قراءة في رواية: بخور الغريبة

أحمد العربي

اياد حسن روائي سوري متميز، بخور الغريبة هي العمل الروائي الأول الذي اقرؤه له…

بخور الغريبة رواية تعتمد لغة المتكلم على لسان الشخصية المحورية فيها “بهجة” وهي تتحدث عن حياتها عبر سنوات …

بهجة ابنة الفرات، عائلتها كادحة تعمل بالأرض في جني المواسم، لذلك تبقى العائلة متنقلة بعربتهم دوما من مكان لآخر تلحق رزقها. يمتلك والدها واسطة نقل يعمل عليها في النقل حسب الحال حيث يتواجدون و تنقلهم كلهم كعائلة من مكان لآخر، تعيش مع أمها ووالدها وإخوتها الخمسة الآخرين. عاملها والدها ووالدتها بمودة لكونها فتاة وحيدة عندهم، لذلك رفضت الزواج من ابن عمها السيء ورضي ابوها. كانت تفضل أن ترتدي ملابس الشباب الذكور وأن تتصرف وكأنها شاب، كان ذلك يريحها أكثر عندما كبرت وجعلها تتخلص من تحرشات الرجال في أعمالها مع العائلة. مع ذلك لفتت نظر عمران ابن عائلة العز من احدى قرى الساحل السوري، فقرر أن يطلبها للزواج، رغم فارق الانتماء للطائفة، خالف اعراف طائفته وزيادة عن ذلك هو من عائلة اسياد ضمن طائفته، رضيت عائلة بهجة به وهي رضيت، لقد اعجبها عمران و ليس للمرأة أن تعترض إن وافق أهلها…

عاشت بهجة حياة سعيدة مع زوجها عمران، الذي كان يعاملها كطفلة صغيرة ومدللة عنده. عمران الذي كان قد كبر في بلدته وحصل على الشهادة الثانوية، وخالف عادات الشباب من أمثاله أبناء الساحل السوري بالالتحاق بالجيش السوري ليكون ضابطا. هو رفض ذلك وقرر متابعة دراسته. وهناك تعرف على فتاة فلسطينية من حي الرمل في اللاذقية احبها واحبته، وبعد مضي زمن اختفت الفتاة، ولم يستطع معرفة وضعها حتى أرسلت له رسالة أخبرته فيها أن والدها أجبرها على الزواج من ابن عمها المهاجر وانها التحقت به، لقد شكل ذلك غصة في حياة عمران…

 تعود أصول عمران إلى اسكندرونة حيث كانت تعيش العائلة وتمتلك الأراضي الكثيرة ولها مكانتها الدينية والاجتماعية، وبعد انتهاء الحكم العثماني عن بلاد الشام بعد الحرب العالمية الأولى ودخول سوريا تحت حكم الفرنسيين. اقتطع الفرنسيين لواء اسكندرون واعطوه للأتراك. لم يقبل جد عمران استمرار العيش تحت الحكم التركي، لذلك جاء مع عائلته واستقر في إحدى قرى الساحل السوري…

عانت بهجة من الأجواء العائلية لزوجها، فقد كان لديه أختين عانستين يعاملونها بشكل سيء. فهي من مذهب مختلف واخوهم يستحق الأفضل فهو سيد وابن سيد …

أدركت بهجة مبكرا ان هناك طقوس دينية خاصة بالطائفة عند عائلة زوجها عمران والاهم فيها أن المرأة مبعدة بالكامل عن هذه الطقوس والعبادات. وهي ومن باب الفضول كانت تراقب وتستمع وتتنصت عليهم، لعلها تدرك شيئا، عمران وطائفته يؤمنون بالتقمص، وأن الروح لا تموت بل تنتقل من الميت الى وليد جديد، لقد كان يزوره رجل كبير بالسن على أنه ابنه من جيل سابق، وأن روح عمران كانت في جسم أحدهم في فلسطين أيام النكبة وقتلته العصابات الصهيونية هناك…

أدركت بهجة بعد مضي سنة على زواجها دون أن يظهر عليها الحمل ان مشكلة ما فيها وفي زوجها حول قدرة الإنجاب، مما زاد من سوء معاملة اختيه له. كما كان قد ظهر ان هناك صراع مسلح بين منطقتين متجاورتين بين جماعة عمران وآخرين من مذهب آخر. وأصبح عمران وشباب القرية يحملون السلاح ويتواجدون في مراكز للدفاع او القتال، وكان يتغيب كثيرا عن بيته وزوجته، وتوضح الأمر بعد ذلك أن الصراع ليس في الساحل فقط بل في كل سوريا. ولم يوضح أن الصراع بين النظام الحاكم ومعارضين له. لم توضح الرواية لماذا حصل هذا الصراع وكيف كان مساره…

لقد كان لعدم حمل بهجة والحصول بعض المشاكل في البلدة واتهام بهجة بأنها جاسوسة لصالح أعداء زوجها وقريته وخاصة ان الاختين استمرتا بتأليب أخاها على زوجته بهجة مما دفعه لاخذها الى اهلها وتطليقها…

عادت بهجة لتكون جزء من اهلها بصحبة امها وابوها واخوتها يركبون العربة من مكان لآخر للبحث عن فرص العمل، لكن الظروف الامنية ليست كما كانت، لقد أصبحت سوريا مناطق صراعات وهناك قنص وقتل وتعديات، وفي احدى المرات أطلق قناص على العربة وأصاب والدة بهجة، التي أودعت المشفى لفترة طويلة وماتت بعد ذلك…

عندما طلق عمران بهجة واوصلها الى حدود المنطقة التي يسكن فيها أهلها، و تسيطر عليها المعارضة فقد تم التعامل معها كأنها عدوة، خاصة ان ابن عمها الذي رفضت الزواج منه سابقا أصبح قائدا عسكريا. انتقم منها وسجنها واتهمها بأنها جاسوسة للأعداء يعني جماعة عمران زوجها…

عملت بهجة مع نساء أخريات سجينات للهروب من السجن و استطاعوا فعل ذلك. ومن هناك بدأت رحلة الهروب من سوريا واللجوء الى اوروبا…

تحدثت بهجة بإسهاب عن مغامرة الهروب وكيف حولت ذهبها و مصاغها الذي اعطتها اياه امها لدولارات ستدفعها لاحقا للمهربين لتصل الى تركيا ومن هناك الى دول أوروبا الشرقية ومن هناك إلى إحدى دول الاتحاد الأوروبي. كانت رحلة مثيرة ومرعبة، أعادت بهجة تقمص دور الشاب وحملت فأسها وقادت مجموعات اللاجئين الهاربين من سوريا وغيرها تجاه أوروبا “جنة الله على الارض” كما يقول الهاربين. كانت الرجل الشجاع التي استطاعت أن تساعد الكثيرين لعبور حدود الدول، ولتواجه عصابات السرقة، وتساعد الكثير من النساء وتحميهم من الاغتصاب…

وصلت بهجة اخيرا الى احدى الدول الاوروبية، لكن لم نعلم كيف انتقلت من بطل على الطريق الى فاقدة للذاكرة وتتابع معالجة نفسية تسرد عليها رحلتها، تتذكر وتسرد وتعود رويدا رويدا الى حالتها الطبيعية…

تنتهي الرواية عندما تكتشف بهجة أن قائد المهربين هو ذاته ابن عمها الذي كان قد سجنها. وجدته معها في مركز اللجوء. تشتمه وتشتم من مثله بما فيهم اخوات زوجها العانسات…

في التعقيب على الرواية اقول:

انني ارى نجاحا على المستوى الأدبي الفني للرواية بحيث قدرتها على جعل القارئ يتابع ويتعايش مع الحدث والشخصيات ويصل الى ما يود الكاتب أن يوصله إلي كقارئ.

لكن ما غاب عن الرواية كان هو الحدث العام الذي تتحرك في فضائه الرواية واشخاصها…

ليس سرا ان اغلب سكان القرى في الساحل السوري هم من الطائفة العلوية، وأن لهم طقوسهم الدينية الخاصة والسرية. وان المرأة عندهم باعتقادهم مبعدة عن شؤون الدين. وكذلك ليس سرا أن السلطة السورية ومنذ عقود مسيطر عليها في بنية الدولة والجيش والأمن من الطائفة العلوية باغلبية كبيرة جدا. وان هذه السلطة الممتدة لعقود منذ الأسد الأب وبعده الابن. وان الظلم والقهر والفساد كان سائدا وأن السجون والمعتقلات كانت ممتلئة بالمعارضين وأن الشعب كان في حالة فقدان للحقوق كاملة فلا حرية ولا عدالة ولا ديمقراطية. لذلك كان الشعب جاهزا ليثور ، وعندما بدأ الربيع العربي امتد ليصل الى سوريا في ربيع ٢٠١١م…

 ليست المظالم على الشعب السوري ولا الثورة عليه أمرا يمكن اخفائه في ثنايا رواية وتبقى قادرة على الصمود في مواجهة النقد والتفنيد.

نعم ثار الشعب السوري وكان من نتائج الثورة المباشرة، رفض النظام أن يقدم للشعب أي من حقوقه. وعمد الى استعمال القوة بحق الشعب السوري. قتل واعتقال وتدمير البلدات والمدن. أكثر من مليون شهيد في الثورة ومثلهم مصابين ومعاقين. أكثر من ثلاثة عشر مليون إنسان سوري لاجئ داخل سوريا وخارجها وهم نصف الشعب السوري أو أكثر. هل أخطأ الثوار عندما واجهوا النظام بالعمل المسلح.؟. كانوا مضطرين. نعم واخطأ البعض عندما كانوا تحت رحمة املاء الداعمين …

لكن المجرم الأكبر هو النظام وجيشه الذي صنع القاعدة وداعش واحضرها لقتل السوريين. وكذلك أحضر الايرانيين وحزب الله والميليشيات الطائفية والروس. كما أعاد النظام احياء حزب العمال الكردستاني ال ب د ك وال ب ي د مع قوات سوريا الديمقراطية ليصنعوا إقليما كردية انفصالية في شرق الفرات والشمال الشرقي السوري. أمريكا حضرت تحمي حزب العمال الكردستاني وتنهب النفط والغاز والموارد الزراعية السورية المتواجدة في الجزيرة السورية…

 أصبحت سوريا محتلة وشعبها مشرد وكل من بقي في داخل سوريا يعيش حياة الجحيم…

هذا واقع سوريا الذي مرت الرواية عليه وكأن ما يحصل لا يستحق الذكر…

نحن في ذكرى ثورتنا السورية هذه الأيام وما زالت مطالب الشعب من ثورته ذاتها. اسقاط النظام المستبد وتحقيق الحرية والعدالة واستعادة الكرامة الانسانية وتحقيق الديمقراطية والحياة الأفضل.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. رواية “بخور الغريبة” للروائي السوري “إياد حسن” قراءة جميلة وتعقيب موضوعي من الكاتب “احمد العربي” رواية تتحدث عن وضع عائلة من الطائفة العلوية قسم متمسك بالطقوس الدينية والزوجة غير مهتمة ، قراءة موضوعية للواقع الإجتماعي السوري .

زر الذهاب إلى الأعلى