قراءة في رواية: تحولات الإنسان الذهبي

أحمد العربي

نبيل سليمان كاتب روائي سوري عريق له عشرات الروايات…

 رواية نبيل سليمان تحولات الإنسان الذهبي الأحدث تعتمد أسلوب السرد على لسان الراوي، وشخصيتها المحورية كارم اسعد ابن احدى قرى الساحل السوري وهو كاتب روائي وله حضوره في الأوساط الثقافية السورية…

تبدأ الرواية من دعوة لملتقى ثقافي في هاتاي التركية حيث يذهب كارم الى هناك ليلتقي فيها بمجموعة من اصدقائه وصديقاته، حيث يظهر أن علاقة قديمة تربط بينهم بعضهم تركي من أصول كردية ولهم مشكلتهم في التعامل مع دولتهم. كما تتم الاشارة الى الاصل السوري لهاتاي. الكل يعيش حميمية العلاقة ويظهر الود والاهتمام والحب حيث للحب حضور عند كارم في كل حياته… الحب بصفته هوى وانجذاب للأنثى التي يتعاطى معها.

كارم ابن بلدة من بلدات الساحل السوري اهتمامه الاهم ثقافي معرفي. قرأ كثيرا وبدأ في الكتابة مبكرا وكانت الكتابة بعد ذلك وسيلة عيش يكتب وينشر ويحصل على أجر. كان اهمها عندما حصل على جائزة نشر في دولة خليجية وحصل على مبلغ مجزي. بنى به بيتا في بلدته وجعله مكانه الأثير يعيش ويقرأ ويكتب فيه…

كارم يعيش احساس التقمص وان له حيوات سابقة. وهذا طبيعي ومفهوم عند العلويين والموحدين الدروز فهو جزء من اعتقادهم وموروثهم المجتمعي…

يعتقد كارم أنه كان حمارا في الجيل السابق، أي أن روحه سكنت قميصا حمارا في حياة سابقة. ولعل اصرار والده بمناداته حيمور او ان قصص الحمار في حياة بلدته بصفته الحيوان الاكثر استعمالا في حياة القرويين…

لقد تحول احساس كارم بكونه حمارا في حياة سابقة إلى شكل من أشكال الاهتمام العميق الكثيف والواسع بحثا في الحياة المعاشة وفي التاريخ وفي الموروث الأدبي قديما وحديثا عن الحمار وكيف تعاطى معه الانسان في حياته. هذا غير الموقف الاجتماعي عموما من الحمار. بعض استكانة واذلال وتسليم وقلة عقل وحيلة واحيانا شتيمة واهانة وسخرية وغمز ولمز… كل ذلك يستخدم من الإنسان كسلوك أو الفاظ تجاه اخيه الانسان مستخدما لفظة الحمار لتخدم موقفا ما تجاه الآخر…

لكل هذه الأسباب كان اهتمام كارم بموضوع الحمار أقرب إلى اهتمام باحث موسوعي. بحيث تنتهي الرواية بسرد ما يزيد عن مئة مرجع كلها تتحدث عن الحمار استعان بها الكاتب في انجاز روايته على لسان كارم الشخصية المحورية…

كارم يعيش في بلدته الساحلية وعندما يدخل سن الشباب ويقرر متابعة حياته الدراسية ودخول الجامعة، كان له حبيبة في بلدته. تعايش معها كثيرا وحصل بينهم تواصل جنسي جسدي. كان يؤمن بالحب ولا يؤمن بالزواج. لم تتابع حبيبته دراستها وعندما انتقل للمدينة لمتابعة دراسته تركها وكان ذلك إعلان انتهاء العلاقة. لم ترحم الحياة الحبيبة ماتت في الغابة من لسعة حية أو عقرب. وعندما ماتت احس كارم بمقدار الفقد لحبيبته وانه ظلمها بتخليه عنها تحت دعوى أنها ليست مناسبة له إن أراد الزواج مستقبلا لأنها غير متعلمة وهو مثقف ودخل الجامعة وله كتاباته الأدبية…

لدى كارم صديق هو الأقرب له هذا الصديق معارض للنظام ومعتقل سابق هو وزوجته، يظهر هو وكارم في مواقفهم المختلفة تجاه النظام. الصديق له موقف جذري من النظام، أما كارم فهو أقرب الى شاهد على ما يحصل في سوريا منه صاحب موقف مع او ضد. تستغرقه حياته الخاصة وتحولاته التقمصية وهوسه في بحثه عن الحمار وتتبعه المعرفي وكتاباته المستمرة والمتواصلة، وبحثه الدائم عن حب قادم وتعايشه مع حب قائم وتذكره بمتعة أو حسرة لحب سابق. والحب هنا قرين بالتقرب النفسي والجسدي متوجا بعلاقة جنسية. كارم لا يؤمن بالزواج بل يراه من خلال رصد أغلب من حوله كارثة حياتية يعيشها الاغلب كعبئ والبعض يفضل الطلاق على زواج مُعاق…

تنقل كارم بين أكثر من مدينة في حياته. وصل الى الرقة والتقى بالاديب المشهور عبد السلام العجيلي. شجعه على الاستمرار بالكتابة وأعطاه أملا بأن لديه إمكانات ادبية عليه الاهتمام بها ورعايتها، وذكر كيف خرج من الرقة هاربا من احتمال قتله ردا على علاقة جنسية مع فتاة من المدينة، هرب ونجا بحياته…

تابع كارم ما حصل في سوريا على مستوى السياسة العامة بسرد متباعد لمواقف و حالات بعينها، سلط الضوء على أحداث الثمانينات والصراع بين النظام والإسلاميين. مذبحة مدرسة المدفعية ومذابح حماة وتدمير بعض أحيائها. في ثمانينات القرن الماضي. لقد أظهر وكأن الصراع كان فعل ورد فعل، لم تتوقف الرواية عند من الفاعل الأول للمظلومية المجتمعية.؟. ومن ثم تحميل مسؤوليات.

 كما ذكر وبشكل خاص مقتل باسل الأسد في حادث سير على طريق مطار دمشق الدولي في التسعينات وان لعبة التوريث في السلطة السورية قد تم اعاقتها. لم يقف عند انتقال السلطة في سوريا من الاسد الاب الى بشار الابن. كان مستغرقا في بحثه الدؤوب في موضوعه الأثير الحمار وتحولاته وتاريخه وواقع حاله في كل العصور والشعوب…

شارك كارم في كثير من المؤتمرات الادبية وبعضها كان موضوعها الحمار وأحواله…

ينتقل كارم في ختام النص الروائي للحديث عن الربيع العربي وانتقاله إلى سوريا في ربيع ٢٠١١م. تعاطف مع مطالب الناس ومع السلمية والتظاهر والتحدي لسطوة السلطة وان صديقه المعارض كان جزء من هذا الحراك سواء في مرحلته السلمية او مرحلة انتقال الصراع الى مرحلة التسليح. تحدث عن التظاهر السلمي الذي سرعان ما اعتمدت العنف العاري والمسلح بعد ذلك ضد المتظاهرين. وكيف انتقل الحراك السلمي للتسلح وعودته الى احجية من المسؤول عن التسليح في الثورة السورية ؟. وما دور النظام والقوى الدولية والاقليمية في تأجيج هذا الواقع العنفي الصراعي ؟.وانعكاسه السلبي على حياة كل الناس ؟.…

تنتهي الرواية وكارم في بلدته مستغرق في القراءة والكتابة وحال الثورة التي أصبحت صراعا مسلحا. بلدات تسقط من سيطرة النظام ، بيد المجموعات المسلحة ومن ثم حصار ومن اجتياح للبلدات من قبل النظام وحلفاؤه.

 هكذا حصل في بلدة كارم حيث إعادة السيطرة النظام على البلدة. حصل قتل لكثير من الناس والتهجير ايضا وتدمير أغلب البنية التحتية. وكان مصير كارم الموت لا نعلم برصاص من. لكنه يرثي نفسه في ختام الرواية. يرثي نفسه بصفته الحمار الشهيد ؟!!.…

في التعقيب على الرواية اقول:

هناك تداخل مذهل بين الذاتي والمعاش الخاص و العام في السرد الروائي. بحيث يظهر اننا امام كون حياتي خاص يتعمق في الشخصية المحورية كارم، تكاد تكون مركز وجوده وحياته وكل أعماله. مع تهميش للحياة خارج هذه الذات واحتياجاتها وما تمارسه بالتقاطع مع الآخرين والمجتمع وحتى السلطة. لذلك لم تهتم الرواية بالحديث عن المظلومية المجتمعية الممتدة لعقود التي عانى منها الشعب السوري. وما ذُكر حدث الصراع بين النظام والإسلاميين و مقتل باسل الأسد الا لكي نتذكر زمان الرواية وبعدها العام. وعندما وصلت الرواية للحديث عن الثورة. اعتبرتها ردا على المظلومية. لكنها شككت في المآلات حيث تم مصادرة الثورة من الداعمين  وتم استباحة حياة الناس ووجودهم من قبل النظام وحلفائه…

هل كانت الرواية تلخيص موسوعي عن الحمار بكل أحواله وأفعاله وتاريخه وتقمصاته ؟. أم كان الحمار وسيرته مجرد ستار يخفي تحته حياتنا كبشر على كوكب الارض بصفتنا حمير مظلومين واغبياء مستسلمين ومضحين ونموت دون عزاء ونوصم بكل سوء . وان ذلك هو واقع البشر الحقيقي على كوكب الأرض منذ عقود أو قرون…

بكل الأحوال الرواية تنصف الثورة كمطلب حق لبشر مظلومين بغض النظر عن المآلات والقوى التي لعبت بها واستفاد منها أعداء الشعب السوري جميعا…

ثورة الحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية…الحقّة والمغدورة..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى