روزا ياسين حسن روائية سورية متميزة، وهذه أول رواية أقرأها لها، بدأت بنشر قصصها ورواياتها مطلع الألفية الثانية، حازت على بعض الجوائز الأدبية. الذين مسّهم السّحر رواية منشورة حديثا ٢٠١٦م، تتحدث عن الثورة السورية بدءً من آذار/مارس ٢٠١١م مغطية سنتين تقريبا من أحداثها. الرواية تكاد تكون تسجيل تفصيلي للحراك المجتمعي بدءً من الربيع السوري وما تلاه، الناشطين السلميين وتطور أدائهم والتحول لاحقا للعمل المسلح، جيش حر ثم الأسلمة ثم داعش والنصرة. المجتمع بتنوعه الطائفي والمواقف المختلفة مما حصل، والسلطة وأفعالها، لجوء النظام للعنف والطائفية والقتل والاعتقال، داعميه وأدوارهم، السلطة المستبدة القاتلة بصفتها صانعة الحدث اليومي للذي يحصل في سورية التي تحولت لمقتلة يومية وبكل الطرق، تدمير البيوت والمدن، القتل العشوائي، الهروب في كل اتجاه، الحياة التي رخصت عند النظام أصبحت عند الناس مطلب عزيز المنال، لا فرق بين من هم مع الثورة أو من هم ضدها، الفرز الطائفي بدأ مبكرا خاصة في معسكر النظام، لم يسمح للعلويين المختلفين مع النظام أن يظهروا، حاربهم النظام بشدّة، استجلب جيشه وأمنه ومعهم متطوعين من الشبيحة لقتل الشعب السوري، قرر النظام لا علوي على الحياد الكل مع جيش النظام وخدمته. ووصل الناشطين العلويين مع الثورة الى مرحلة مؤلمة متهمين من العلويين بالخيانة، ومشتبهين عند الثوار بأنهم قد يكونوا خرقا للثورة، والاغلب رفض التعامل معهم خاصة بعد الأسلمة والتحول للتسلح. ابطال الرواية كثر وبتتبع حركتهم عبر السنتين الأوليتين للثورة تكتمل صورة ما حصل بدقة أقرب إلى الطابع التسجيلي الدقيق.
تبدأ الرواية من بلدة جرمانا في ريف دمشق التي تتميز بأنها تحوي التنوع الطائفي والديني لسورية، فيها المسلم السني والعلوي والدرزي والمسيحي والكردي… الخ. في سورية الانتماء الطائفي او الديني لوحده لا يحدد الموقف السياسي للمنتمين لدين أو الطائفة، هناك معارضين للنظام وذاقوا ويلات اعتقاله من كل الاديان والطوائف، وكذلك أنصار النظام. في جرمانا في احدى ابنيتها يسكن صلاح العلوي المعتقل السابق لسنوات في سجون النظام، ينتمي للحراك الثوري الذي بدأ في سورية مطلع ٢٠١١م، رغم أنه أحس أنه مهمّش وعاجز أن يفعل شيئا. في البناء يسكن العميد العلوي وأسرته وهو ومنذ اللحظة الاولى للثورة السورية كان وعائلته منتمين للنظام قولا وفعلا، العميد كان يسكن في مساكن الضباط المجاور للمعضمية، عندما بدأت الثورة وحراكها السلمي، كان للأمن والجيش وابنه واخ زوجته ، دورا في قمع التظاهر في المعضمية ولهم دور في قتل المتظاهرين واغتيال الناشطين. ووصل الحال الى مستوى دفع ناشطي المعضمية أن يحملوا السلاح لحماية أنفسهم. اما العميد فقد قرر الانتقال وعائلته الى جرمانا الاكثر امنا والتي لم يتورط الناس فيها بالتظاهر والالتحاق بالثورة. في البناء ايضا اسرة حمصية تنتمي للحراك الثوري تتابع ما حصل ويحصل في كل سورية تطور حراك الشباب المطالب بالحرية والعدالة والديمقراطية والحياة الأفضل، والنظام الذي قرر إنهاء الثورة وابادة الناشطين والشعب معهم إن أوجب. في جرمانا يلتقي الناشطين وكأنهم في الخطوط الخلفية للتباحث عن خطط عملهم كل يوم وكل أسبوع في تطور مسار الثورة. الى اي حي يجب ان يذهبوا، ومن أي جامع سينطلقون هذه الجمعة. الناشطون والناشطات من جيل الشباب لا خلفية سياسية لهم، مشتركين بتعطشهم للحرية والكرامة والعدالة ومحاربة الظلم والفساد واسترداد الدولة لتكون للشعب، منهمكين في نشاطهم الإعلامي بداية ثم الإغاثي والصحي بعد ان يقرر النظام قتل الشعب السوري. مسلمين ومسيحيين ، من كل الطوائف ، لم يستطع السياسيين المخضرمين المعارضين أن يجدوا قناة تواصل مع الثوار، الا ما ندر ودون الفعالية المطلوبة، عنف النظام وضرورة الحركة المستمرة والتصرف المباشر، لم يعط لأحد قدرة التوقف لبعض الوقت والتفكير. الأسلمة كانت بداية استجابة الشباب من خلفياتهم العقائدية لاحتمال الموت، من المساجد خرجوا والله أكبر نداؤهم، والشهادة مطلبهم، لكنه بعد حين أصبحت الثورة مسلحة وتدخلت الدول والمانحين، أصبحت الثورة مطيّة للكل، عند الثوار لم يكونوا يعتقدون أنهم تورطوا بالتسلح فقد كان التسلح بالنسبة لهم المخرج الوحيد في مواجهة حرب الابادة من النظام وحلفائه. وعندما بدأ يأتي إليهم الدعم المالي والسلاح مقترنا بالفكر السلفي والمقاتلين العرب والأجانب مقترنا مع القاعدة وفكرها وامتدادها النصرة وداعش. لم يكن الناشطون قادرون على مواكبة ما يحاك لهم دوليا وإقليميا. كانوا منهمكين بأدوارهم الميدانية التظاهر والنضال السلمي ثم التسلح والدفاع عن الشعب ثم محاربة النظام عن ضعف وعجز لكن بإيمان وعزيمة، أصبح الجهاد فرض عين والاستشهاد واقع معاش. ابطال الرواية منهمكين بأدوارهم الانسانية مع الثورة، اعلاميين يستمرون بدورهم حتى الشهادة او الاعتقال ثم الشهادة، وآخرون انتقلوا للعمل الإغاثي والطبي، أصبحوا جزءً من المستشفيات الميدانية على قلتها ونقص امكانياتها وعجزها عن مواكبة القتل المستمر للشعب السوري. واكبت الرواية تطور حراك الثورة في دمشق وريفها. حمص وكيف تمت صناعة المجازر الطائفية من قبل النظام، وكيف تورط الثوار بالعمل المسلح، ثم كيف تم تدمير حمص حي بعد حي وتم تهجير اهلها الى كل مكان. كذلك حماة وحراكها السلمي الرائع وكيف حصلت مجازر دخول الجيش إليها وإجهاض حراكها الثوري. كيف تحول الثوار للأسلمة ومن ثم صراعهم البيني، تبعيتهم لمانحي المال والسلاح. الصراع بينهم على الزعامات والمغانم وبسبب الأجندات المختلفة، عدم نضجهم السياسي، تحول بعضهم لمرتزقة على حساب الشعب حيث من المفترض انهم ثواره ويحمونه، ظاهرة الخطف والفدية التي لم يسلم منها أحد. النتائج الكارثية لفعل النظام. عشرات آلاف الشهداء استفحال الصراع الطائفي، اجبار الطوائف الاخرى على اختيار الحياد والتزلف للنظام، الاسلمة المُقصية للغير والمتناقضة مع أصل الثورة. القتل وتدمير المدن والتهجير. أصبحت سورية بلاد القتل اليومي في كل مكان، لا يهم النظام أن يموت كل العلويين ليستمر في حكمه. لا يهمه أن يموت كل السوريين وإن تشردوا داخل سورية أو خارجها، لا يهمه أن يثكل كل بيت وكل اسرة بعزيز او أكثر. الأطفال والنساء والكهول أكثر الضحايا ظلما في معركة النظام لإبادة الشعب السوري. تنتهي الرواية بعد أن أصبحت سورية مستباحة لفعل النظام واعوانه، واستدعائه للقوى الخارجية حزب الله وإيران وروسيا لمساعدته في قتل الشعب السوري، واستشهاد او اعتقال اغلب الناشطين الثوريين، وغياب بوصلة الحراك عن من تبقى يقود الحراك الثوري على الأرض في سورية. إنها لحظة تأسيس حضور القاعدة وداعش والنظام القاتل كلاعبين أساسيين. والشعب السوري وثواره الناشطين والثوار المسلحين ضحايا قتل مجاني وتشرد دائم.
في تحليل الرواية
اننا امام رواية تكاد تكون تسجيلاً دقيقًا أشبه بكتابة تاريخ لواقع الثورة السورية والنظام من جانب عملي بكل الدقائق والتفاصيل والمسارات. روعة الرواية هي في أن تدمج بقدرة ادبية فائقة بين الحدث التاريخي وما يحصل مع السوريين مع ابطال واشخاص وحياة سوريين جعلتهم مشخصين للحالة السورية بكل تفاصيلها وتعقيداتها وروعتها ومأساتها. روعة الرواية انها تعطيك الصورة للحالة العامة منسوجة من حياة كل شخص في الرواية. للحب دور والتوق للحرية دور، للوطنية والانتماء دور، تنتصر الرواية لحقيقة الشعب السوري وانه واحد على تنوعه، توحد على مطالب الحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية والحياة الأفضل. قدم كل ما يستطيع والاغلى: الروح كل الوقت…لذلك الثورة السورية ستنتصر ولو بعد حين. روزا ياسين حسن، تخلد ثورة من خلال عمل أدبي مهم.