تقرير ميداني في مناطق سيطرة النظام السوري خلال عامي 2022 و2023
ملخص تنفيذي
بعد توقّف الحرب والعمليات العسكرية إلى حد ما عام 2019،كان معظم السوريين يأمل في العودة إلى حياة معيشية واجتماعية مستقرة، لكنهم وجدوا أنفسهم أمام ضغوط معيشية وخدمية لا تقلّ وطأة عن ضغوط مرحلة الحرب والاعتقالات بين (2012 و2019)، بل كانت أشدّ وطأة من المرحلة السابقة، ما دفع معظمهم إلى التفكير في الهجرة والالتحاق بركب من هُجّروا قسرًا في المرحلة السابقة. وفي ظلّ غياب مطلق عن أعداد المهاجرين من سورية في السنوات الأخيرة، وغياب المقومات الأمنية واللوجستية التي تسمح للباحثين بإجراء مسوحات علمية رصينة تمكّنهم من معرفة أعداد المهاجرين وخصائصهم الاجتماعية؛ وجب علينا في هذه الدراسة الاعتماد على عيّنات تمثّل -إلى حدّ ما- العائلات السورية، في مناطق النظام السوري التي لم تتعرّض مباشرة للقصف والمعارك العسكرية ولعمليات التهجير القسري، كما حصل بين 2012 و2019، واتخاذها مفاتيح لرصد الأعداد في هذه الهجرة ومعرفة نسبها وأنماطها، من خلال تجارب عائلاتهم التقليدية (الممتدة)، وخبراتهم في أحيائهم الصغيرة كتقديرات رقمية تقريبية، ومن ثم بنينا على هذه التقديرات الرقمية (التخمينات) مؤشرات للدلالة على أعداد المهاجرين وأنماط هذه الهجرة واتجاهاتها وطرقها وتكاليفها المالية، وكيفية توفير المهاجريين لتلك التكاليف والنفقات.
حدّدنا موضوع هذه الدراسة فيالإجابة عن الأسئلة الآتية: 1- ما النسب التقريبية للسوريين الراغبين في الهجرة في الآونة الأخيرة؟ 2- ما متوسط نسبة المهاجرين من عيّنة عائلات الدراسة؟ 3- ما أكثر الفئات العمرية المهاجرة من سورية؟ 4- ما أكثر الفئات المهنية التي هاجرت من سورية؟ 5- ما الوجهات الرئيسة للمهاجرين السوريين إلى الخارج؟ وما هي طرق الهجرة؟ وكيف تعامل المهاجرون مع عصابات التهريب؟ 6- كم تبلغ تكاليف الهجرة للفرد الواحد؟ 7- ما دوافع هجرة السوريين في السنوات الأخيرة؟ 8- وما الآثار الاجتماعية والاقتصادية والديموغرافية لهذه الهجرة في المجتمع السوري في المستقبل؟
اتبعت الدراسة المنهج التحليلي الكلي والجزئي، لبحث واقع الهجرة السورية إلى الخارج في عامي 2022 و2023، واستشراف انعكاساتها المجتمعية، وذلك بالاستناد إلى المقابلات المعمقة التي أجراها فريق الدراسة الميداني.
أوضحت النتائج الميدانية جملة من المؤشرات الخاصة بالهجرة السورية في السنوات الأخيرة، تشير إلى تفريغ سورية من سكانها في المستقبل، إذ اتّضح أن معظم الأفراد من عائلات عينة الدراسة يفكرون في الهجرة، وبيّنت الدراسة أن وسطي نسب الهجرة من العائلات وصلت إلى ما بين (20 و70%)، في العامين 2022 و2023، وتكاد هذه الهجرة تكون يومية، من جميع الأحياء، بنسب تتفاوت بين مدينة وأخرى، وبمتوسط (1- 6 %) في الشهر، مقارنة بعدد السكان، وبنسبة راوحت ما بين (1.6 و29%) في 2023. وبيّنت تقديرات أفراد العينة أن وسطي نسبة الهجرة من الأحياء الموجودين فيها وصل إلى ما بين (4 و61.8 %)، في عامي 2022 و2023.
وأظهرت النتائج الميدانية أن هناك ميلًا باتجاه هجرة النساء، إذ تصل النسبة إلى (40-50%)، مقارنة بالذكور، ومقارنة بالموجة الأولى من الهجرة 2012-2019، حيث كانت تطغى عليها هجرة الذكور، بسبب ظروف الحرب والخوف من التجنيد العسكري الإجباري والاعتقالات… إلخ، وكان من أبرز المتغيرات في منظور الهجرة هو ارتفاع نسبة الإناث المهاجرات والراغبات في الهجرة الكلية، أو الساعيات للعمل خارج البلاد.
وتبين أن معظم المهاجرين السوريين في السنوات الأخيرة كان من فئة الشباب (18-27) التي عادة ما تُطلب إلى الخدمة العسكرية في هذا العمر، تلتها الفئة العمرية (28- 37) بنسبة 30%، تلتها الفئة العمرية (38-47) بنسبة 23%، وأخيرًا الفئة العمرية (48-57) بنسبة 10%.
من أنماط الهجرة السورية في عامي 2022 و2023 هجرة ما يسمّى الكفاءات العالية (الأطباء، المهندسين، الصيادلة، أساتذة الجامعات، خريجي الجامعات)، ومن الآثار السلبية لهذه الهجرة، تبديد الموارد البشرية والمالية التي أُنفقت في التعليم وتدريب الكفاءات، حيث تحصل عليها البلدان المضيفة جاهزة من دون إنفاق للأموال.
أما الطرق الرئيسة التي يسلكها المهاجرون، فكان الطريق الأول عن طريق مناطق سيطرة النظام إلى المناطق الخارجة عن سيطرته في إدلب وريف حلب باتجاه تركيا، ومن ثم إلى أوروبا مرورًا باليونان (طيرانًا، شاحنات، مشيًا في الغابات)؛ والطريق الثاني الحصول على فيزا دراسية أو عقد عمل إلى رومانيا (توجد مكاتب في معظم المدن السورية)، ومن رومانيا إلى الدول الأوروبية تهريبًا في الشاحنات؛ والثالث الحصول على جواز سفر يوناني مزوّر، عن طريق عناصر من “حزب الله” والأمن السوري، للسفر به من مطار بيروت إلى دول أوروبا؛ والرابع الحصول على فيزا سفر إلى مصر، ومنها إلى دول أميركا اللاتينية، البرازيل خاصة، ومن ثم إلى دول أوروبا، ولا سيما فرنسا عبر جزيرة غويانا؛ والخامس السفر إلى أربيل/ العراق، والعمل هناك لتأمين مبلغ تكلفة التهريب إلى دول أوروبا.
وتبين أن تكلفة الهجرة عالية جدًا، حيث إنها تصل إلى ما بين 8 و20 ألف دولار، ما اضطر السوريين إلى بيع ممتلكاتهم، أو الاستدانة لتأمين نفقات السفر للشباب، بغض النظر عن الوجهة المقصودة.
أما أسباب هجرة السوريين ودوافعها، في السنتين الأخيرتين 2022 و2023، فهي متعددة بتعدد الأزمات التي يعيشها المواطن السوري، بداية من الفقر المدقع وتدهور المعيشة والغلاء الفاحش وعدم توفر الدخل الكافي، والهرب من الخدمة الإلزامية العسكرية، وانسداد آفاق العيش بأمان واستقرار، نتيجة الفلتان الأمني في معظم مناطق النظام السوري، وعدم توفر الخدمات الأساسية والضرورية من ماء وكهرباء ومحروقات، والرغبة في البحث عن فرص عمل وتأمين مستقبل أفضل للأولاد في الخارج، والرغبة في الالتحاق بأفراد من العائلة والأصدقاء في الخارج، والرغبة في العيش في دول تتوفر فيها الحريات وحقوق الإنسان.
أما عن تأثير الهجرة في الأنساق المجتمعية السورية، في الاقتصاد وفي الحياة الاجتماعية والديموغرافية، فقد حدثت تغييرات ديموغرافية في الخريطة السكانية فعلت ما فعلته الحرب، من تهجير قسري وضياع وتشتت، وإذا استمرت هذه الحال في المدى المتوسط، فسوف تفرغ سورية من سكانها، وخصوصًا الشباب.
أخيرًا، لا بدّ من الإشارة إلى بعض الصعوبات التي واجهتنا في أثناء إعداد هذه الدراسة، فمنها عدم توفر بيانات موثوقة عن حجم الهجرة الخارجية السورية، وعن خصائص المهاجرين ووجهات هجرتهم وإقاماتهم، إضافة إلى عدم وجود معايير علمية دقيقة في التعددات السكانية وسجلات الأحوال المدنية في مناطق سيطرة النظام، وخصوصًا أنها تعتمد على المهاجرين عبر البوابات السورية الرسمية، أي لا وجود لإحصاءات أو تقديرات لعدد المهاجرين السوريين بالطريقة غير الرسمية (التهريب)، للوصول إلى مؤشرات عن حجمها وأنماطها وآثارها المجتمعية، ومنها امتناع معظم مكاتب السفر ومخاتير الأحياء عن الإدلاء بمعلومات عن حجم المهاجرين والوجهة والتكاليف، على الأغلب لارتباطهم بالأجهزة الأمنية، ولكون بعضهم متواطئًا مع شبكات التهريب التي تسير رحلات التهريب إلى الشمال السوري والعراق، ويمارس النصب والاحتيال على عدد كبير من السوريين المهاجرين.
يمكنكم قراءة التقرير كاملًا من خلال الضغط على علامة التحميل أدناه:
المصدر: مركز حرمون للدراسات المعاصرة
دراسة موضوعية عن الهجرة السورية وخاصة بعد توقّف العمليات العسكرية إلى حد ما بعام 2019، وضغوط الحياة المعيشية والخدمية مما دفع للكثيرين بالتفكير بالهجرة والالتحاق بركب من هُجّروا قسرًا في المراحل السابقة. بإضافة الفقر المدقع وتدهور المعيشة والغلاء الفاحش وعدم توفر الدخل الكافي، والهرب من الخدمة الإلزامية العسكرية الى الأسباب الأمنية للهجرة ,