في أقل من 24 ساعة، شهد الأسبوع الماضي لقاءً واتصالا هاتفيا بين وزيري خارجية الأردن أيمن الصفدي وإيران حسين أمير عبد اللهيان.
وخلالهما، قالت عمان إنها تريد علاقات “طيبة” مع طهران، فيما أكدت إيران أنها “تحترم الأردن وحريصة على أمنه وأمن المنطقة”.
تلك التصريحات أثارت توقعات بأن علاقات البلدين، التي يرى خبيران أنها تتسم بـ”عدم الثقة”، ربما تسير نحو التحسن، لا سيما مع توافقهما على رفض استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
ورغم “فتور” علاقات الأردن وإيران منذ نحو 8 سنوات، وفق مراقبين، قد تصبح غزة “نقطة التقاء”؛ في ظل تداعيات إقليمية لحرب إسرائيل المدمرة والمستمرة على القطاع الفلسطيني منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
بل إنه على أرضية غزة، حسب المراقبين، ربما تتطور العلاقات بين الأردن وإيران، بما يؤدي في النهاية إلى استئناف علاقاتهما الدبلوماسية على مستوى سفير كما كانت قبل عام 2016.
وفي ذلك العام، خفَّضت عمان مستوى علاقاتها مع طهران من سفير إلى قائم بالأعمال؛ تضامنا مع السعودية إثر قطع علاقتهما مع إيران، لكن الرياض وطهرن استأنفتا علاقتهما الدبلوماسية بوساطة الصين في 2023.
شكوك أردنية
أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الألمانية الأردنية، بدر الماضي قال إن “العلاقة الأردنية الايرانية قائمة على عدم الثقة منذ انتهاء عهد (الرئيس الإيراني) محمد خاتمي (1997- 2005) آخر رئيس إصلاحي”.
وأضاف أن “الأردن ما زال تساوره الشكوك في نوايا إيران تغيير سلوكها القائم على التدخل في شؤون الدول، وعدم وجود صوت إيراني واحد يمثل حقيقة الموقف السياسي والعسكري”.
وتابع: “لا تزال إيران تعتقد أن الأردن جزء من تحالف دولي معادٍ لها، ويطمح دائما لرؤية تغير جذري في التركيبة الأيدولوجية والسياسية بطهران”.
واستطرد: “كما أن إيران تعتقد أنه على الأردن الانضمام إلى التحالفات التي تنسجها ضد المصالح الأمريكية والإسرائيلية”.
واعتبر الماضي أن “الحرب الأمريكية على العراق (2003) شكلت الفرصة التي كانت تنتظرها إيران لفرض نفوذها في المنطقة العربية عبر أدواتها الجديدة والتقليدية”.
أما الأردن، كما أضاف، فـ”حاول دائما أن لا يسعى إلى أي مواجهة سياسية علنية مع إيران، لكن سلوك الأخيرة في الحرب السورية، أظهر النوايا الحقيقية لما تخطط له طهران”.
ورأى أن إيران “تريد إحداث قلق استراتيجي للمملكة ومحاولة زعزعة استقرارها، عبر الرعاية الرسمية للمليشيات المتمركزة بالقرب من حدود الأردن”.
وزاد بأن “ذلك كان من خلال الدفع بمهربي المخدرات إلى الأراضي الأردنية؛ لخلخلة البنية الاجتماعية والأمنية للدولة”.
تباين استراتيجي
بخصوص الحرب الإسرائيلية على غزة، اعتبر الماضي أنها “جاءت لتظهر التباين الاستراتيجي بين البلدين؛ إذ لم ترد إيران أن يكون تدخلها مباشرا وواضحا لدعم المقاومة الفلسطينية”.
وأضاف أنه تم اتباع هذا الأسلوب “بالرغم من أن الشرعية السياسية التي اكتسبتها إيران كانت عبر الادعاء بأن ما تقوم به هو لتحرير فلسطين والقدس”.
ورأى أن “إيران لم تتحرك تحركا جديا لنصرة الشعب الفلسطيني إلا بعد ضرب العصب الإيراني، وهو الحرس الثوري وبعد 6 أشهر (من بدء الحرب على غزة)”.
وفي 13 أبريل/ نيسان الجاري، أطلقت إيران من أراضيها نحو 350 صاروخا وطائرة مسيّرة باتجاه إسرائيل؛ ردا على هجوم صاروخي استهدف بعثة طهران الدبلوماسية بدمشق مطلع هذا الشهر؛ ما أودى بحياة عناصر من الحرس الثوري.
وحسب الماضي، فإن “التصريحات المتداولة عن عمق العلاقات بين البلدين لا تعكس الأمر الواقع”.
وتابع أن “الأردن الرسمي يعتقد بصعوبة أن تتخلى إيران عن طموحاتها أو توقف استراتيجيتها القائمة على زعزعة استقرار المنطقة من أجل النفاذ داخل البنى السياسية والثقافية لدول العالم العربي”.
واستطرد: “تصريحات السياسيين الإيرانيين لا تمثل الموقف الحقيقي الذي يمثله الحرس الثوري، فلم يتوان عن تشجيع المليشيات التابعة لإيران من أجل إحداث مزيد من الضغط على صانع القرار السياسي والأمني الأردني”.
واستبعد الماضي أن تكون الحرب على غزة “بوابة لتفاهمات بين البلدين، ولكنها ستكون مدخلا لزيادة الشرخ غير المعلن بينهما في الأشهر القادمة”.
تهديدات مستمرة
متفقا مع الماضي، قال عبد الله الطائي الباحث العراقي بمعهد السياسة والمجتمع (أردني مستقل تأسس عام 2020): “ما تزال حالة عدم الثقة هي السائدة في العلاقة بين عمان وطهران”.
وأضاف أن “إيران ترى في الأردن جبهة أمريكية متقدمة، فيما لا تزال المملكة تنظر إليها بنظرة الشك والريبة تجاه سلوكها الإقليمي”.
وتابع: “لربما ما عزز من ذلك أردنيا، هو الأحداث بعد بدء الحرب على غزة، سواء الضربة الإيرانية (لإسرائيل) التي مرت عبر سماء المملكة التي عبّرت دائما عن خشيتها من أن تكون أرضها ميدانا للصراع الإقليمي”.
واستطرد: “كذلك استهداف الفصائل العراقية لقاعدة “البرج 22″ شمال شرق الأردن، وبيان أبو علي العسكري المسؤول الأمني بكتائب حزب الله العراق المرتبط بالحرس الثوري حول استعداد فصيله لتسليح 12 ألف مقاتل أردني”.
وزاد الطائي بأن “التهديدات مستمرة على الحدود الأردنية الشمالية، فطالما يشير (الأردن) بأصابع الاتهام نحو الفصائل الموالية لإيران والمتواجدة في الجنوب السوري”.
ولفت إلى أن هذا “هو ما أكد عليه الصفدي مؤخرا عندما تحدث عن أزمة تهريب المخدرات والسلاح من سوريا، وهجمات سيبرانية تعرضت لها مؤسسات أردنية”.
ملفات عالقة
الطائي خلص إلى أنه “إذا أردنا أن نأخذ بالاعتبارات السابقة، سنجد أن الأردن عندما ينظر لمصالحه العليا في علاقته مع إيران، ولاعتبارات أمنه الوطني، فملفات هذه العلاقة ليست مرتبطة فقط بغزة أو القضية الفلسطينية”.
وزاد بأن “هنالك ملفات عالقة بين الطرفين بحاجة إلى أن تقدم إيران ضمانات وتبدي حسن نوايا تظهر فعيا على الأرض، إذا أرادت أن تمضي بمشروع كسر العزلة الإقليمية الذي تبناه (رئيسها) إبراهيم رئيسي”.
