قراءة في رواية. اسكندرية في غيمة

أحمد العربي

ابراهيم عبد المجيد روائي مصري له كثير من الروايات، قرأنا اغلبها، وهذه الرواية هي الجزء الثالث متحدثة عن الاسكندرية. لا أحد ينام في الاسكندرية ثم طيور العنبر، وهذه إسكندرية في غيمة. وهي تكاد تكون تأريخ اجتماعي سياسي للإسكندرية في عمقها المصري. عبر التفاعلات العالمية والمحلية. من فترة الحرب العالمية الثانية إلى أواسط السبعينات. تغطي الرواية حياة مجموعة من الطلبة في الجامعة وشبكة علاقاتهم العائلية والاجتماعية. طلبة يلتقون ويتفاعلون في أجواء الجامعة. يتابعون أوضاع بلادهم فهذا الرئيس الفرنسي جيسكار ديستان يأتي إلى مصر. وهذا هو الرئيس السادات يبدأ في التوجه الى الغرب ممثلا بأمريكا. مبتعدا عن الاتحاد السوفييتي. وهؤلاء الطلاب المنتمون إلى الفكر الشيوعي يلتقون ويتحاورون في كل شيء. و واقع حال الناس وهل هذا يفيد مصر ام يضرها. بينهم الطالب المخضرم عيسى. الذي درس في عدة تخصصات ليستمر في الجامعة بين الطلاب ويؤثر فيهم زارعا الفكر الشيوعي. فهو معتقل سابق نادرا نفسه لذلك. شباب وفتيات يلتقين كمجموعة تتناقش وتتفاعل وتتبادل الاطلاع وتبادل الرأي في كل شيء. نادر أحدهم وهو جزء من المجموعة وحبيبته يارا . وكذلك حسن وحبيبته كاريمان. وبشر وحسن وغيرهم. كلهم منغمسون بتفاعلات وحوارات لا تنتهي حول كل شيء. عيسى يلتقي بهم دوما صانعا من نفسه معلما لهم ليتمكنوا من فهم الفكر الشيوعي. أما واقع النظام فكان قد بدأ الرئيس السادات بتوصيف نفسه بالمؤمن. واستهل أعماله بالإفراج عن كثير من الإسلاميين المعتقلين من ايام عبد الناصر. ضمن خطة واضحة، أن يوازن الحضور اليساري والناصري في الوسط السياسي وخاصة الطلابي بوجود الإسلاميين الذي سيظهر بقوة في أوساط الجامعة حيث يصطدم الإسلاميين مع اليساريين في جرائد الحائط الجامعية. وتصل للصراع الجسدي أحيانا. يتوجه السادات للغرب ويقول جملته الأشهر ان 99 بالمئة من أوراق الحل لقضايا الشرق الأوسط في يد أمريكا. يغازل امريكا واروبا ويشن حملة إعلامية على السوفييت. يعطي للإسلاميين مساحة حركة وتأثير داخل الجامعه والمجتمع.  نعرف أن لكل من الشباب والفتيات حياته الاجتماعية وظروفه المعيشية، ستكون بداية علاقتهم بالفكر الشيوعي اطلاعا وصناعة موقف. سيبدأ بعض الشيوعيين بإعادة تشكيل احزابهم المنحلة سابقا. سيكون أغلبهم ضحية اعتقال من قبل الأمن السياسي ضمن حملات دورية سنوية تقريبا. الأمن الذي يعرف عنهم كل شيء، والذي يريد تخويفهم وشرائهم ليكونوا عملاء له. سيعتقل بعضهم لأشهر ويخرجوا أكثر صلابة. ويلتحقون بالأحزاب الشيوعية السرية بتعددها ويعيشون احساس النضال وانهم يقومون بأعمال مهمة. سنتابع التغيرات الجذرية التي حصلت في الإسكندرية. الأجانب الذين كانوا يعيشون فيها بكثرة قد رحلوا ولم يبقى الّا الندرة. ومنهم المصور اليوناني خريستو النموذج عن العاشق للاسكندرية، المتهيء للرحيل مثل الكل. سنتعرف على نتائج التخلف والفقر والأزمات الاجتماعية عبر روائح وغادة اللتان تعملان بملهى ليلي بعد أن هربتا من ظرفهما الاجتماعي. يكونوا أصحاب لاصدقائنا الطلاب بشر وحسن ونادر والاخرين. ويكونوا ملجأ  متبادلا لبعضهم نفسي وجسدي. سيعمل الإسلاميين على شراء الكباريهات. واغلاقها او بناء عمارات او مساجد مكانها او تركها مهملة. ستتراكم المظلومية الاجتماعية وينخرط الشباب والفتيات بالعمل الحزبي السري مع الاحزاب الشيوعية. وتنفجر أحداث يناير 1977م التي  سمّيت إنتفاضة الخبز حيث خرجت مصر كلها بمواجهة قرارات الدولة الاقتصادية. التي أضرت بحياة مجموع الناس الذين خرجوا عشوائيا من الجامعات والمعامل والأحياء الشعبية رافضين القرارات الظالمة. مصعّدين مواقفهم ضد السادات والحكومة. كان أصحابنا بين المتظاهرين وعلى الأكتاف احيانا. يستمر التظاهر، يعجز النظام عن قمعه والسيطرة عليه. يحاول تشويه الانتفاضة عبر اطلاق سراح المجرمين الجنائيين ودفعهم للإساءة للتظاهر، عبر التخريب وافتعال الحرائق. ومع ذلك لا يتوقف التظاهر الا بعد ان تتراجع الحكومة عن قراراتها الظالمة. وينتهي التظاهر لتبدأ بعدها حملة اعتقالات تطال كل قيادات التظاهر والفاعلين فيها. وليكون بينهم اصحابنا نادر وبشر وحسن وكاريمان ويارا وبعض أصدقائهم الذين لا علاقة لهم بما حصل. يارا سيفرج عنها بواسطة أخوها الضابط في البحرية. أما الباقون فيستمر اعتقالهم، يتعرفوا على أجواء السجون والمعتقلات. ويكتشفوا ان في السجن والمعتقل ما هو اسوأ من الواقع. وسيخرجون بعد عدة أشهر ليجدوا أمامهم عالم مختلف. يارا اُجبرت على الزواج ممن يكبرها وله علاقته مع الأمن. ويصاب نادر بالفجيعة، يحاول أن يلتقي بها ولا يستطيع. وتخرج كاريمان لتجد ان زوج امها طردها من البيت، وتزوج زوجة أخرى مع امها. وأنه يتمسح بالدين، لقد ألزم والدتها بالنقاب. وان امها امتثلت لأمره ولم تنتصر لها. طالبت حبيبها حسن ان يتزوجا لتخرج من مشكلتها ومن تحرش زوج أمها الدائم بها. لكن حسن لم يستجيب او لم يستطع. يخرجوا ويجدوا أن صديقتهم نوال الشيوعية السابقة. قد باعت الملهى وهاجرت الى فرنسا تلحق حبا سابقا لها. الكل – تقريبا – يخرجون من السجن أكثر صلابة ويقرروا الالتحاق في احزابهم ليستمروا بالنضال. الواقع أكثر سوء، والاسلمة المجتمعية تغزوا الواقع، وبقايا الأجانب من أبناء اسكندريه يستمروا بالهجرة. والبعض ممن هاجر ويحن للاسكندريه يعود لزيارتها. كثير من الكباريهات والملاهي والحانات تغلق أو تباع. تأخذ الاسكندرية اتجاها اجتماعيا مختلفا عن تاريخها المتنوع كبوابة للقادمين إليها وخاصة من وراء البحر اوروبا وعبر مئات السنين. أما مآلات الطلاب المسيْسين؛ بعضهم عاد للنضال ويارا تزوجت واختفت. ونادر عاش ازمة نفسية؛ كيف خسر حبيبته ولم يستطع حتى ان يراها,، ويحاول أن يتجاوز ذلك. وكاريمان تحاول قتل زوج امها وان تنتحر برمي نفسها بالبحر. حيث يتم إنقاذها. وزوج امها لا يموت. وتستمر الحياة في الاسكندرية التي مر عليها بشرا كثيرين

.هنا تنتهي الرواية.

في قراءتها نقول : أن الرواية تكاد تكون تأريخ ذاتي للمؤلف. فهي تنصب على مرحلة الطلبة في السبعينات من القرن الماضي. وعلى الشيوعيين منهم. و تفاصيل حياتهم على كل المستويات. وهي لا تغطي الواقع الاجتماعي لكل للاسكندرية ككل وفئاتها الاجتماعية. رغم حشد المعلومات عن الإسكندرية في الوقت الحاضر وتاريخيّا. ركّزت الرواية على حصول موجة الاسلمة كفر مجتمعي برعاية سلطة السادات وهذا صحيح. لكن الأسلمة كانت رد اجتماعي على فشل الأنظمة عبر ادعاتها العقائدية المختلفة. التي لم تستطع ان ترفع الظلم والتخلف والفساد عن المجتمع. ولم تصنع حياتهم الافضل. والاسلمة في ذلك الوقت لم تكن سلفية بقدر ما كانت احيائية. ترى بالدين الحل الاجتماعي والسياسي. الذي ستكون ذروته لاحقا. قتل السادات من قبل تنظيم الجهاد الإسلامي. بينما الرواية تعكس إسلاما سلفيا. حُكم بلحظة كتابة الرواية عام 2012.م، حيث الاستقطاب الحاد بين الإسلاميين والعلمانيين. عبر برعاية دولة الاستبداد الجديد الذي انقلب على ثورة الشعب المصري بعد انتصار ثورة 2011

اخيرا: ترقب الرواية لحظة مجتمعية مصرية. لكاتب عمل جاداً ويعمل ليكون له سجله وقراءته للواقع المصري. عبر أعماله الروائية والقصصية المتنوعة، وهذا بحد ذاته عمل مهم ولازم

2.1.2017…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى