في الثاني عشر من شهر شباط يحل اليوم الدولي لحظر تجنيد الأطفال في الحروب أو العمليات العسكرية في الجيوش النظامية أو غير النظامية واستخدامهم في العمليات العدائية سواءً المتعلقة بالمنظومة القانونية للقانون الدولي الإنساني أو المرتبطة بالقانون الدولي لحقوق الإنسان ، فإنه يجب الإقرار بأن تجنيد الأطفال مشكلة قديمة ومتجددة تسببت في إلحاق أكبر الضرر بالأطفال على المستوى النفسي والصحي والاجتماعي إضافة إلى دوافع العوامل الاقتصادية كالفقر والظروف المعيشية الصعبة فضلا عن الأسباب الثقافية المتعلقة بالانتماءات الدينية والعقائدية والعرقية التي تدفع بإلحاق الأطفال بصفوف المقاتلين إن كان عن طريق التجنيد الإجباري أو الطوعي ( التطوعي ) .
و نظراً لاستفحال هذه الظاهرة أثناء النزاعات المسلحة ونتيجة للٱثار القانونية التي ترتبها جريمة تجنيد الأطفال أثناء النزاعات المسلحة سارع المجتمع الدولي في سبيل القضاء على هذه الظاهرة أو الحد منها إلى بذل الجهود الدولية المكثفة للقضاء على هذه الظاهرة عن طريق إبرام الاتفاقات الدولية التي تساهم في قمعها ، إن كان في الجمعية العامة للأمم المتحدة أو في مجلس الأمن الدولي ، كما كان للجنة الدولية للصليب الأحمر ومحكمة الجنايات الدولية دور بهذا الإطار .
ويرجع الاهتمام بحقوق الطفل كنتيجة من نتائج الاهتمام بحقوق الإنسان ، فقد حظي الطفل بحماية ورعاية خاصة بدءاً من الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل الصادرة عام ١٩٨٩ إلى نظام روما الأساسي عام ١٩٩٨ الذي صنف جرائم تجنيد الأطفال دون الخامسة عشر بجرائم حرب .
وقد عرفت المادة الأولى من اتفاقية حقوق الطفل بأنه كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المطبق عليه . وهذا النص يعطي للقانون الوطني مساحة في تحديد سن الطفل وفق نظامها الخاص .
كذلك القانون الدولي اعتمد أيضاً في تحديد الطفل على معيار السن ، حيث حظر القانون الدولي تجنيد الأطفال دون سن الخامسة عشرة من عمرهم في الجماعات المسلحة سواء كان التجنيد إجباري أم اختياري ( تطوعي ) وهذا ما نص عليه البروتوكولين الإضافيين لاتفاقية جنيف الصادرين عام ١٩٧٧ بالحماية الخاصة لهؤلاء الأطفال دون سن الخامسة عشر .
غير أن محكمة الجنايات الدولية اعتبرت في المادة السابعة والثامنة من نظامها الأساسي عام ١٩٩٨ أن جريمة تجنيد الأطفال دون الخامسة عشرة تعتبر جريمة حرب ، وانتهاكاً جسيماً للقوانين والأعراف السارية على النزاعات المسلحة الدولية أو غير ذات الطابع الدولي.
ويبين تقرير اللجنة التحضيرية لمحكمة الجنايات الدولية أركان جريمة تجنيد الأطفال بما يلي :
١- أن يجند مرتكب الجريمة شخصا أو أكثر في القوات المسلحة أو في مجموعة مسلحة أو يضمهم إليها أو يستخدم شخصا أو أكثر للمشاركة الفعلية في العمليات الحربية .
٢- أن يكون ذلك الشخص أو أولئك الأشخاص دون الخامسة عشرة من عمرهم
٣- أن يكون مرتكب الجريمة على علم أو يفترض أن يكون على علم بأن ذلك الشخص أو أولئك الأشخاص دون الخامسة عشرة
٤- أن يصدر السلوك في سياق مسلح ذي طابع دولي أو غير دولي ومقترنا به
٤- أن يكون مرتكب الجريمة على علم بالظروف الواقعية التي تثبت وجود نزاع مسلح .