وأضاف أنه “حقق نقطة مهمة بعد الاتفاق مع السعودية برعاية صينية، وكان يمكن أن نجد نقطة التقاء (بين الأردن وإيران) بعد نقل السفارة الأمريكية للقدس وحضور ممثلي البلدين القمة الإسلامية بإسطنبول في مايو/ أيار 2018”.
الطائي استدرك: “نعم هنالك حسابات للأردن مع حلفائه الدوليين (لاسيما الولايات المتحدة)، لكنه أبدى حسن النية وانخرط بحوارات ثنائية مع إيران على مستوى أمني في بغداد (2022)، على غرار المباحثات السعودية الإيرانية”.
وشدد على أن الأردن “لا يمتلك عداوة مع إيران، لكنه لا يشعر بالاطمئنان إزاء دورها في المنطقة”.
ورأى أن “الاتصالات واللقاءات مؤخرا بين وزيري خارجية للبلدين تأتي لعدم الرغبة بالتصعيد، والحفاظ على مسار العلاقة الحالي، بعد تسليم الأردن مذكرة احتجاجية للبعثة الإيرانية (إثر اعتراض الأردن مسيّرات إيرانية باتجاه إسرائيل)”.
وأردف أن المذكرة جاءت “بعد تصريحات إيرانية اعتبرها الأردن مسيئة له، ولتأكيد عدم قبول الأردن استخدام أراضيه وأجوائه لتصفية حسابات إقليمية أو أن يكون طرفا في أي صراع إقليمي، وليؤكد على استمرار بدبلوماسيته المتوازنة”.
إزالة أسباب التوتر
في 18 أبريل الجاري، التقى الصفدي مع عبد اللهيان في نيويورك، على هامش جلسة لمجلس الأمن الدولي لمناقشة الوضع بالشرق الأوسط.
وعبَّر الصفدي خلال اللقاء، عن رغبة بلاده في علاقات “طيبة” مع إيران، وأن الوصول لذلك يتطلب إزالة أسباب التوتر ووقف التدخل في شؤون المملكة.
فيما أكد عبد اللهيان على “احترام إيران للأردن ودوره ومواقفه”، وأن “الإساءات في وسائل إعلام إيرانية لا تمثل الموقف الرسمي الذي يثمن علاقاته مع الأردن”.
وقبلها بأيام، استدعت الخارجية الأردنية القائم بأعمال سفارة طهران لدى المملكة علي أصغر ناصري؛ احتجاجا على “إساءات وتشكيك بمواقف المملكة”.
جاء ذلك عقب نقل وكالة أنباء “فارس” الإيرانية شبه الرسمية عن مصدر وصفته بالمطلع دون تسميته قوله إن إيران ترصد تحركات عمان خلال الهجوم على إسرائيل، وحال شارك الأردن في صد الهجوم “فسيكون الهدف التالي”.
وبعد ساعات من لقائهما، أكد الصفدي، خلال اتصال هاتفي مع عبد اللهيان، أن الأردن لم ولن يسمح لإسرائيل بخرق مجاله الجوي في استهداف إيران، وذلك عقب هجوم إسرائيل بطائرات مسيرة على مدينة أصفهان وسط إيران.
فيما شدد عبد اللهيان على أن بلاده “تحترم الأردن وحريصة على أمنه وعلى أمن المنطقة”.
المصدر: القدس العربي
هل اللقاءً والاتصال الهاتفي بين وزيري خارجية الأردن أيمن الصفدي وإيران حسين أمير عبد اللهيان ينهي توتر العلاقات بين البلدين؟. ولتكون حرب غزة جمعتهم بموقف مشترك؟ أم إن أهل التقية ما يزالون يضمرون للأردن أجندتهم لتكون الدولة العربية الخامسة تحت سيطرتهم؟ ستكشف الأيام المخبأ.