حملت بحنانٍ آخر بصلة، اعتذرتُ منها، قبلتُ خدها الناعم، شممتُ عطرها المميز؛ فهي آخر فاكهةٍ من خمس بصلاتٍ وزعتها لجنةُ الخضار في الحي المحاصر منذ شهرٍ، وكانت الأجمل.
خاطبتها همسًا:
– الآن جاء دورك يا صديقتي الغالية، فالوفاء للأيام الماضيات؛ إذ كنتُ أكتفي بتأمل قوامك البديع، لا يمنعني من استخدام السكين، سأبدأ بتعريتك من ثوب زفافك، ليطل بأبهة روعة جسدك وتفاصيله، ويخيل لي أن جداولَ دمٍ أزرق تجري بين أضلاعك.
– إلى كم وجبةٍ ستقسم هذه المسكينة الخجولة أيها الصوفي المتوحد؟
– إلى وجبتين، لكن هذا إسراف وتبذير في أوضاع الحصار الظالم، لأربع وجباتٍ فلا يموت الذئب ولا تفنى الغنم، ولن أرتضي بهذه القسمة بديلًا.
أغمضتُ عينيَّ لكيلا أرى دمعةً تسيل على صفحة خدها، فاقتربتُ بالسكين بيدٍ مرتجفةٍ خجلًا من حسنها الساحر، وحزينًا لمغادرتي جميل رفقتها طوال شهرٍ كامل.
– لا شك في أن شروط الحصار الجائرة لها أحكامها، وعهدي بنفسي لا تخون صاحبها، فأنا لا أبسط يدي كل البسط، ولا أجعلها مغلولةً إلى عنقي.
ترددتُ في أن أضعها في حضن المقلاة التي أدمنت احتضان أوراق الفجل والهندباء والسلق والبقلة، ولا أتذكر الأسماء الأخرى، التي يقدمها لي هديةً كل صباحٍ صديقي أبو عبيدة، لقد طبخنا كلَّ ما يصل إلى أيدينا، وأكلنا ما لا يؤكل.
آه لو كان في الحي مخيم (للنور، الغجر)، لطلبتُ من صبية غجريةٍ سمراء كصديقتي (حياة) البرونزية، أن تضرب (الودع)، وتقرأ ما كتبه القدر على كفي:
– متى ستُفتح الطريق، وتطل بصلة أخرى؟ صمتت الغجرية، ثم تحدثت:
– يا جدي (العمى بعينها، ألا تراني في ريعان الشباب، وإن كنت أقف على ضفتي السبعين والثمانين من عمري!)، بعد ثلاث إشارات:
– يوم، شهر، عام….
– وداعًا يا صديقتي، ثم وضعتها في المقلاة، وأخذتُ أبحث عن مكانٍ آمن، لا تصل إلى بقية البصلة أيدي وأعين الغرباء والعشاق.