مطالب سكان شمال شرقي سورية على طاولة “مؤتمر بروكسل”

عماد كركص

تركز منظمات مدنية سورية على اليوم الحواري الذي دعا له الاتحاد الأوروبي ضمن فعاليات النسخة الثامنة من مؤتمر “دعم مستقبل سورية والمنطقة”، المعروف باسم “مؤتمر بروكسل”، وأصدرت نحو 130 منظمة تعمل في مناطق شمال شرقي سورية بياناً مشتركاً حثّت فيه المشاركين على عدم تهميش قضايا مناطقهم، وتبني مُقاربة إنسانية أكثر شمولاً، ووضع القضايا والاحتياجات الإنسانية في مناطق شمال شرقي سورية في صلب النقاشات، وعدم تسييس المساعدات الإنسانية.

وقال الاتحاد الأوروبي، الأربعاء الماضي، إن “مؤتمر بروكسل” سيُعقد في 30 إبريل/ نيسان، وسيضم يوماً للحوار بمشاركة منظمات من المجتمع المدني السوري، إضافة إلى عدد من الفعاليات وبرنامج ثقافي، كما سيُعقَد اجتماع وزاري في 27 مايو/ أيار المقبل، بمقر مجلس الاتحاد الأوروبي، مؤكداً في بيان، أن نسخة المؤتمر هذا العام “ستضاعف الجهود المبذولة للاستماع إلى الأصوات السورية”.

وقال الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، إن “التوصل إلى حل سياسي شامل من خلال الأمم المتحدة يحظى بدعم كامل من جميع الأعضاء، ويظل هو الضرورة القصوى”، مؤكداً أن “الشعب السوري يجب أن يحصل على فرصة للعيش بكرامة وسلام”.

ويعتبر مؤتمر بروكسل، بحسب تعريف الاتحاد الأوروبي، منصة للمشاركة وتعميق الحوار مع المجتمع المدني السوري، والجهات المعنية الرئيسية في الأمم المتحدة ووكالاتها، والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وكذلك المنظمات غير الحكومية الدولية، كما يهدف المؤتمر الوزاري إلى حشد الدعم المالي للتخفيف من وطأة أزمة الاحتياجات الأساسية للسوريين والمجتمعات المضيفة لهم في البلدان المجاورة، وخاصة الأردن ولبنان وتركيا، وكذلك مصر والعراق.

حضر المدير التنفيذي لـ “رابطة المحامين السوريين الأحرار” سامر ضيعي، نسخاً سابقة من “مؤتمر بروكسل”، وهو لا ينفي  تهميش منطقة شمالي وشرقي سورية في تلك النسخ، مشيراً إلى أن هناك العديد من المشكلات التي تحيط بتلك المنطقة، ما يجعل لها خصوصية، فهي تقع في قلب مجموعة معقدة من التحديات الجيوسياسية والأمنية، ما يؤثر على مستوى الاهتمام والدعم الذي تتلقاه من المجتمع الدولي.

يضيف ضيعي لـ”العربي الجديد”: “المنظمات المحلية هناك تواجه تحديات في تأمين التمثيل الكافي في المحافل الدولية، مثل مؤتمر بروكسل، ما يؤثر في قدرتها على التأثير في قرارات التخطيط والتمويل، ويجعلها تغيب عن جزء من المشهد السياسي السوري، وينحصر التمثيل ببعض المنظمات التي تمثل جزءا من المجتمع، لكنها لا تغطي كافة الشرائح والمناطق، كما أن عملية توزيع المساعدات تواجه تحديات لوجستية وأمنية كبيرة، ما يؤدي إلى تأخير وصول الخدمات والدعم”.

ويقول بسام حسين، وهو عضو في منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” الفاعلة في شمالي وشرقي سورية، إن احتياجات المنطقة كثيرة، لكن الحاجة أكبر إلى المياه والأمن والمشاريع الزراعية. ويضيف لـ”العربي الجديد”، أن “التهميش الذي يطاول المنطقة فيما يخص المشاريع والمساعدات الإنسانية ينطلق من دوافع سياسية، والجانب التركي والنظام متهمان بالضغط لقطع المساعدات عن المنطقة. المنطقة محاصرة من قبل الأتراك والنظام، ليس بالمعنى الجغرافي، وإنما بالمعنى السياسي، والهدف هو إفشال مشروع الإدارة الذاتية، كما توجد سياسات فاشلة وفساد وانعدام شفافية في مناطق الإدارة الذاتية”.

ويوضح حسين: “أردنا من خلال بيان المنظمات المدنية تأكيد أن الاتحاد الأوروبي يستطيع الضغط لإيصال المساعدات إلى محافظات الرقة والحسكة ودير الزور، وأن هناك تجاهلاً سياسياً لمناطق شمالي وشرقي سورية في كثير من مواضيع المؤتمرات السابقة، من بينها أزمة مياه نهر الفرات والحصة السورية منها. إذا كان المؤتمر حقاً لدعم كل سورية، فيجب أن يحدث توازن بين المناطق، لكن الاتحاد الأوروبي يركز على منطقة شمال غربي سورية مع إهمال بقية المناطق. يجب أن يكون هناك شمولية وتضمين لكل المناطق، ويجب دخول المساعدات والدعم والاهتمام إضافة الى المشاريع إلى مناطقنا، وكفى تسييساً للمساعدات الإنسانية”.

وقال بيان المنظمات المدنية السورية: “يأتي مؤتمر بروكسل الثامن بينما تشهد مناطق شمال شرقي سورية وضعاً إنسانياً غير مسبوق نتيجة الأضرار التي خلّفتها سلسلة الهجمات الجوية التركية المتكررة على البنى التحتية، ومرافق الطاقة، والمنشآت التي لا غنى عنها لبقاء نحو خمسة ملايين شخص من سكان المنطقة العرب والأكراد والآشوريين السريان على قيد الحياة”، مشيراً إلى “تضرر 80 في المائة من مرافق الطاقة، وتقلص إنتاج الوقود والكهرباء، وتوقف إنتاج غاز الطهي، وارتفاع أسعار الغاز المستورد خمسة عشر ضعفاً”.

ويؤكد البيان أن “النسخ السابقة من المؤتمر شهدت تهميشاً مُؤسفاً ومُستغرباً لشمال شرقي سورية، وعلى القائمين على مؤتمر بروكسل الثامن بناء مقاربة شاملة غير مسيّسة تجاه القضايا الإنسانية في عموم الجغرافية السورية، وعليهم الالتفات إلى التوصيات التي تمت صياغتها بناءً على مشاورات معمّقة بين المنظمات المحلية والدولية العاملة في المنطقة، وتشمل ضرورة دعم الاستجابة الإنسانية من خلال زيادة التمويل لتلبية الاحتياجات الطارئة، بما في ذلك المساعدات الغذائية والطبية والإيواء والمياه النظيفة، ووضع الأمن الغذائي والمائي على قائمة الأولويات، والضغط من أجل حصول جميع السوريين على مياه صالحة للشرب، وتحييد الموارد المائية من التجاذبات السياسية، ودعم الأنشطة التي من شأنها أن تساعد على إصلاح مرافق الإنتاج الزراعي، وتأمين الحاجات الأساسيات لزراعة المحاصيل الاستراتيجية كالقمح، وتعزيز دعم منظمات المجتمع المدني المحلية لتقديم المساعدات الإنسانية المباشرة للسكان والنازحين”.

كما دعا البيان إلى “دعم آليات تعزيز الاستقرار من خلال تقديم الدعم الكافي لمشاريع وبرامج التنمية المجتمعية المستدامة، والتي من شأنها أن تساهم في تعزيز الاستقرار وتحسين جودة الحياة للسكان المحليين، ومنها بناء المدارس والمستشفيات، وتوفير فرص العمل، ودعم مشاريع بناء وتحسين البنية التحتية، بما في ذلك تقديم الدعم اللازم لجهود ترميم المنشآت الحيوية التي دمّرتها الهجمات التركية، ومنها محطات الكهرباء والمياه”.

وطالبت المنظمات بـ “تعزيز قدرات المنظمات المحلية عبر تخصيص مبالغ مالية لاستخدامها في تلبية الاحتياجات الإنسانية الأكثر إلحاحاً، وكذلك تعزيز قدرات المنظمات العاملة في مخيّمات النازحين التي تضم عشرات آلاف النازحين الذين لا يتلقون مساعدات مستمرة، ما يؤثر سلباً على حقوقهم الأساسية، فالمساعدات التي تقدمها وكالات الأمم المتحدة تتفاوت بين مخيم وآخر، مما يترك بعضها من دون مساعدات كافية”.

وشددت المنظمات على “دعم مبادرات الضحايا والناجين، ومناصرة قضاياهم، والنهوض بعملية سلام شاملة لكل السوريين من خلال العمل على إيجاد حلّ سياسي يشمل جميع مكونات المجتمع، وتوفير مقاعد لمندوبين عن مجتمعات شمال شرقي سورية التي تعاني من نقص التمثيل الفادح، إضافة إلى التعامل بشكل دقيق مع العقوبات، وضمان المراجعة الدورية لها”.

وتنقسم مناطق السيطرة في سورية إلى ثلاث مناطق رئيسية، الأولى خاضعة لسيطرة النظام، وتضم مناطق جنوبي وغربي ووسط البلاد، وثانية في الشمال الغربي تحت سيطرة المعارضة، فيما تخضع مناطق الشمال الشرقي لسلطة “الإدارة الذاتية” الكردية والنفوذ العسكري لقوات سوريا الديمقراطية “قسد”، وتسعى تركيا لإبعاد القوات الكردية تفاديا لتشكيل منطقة انفصالية تهدد أمنها القومي، كما لا يملك النظام علاقة طيبة مع قوات قسد.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى