية وتركية وهو موضوع قديم جديد.

زر الذهاب إلى الأعلى