تعيش مناطق الشمال السوري حالة ترقب تخوفاً من انفجار جديد قد تشهده مناطق سيطرة “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا، وذلك بعد مطالبة وزارة الدفاع في “الحكومة السورية المؤقتة” التابعة للمعارضة، الفصائل غير المنضوية تحت مظلة “الجيش الوطني” التابع للوزارة، بالانضمام إلى الجيش، وإلا سيتم التعامل معها بوصفها مجموعات “خارجة عن القانون”، ما يفتح الباب أمام مواجهات مع تلك المجموعات في حال رفضت التجاوب مع هذا الطلب.
وقالت وزارة الدفاع في “الحكومة السورية المؤقتة”، في بيان، إنه “بهدف ترسيخ العمل المؤسساتي وتحسين الواقع الأمني في المنطقة، يجب أن تنضم جميع المجموعات غير المنضوية تحت مظلة الجيش الوطني في المناطق المحررة الواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية المؤقتة إلى منظومة وزارة الدفاع بالشروط والمعايير التي يراها الجيش الوطني مناسبة”.
وتأتي هذه التطورات بعد أيام من اعتراض مجموعات عسكرية موكباً يضم مسؤولين أمنيين أتراكاً، ومسؤولين في الائتلاف الوطني المعارض، بريف مدينة أعزاز شمالي مدينة حلب، شمال غرب سورية.
وعلى إثر ذلك، قامت فصائل “الجيش الوطني السوري” الحليف لتركيا، وعلى رأسها “فرقة السلطان مراد” و”فرقة سليمان شاه”، باعتقال حوالى 50 عنصراً، بينهم قادة من “تجمع الشهباء”، قبل أن تقوم بإطلاق سراح بعضهم، في حين يرجع المشاركون في اعتراض الموكب لـ”الفرقة 50″، ما أدى لتقديم قائد الفرقة حسين عساف استقالته، لكن ذلك لم يكن كافياً لإلغاء قرار إنهاء الفرقة والتجمع ككل.
ويسيطر “الجيش الوطني” المدعوم من تركيا على مناطق ريف حلب الشمالي، وتحديداً عفرين وريفها وجرابلس والباب وريفيهما، إضافة إلى جيب ممتد بين تل أبيض بريف الرقة ورأس العين بريف الحسكة شمال شرق سورية. وجاءت تلك السيطرة بعد عمليات متعددة للجيشين الوطني والتركي في تلك المناطق ضد المجموعات الكردية وتنظيم “داعش” بدأت منذ عام 2016 وحتى العام 2019.
تكتلات ضمن “الجيش الوطني السوري”
وبرزت خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة العديد من التحالفات العسكرية ضمن الفصائل المكونة لـ”الجيش الوطني”، أنتجت غرف عمليات وقيادات مشتركة، بعضها اضمحل سريعاً مثل “غرفة القيادة الموحدة (عزم)”، التي تكتلت معظم فصائلها تحت مسمى جديد باسم “هيئة ثائرون للتحرير”، فيما شكلت فصائل أخرى “الجبهة السورية للتحرير”. كما تأسست منتصف فبراير/شباط 2022 “حركة التحرير والبناء” من قبل فصائل معظمها من المنطقة الشرقية في سورية، وهي “أحرار الشرقية” و”جيش الشرقية” و”الفرقة 20″ و”صقور الشام”.
وإلى جانب هذه التجمعات، تشكلت عدة فيالق مثل الفيلق الأول والفيلق الثاني، إضافة إلى الفيلق الثالث الذي تشكل نهاية عام 2021 من عدة فصائل، مثل “الجبهة الشامية”، و”جيش الإسلام”، و”فيلق المجد”، و”الفرقة 51″، وفرقة “ملك شاه”.
لكن الفيلق تعرض لضربة قوية من جانب “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً) المتمركزة في إدلب بذريعة وجود فصيل “جيش الإسلام” داخله، ردا على ما بينهما من صدامات سابقة في الغوطة الشرقية بريف دمشق.
وشنّت الهيئة هجوماً على مواقع الفيلق في ريف حلب الشمالي، عام 2022، انتهى بخسارة الأخير لمعاقله في عفرين، إضافة إلى تجريده من أكبر مورد مالي له وهو معبر الحمران (بين مناطق قسد والجيش الوطني) والذي ما زال تحت سيطرة فصيل “أحرار الشام – القاطع الشرقي” الموالي للهيئة. وتعد استعادة السيطرة على المعبر، وإبعاد “تحرير الشام” عن المنطقة، من الأهداف الأساسية غير المعلنة لمجمل الإصلاحات المطروحة لـ”الجيش الوطني”، وفق ما يرى العديد من المراقبين.
السهام نحو “تجمع الشهباء”
ولعل التشكيل الأبرز المقصود بالخطوات الأخيرة هو “تجمع الشهباء” الذي أُعلن عن تشكيله في شهر فبراير من العام الماضي والمتهم بالتبعية لـ”تحرير الشام”. وتشكل التجمع من فصائل “أحرار الشام – القطاع الشرقي” و”الفرقة 50 – أحرار التوحيد” و”حركة نور الدين الزنكي”، من دون أن ينسب نفسه لأحد من فيالق “الجيش الوطني السوري” الثلاثة.
وصرّح مصدر مسؤول في “تجمع الشهباء”، فضّل عدم الكشف عن هويته لكونه غير مخول بالتصريح الرسمي، أن “العمل ضمن التجمع ما زال قائماً، لكن إذا تطلب الأمر إلغاء التجمع وفق مصلحة المنطقة، فنحن جاهزون”. وأضاف المصدر لـ”العربي الجديد”، أن أغلب فصائل “تجمع الشهباء” في طريقها للانضمام بشكل كامل للفيلق الثالث في “الجيش الوطني”، مؤكداً أن “الفرقة 50 وحركة نور الدين الزنكي طلبتا الانضمام إلى الفيلق الثالث، وهناك تنسيق بين أحرار الشام ـ القاطع الشرقي والجانب التركي من أجل انضمامها للفيلق المذكور”.
ونفى المصدر أي علاقة لفصائل التجمع باعتراض الموكب الذي يضمّ مسؤولين أتراكاً في ريف أعزاز، قائلاً إن “مدنيين هم من فعلوا ذلك، وتم اعتقالهم جميعهم وأفرج عن نصفهم تقريباً”. وأضاف: “هذه ليست المرة الأولى التي يعترض فيها مدنيون ممن يتحدرون من مدينة تل رفعت (تقع شمال حلب وتحت سيطرة المجموعات الكردية) لأرتال الائتلاف والحكومة المؤقتة، فقد اعترضوا سابقاً موكب الرئيس الأسبق للائتلاف (نصر الحريري) وموكباً للحكومة المؤقتة، وذلك تعبيراً عن عدم الرضى عن إدارتهم للمعارضة وملف المنطقة”.
وبحسب إحصاء غير رسمي، فإن تعداد عناصر فصائل “تجمع الشهباء” يبلغ حوالى 9 آلاف مقاتل، تتوزع 4 آلاف منهم على “الفرقة 50″، و3 آلاف على “أحرار الشام – القاطع الشرقي”، وألفا مقاتل على “حركة الزنكي”.
وتنتشر “حركة نور الدين الزنكي” في مدينة جنديرس بريف مدينة عفرين، أو ما يعرف بمنطقة “غصن الزيتون” نسبة إلى العملية التي شنّها الجيش التركي والمعارضة ضد المجموعات الكردية في المنطقة. فيما تنتشر “الفرقة 50” في منطقة أعزاز ومحيطها، المعروفة بمنطقة “درع الفرات” نسبة إلى العملية التي شنّها الجيش التركي والمعارضة ضد تنظيم “داعش”. أما فصيل “أحرار الشام ـ القاطع الشرقي” فينتشر في ريف مدينة الباب من “درع الفرات”، وتحديداً في مناطق عولان وعبلة وسوسيان والنعمان وعند معبر الحمران وترحين.
ورأى المحلل السياسي درويش خليفة، أنه بعد أكثر من عام على إعلان تشكيل “تجمع الشهباء”، فإن الفصائل المنضوية ضمن “الجيش الوطني” تنظر إليه بعين الريبة، ولم يتوقف طيلة الفترة الماضية تراشق الاتهامات بين الطرفين. ولفت إلى أن “الجيش الوطني” يتهم التجمع بالتبعية لـ”هيئة تحرير الشام”، وهو ما ينفيه التجمع قائلاً إن فصائله متضررة من الهيئة بابتلاع فصيل أبو محمد الجولاني لـ”حركة الزنكي” عندما كانت تسيطر على قطاع واسع من ريف حلب الغربي.
واعتبر خليفة في حديث مع “العربي الجديد”، أن “الحدث الأخير باعتراض الوفد الأمني التركي في أعزاز، ربما يكون الشعرة التي قصمت ظهر البعير، ووضعت الجميع في حالة حذر شديد، الأمر الذي استدعى من وزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة إصدار بيان يحمل بين طياته لهجة تصعيدية ضد المجموعات المسلحة في مناطق الشمال غير المنضوية في الجيش الوطني”.
ولفت إلى أن توقيت إصدار البيان يشير إلى أنه موجّه إلى “تجمع الشهباء” تحديداً، و”لا أعتقد أن التجمع سيرفض الانضمام للجيش الوطني، فالخيارات أمامه ضيّقة ولا تحتمل سوى الانضمام أو الانسحاب نحو إدلب، الأمر الذي يثبت رواية فيالق الجيش الوطني بتبعية التجمع للجولاني”.
وحول ما إذا كانت الخطوات المقبلة، ستفيد في مأسسة “الجيش الوطني”، أشار خليفة إلى أن “مأسسة الجيش الوطني وفصائله، لم تعد حاجة ملحّة لدى جمهور الثورة والمعارضة، بسبب تجميد القتال ضد النظام، لكنها حاجة للضامن التركي لضبط السلاح في الشمال وإخضاع الجميع للقرار في أنقرة، لكن في مقابل ذلك، يجب ألا ننكر حالة المناطقية النفعية التي تسيطر على الفصائل، والتي تجعلها في معظم الأحداث تتحرك وفق منطق الفئوية المتضخمة”.
مأسسة “الجيش الوطني”
من جهته، قال هشام اسكيف، من مكتب العلاقات العامة في الفيلق الثالث التابع لـ”الجيش الوطني السوري”، لـ”العربي الجديد”، إن الجولاني قائد “تحرير الشام” دفع عدداً من الفصائل في ريف حلب للابتعاد عن “الجيش الوطني”. وأضاف اسكيف أن هذه المجموعات أعلنت عن نفسها من خلال تجمعات، لكن وزارة الدفاع لم تعترف بها، لافتا إلى أن الوزارة تسعى إلى مأسسة “الجيش الوطني” وعدم ترك أي مجموعة أو فصيل خارج هذه المؤسسة.
وحول احتمالات وقوع مواجهات دامية في التعامل مع تلك المجموعات، قال اسكيف إن “المتمرد يتم التعامل معه بالطريقة المناسبة”، لافتا إلى بذل كثير من الجهد خلال الفترة الماضية لحل هذا الملف بشكل ودّي.
وقال مصدر من “الجيش الوطني السوري”، لـ”العربي الجديد”، إن خطة الإصلاح في هذه المؤسسة تستهدف تنظيم الفصائل في سياق وحدات عسكرية، وخضوع جميع المنتسبين لتدريبات في الكلية الحربية التابعة لوزارة الدفاع، وذلك بهدف إنهاء الحالة الفصائلية والمناطقية في الجيش، وتعزيز مركزية القرار، بغية التمكن من ضبط الحالة الأمنية، وتلبية احتياجات السكان. وأضاف أن من الأهداف أيضاً قطع الطريق على أي توغلات أو نفوذ لـ”هيئة تحرير الشام” في ريف حلب الشمالي، سواء مباشرة أم عبر فصائل موالية لها.
المصدر: العربي الجديد
هل مخرجات الإئتلاف الحكومة المؤقتة ووزارة الدفاع لديها تعمل من أجل أجندة الوطن والثورة؟ أم بتوجيهات الممول؟ هل إعادة هيكلة “الجيش الوطني” ضرورة آنية ؟ أم هي لإغلاق ملفات ؟ إن كان مأسسة “الجيش الوطني” هي لعدم ترك أي مجموعة أو فصيل خارج هذه المؤسسة ودمجهم بهيكلية تربطها بالوطن والثورة فهذا حق، أم غير ذلك فهي كبروباغندا طاغية الشام بإعادة الهيكلة.