نتنياهو يؤكد أنه باتفاق أو من دونه سيهاجم المدينة والسيطرة على 1.4 مليون فلسطيني مهمة صعبة المنال.
اختيار رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بحث خطة “رفح” وآلية إخلاء السكان مساء أمس الأحد عشية وصول الوفد الإسرائيلي لمفاوضات الصفقة إلى قطر، تضع المدينة وسكانها ومجمل سكان شمال القطاع ورقة مساومة بيد نتنياهو لإنهاء الحرب، بل رهائن للعبة نتنياهو في سير حرب “طوفان الأقصى”، التي تدخل اليوم 143، فيما لم تتمكن إسرائيل من تحقيق أهدافها، بينما تكثف قتالها وتعمق قواتها في القطاع.
استبق نتنياهو بحث خطة رفح بتهديد واضح “بأن عدم التوصل إلى صفقة أسرى ستدفعنا إلى تنفيذ اجتياح رفح فوراً، وإذا ما تم الاتفاق فسنؤخر موعد الاجتياح”، لكن نتنياهو لم يترك رفح في إطار تهديداته هذه، بل وضع العراقيل أمام الصفقة عند إعلانه أن إسرائيل توافق أن تشمل الصفقة الإفراج عن محكومين لسنوات طويلة ومؤبدات ولكن بشرط أن ينتقلوا فور خروجهم من السجن إلى قطر أو تركيا، وهو شرط يشكل عرقلة كبيرة أمام التقدم في المفاوضات.
رفح نقطة الحسم للحرب
بانتظار نتيجة مفاوضات الصفقة، بعد العراقيل التي وضعها نتنياهو، قبل شهر رمضان أبقى الإسرائيليون اجتياح رفح من ناحية الخطة العسكرية وإجلاء السكان على رأس أجندة المؤسستين السياسية والعسكرية، وسط جهود للتفاهم مع مصر لما تخطط له إسرائيل بالنسبة إلى السكان منعا لتدفقهم نحو سيناء والحدود المصرية.
إسرائيل، وبحسب ما يتسرب من الاجتماعات الداخلية لم تجد بعد أية وسيلة واضحة لإمكان إجلاء 1.4 مليون فلسطيني من رفح وخطة إجلاء السكان التي عرضها الجيش على الكابنيت مساء الأحد، لا تضمن جميع السكان كما لا يمكن تنفيذها خلال فترة قصيرة، خصوصاً إذا لم يتم الاتفاق حول صفقة الأسرى، في ظل تقارير استخبارية وأمنية تحذر من أن اجتياح لرفح خلال شهر رمضان، لن يشعل انتفاضة ثالثة في الضفة فحسب، بل يؤدي إلى اشعال مختلف الجبهات في المنطقة.
وهو الأمر الذي حذرت منه واشنطن وكان مستشار الأمن القومي جيك ساليفان شدد على ضرورة “عدم تنفيذ عملية عسكرية كبيرة في رفح، قبل وضع خطة واضحة وقابلة للتنفيذ، تراعي حماية المدنيين وإيصالهم إلى بر الأمان وضمان الطعام وأماكن السكن ومتطلباتهم الأساسية”.
نتنياهو وبعد جلسة الكابينت التي استمرت حتى ساعة متاخرة مساء أمس، ضرب بعرض الحائط التحذيرات ومطلب فسح المجال للتوصل إلى صفقة أسرى، أولاً أبقى عملية رفح على رأس أولوياته وجعلها مرتبطة بشكل كبير بمدى تقدم مفاوضات صفقة الأسرى. وبحسب رئيس الحكومة الإسرائيلية فإن انتهاء عملية رفح سينهي العملية البرية في غزة، إذ قال “عندما نبدأ العملية في رفح سينتهي الهجوم على غزة في غضون بضعة أسابيع، فلا يمكن إبقاء معقل ’حماس‘ الأخير من دون معالجته. إذا حققنا صفقة مخطوفين فستتأخر العملية في رفح قليلاً، لكن إذا لم تكن صفقة فسننطلق إلى الاجتياح”.
