بعد حوالي نصف سنة على اندلاع الحرب مع حماس، تقف إسرائيل أمام إمكانية حدوث عاصفة خطيرة على جبهتين. في قطاع غزة، هجوم جوي قتل فيه الجيش الإسرائيلي بالخطأ سبعة من عاملي الإغاثة في جمعية اجنبية سيزيد الضغط الدولي حول الأزمة الإنسانية. أما في لبنان وسوريا فتأمل إسرائيل بردع دخول حرب شاملة إثر زيادة ضرباتها ضد حزب الله وإيران. في الجبهتين، يصعب تشخيص سياسة وأهداف واضحة قابلة للتحقق.
كل ذلك يرافقه تدهور شديد في العلاقات مع الولايات المتحدة وتشكك متزايد داخلياً في اعتبارات رئيس الحكومة نتنياهو. مؤخراً، تسري شائعات بخصوص وضع نتنياهو الصحي على خلفية علاج استثنائي اجتازه وظهور علني غريب قليلاً. ولكن سياسته مقلقة أكثر: من الصعب فهم ما الذي يريد نتنياهو تحقيقه. حتى أتباعه الهستيريين بدأوا يتشككون بأن النصر المطلق ليس سوى شعار منقوش على القبعات، وأن توجه رئيس الحكومة بالتحديد هو نحو حرب أبدية، بحيث تؤجل الانتقاد الذاتي الوطني بخصوص المسؤولين عن الفشل الذريع في 7 أكتوبر، وربما تؤخر الإجراءات في محاكمته الجنائية.
لقد مرت أقل من 24 ساعة والعنوان السابق الصاخب “اغتيال الجنرال الإيراني حسن مهداوي في دمشق والذي نسب لإسرائيل” وقد أخلي المكان لدراما جديدة، “قتل عاملي الإغاثة في غزة”. أكثر من 30 ألف غزي، معظمهم من المدنيين، قتلوا حسب التقديرات في الحرب في القطاع. ولكن المس بالأجانب، أعضاء منظمة الإغاثة “المطبخ المركزي العالمي”، الذين وزعوا الوجبات في الحرب حتى للمحتاجين في إسرائيل، هو الذي سيثير الآن عاصفة شديدة. هذا الحادث يضاف إلى موت أكثر من 100 غزي في شمال القطاع في حادثة كانت حول قافلة مساعدات وصلت في 29 شباط، إلى جانب عدة أحداث مشابهة أخرى تتعلق بإدخال المساعدات. يصعب جسر الفجوة بين المهنية الاستخبارية، كما تم التعبير عنها في الهجوم الدقيق في دمشق، وبين الضربة الخاطئة لسيارات الإغاثة في غزة (لا نريد التحدث عن إخفاقات الاستخبارات عشية هجوم حماس).
النتيجة المستخلصة من الأحداث الأخيرة أصبحت واضحة: الصبر ينفد، حتى لدى أصدقائنا في الغرب، تجاه استمرار الهجمات العسكرية الإسرائيلية، والمطالبة بزيادة المساعدات الإنسانية، وإزاء تقارير متزايدة عن مجاعة أو خطر مجاعة في أرجاء القطاع. إذا أملت إسرائيل أن بإمكانها استخدام سيطرتها على إدخال المساعدات الإنسانية كأداة ضغط لإطلاق سراح المخطوفين المحتجزين لدى حماس، فإنها فقدت هذه الورقة من يدها.
إسرائيل قلقة من أن تزيد الحادثة الضغط الدولي لتطبيق وقف لإطلاق النار في القطاع بدون اتفاق مرضٍ في موضوع المخطوفين، وبدون تفكيك سلطة حماس بالكامل في القطاع. واعترفت مصادر أمنية أن الحادثة لم تكن في فراغ؛ فالجيش الإسرائيلي ضرب في الأشهر الأخيرة مدنيين مرات كثيرة لا علاقة لهم، وضرب في بعض الحالات قوافل مساعدات وعاملين فلسطينيين تابعين لمنظمات دولية وطواقم إعلام محلية. هذه الأخطاء حدثت أيضاً نتيجة سياسة توسع أوامر فتح النار، حيث وضعت أولويتها الأولى تقليص تعريض الجنود للمخاطرة إلى الحد الأدنى. وثمة نقطة ضعف محتملة أخرى تتعلق بالتحديد بتقصير إجراءات المصادقة (“إغلاق الدائرة”) بين القوات على الأرض، والقيادات التي خلفها ومن يشغلون المسيرات في سلاح الجو. تفاخر الجيش الإسرائيلي بتقليص الفترة الزمنية للمصادقة وعدد مستويات المصادقة المطلوبة بصورة حسنت وتيرة تقديم المساعدات للقوات العاملة. ولكن ثمة نتيجة جانبية محتملة وهي قلة رقابة اعتبارات القادة التي قد تؤدي إلى ازدياد الأخطاء.
لكن الفرق بين نظرة إسرائيل والمجتمع الدولي لاستمرار القتال في القطاع برز أيضاً في قضية عملية مستشفى الشفاء في غزة. الإثنين، خرجت قوات الجيش الإسرائيلي من المكان بعد انتهاء نشاطات استمرت أسبوعين، قتل فيها نحو 200 فلسطيني (حسب الجيش، جميعهم تقريباً من المخربين)، وتم اعتقال 500 عضو من حماس و”الجهاد الإسلامي”. يتحدث الجيش الإسرائيلي عن نجاح كبير: تضررت كثيراً القدرة العملياتية للتنظيمات الإرهابية، وتم استخراج معلومات استخبارية، وكان هناك حرص بعدم المس بالمرضى وأعضاء الطاقم الطبي. “الشفاء” لا يوصف كمستشفى، بل كمركز إرهاب اختبأ فيه المخربون خلف المدنيين واستخدموهم كدروع بشرية.
الصورة التي رسمتها وسائل الإعلام العالمية مختلفة كلياً. أما الصورة التي لدى إسرائيل والقائلة بأن جميع القتلى والمعتقلين كانوا مخربين، استقبلها العالم بتشكك. إضافة إلى ذلك، فإن ما تم تأكيده هو شدة الدمار الذي لحق بالمنشأة التي تعد الأكبر، التي تدمرت بشكل كامل. تفسير المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي بأن المسلحين صمموا على مواصلة القتال من داخل المنشآت الطبية يقنع الساحة الداخلية. أما مستهلكو الإعلام في الغرب، كانوا مهتمين بالحرب، فسيشاهدون الدمار وآثار الحرائق في مستشفى الشفاء، الذي ستكون تكلفة إعادة ترميمه باهظة جداً.
بالنسبة لهم ولمعظم الحكومات، فإن مذبحة 7 أكتوبر أصبحت حقيقة منسية. وإن تجنب نتنياهو لإظهار مرونة ما في مسألة دمج السلطة الفلسطينية في ترتيبات اليوم التالي في القطاع، يحبس إسرائيل في موقف الرافض الحازم الذي يفشل أي ترتيب بديل.
في هذه الأثناء، قالت مصادر سياسية إسرائيلية في هذا الأسبوع، التي يبدو أنها قدمت إحاطات لجميع المراسلين السياسيين في إسرائيل بأنه تم تحقيق “إمكانية كامنة للتقدم” في محادثات جرت حول صفقة المخطوفين في القاهرة. وحسب قول هذه المصادر، وسع نتنياهو قليلاً التفويض للمفاوضين الإسرائيليين، وتجري اتصالات في محاولة لحل إحدى قضايا الخلاف الأساسية المتعلقة بالسماح بعودة المدنيين الفلسطينيين إلى شمال القطاع. حتى الآن، من المفضل أخذ هذه الأقوال بحذر زائد. يبدو التسريب كمحاولة لنقل الكرة إلى ملعب حماس، وما دام رؤساء أجهزة الاستخبارات غير مشاركين بأنفسهم في محادثات مصر أو قطر، فإن احتمالية حدوث تقدم حقيقي ليست كبيرة.
كان يمكن المعرفة أكثر عن مواقف نتنياهو من أقوال قالها المتحدث بلسانه لوسائل الإعلام الأجنبية، مارك ريغف، التي تم اقتباسها أمس في موقع “واي نت”. حسب ريغف الذي تحدث مع منظمة “أصدقاء الليكود” في الولايات المتحدة، فإن معظم الجمهور الإسرائيلي لا يوافق على طلب معظم عائلات المخطوفين: “عقد صفقة بأي ثمن”. وحسب قوله، فإن “هذه العائلات يمكنها قول ما تريد. نتفهم ألمها، لكن عندما يسأل الإسرائيليون في الاستطلاعات حول “صفقة بأي ثمن” فإنهم لا يوافقون على ذلك… وفكرة هل من أجل الأسرى يجب السماح لحماس بالفوز في الحرب؟ لا. الجمهور لا يوافق على ذلك”.
ملزمة بالرد
سارعت الولايات المتحدة، كتب الصحافي براك ربيد، إلى التنصل من هجوم دمشق الإثنين، وإبلاغ إيران بأنها عملية إسرائيلية تمت بدون تنسيق مسبق مع واشنطن. حسب الأمريكيين، فإن ضباطاً في الجيش الإسرائيلي اتصلوا بهم وهم في الجو بطائراتهم، وفي حينه أيضاً لم يخبروهم بأن هدف الهجوم كبير بهذا الحجم. الاستنتاج من هذه الأقوال هو أن الإدارة الأمريكية تخاف جداً من اندلاع حرب إقليمية بين إسرائيل وإيران، وتريد أن تنأى بنفسها عن سياسة إسرائيل.
طهران هددت علناً بأنها سترد بسرعة وبشكل حاد على اغتيال الجنرال مهداوي، الذي اتهمت به إسرائيل. وأصبحت الآن ملزمة بالرد. من المرجح أن الإيرانيين ومن يرعونهم في حزب الله، سيحتارون بخصوص قوة الرد، والساحة التي سينفذ فيها والفترة الزمنية التي سيستغرقها. إسرائيل رفعت من الحماية والاستعداد في ممثلياتها في أرجاء العالم خوفاً من عمليات انتقامية. ولكن في الوقت نفسه، قد يأتي الرد على طول الحدود مع لبنان وسوريا، وربما أكثر من ذلك، في عمق أراضي إسرائيل.
أرادت إسرائيل حتى الآن التركيز على محاربة حماس في قطاع غزة والامتناع عن الانزلاق إلى حرب شاملة في الشمال. العملية الأخيرة تعكس تصعيداً واضحاً، كما يبدو في محاولة لضعضعة الإيرانيين وجعلهم يدركون أن استمرار إطلاق النار على مستوطنات الشمال أمر لا تحتمله إسرائيل. ولكن في لعبة التلميح والتهديدات الشرق أوسطية، قد تحقق العملية نتيجة معاكسة وتجر إيران إلى تصعيد يقرب الطرفين من حافة الحرب. قد يحدث هذا حتى لو لم يكونا غير معنيين به.
المصدر: هآرتس /القدس العربي
أصبحت جرائم قوات الإحتلال الصhيوني لايمكن تقبلها من المجتمع الدولي، مجازر مجمع الشFاء وأخيراً إغتيال سبعة أعضاء لمنظمة الإغاثة “المطبخ المركزي العالمي”، الذين وزعوا الوجبات في الحرب للمحتاجين بغزة وحتى بإSرائيل، فإلى متى سيتحمل داعمي هذا الكيان لجرائمه ؟.