في كتابه الأول والجديد الذي صدر في تركيا منذ أيام، يحاول الصديق الدكتور (زكريا ملاحفجي) الإمساك بناصية المعرفة ضمن دفتي الكتاب (أساسيات الادارة الناجحة) حيث نجد أن ديدنه وهمه الذي شغله ومن ثم اشتغل عليه عبر 149 صفحة من القطع الكبير، هو القبض على ماهية علمية في الإدارة يبدو أنه لمس ضرورتها وأهميتها في الحالة السورية، فكان هذا الإصدار وهو أقرب إلى إنجاز حالة مستقبلية أكثر إشراقًا. في مضمار تجاوز وتخطي لكل منعرجات وعثرات الواقع السوري المنفلت من كل عقال. بعد تسع سنوات ونيف مضت، من القهر والعسف النازل على السوريين في صباحاتهم ومساءاتهم. من نظام هو أقرب للعصابة وليس الدولة، لا قيمة لديه لأي مستقبل وطني سوري قادم. بل هو من عبث، وراح يعبث في كل التراكم المعرفي الذي أنجزه الشعب السوري عبر مراحل متتابعة من عمره الوطني، أي منذ الاستقلال عن فرنسا وحتى اليوم.
لقد أدرك الكاتب (ملاحفجي) كنه وعمق وضرورة التعاطي الأمثل مع الآن السوري. وعمل عبر هذا المؤلف المتميز على عملية ابتعاث أساسي في علم الإدارة. وصولًا إلى حيز جديد من المعرفة المبنية على وعي مطابق، وتطلع (تاريخاني) للمستقبل. ما برح الكاتب فيه وعبره متابعًا للوعي الاجتماعي والتقاني، الذي يلاطم الأمواج دون توقف، لإنجاز ما يمكن إنجازه خدمة للأجيال السورية، التي عاشت في ظلام القهر والقمع وكم الأفواه، عبر عقود خلت من حكم وهيمنة آل الأسد والسلطة الأمنية المتحكمة. والتي كانت قد خطفت ونهبت وفسدت وأفسدت في الواقع الإداري السوري، وغير الإداري، بعد أن قام المقبور الأب حافظ الأسد، بإلغاء السياسة من المجتمع السوري بقضه وقضيضه. وزج جل الأصوات الحرة، في أقبية الموت والظلام الطائفي الأسدي البغيض.
الكتاب الذي بين أيدينا محاولة جادة ومتمكنة لإعادة صياغة مبادئ حداثية في العلم الإداري، تستفيد بالضرورة من معظم التجارب التي سبقتها، حيث يُعرِّج الكاتب على الإدارة الفعالة، وبعض المشاكل التي تواجه العمل، وخطوات العملية الرقابية، وأنواع التخطيط الثلاثة، ومراحل نظام التخطيط الاستراتيجي، وصولًا إلى مكونات الرؤية وأهميتها.
يتحدث الكتاب أيضًا عن الجودة الشاملة، والامتياز الإداري، ومن ثم إدارة الوقت، وهي مسألة غاية بالأهمية في العملية الإدارية برمتها، وكذلك مسألة التفويض وكيف تتم ومتى؟
عمومًا فإن البنية الأساسية للكتاب، تقوم على مبدأ التعلم المعرفي وضرورته، لجميع حيوات الإنسان، والسوري منه على وجه الخصوص، ضمن ظروفه المجتمعية ونهاراته المحيطة، التي لا تخفى على أحد، وقد استطاع الدكتور زكريا أن يُلم في تلافيف وأساسيات المسألة العلمية، وأن يستنبط ويستنتج الأجوبة على مجمل هذه التساؤلات التي باتت من الضرورة بمكان بحيث لم يعد بالإمكان الحؤول دونها.