قالت الأمم المتحدة في آخر إحصائياتها عن تجنيد الأطفال في سورية في عام 2023، إن عددهم اقترب من 3 آلاف طفل، توزعوا على ثلاثين تنظيماً مسلحاً، تنشط في أنحاء مختلفة من سوريا، وتتراوح أعمار الأطفال ما بين التاسعة والسابعة عشرة من العمر، وأغلبهم من الذكور وقلة من الفتيات، وشدَّدت الأمم المتحدة على القول بأن نحو ثلث المجندين تم في مناطق الإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا.
معطيات الأمم المتحدة حول تجنيد الأطفال السوريين لا تعكس حقيقة المشكلة، ولا حجمها؛ لأسباب كثيرة، منها فكرة التجنيد وشكله، ومنها صعوبة الوصول إلى أرقام حقيقية في قضية تعدّ جريمة، وسياسة الإنكار والكذب التي تمارسها الجماعات التي تجند الأطفال. غير أن ما سبق لا يقلل من أهمية ما قالته الأمم المتحدة في إشارة واضحة على جريمة، أفرزتها الحرب، ومارستها الجماعات المسلحة والدول، ولا تزال تتابعها رغم معرفة أنها جريمة ستعرض القائمين بها للمحاسبة والعقاب، وأن آثارها تتجاوز الحاضر إلى المستقبل الممتد عشرات السنين.
جريمة تجنيد الأطفال، وفي الواقع السوري خاصة، تستغل ظروف السوريين بما صاروا إليه تحت سلطات أمر واقع لم يختاروها، ولا تحظى بموافقتهم في الحد الأدنى، وهي لا تملك قوانين، وغير مخول لها حق إصدارها، وسكان المناطق الخاضعة لهذه السلطات لا يحظون بأقل قدر من الحقوق، وتشيع في أوساطهم الانتهاكات، ومنها حقوق الأطفال التي يعد تجنيدهم انتهاكاً مباشراً لها.
إضافة إلى أن تجنيد الأطفال يخرق المنظومة الطبيعية لتطورهم في الحياة عبر التعليم واختيار المستقبل، بعيداً عن الانخراط المبكر في أدوات العنف والقتل والمشاركة في ارتكاب الجرائم التي تقوم بها جماعات مسلحة خارج القانون، وذات أجندات آيديولوجية مختلفة الاتجاهات، والأهم مما سبق كله، فإنَّ الآثار التي يتركها التجنيد على الأطفال أنفسهم وعلى المجتمع، تحتاج إلى جهود كثيرة ووقت طويل للخلاص من آثارها المتعددة، وخاصة الصحية والاجتماعية والاقتصادية أيضاً.
ولئن كانت عمليات التجنيد تتم غالباً «بالاتفاق» عبر استغلال ظروف المجندين المراهقين الذين يجذبهم السلاح والنفوذ والمال في واقع صعب، يتم استغلاله إلى أبعد الحدود، فإنَّ بعض عمليات التجنيد على نحو ما يحدث في شمال شرقي سوريا، تتم عبر ممارسة «خطف مراهقات» تحت حجة رغبتهن في التجنيد.
يدرك القائمون بعمليات التجنيد أخطار المشكلة وآثارها غالباً، ويعرف أكثرهم أن هيئات ومنظمات محلية ودولية، تتابع القضية، وتعد ملفات حولها تتضمن تفاصيل ذات صلة بما فيها من أسماء وجماعات وظروف، لكنهم يتابعون السير في جريمتهم؛ لأن تجنيد الأطفال يعطيهم أدوات سهل السيطرة عليها، ويمكن تكليفهم بأصعب المهمات وأخطرها، كما أن تكلفة تجنيدهم من حيث المستحقات وتكاليف العيش أقل بكثير من تكلفة المجندين الكبار.
تشمل قائمة الغارقين في عمليات تجنيد الأطفال جهات كثيرة، حيث يجند كل طرف منهم أطفالاً في صفوف جماعات تتبعه، ومنها الميليشيات التابعة للنظام في مناطق سيطرته بما فيها الساحل، فيما يجند الإيرانيون الأطفال في صفوف ميليشياتهم، وخاصة التي تجعل النشاط الديني – المذهبي والاجتماعي – الثقافي واجهة لها، فيما جند الروس أطفالاً، وأرسلوهم إلى كليات عسكرية روسية لتأهيلهم ضباطاً مستقبليين في سوريا.
كما جندت جماعات مسلحة كثيرة، وعلى رأسها «قوات سوريا الديمقراطية» أطفالاً في مناطق الإدارة الذاتية شمال شرقي سوريا. وفي مناطق السيطرة التركية شمال غربي البلاد جندت تشكيلات الجيش الوطني و«هيئة تحرير الشام»، سليلة «جبهة النصرة»، أطفالاً في صفوفها، ويجري تكليفهم في كل الحالات بمهام متعددة، بما فيها أعمال الحراسة والمشاركة في عمليات عسكرية، والقيام بمهمات أمنية، وهي ذات المهمات التي كان يقوم بها أطفال مجندون في ميليشيات «داعش»، حسب ما هو معروف.
ليس الأطفال وحدهم ضحايا جريمة التجنيد، ولا أهاليهم الذين يعانون وتزداد معاناتهم مع الوقت، بل المجتمع كله؛ لأنه اليوم وفي المستقبل سيكون ضحية جريمة ذات آثار بعيدة، يتابع ارتكابها أشخاص وجماعات آخر لا يهمهم البشر!
المصدر: الشرق الأوسط