قراءة في سيرة روائية: تزممارت  || الزنزانة رقم 10

أحمد العربي

أحمد المرزوقي معتقل سابق في المغرب العربي. اعتقل على خلفية محاولة الانقلاب على الملك الحسن الثاني في 1972. التي قام بها مجموعة من الجنود والضباط. وكذلك محاولة الانقلاب التي قام بها بعض الطيارين لإسقاط طائرة الملك. والمحاولتين لم يكتب لهما النجاح.. بعض المشاركين قتل بالعملية. والبعض أعدم بعد انتهائها. والبعض حكم عليه بالسجن لفترات مختلفة

تزممارت اسم المعتقل الصحراوي الذي بني خصيصا لاعتقال هؤلاء الذين حكموا من ثلاث سنوات وما يزيد.

 السيرة الروائية هي بمثابة تقرير حالة عن هذا الاعتقال الذي استمر حوالي العشرين عاما

.كان المحكومين قد سجنوا في سجون عادية وبعد مضي سنتين نقلوا تزممارت.. وهو سجن مكون من بنائين. فيهما مجموعة زنازين عددها  يزيد عن الخمسين. هي أقرب إلى القبور تحت الأرض. لا يدخلها الضوء إلا بصيصا من ثقب في السقف. والهواء أيضا. زنازين متقابله. فيها ثقب صغير بالأرض كمرحاض للسجين. السجين لا يخرج ابدا منه. يعيش ليله ونهاره في هذا القبر. الطعام شبه معدوم غرامات من الخبز وكذلك مرق العدس او البقول. لا اتصال او تواصل مع العالم الخارجي بالمطلق لا ماء للاغتسال. جو صحراوي، برد قاتل وحر قاتل  يتناوبان. هو مكان للتعذيب إذا. والموت البطيء.. تفاجأ السجناء بالمعتقل الجديد. بعضهم انهار. والبعض أصرّ على المقاومة لاستمرار الحياة. صنعوا لهم عالمهم الخاص. تبادلوا الحكايا وما عاشوه وما شاهدوه. لكن الوقت طويل ويمر بطيئا.. هي ثماني عشر سنة تتكرر كل ثانية. يحسبونها بعمرهم وعمر عذابهم وهدر انسانيتهم.. السجانين كانوا من طينة لا إنسانية. إلا البعض الذين كانوا ملائكة الرحمة بالنسبة لهم.. مات منهم الكثير حوالي النصف مع الزمن. فكروا بكسر طوق عزلتهم وغيابهم عن العالم. وعن جريمة الحكم بحقهم. استمالوا بعض السجانين و استطاعوا أن يوصلوا بعض الرسائل لذويهم.. أحدهم زوجته أمريكية. ساعدتهم بالتدخل عند السلطات الأمريكية. والبعض من الأهل اوصل رسائلهم إلى المنظمات الحقوقية الدولية. وبدأت قصتهم تثار تحت الضوء. وبدؤوا يأملون أن لا يموتوا جميعهم في معتقلهم دون أثر وذكرى… الحكم أنكر وجودهم. واعتبر الحديث عنهم عمل الاعداء للإساءة للوطن. لكن اصرار المنظمات الدولية وبعض الدول أحرج الحكم اخيرا.. وبدأ يفكر بحل لوضعهم

الوقائع الحياتية للمعتقلين لا يمكن تصورها، عيش عمر كامل بظلام دامس، لا اغتسال، لا طعام، المجاري الطافحة، الاكل المعدوم، المعاملة الفظة، الموت لأكثرهم، الجنون لبعضهم والشلل ايضا للبعض الآخر. والمرض طال الكل.. مع ذلك صمدوا حفظوا القرآن تواصلوا مع الخارج. توصلوا لبعض الاذاعات عبر اجهزة راديو استطاعوا الحصول عليها… قاموا بالمستحيل. وبقي بعضهم محافظا على حياته وعقله حتى جاء الخلاص… مهما صورنا الواقع المعاش فالحياة كانت أسوأ… رافقهم في رحلتهم تارة كلبة وتارة فرخ حمام.. وفي كل الأوقات احساسهم بالظلم والقهر والاستباحة الانسانية. رافقهم أملهم وثقتهم بالله. وعملهم الدؤوب ليوصلوا صوتهم للخارج ليعيشوا الحرية مجددا

بعد مضي ثماني عشرة سنة في تزممارت وقبلها سنتين في السجن. خرجوا إلى الحرية. بعد تأهيل صحي ونفسي.. فقد خرجوا اشباه انسان. عالجوهم واطعموهم وانذروهم أن يصمتوا. عن ما حصل لهم. ووعدوا بتعويض لهم عن ما عانوه. واي تعويض يعوض عن عمرهم الذي ضاع وهدر..؟. أما سبب الإفراج عنهم فهو الإحراج الدولي. ولكي يحسّنوا الصورة الإعلامية عنهم.. لذلك كان شرطهم الاساسي ان يصمت المعتقلين عن كل ما حصل معهم.. لكن الناجين لم يصمتوا. والحكم لم يلتزم بوعده بالتعويض. وبعضهم بدأ حياته من جديد. سواء بالتعليم أو غيره. فاحمد كاتب السيرة. وهو في سن الشيخوخة يحصل على البكالوريا. ويدخل الجامعه ويحصل على شهادة الحقوق. ولكنه يمنع من العمل بها.. عادوا للحياة ولكنهم تحت الحصار دوما. الناس تلقفوهم كابطال واحتضنوهم. وكذلك من تبقى من اهلهم. واستمر الصراع بينهم وبين الأجهزة الامنية كل الوقت. فالحكم بريد صمتهم وهم يريدون حقهم. وفضح ما حصل لهم. انتصار لإنسانيتهم وإنسانية الإنسان..

.تنتهي الرواية واحمد يلاحق من اجهزة الامن بعد خطف جديد وافراج وتهديد ووعيد ووعود بمغريات وتعويضات ، انه صراع بين عبودية مفروضة من حكام مستبدون وبين شعب خلقه الله حرا .

السيرة اصبحت مكررة في كل البلدان العربية وباشكال مختلفة.. مليكة أوفقير تحدثت ايضا عن اعتقالها وامها واخوتها. وكذلك الطاهر بن جلون في روايته: التعتيم الفاضح عن نفس المعتقل. ولا ننسى الروايات العربية التي تتحدث عن الاعتقال السياسي وهدر

إنسانية المعتقل والمجتمع من خلفه. من عشرات السنين. وعمدتهم عبد الرحمن منيف في روايته شرق المتوسط وروايته الأخرى الآن هنا شرق المتوسط مرة اخرى.. والسلسلة تطول.

.انه قانون الاستبداد. فحيث يكون هناك حكم استبدادي. ومهما تغطى بادّعات عقائدية دينية او قومية او أممية. فهناك ظلم وقهر واستغلال وفساد واستباحة للبشر والبلاد.. وإنتاج العبودية والتخلف والتبعية والضياع…

.ما احوجنا لانظمة حكم تحترم إنسانية الإنسان وحقه بالحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية والتقدم والديمقراطية والحياة الأفضل

إننا على طريق تحقيق ذلك سائرون

3.5.2016…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى