مخاوف قسد من انسحاب أميركي جديد

ياسر الحسيني

كنت قد تحدثت عن الرسائل الأميركية للمنطقة من خلال إعلان الرئيس ( جو بايدن) عن سحب القوات الأميركية من كل أفغانستان وبشكل نهائي ليترك الساحة السياسية لأفغانستان بيد الطرف الأقوى (طالبان) وهاهي اليوم تبسط نفوذها على كامل البلاد لأول مرة منذ أربعين عاماً، وخلال كتابة هذه السطور تكون طالبان قد شكلت حكومتها ووزير الشؤون الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللاهيان يطالب بـ “حكومة شاملة تعكس التركيبة العرقية ” مضيفاً ” لا يمكن تحقيق السلام إلا بهذه الطريقة” متجاهلاً ممارسة نظامه في دعم نظام الأسد الأقلوي وحزب الله في لبنان على حساب باقي مكونات البلدين، وتعزيز الطائفية في العراق.

كانت الرسالة الأميركية صادمة لكل الأطراف المتدخّلة في الشأن السوري، وكلّ طرف أخذ يعيد حساباته على ضوء تطورات الموقف في أفغانستان، وسرعان ما أخذت تتكشف ملامح إعادة النظر بالمواقف السابقة، وهاهي قسد تغيّر من خطابها على ضوء الإنسحاب الأميركي والإجتماع الأخير الذي حصل في مدينة ” عين عرب” مع الأميركان دون أن يرشح عنه أية تفاصيل، كما جاء على لسان رئيسة المجلس التنفيذي لحزب العمال الكردستاني ( إلهام أحمد) التي دعت كلّاً من الإئتلاف وهيئة المفاوضات لتوحيد الصفوف وتشكيل جسم سياسي معارض موحد يمثل الجميع من أجل الإنتقال بسورية إلى حلّ سياسي وطني، فيما انبرى الناطق الرسمي لقسد ( نوري محمد) ليؤكد حرصه على مدّ اليد إلى كافة الأطراف وإقامة أفضل العلاقات مع الجميع بما فيها ( تركيا) !.

تأتي هذه التصريحات على وقع الذكرى السابعة للجريمة الوحشية البشعة التي اقترفتها ميليشيا حزب العمال الكردستاني ( BKK ) في قرى جنوب الردّ في ريف مدينة القامشلي الجنوبي، حين أقدمت تلك الميليشيا الإرهابية( ما يسمى وحدات حماية الشعب )في 2014/09/04 على تجريف وحرق ثلاث عشرة قرية وتهجير أهلها وهي: السكيرية ـ جزعا ـ سفانة ـ الكاخرتة ـ الزرقا ـ تل سحن ـ أبو مناصب ـ الحنوة ـ قرية البشو ـ مزرعة الحنوة ـ قرية خلف الحسن النجم ـ خربة الاحيمر ـ عكرشة.

يضاف إلى جرائمها العديدة والإنتهاكات الصارخة في مخيم ” الهول” القريب من الحسكة من خطف وإغتصاب، تبقى الجريمة المتواصلة وعلى مدى شهور بغية التهجير هي جريمة تعطيش أهالي مدينة الحسكة والبالغ تعدادهم مليون نسمة وأزيد، وإجبارهم على شرب مياه الآبار السطحية الملوثة والتي تسببت بإصابة الآلاف بأمراض معوية خطيرة.

وبعد أن بات واضحاً مدى التنسيق والتعاون الأمني واللوجستي بين قسد والنظام السوري وخاصة في مجال النفط، فهي ما تزال تزود النظام باحتياجاته من النفط السوري الذي بات في معظمه تحت سيطرتها، حيث مازالت قوافل الصهاريج العائدة لرجل النظام ” القاطرجي” تعمل بدون عوائق لتأمين إمداد آلة الحرب للنظام والميليشيات الإيرانية، بالإضافة إلى الوفود السياسية التي تزور دمشق بين فترة وأخرى، لعلّ أهمها الذي جرى في شباط/فبراير الفائت والذي ضمّ القيادية ( إلهام أحمد) و( محمد العمر) مسؤول ملف النفط بالإضافة إلى مسؤولين عسكريين وأمنيين التقوا بالجهات الأمنية للنظام، وهذا يؤكد التنسيق الكامل على كافة الصعد، وأن ( قسد) لا تعدو أكثر من ذراع للنظام يأتمر بأوامره.

إنّ الدور الروسي الواضح في عملية التنسيق بين قسد والنظام بات هو الآخر مرتبكاً بعد الإنسحاب الأميركي من أفغانستان، خشية أن يتبعه انسحاب من شمالي سورية في الوقت الذي تجري فيه مفاوضات مسعورة في درعا كان خلالها الجانب الروسي منزعجاً ومتوتراً لعدم الوصول إلى تسوية تتيح له التركيز على إدلب وجبل الزاوية، من أجل التصعيد العسكري الذي يبدو أنّ ( أستانا) الأخير كان يقتضي ذلك من أجل بسط سيطرة النظام على مساحات جديدة تعزز من شروطه في حال الدخول في مفاوضات الحلّ السياسي يكون فيه هو وقسد والجولاني الأطراف الأقوى التي قد ترسم ملامح النظام الجديد.

كلّ ماسبق قد أصبح من السيناريوهات المستبعدة بعد الإنسحاب الأميركي من أفغانستان، وعدم رضوخ الفصائل المسلحة في درعا وعموم حوران لشروط النظام والروس وعجز قوات الفرقة الرابعة عن إختراق درعا البلد، ولجوء النظام إلى القصف الوحشي بالصواريخ، في ظلّ تضعضع في عموم قوات الأسد وانهيار معنوياتهم وحدوث حالات انشقاق وإطلاق الرصاص على القدمين للهرب من القتال، وتسرّب المعلومات عن عدم مقدرة النظام على إطعام جنوده في ظلّ إستياء عام حتى في حاضنته في عموم الساحل السوري.

فهل قررت قسد أن تنجو من الورطة الأسدية التي وضعتها على قائمة الإرهاب، لكن بعد فوات الأوان؟ يستحضرني كلام الرئيس الأميركي السابق الذي وصف (قسد) كما تستحق حين قال :”إن قسد أسوأ من داعش”.

المصدر: اشراق

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى