قراءة في رواية: فئران أمي حصة

أحمد العربي

سعود السنعوسي. روائي كويتي متميز. كتب رواية ساق المامبو وكتبنا عنها. من روائيي الجيل الجديد نسبيا. له حضوره … يمس بالمباشر قضايانا المعاصرة بكل شفافية ومصداقية

 من المفترض معرفة أن رواية فئران أمي حصة قد كتبت في العام 2020.. وتحوي داخلها رواية كتبت العام 2017.. وهذا يعني أن الرواية تنتمي لنموذج استقراء المستقبل الرواية تبدأ من حادث اقرب لانفجار أو معركة في مدينة الكويت. يخرج منها بطل الرواية باحثا عن أقرب صديقين له منذ طفولته. صادق وفهد.. وهم الثلاثة جزء من مجموعة تطلق على نفسها أولاد فؤادة لها اذاعه وموقعا إلكترونيا. وتعمل لبث موقف وطني وانساني من الطائفية. التي أصبحت طاعون الواقع. والذي تغلغل في الحياة وتسلح وتحولت (بذلك) حياة الناس لقتل متبادل . فهؤلاء شيعة وأولئك سنّة والبعض ملحدون لا دينيّون. والكل يستبيح الكل ويعمل ليقضي عليه. والبلاد في حالة خراب وفوضى وجحيم بكل المعايير

.تتجمع خيوط الرواية أول بأول حتى تكتمل باكتمال النص.. فبطل الرواية ابن لحيّ في الكويت يعيش أهله علاقات حميمية. والأطفال تحت رعاية الأمهات والجدات والكل يقال لهم (امي). ينشأ مع الاطفال من ابناء جيرانه فهد و صادق واخته حوراء وعمة فهد فوزية. يعيشوا طفولتهم بكل تفاصيلها وتساؤلاتها. يدخلون العالم عبر الأهل والجدات خاصة (حصة) الجده المتميزة تحمل في وعيها وذاكرتها الماضي كله والانتماء والوجدان والقيم . ويكون دورها ان تزرع هذا كله بالاطفال اولا باول.. كدور حتمي وللإجابة على تساؤلات الأطفال الذين يواجهون العالم

.سيكتشف الاطفال انهم منقسمون اجتماعيا. فذلك شيعي وهذا سني وبينهم مشتركات وعداوات. وهذا كويتي وذاك فلسطيني او سوري او مصري او سوداني الخ… وكلهم يعيشون ذات الحياة وكل يقوم بدورة.. الاطفال يتدرجوا بالوعي الذي ستزرعه العائله. فصادق الشيعي وفهد السني سيتعلما من والديهما الاختلاف ورفض الاخر واتهام اعتقاده انه غير صحيح. ولكن ذلك لا يؤثر على الاولاد الذين يعيشون انسجامهم وتفتحهم على العالم سوية. سيكبر الاولاد جزء من العصر. فهم يعايشون الحرب العراقية الايرانية واصطفاف الأهل فعباس والد صادق مع إيران وقيادتها الدينية. وصالح والد فهد مع (صدام ) ويعتبره رمزه. والجدة ستزرع في وجدانهم ان لا عدو الا اليهود. الذين اخذو فلسطين وان القائد الحقيقي عبد الناصر الذي واجههم.. سيكبر الاولاد ويكبر معهم وعيهم واسطفافاتهم.. يتعلمون في المدرسة على يد (فؤاده) التي تقول لهم ان هذه التقسيمات الطائفية تنوع مجتمعي وتاريخي. و الصراع على اساسها هو طاعون سيأكل الكل ولن يبقى احد.. سيتعلمون الدرس وينتمون للفكرة… لكن الوقائع ستتعقد أكثر ستنتهي الحرب العراقية الايرانية.. وستختلف العراق مع الكويت وستحتلها.. وهنا سندخل للمعانات الانسانيه لاهل الكويت من الاحتلال العراقي استباحة المال والبشر والمفقودين والاسرى.. سيتشكل بداية مقاومة. سيكون الاطفال ضائعين في متاهة احساسهم بان أمانهم ضاع.. وان العراقيين تحولوا أعداء وقتلة.. وهم ذهبوا للبحث عن ابائهم في سجون البصرة.  فجدتهم زينب من العراق وتحس بالعار مما يحصل.. لم يطل الزمان و تدخلت القوى الدولية وأنهت احتلال الكويت.. وعادت الكويت كما كانت. لكنها لم تتحرر من (طاعونها) الطائفيه كعنصر صراع كامن.. وخاصة أن إيران كدولة شيعية تتخذ المذهب الشيعي اساس الحكم وتحوله الى سياسة هيمنة فارسية بثوب شيعي، تغذي ذلك بتوجهاتها العقائدية والإعلامية والدعم العسكري السري. وكذلك السلفية السنية تغذي ذلك عبر (جهادها) العالمي الذي بدأ في أفغانستان وامتد لكل البلاد العربية والإسلامية. سيتأثر الكويتيين بأي مستجد حولهم. حصار العراق ومن ثم احتلاله يؤثر بمزيد من الاحتقان. وتحول سلطة العراق بالطبع بعد خروج الأمريكان منه، من نظام استبدادي شمولي. لنظام طائفي (شيعي) ينتقم من الطائفة السنية. وكأنه ينتقم من ظلم مرحلة (صدام). وانعكاس ذلك على البنية الاجتماعية والعقلية والعقائدية في العراق نفسه و بجواره. فيؤدي لتزايد المد السلفي الجهادي المقاتل. والمد الشيعي الجهادي المقاتل ايضا.. للشيعة أيضا معاركهم وانتصاراتهم. فهذا حزب الله في لبنان يقاتل (اليهود) وينتصر عليهم ؟!!.. سيتحول المناخ الاجتماعي لارضية صراع يدفع الكل لمواجهة الكل ويؤدي لفناء اجتماعي.. أليس هو الطاعون الذي ينعكس..

.على المسار الحياتي لبطل الرواية ورفاقه فهد وصادق وابن خاله فضيل وصديقه ايوب وحوراء اخت صادق وفوزيه عمة فهد.. سيكتشفون ان مايصنع لهم وما يزرع بهم ليس صحيحا.. ففهد (السني) سيحب حوراء (الشيعية) وسينتصر الحب ويتزوجان  وينجبان رغم انهما مرا بمتاعب كثيرة.. وكذلك فوزية المصابة بمرض السكر من طفولتها. عاشقة الشوكلاتا وروايات احسان عبد القدوس. ستفقد نظرها وسيكون بطل الرواية قارئ الروايات لها.. ثم تدفعه ليعيد كتابة حكايات الأم حصة لتكون مدرسة وعي للاطفال.. فضيل ابن الخال الشهيد عدنان يتطرّف قليلا ثم سيعود ليكون جزء من مجموعة أولاد فؤادة. (الطاعون قادم واجهوا الفئران التي تحمله). يعمل الكل على تشكيل هذه المجموعة. توافق اجتماعي وتعايش اهلي وقبول التنوع.. سيكون صوت أولاد فؤادة نشازا في أجواء التحشيد المتبادل. هذا رافضي وذاك ناصبي وذاك ملحد. و سيصنع كل طرف مجموعته المسلحة ويعلنها جهادا مقدسا والكل لهم من يغذيهم من داخل البلاد وخارجها والمصالح معروفه جدا.. ويعمل الكل لفناء الآخرين. ستكبر مجموعة أولاد فؤادة. وستتحول لظاهرة اجتماعية. وسيوجه الكل سهامهم لها. فهي لكونها لا تصطف مع طرف هي هدف معادي لكل الأطراف. يعيش بطل الرواية واصدقائه أياما صعبة وكذلك كل الكويتيين. الشوارع مغلقة بالمتاريس والأطراف تقتل بعضها التفجيرات تطال كل شيء. ولا مكان لأي حل أو أمل بالأفق إنه الطاعون..

.تنتهي الرواية عندما يبحث بطل الرواية عن صديقيه فهد وصادق اللذين عادا للاصدام بصفتهم سني وشيعي رغم انهم من مؤسسي اولاد فؤاده. ليؤكد لنا أن مشكلة الطائفية عميقة جدا ومدمرة.. وستجدهم بالمشفى ويموت أحدهم وينتظر الآخر قدره

.الفئران تكاثرت والطاعون قادم

.في قراءة الرواية نقول.. أن الخطط التي وضعت لامتنا العربية والاسلامية. تتحرك على قاعدة تحويل تنوعنا الديني والطائفي والاجتماعي أرضية صراع فناء دائم.. وان ذلك يعمل منذ عشرات السنين.. وزاد عليه خلق انظمة استبداد قاتلة للشعب تابعة للغرب . متقاسمة معه البلاد والعباد كغنيمة .. وتحويل الشعوب لعبيد.. ويوم تحرك الربيع العربي لمواجهة هذه الإرادة. رفض الأنظمة الاستبدادية. وطلبا للحرية والعدالة والكرامة والدولة الديمقراطية والحياة الأفضل.. تم دعم وحوش الطائفية والتطرف منا وبيننا لتتقاتل وتقتلنا وندخل في دوامة الإفناء المتبادل. وغياب أي حق من حقوق الإنسان عندنا بدء من حق الوجود والعيش الكريم.. أليس ما يحصل في بلادنا العربية هو كذلك…؟

.أليس تصنيف الصراع في سوريا والعراق واليمن كصراع طائفي وقاتل؟. واستحضار الطائفيين من كل اركان الارض. والقتل الجماعي ودمار البلاد وتشريد الشعوب هو واقع الحال؟

.نعم للاسف… وماكتب كإستقراء لمستقبل قادم.. هو واقع الان

علينا وعي ذلك والتصدي له

26.12.2015

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى