الجيش اللبناني يجري تحقيقات للتأكد من عدم دخول طابور خامس على الساحة الجنوبية.
منذ بداية حرب غزة في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وانخراط “حزب الله” في المواجهة عبر الحدود الإسرائيلية، يحرص الحزب على تبني العمليات التي تجاوز عددها ألفاً حتى الآن، عبر بيانات رسمية، باستثناء عملية إطلاق 8 صواريخ دقيقة باتجاه منطقة صفد في شمال إسرائيل التي تبعد نحو 15 كيلومتراً عن الحدود اللبنانية في الـ14 من فبراير (شباط)، إضافة إلى سقوط مسيرة انتحارية في ظروف غامضة في أرض مفتوحة بمنطقة طبريا التي تبعد نحو 20 كيلومتراً عن الحدود اللبنانية في الـ19 من فبراير.
واللافت أن الرد الإسرائيلي على العمليتين “المجهولتين” الذي جاء في مدينة النبطية والغازية قرب صيدا، كان الأعنف بين الهجمات التي حصلت منذ اندلاع المواجهات، في حين تناقلت بعض وسائل الإعلام أن سبب عدم تبني الحزب تلك العمليات جاء نتيجة تجاوزها الخطوط الحمراء التي كانت رسمتها إيران للحزب، والتي تقضي بـ”إشعال” الحدود في عمق لا يتجاوز 5 كيلومترات والتنسيق مع إيران حول العمليات الاستثنائية.
اختراق الهيكلية التنظيمية
وفي هذا السياق كشفت مصادر صحافية عن أن “إيران طلبت تفسيرات من الحزب، بعد استهداف مدينة صفد بصواريخ إيرانية من الجيل الجديد، من دون تنسيق مع طهران التي طلبت تفسيراً، وكان الرد بأن هناك قيادات وعناصر في الحزب لم يعودوا يحتملون التصعيد الإسرائيلي، وقرروا الرد بقرار ذاتي”.
إلا أن مصادر أمنية لبنانية أكدت أن الجيش اللبناني يجري تحقيقات حول الجهة التي أطلقت تلك الصواريخ، وذلك للتأكد من عدم دخول جهة مجهولة على خط المعارك، مشيرة إلى مخاوف من إمكانية دخول طابور خامس يسعى لإشعال الجبهة، إلا أن تلك المصادر استبعدت فرضية وجود “تمرد” لعناصر من الحزب وقيامهم بعمليات من دون التنسيق مع القيادة الحزبية، لافتة إلى أن الحزب معروف بانضباطه التنظيمي الشديد، وأن استخدام صواريخ حساسة دون إذن من القيادة يعني أن هناك خرقاً كبيراً وخطراً داخل الهرمية الحزبية.
الصبر الاستراتيجي
وتعتبر بعض الأوساط السياسية أن هناك اتفاقاً ضمنياً بين واشنطن وطهران على عدم تجاوز الخطوط الحمراء، حتى لا تتسع دائرة الحرب في المنطقة، وهو الأمر الذي عكسته تصريحات وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان أثناء زيارته بيروت، حيث شدد على ضرورة التهدئة وعدم الذهاب إلى حرب واسعة أو الانجرار للاستفزازات الإسرائيلية، في حين نقلت عدة مصادر أنه نقل لأمين عام “حزب الله” حسن نصرالله رسالة من المرشد الإيراني علي خامنئي يدعو فيها أطراف “محور المقاومة”، إلى ضرورة استمرار الالتزام بسياسة “الصبر الاستراتيجي”.
وبحسب تقرير لوكالة “رويترز”، نشرته الأحد الـ18 من فبراير، فإن طهران دفعت بقائد “فيلق القدس” إسماعيل قاآني إلى العراق، من أجل تحجيم الهجمات التي تشنها الفصائل الشيعية المسلحة ضد القوات الأميركية، وهو ما يمثل علامة على رغبة طهران في الحيلولة من دون نشوب صراع أوسع. وكشفت عن أن قاآني أبلغ الفصائل بأن سفك الدماء الأميركية يخاطر برد أميركي عنيف، طالباً من قادة تلك الفصائل الابتعاد عن المشهد لتجنب شن ضربات أميركية، لافتة إلى أنه في اليوم التالي، أعلنت كتائب “حزب الله” تعليق هجماتها ضد القواعد الأميركية.
ووفق” رويترز” فإن الحكومة في بغداد، وهي حليف مشترك نادر لكل من طهران وواشنطن، تحاول منع تحول البلاد مرة أخرى إلى ساحة قتال للقوى الأجنبية وطلبت من إيران المساعدة في كبح جماح الفصائل بعد الهجوم في الأردن.
الحرس الثوري
في المقابل، رجح محلل عسكري واستراتيجي (طلب عدم كشف اسمه)، أن العمليتين اللتين لم يتم تبنيهما رسمياً من “حزب الله”، أن يكون خلفهما الحرس الثوري الإيراني بصورة مباشرة، كاشفاً عن أن الصواريخ المستعملة في عملية “صفد” هي إيرانية الصنع وتحتاج لتكنولوجيا وخبراء من الحرس الثوري، كذلك المسيرة التي لا تزال ظروف سقوطها في طبريا غامضة ليست كالمسيرات الاعتيادية التي يستعملها الحزب قرب الحدود الإسرائيلية.
ضربة إسرائيلية تودي بمسؤول في “حزب الله” نجا من قصف سابق
وبرأيه، فإن إيران قد تكون أرادت الرد على تعرض خط إمداد الغاز الداخلي “بروجن كندمان” لتفجير قد تقف إسرائيل خلفه، وقد لمحت طهران إلى ذلك، مشيراً إلى احتمال آخر هو أن تكون إيران توجه رسالة لإسرائيل بأن توسيع الحرب ضد “حزب الله” سيقابل بمشاركة الحرس الثوري بالقتال وإدخال أسلحة حديثة ودقيقة في المعركة.
تقييد “الأذرع”
ويعتبر الكاتب السياسي إلياس الزغبي أنه منذ اليوم الأول لمعركة “طوفان الأقصى” بدأت إيران تدير المعركة بالوكالة عبر أذرعها في المنطقة، إلا أنها كانت حريصة على أن تكون مشاركة الميليشيات التابعة لها محدودة ضمن حدود وقواعد مضبوطة لا تؤدي إلى الانجرار إلى حرب واسعة ومدمرة.
وبرأيه فإن إيران برمجت سلاح “حزب الله” ونطاق مناطق الاشتباكات على الحدود بعمق لا يتجاوز 5 كيلومترات في العمق الإسرائيلي، وذلك لضمان تسجيل الحضور في المعركة ضمن الضوابط التي تعتبرها إيران مناسبة للمفاوضات التي تجريها مع الولايات المتحدة الأميركية. وأشار إلى أن إيران قيدت أذرعها في العراق بصورة صارمة، ولا سيما بعد الهجوم على القاعدة الأميركية في الأردن والرد الأميركي في سوريا والعراق، لافتاً إلى إعلان كتائب “حزب الله” العراق تعليق عملياتها العسكرية ضد القواعد الأميركية كان بمثابة اعتذار عن تجاوز الخطوط الحمراء. وأضاف أن دعم إيران غزة بـ”وحدة الساحات” هو شعار سياسي، وليس ميدانياً، إذ إن هدف إيران تسجيل الحضور في الميدان من أجل إرساء قواعد جديدة ما بعد حرب غزة يضمن لها استمرار نفوذها في دول المنطقة.
هامش الغموض
في حين يشير الصحافي حسن الدر (مقرب من الثنائي الشيعي)، إلى أن “حزب الله” نفذ أكثر من ألف عملية عسكرية تجاه الأراضي الإسرائيلية وتبناها عبر بيانات رسمية، وكذلك تبنى استهداف كاميرات مراقبة وأنظمة تجسس إسرائيلية، إضافة إلى موقع “ميرون” العسكري في الشمال. أما عملية إطلاق الصواريخ باتجاه منطقة صفد وعدم إعلان الحزب تبنيه لتلك العملية فقد يكون لأن جهة أخرى مسؤولة عن إطلاقها، أو ربما الحزب تقصّد أن يترك هامشاً من الغموض لتوجيه رسائل أمنية وعسكرية للإسرائيليين.
استعراض القوة
أما الكاتب والمحلل السياسي فيصل عبدالساتر فيرى أن العملية تأتي في سياق استعراض القوة، والرد على الهجوم الإسرائيلي الوشيك على مدينة رفح، وتعثر المفاوضات الرامية للتوصل لهدنة طويلة في غزة، معتبراً أن الحزب أراد من خلال استهداف صفد توجيه رسالة سياسية لإسرائيل والتأكيد أنه لن يقف مكتوف الأيدي وأن الجبهة ستبقى مشتعلة وفقاً للتطورات الميدانية في القطاع. وأوضح أن الحزب يقود المعركة برؤية واستراتيجية واضحتين، لكنه يعتمد فيها على التطورات الميدانية لا على خطط موضوعة سلفاً، وقد أراد أن يقول من خلال التصعيد الأخير “إذا أراد العدو الإسرائيلي أن يذهب إلى أبعد من ذلك، فـ(حزب الله) جاهز، وصواريخه التي لم يستعملها بعد جاهزة أيضاً”.
التفوق الإسرائيلي
في المقابل يشير الناشط السياسي المحامي أمين بشير إلى أن القصف الإسرائيلي الذي بات يشمل عمق محافظة الجنوب وصولاً إلى ساحل جبل لبنان يعد تصعيداً، لكنه ضمن قواعد الاشتباك التي أرسيت منذ بداية الحرب لناحية انتقاء الأهداف وعدم التعرض للبنية التحتية المدنية. وأضاف أن إسرائيل تؤكد تفوقها الإلكتروني على الحزب من خلال ضربات نوعية مؤلمة، والدليل عليها عدد القتلى والاغتيالات الشخصية، وتدخل الذكاء الاصطناعي في المعركة، حيث باتت تعتمد على بصمة العين وبصمة الوجه لتحديد الشخصيات المستهدفة، بدلاً من العملاء وتفخيخ السيارات.
وبرأيه فإن “حزب الله” لا يرغب في توسيع الحرب بسبب التفوق العسكري الإسرائيلي، مشيراً إلى أن الحزب يستهدف مواقع مكشوفة بلا وزن عسكري، وأنه “يعضّ على الجرح”، بانتظار انتهاء حرب غزة لوقف الاشتباكات.
3400 هدف
وكان كبير المتحدثين باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري قد أعلن أن بلاده هاجمت أكثر من 50 هدفاً لـ”حزب الله” في أنحاء متفرقة من سوريا، منذ بدء الحرب مع حركة “حماس” في قطاع غزة، إذ لأول مرة تخرج تلك التصريحات عن نهج الجيش الإسرائيلي الذي دأب على التزام الصمت تجاه عملياته في سوريا.
من جانبه أيضاً كشف المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي عن أن الجيش استهدف أكثر من 3400 هدف للحزب في جنوب لبنان منذ القصف الحدودي المتبادل مع بدء الحرب في غزة.
المصدر: اندبندنت عربية
لماذا لم يتبنَّ “حزب الله” عمليتي صفد وطبريا في شمال فلسطين “اسرائيل” ؟ إنه الصبر الإستراتيجي ، لإنها تجاوز للحدود المسموحة من قبل المعلم بطهران ، ليؤكد من جديد بإن ذراع ملالي طهران في لبنان “حزب الله” بقيادة “مسردب الضاحية” لايحمل أجندة وطنية .