ونظراً لاهتمام ووعي المجتمع الدولي بمعاناة الأطفال الجنود تسارعت الخطوات في إطار الأمم المتحدة بعد عدة سنوات من دخول اتفاقية حقوق الطفل حيز التنفيذ من أجل رفع الحد الأدنى لسن التجنيد والاشتراك في الأعمال العدائية إلى سن / ١٨ / سنة
وفي شهر أيار من عام ٢٠٠٠ اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراك الأطفال في النزاعات المسلّحة. ويُعَدّ هذا البروتوكول أهم انتصار من أجل الأطفال، وتتويجًا للجهود التي بُذِلت طوال فترة التسعينيات من أجل رفع الحد الأدنى من الخامسة عشرة إلى الثامنة عشرة.
وجاء هذا البروتوكول مؤكدا وفق نصوصه على :
١- يجب على الدول الأطراف اتخاذ التدابير الممكنة عمليًا لضمان عدم اشتراك أفراد قواتها المسلّحة الذين لم يبلغوا الثامنة عشرة من العمر اشتراكًا مباشرًا في الأعمال الحربية.
٢- تكفل الدول الأطراف عدم خضوع الأشخاص الذين لم يبلغوا الثامنة عشرة من العمر للتجنيد الإجباري في قواتها المسلّحة.
٣- ترفع الدول الأطراف الحد الأدنى لسن تطوع الأشخاص في قواتها المسلّحة الوطنية الى السن المحددة في الفقرة 3 من المادة 38 من اتفاقية حقوق الطفل. ويشترط البروتوكول قيام الدولة بعد التصديق على البروتوكول، بإيداع إعلان يتضمن الحد الأدنى لسن السماح بالتطوع في قواتها المسلّحة الوطنية، وبتقديم ضمانات لمنع التطوع الإجباري أو القسري.
ويُلزم البروتوكول الدول الأطراف التي تسمح بالتطوع في قواتها المسلّحة دون سن الثامنة عشرة، أن تتخذ الضمانات التي من شأنها أن يكون هذا التجنيد تطوعًا حقيقيًا، وبأن يتم بموافقة الآباء والأوصياء القانونيين للأشخاص، وأن يحصل هؤلاء الأشخاص على المعلومات الكاملة عن الواجبات التي تنطوي عليها الخدمة العسكرية، وأن يتقدم الأشخاص بدليل موثوق به عن سنهم قبل قبولهم في الخدمة العسكرية الوطنية .
هذا التحول في فهم ظاهرة تجنيد الأطفال ، واعتماد السن القانوني للتجنيد فوق ١٨ سنة لم يأخذ طابعه الدولي الملزم إذ بقي الالتزام القانوني لمحكمة الجنايات الدولية في حدود السن الخامسة عشر للطفل ، كما بقي الالتزام بالسن ١٨ ملزم للدول الموقعة على البروتوكول الاختياري ( اختياري التوقيع عليه من الدول ).
وبالرغم من ذلك تكثفت الجهود لمنع تجنيد الأطفال في مجالات فهم كيفية تأثير المحددات الذاتية والخارجية في قرار الجماعات المسلحة لتجنيد الأطفال قسرا ، وإيلاء هذا الجانب مزيد من التركيز ضمن الجهود الدولية سواء على مستوى المنع ، أم وضع برامج إعادة التأهيل والدمج.. وصدرت تقارير وتوصيات عن الأمم المتحدة
ومن أبرز التوصيات :
التوصيات العامة :
أولا – تعزيز قدرات رصد ومراقبة تجنيد الأطفال من خلال :
١- تتبع مسارات تجنيد الأطفال ، والتغيرات التي تطرأ عليها من ناحية المنهج المستخدم ، وكيفية توصيف تجنيد الأطفال لدى السياقات المتعددة
٢- مراقبة تنقل المقاتلين الأجانب إلى مناطق النزاع ، للكشف عن الممرات التي تستخدم للتهريب إلى تلك المناطق ، من خلال تطوير نظم المراقبة على الحدود ، وتنمية المناطق الحدودية .
٣- دعم فرق العمل القطرية للرصد والإبلاغ ، وتحسين طرق تصنيف البيانات والتحليلات المرتبطة بتجنيد الأطفال لإعداد استجابات وإجراءات وقائية أفضل ، للحد من تجنيد الأطفال في النزاعات المسلحة .
ثانياً – استهداف قدرات الجماعات المسلحة والسيطرة عليها من أجل نزع السلاح من الأطفال وتسريحهم ، والعمل على إقامة مراكز خاصة لإعادة تأهيل الأطفال الذين كانوا مجندين ضمن الجماعات المسلحة ، من أجل إعادة دمجهم في المجتمع دون تمييز وفقاً للعمر والجنس أو فترة النزاع .
التوصيات القانونية
١- ضرورة قيام المنظمات الدولية والإقليمية ( منظمة الأمم المتحدة ، جامعة الدول العربية منظمة الاتحاد الأفريقي .. الخ ) بِحَثِ الدول على سن تشريعات يُحَدَد فيها التجنيد الإجباري بسن ١٨ عاماً فما فوق ، وذلك من أجل توفير حماية أكبر للأطفال في النزاعات المسلحة ، فضلاً عن تجريم عملية تجنيد الأطفال دون سن ١٨ عاماً .
٢- ضرورة قيام الدول وحثها للتوقيع على البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراك الأطفال في النزاعات المسلحة ، والتصديق عليه ، وسن تشريعات تحظر وتجرم صراحةً تجنيد الأطفال في القوات المسلحة أو الجماعات المسلحة ، واستخدامهم في أعمال القتال .
٣- ضرورة قيام الدول الأعضاء في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والإقليمية بمراجعة الإطارات القانونية لقوانين مكافحة الإرهاب المتعلقة بحالات ارتكاب الأطفال جرائم أثناء ارتباطهم بالجماعات الإرهابية ، لتكون معاملة الأطفال في هذا السياق كضحايا وليس جُناة ، حيث لا زال معدل الأطفال المحتجزين في القضايا المتعلقة بالإرهاب في ارتفاع ، باعتبارهم مهددين للأمن الوطني والدولي من وجهة نظر مكافحة الإرهاب .
٤- إعادة النظر في القوانين المتعلقة بالتعامل مع الأطفال في ساحة القتال ، التي لا تميز في التعامل بين الأطفال والبالغين المقاتلين ، ووضع مبادئ توجيهية للتعامل مع الطفل المجند ( وذلك لأنه إلى الٱن لا زال مسموحا بتجنيد الأطفال دولياً فوق ١٥ عاماً ) بما يقتضي حمايته ، ومنع استمرار استغلاله في النزاعات المسلحة .
وأخيراً ، وبمناسبة اليوم الدولي لحظر تجنيد الأطفال فإنه يتوجب على المنظمات الدولية والإقليمية ومنظمات المجتمع المدني الضغط بشكل مكثف على الأمم المتحدة ومنظماتها واعتبار البرتوكول الاختياري الصادر عام ٢٠٠٠ بروتوكولاً إلزامياً ، وإعلاء الصوت للمطالبة بملاحقة مرتكبي جريمة تجنيد الأطفال الذين لم يبلغوا سن الثامنة عشرة من عمرهم .. والدفع باعتماد الهيئة العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي قراراً قطعياً بحظر تجنيد الأطفال ما قبل سن الثامنة عشرة ، واعتبار ذلك قرارا دوليا ملزما ، وإلغاء اعتبار (بخلاف ما جاء في اتفاقية حقوق الطفل ) أن تحديد سن الطفل يخضع للقانون الوطني المطبق بكل دولة ، وملاحقة مرتكبي هذه الجريمة بجريمة الحرب من قبل محكمة الجنايات الدولية لجميع مرتكبي التجنيد القسري للأطفال الذين لم يتجاوزوا الثمانية عشر عاماً من عمرهم .
قراءة دقيقة موضوعية لمحاذير تجنيد الأطفال والتوصيات العامة والقانونية بمناسبة اليوم الدولي لحظر تجنيد الأطفال في الحروب أو العمليات العسكرية في الجيوش النظامية أو غير النظامية واستخدامهم في العمليات العدائية سواءً المتعلقة بالمنظومة القانونية للقانون الدولي الإنساني أو المرتبطة بالقانون الدولي لحقوق الإنسان الموافق في 12-02-2024 .
I always learn something valuable from you.