وحرصت تل أبيب على إبلاغ القاهرة أنها لا تهدف إلى دفع الفلسطينيين نحو مصر “نحن نتحدث معهم وننسق معهم، السلام مع مصر ليس في خطر”. وفق رد نتنياهو على أمنيين وسياسيين حذروا من تداعيات عملية رفح وإجلاء السكان على العلاقة مع مصر.
وعد بعض المراقبين تصريحات نتنياهو التي أطلقها عبر بيان وزعه مكتبه، بمثابة تمهيد للشروع في عملية رفح بعد تصريحه بأن عدم التوصل إلى اتفاق صفقة فسيقوم الجيش بدخول رفح على الفور”.
والخطر هنا بهذه التصريحات أن الجيش الإسرائيلي عند دخوله إلى رفح في التوقيت الزمني الذي يضعه نتنياهو لن يتيح إجلاء 1.4 مليون فلسطيني الذين يوجدون باكتظاظ داخل منطقة صغيرة.
فتنفيذ اجتياح رفح يتطلب في البداية عملية معقدة، بحسب وصف أمنيين، وهي كيفية ضمان السماح لخروج المدنيين من دون أن يكون بينهم مقاتلو “حماس” من كتائبها الأربع، التي تدعي إسرائيل أنها ما زالت في غزة.
الخطة التي تخطط لها إسرائيل بناء رصيف عائم، شمال رفح لضمان نقل السكان ووصول المساعدات الإنسانية، أيضاً من البحر وإبقاء نشاط المستشفيات المتنقلة المقامة داخل سفن.
ولكن الأمر الأهم والأخطر في اجتياح رفح، وبحسب أكثر من أمني وعسكري، تتمثلان في أن إسرائيل لن تتمكن من ضمان إعادة الآلاف لشمال غزة، ليس فقط بسبب عدم وجود بنى تحتية لضمان السكان بل، وفق عسكريين إسرائيليين، قد تكون في تلك المناطق متفجرات وأسلحة بقيت بعد القتال ويمكن انفجارها بالسكان، وعليه يتوجب على الجيش المباشرة في إقامة خيام في المناطق المحيطة برفح، لتكون النقطة الأولى لإيواء النازحين إليها.
من جهة أخرى، ووفق خطة الجيش العسكرية والمختلف على تنفيذها بين رئيس الأركان هرتسي هليفي ونتنياهو، فإن ثمة عدداً كبيراً من الأسرى مع مقاتلي “حماس” في رفح، وبأن كل عملية تهدد حياة الأسرى، فيما الجيش يتحدث عن وجود ما لايقل عن 6 آلاف مقاتل فلسطيني في أربع كتائب في رفح.
حالياً الجيش يكثف تدريباته في رفح وبحسب وزير الخارجية يسرائيل كاتس فإنه في حال التوصل إلى صفقة ستكون ستة أسابيع من الهدنة كافية لأن يستكمل الجيش استعداده لتنفيذ الاجتياح بكل متطلباته من الناحية العسكرية والقضاء على مقاتلي “حماس” وأيضاً من ناحية إجلاء السكان.
وكرر كاتس رفض الحكومة الإسرائيلية لأي ضغط خارجي لمنع اجتياح رفح، معتبراً أنها المعقل الأخير لقيادة “حماس”، وأشار إلى أنه كوزير للخارجية يبذل جهوداً دولية هذه الأيام لدعم الموقف الإسرائيلي في مواجهة الدول الداعية إلى وقف الحرب في غزة.
الطريق إلى رفح يمر بالقاهرة
جهات أمنية وسياسية وعسكرية في إسرائيل تواصل التحذير من أخطار اجتياح رفح، خصوصاً بعد طرح الخطة على الكابينت وإصرار نتنياهو على تنفيذها. وعلى رغم ادعاء الأخير بأن العمل يتم بتنسيق مع مصر، قال الخبير العسكري، يوسي يهوشاع، إن على إسرائيل أن تعرض تفاصيل خطة رفح على القاهرة بكل جوانبها، بل التنسيق مع مسؤولي البلاد حول خطتها لبناء عائق تحت أرضي بين حدود القطاع والحدود المصرية.
اما جنرال اأحتياط، اسحق بريك، الذي تولى في السابق مناصب عدة في قيادة الوية ووحدات في سلاح البرية في الجيش الإسرائيلي فقال إن أي دخول لرفح سيكون كارثياً وسيدخل إسرائيل إلى وضع أمني اصعب أضعاف ما تعانيه اليوم، في المقابل ستصبح إسرائيل دولة منبوذة “بل لن تنجح في إعادة المخطوفين”.
وبعد اتضاح أن إسرائيل لم تجد بعد خطة واضحة لإجلاء 1.4 مليون مليون رئيس الحكومة الإسرائيلية فلسطيني في مقابل عدم قدرتها على التمييز بين المدنيين والمقاتلين في غزة والخطر المحدق بالاسرى الإسرائيليين طرح بريك تساؤلات عدة على متخذي القرار قبل دخول رفح وأخطارها بينها:
1 – هل محاولة نقل 1.4 مليون لاجئ إلى مناطق آمنة، من خلال الإدراك بأنه محظور استخدام السلاح الناري، هي أمر واقعي؟ ما الذي سنفعله مع العدد الكبير جداً الذي سيقرر البقاء في مكانه؟ كيف سنحارب “حماس” عندما سيتضرر عدد كبير من الغزيين، مما سيزيد غضب العالم ويؤدي إلى وقفنا الفوري؟
2- إذا نجحنا في نقل 1.4 مليون لاجئ إلى مكان آمن بواسطة مكبرات الصوت والمكالمات الهاتفية والمنشورات من الجو، كما قال رئيس الأركان، فهل تم أخذ في الحسبان إمكان أن تطلق “حماس” النار في الهواء وتؤدي إلى ذعر جماعي؟ هكذا حدث أكثر من مرة في ملاعب كرة القدم بسبب الاكتظاظ، وفي رفح بسبب الاكتظاظ الكبير يمكن أن يسحق وقتل الآلاف. وكل المسؤولية ستلقى علينا. وماذا في شأن إمكان أن يقرر كثيرون الذهاب إلى أماكن أخرى وليس إلى المكان الذي نريده؟ الحديث يدور عن 1.4 مليون شخص، والسيطرة على انتقالهم من مكان إلى آخر إشكالية جداً.
3- إذا حدثت أعمال الفوضى المذكورة أعلاه فهي ستتسبب بأزمة إنسانية، ولذلك فإن إسرائيل ستدفع ثمناً باهظاً جداً يتمثل بوقف الحرب.
4- حتى لو اجتزنا بسلام كل هذه العقبات فإنه من الواضح بحد ذاته أنه من بين 1.4 مليون لاجئ يوجد آلاف من “حماس” في الأقل، وربما عشرات الآلاف، الذين بعضهم هربوا من شمال القطاع ومن جنوبه إلى مدينة رفح، وبعضهم كانوا دائماً موجودين في الأخيرة. هل من غير الواضح لمتخذي القرارات بأن معظمهم سينضمون إلى حملة اللاجئين إلى الأماكن الآمنة، وأنه لن يكون بالإمكان التمييز بينهم وبين اللاجئين العاديين؟
5- كيف سنمنع “حماس” من السيطرة على المساعدات الإنسانية في المناطق الآمنة التي سيتم نقل 1.4 مليون لاجئ إليها، كما فعلوا في رفح؟
6- من الذي سيضمن بأن آلاف الحمساويين لن ينتقلوا من المناطق الآمنة عبر فتحات الأنفاق التي تنتشر في كل أرجاء القطاع، إلى داخل الأنفاق، وعندها سنجدهم مرة أخرى في مدينة غزة وجباليا والشجاعية (كما يفعلون الآن) وفي خان يونس؟
7- متخذو القرارات لم يأخذوا في الحسبان حقيقة أن تفاقم القتال مع “حزب الله” في لبنان بسبب الدخول إلى رفح سيقتضي بنقل القوات من القطاع إلى المنطقة الشمالية، وخفض آخر للقوات التي توجد في القطاع. إن اخراج القوات من مدينة غزة أدى إلى عودة “حماس” واللاجئين اليها، وهذا ما سيحدث أيضاً في خان يونس وفي مخيمات وسط القطاع. بسبب التخفيضات الكبيرة التي حدثت في الجيش في الـ20 السنوات الأخيرة، في خمسة فرق وأكثر وقوات أخرى، لا يوجد لدى الجيش الإسرائيلي فائض قوات. وعندما نقوم بتعزيز قطاع معين نحن نضعف قطاع آخر.
8- هل تم الأخذ في الحسبان إمكان أن دخول الجيش الإسرائيلي إلى مخيمات رفح في شهر رمضان يمكن أن يشعل الضفة؟ من أين سيأتون بالقوات من أجل حماية السكان اليهود هناك؟
9- السؤال الأكثر أهمية هو كيف ستتصرف مصر، حتى الآن لا يوجد أي اتفاق معها حول سيطرة الجيش الاسرائيلي على محور فيلادلفيا وإغلاق الأنفاق من شبه جزيرة سيناء إلى قطاع غزة. لسنوات كثيرة وصلت وسائل قتالية وذخيرة وعبوات ناسفة وصواريخ مضادة للدروع ووسائل لإنتاج الصواريخ وما شابه من سيناء إلى القطاع، مباشرة إلى أيدي مخربي “حماس”.
مصر غير مستعدة لإغلاق الأنفاق في جانبها، لأنه بحسب رأيها لا توجد مثل هذه الأنفاق. ومن دون أي حل يتم تنسيقه معها ستبقى مشكلة خطرة لم يتم حلها. عملياً نكون وكأنه لم نفعل أي شيء حتى الآن في الحرب، لأن “حماس” ستنمو مرة أخرى خلال السنوات المقبلة مع الوسائل القتالية التي تمر من أنفاق سيناء تحت محور فيلادلفيا التي ترتبط بمئات كيلومترات الأنفاق التي توجد على طول وعرض قطاع غزة.
ويحذر بريك من أنه حتى لو دخل الجيش إلى رفح فلن ينجح في القضاء على “حماس” بشكل مطلق، ويقول “لكن يمكن أن نجد أنفسنا في وضع أمني أصعب بأضعاف من الوضع الذي نوجد فيه الآن قبل دخول رفح، وسنفقد المخطوفين إلى الأبد. إذا قرر المستوى السياسي والأمني الدخول إلى رفح فإن ذلك سيضر جداً بمناعة إسرائيل السياسية والأمنية والقومية، وسيضر بعلاقاتنا مع كل العالم. دولة إسرائيل ستصبح كرة ثلج ستتدحرج نحو الهاوية في مجال الاقتصاد والأمن والمجتمع والعلاقات الدولية. بعد فترة لن يكون هناك أي طريق للعودة”.
ويقترح بريك على متخذي القرار “التقدم نحو اتفاق لإعادة المخطوفين، الأمر الذي سيمكن من الخروج بكرامة من الوضع الذي وجدنا أنفسنا فيه، وأن نعيد المخطوفين على قيد الحياة لبيوتهم. يجب عدم تمكين ’حماس‘ من التقوية مرة أخرى، ويجب تشكيل ادارة مدنية دولية ترافقها قوات شرطة، تستبدل سلطة ’حماس‘”.
وينهي حديثه محذراً “إذا واصلوا في المستوى السياسي والأمني الطريقة غير العقلانية فإنه خلال بضعة أشهر سيتعين عليهم أن يشرحوا للشعب في إسرائيل، لماذا لم تتحقق أهداف الحرب، والقضاء على ’حماس‘ وإعادة المخطوفين على قيد الحياة، هذا على رغم الثمن الباهظ الذي قمنا بدفعه، مئات الجنود القتلى منذ اقتحام قطاع غزة”.
المصدر: اندبندنت عربية