إعادة العلاقات مع النظام السوري رغم استمراره في ارتكاب الانتهاكات، إهانة لحقوق ضحاياه
لاهاي- أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان اليوم تقريرها الشهري الخاص الذي يرصد حالة حقوق الإنسان في سوريا، واستعرضت فيه حصيلة أبرز انتهاكات حقوق الإنسان على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا في أيار 2023، وقالت إنَّ إعادة العلاقات مع النظام السوري رغم استمراره في ارتكاب الانتهاكات، إهانة لحقوق ضحاياه.
استعرَض التَّقرير -الذي جاء في 23صفحة- حصيلة أبرز الانتهاكات التي وثقها في شهر أيار 2023، من حصيلة الضحايا المدنيين، الذين قتلوا على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة، إضافةً إلى حصيلة حالات الاعتقال/ الاحتجاز والاختفاء القسري، وسلَّط الضوء على عمليات الاعتداء على الأعيان المدنيَّة، التي تمكن من توثيقها.
اعتمدَ التَّقرير على عمليات المراقبة المستمرة للحوادث والأخبار وعلى شبكة علاقات واسعة مع عشرات المصادر المتنوِّعة، إضافةً إلى تحليل عدد كبير من الصور والمقاطع المصورة.
سجَّل التقرير في أيار مقتل 42 مدنياً، بينهم 7 أطفال و1 سيدة (أنثى بالغة)، النسبة الأكبر منهم على يد جهات أخرى، وسجل مقتل 1 شخص بسبب التعذيب. كما سجل وقوع ما لا يقل عن 1 مجزرة، وذلك على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا.
ووفقاً للتقرير فإنَّ ما لا يقل عن 226 حالة اعتقال تعسفي/ احتجاز بينها 6 أطفال، و11 سيدة قد تم تسجيلها على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا في أيار، كانت النسبة الأكبر منها على يد قوات النظام السوري في محافظتي ريف دمشق فدمشق.
وبحسب التقرير فقد شهد أيار ما لا يقل عن ثلاث حوادث اعتداء على مراكز حيويَّة مدنيَّة، جميعها على يد قوات النظام السوري في محافظة إدلب، اثنتان منها على مكان عبادة.
سجل التقرير في أيار استمرار عمليات القصف المدفعي الذي تنفذه قوات النظام السوري على شمال غرب سوريا، ورصد عمليات قصف متفرقة تركزت على قرى وبلدات جبل الزاوية في ريف إدلب الجنوبي وريف حلب الغربي وسهل الغاب في ريف حماة الغربي وريف اللاذقية الشمالي، القريبة من خطوط التماس مع فصائل في المعارضة المسلحة، كما طال القصف قرى وبلدات ريف إدلب البعيدة عن خطوط التماس. قال التقرير إن قوات النظام السوري أرسلت تعزيزات عسكرية إلى محيط مدينة تلبيسة في ريف حمص الشمالي كما تم إنشاء حواجز عسكرية على طريق السعن الأسود شرق المدينة، ورفع سواتر ترابية وزيادة تحصين الحواجز الموجودة في المدينة وعلى أطرافها، وذلك عقب اجتماع بين عدد من ضباط المخابرات التابعين للنظام السوري في مدينة حمص ووفد من وجهاء مدينة تلبيسة في فندق السفير في مدينة حمص في 17/ أيار من أجل الوقوف على المشاكل الأمنية التي شهدتها المدينة، ووضع الطرف الأول عدداً من الشروط المتعلقة بتجارة المخدرات وعمليات الخطف التي تحصل بشكل رئيس في المدينة وعلى الطريق الدولي حمص- حماة وهدد في حال فشل الوجهاء في تحقيق الشروط خلال 15 يوماً بالقيام بعملية أمنية لتمشيط المدينة وتهجير كل من يرفض شروطها إلى الشمال السوري. وثق التقرير هجمتين جويتين شنتهما القوات الروسية نهاية شهر أيار ولأول مرة هذا العام على ريف إدلب الجنوبي، الهجوم الأول عند خطوط التماس بين قوات النظام السوري من جهة وفصائل المعارضة المسلحة وهيئة تحرير الشام من جهة، والهجوم الثاني على منزل في منطقة المنابيع من قرية سرجة في ريف إدلب الجنوبي، أسفر عن إصابة أحد المدنيين وأضرار مادية في المنزل.
رصد التقرير استمرار سقوط ضحايا مدنيين بسبب الألغام في محافظات ومناطق متفرقة في سوريا، وتركزت في محافظات حلب ودرعا ودير الزور، بلغت حصيلة ضحايا الألغام في أيار 6 مدنيين لتصبح حصيلة الضحايا بسبب الألغام منذ بداية عام 2023، 83 مدنياً بينهم 16 طفلاً و7 سيدات. وسجل التقرير استمرار عمليات اغتيال مدنيين على يد مسلحين لم يتمكن التقرير من تحديد هويتهم، في محافظات ومناطق متفرقة في سوريا، جلهم في محافظة درعا.
وفقاً للتقرير، لا يزال الوضع الاقتصادي والمعيشي والخدمي والأمني يشهد حالة من التدهور على كافة المستويات في مناطق سيطرة قوات النظام السوري، حيث شهدت هذه المناطق حالة تدهور حاد في الوضع الخدمي، وعلى صعيد أزمة الكهرباء لا زالت سياسة التقنين تُطبق من قبل حكومة النظام السوري ما يزيد من معاناة قاطني تلك المناطق. وعلى صعيد أسعار المحروقات فقد شهدت ارتفاعات جديدة في مناطق سيطرة قوات النظام السوري. وفي منطقة شمال غرب سوريا رصد التقرير استمرار معاناة المدنيين من الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتدهورة، بالتزامن مع غلاء أسعار كافة المواد الغذائية والتموينية، كل ذلك في ظل نقص كبير في القوة الشرائية بسبب انتشار البطالة وارتفاع نسبة الفقر. كما استمر الوضع المعيشي والأمني بالتدهور في منطقة شمال شرق سوريا.
وبحسب التقرير إنَّ قوات سوريا الديمقراطية استمرت في التضييق الذي تمارسه على أهالي مدينتي منبج وعين العرب، شمال شرقي محافظة حلب، التي تشهد احتجاجات على سياستها، والذي تسبب بشح في وصول بعض المواد التموينية إلى تلك المنطقة. ورصد التقرير استمرار معاناة النازحين في شمال غرب سوريا على الصعيدين المعيشي والإنساني، مع ارتفاع دائم للأسعار وخصوصاً المواد الغذائية، في ظل انتشار البطالة ضمن المخيمات وانعدام القدرة الشرائية، والنقص الحاد في المساعدات الإنسانية ووصول الاحتياجات إلى مستويات غير مسبوقة. كما سجل استمراراً في اندلاع الحرائق في مخيمات النازحين شمال غرب سوريا. وذكر التقرير أن الأوضاع المعيشية تردت في مخيم الركبان الواقع على الحدود السورية الأردنية شرق محافظة حمص، جراء عاصفتين غباريتين أصابتا المنطقة في 22 و24/ أيار والتي نجم عنهما حالات اختناق خصوصاً بين الأطفال.
قال التقرير أن النظام السوري شارك في اجتماع القمة العربية الذي انعقد في 18/ أيار في مدينة جدة السعودية وذلك للمرة الأولى منذ قرابة عشرة أعوام، وأكد على أنه لم يقدم أي بادرة حسن نية وما زال يعتقل قرابة 136 ألف مواطن سوري، وأبدى تخوفاً جدياً من أن تؤدي عملية إعادة العلاقات مع النظام السوري إلى إجبار اللاجئين السوريين على العودة، فقد سجلت الشبكة السورية لحقوق الإنسان إعادة قسرية لما لا يقل عن 753 لاجئاً سورياً في لبنان، وحمل التقرير الحكومات التي تقوم بإعادة اللاجئين قسرياً المسؤولية القانونية لما يتعرض له من تعذيب وقتل وإخفاء قسري وغير ذلك من الانتهاكات على يد النظام السوري.
ذكر التقرير أنَّ الأدلة التي جمعها تُشير إلى أنَّ الهجمات وُجّهت ضدَّ المدنيين وأعيان مدنية، وقد ارتكبت قوات الحلف السوري الروسي جرائم متنوعة من القتل خارج نطاق القانون، إلى الاعتقال والتَّعذيب والإخفاء القسري، كما تسبَّبت هجماتها وعمليات القصف العشوائي في تدمير المنشآت والأبنية، وهناك أسباب معقولة تحمل على الاعتقاد بأنَّه تم ارتكاب جريمة الحرب المتمثلة في الهجوم على المدنيين في كثير من الحالات.
وأكَّد التقرير أنَّ الحكومة السورية خرقت القانون الدولي الإنساني والقانون العرفي، وقرارات مجلس الأمن الدولي، بشكل خاص القرار رقم 2139، والقرار رقم 2042 المتعلِّق بالإفراج عن المعتقلين، والقرار رقم 2254 وكل ذلك دون أية محاسبة.
وبحسب التقرير فإنَّ عمليات القصف العشوائي غير المتناسب التي نفَّذتها قوات سوريا الديمقراطية ذات القيادة الكردية تعتبر خرقاً واضحاً للقانون الدولي الإنساني، وإن جرائم القتل العشوائي ترقى إلى جرائم حرب.
طالب التَّقرير مجلس الأمن باتخاذ إجراءات إضافية بعد صدور القرار رقم 2254 وشدَّد على ضرورة إحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية ومحاسبة جميع المتورطين، بمن فيهم النظام الروسي بعد أن ثبت تورطه في ارتكاب جرائم حرب.
وأوصى التقرير مجلس الأمن بإصدار قرار خاص بحظر استخدام الذخائر العنقودية والألغام في سوريا على غرار حظر استخدام الأسلحة الكيميائية وأن يتضمَّن نقاطاً لكيفية نزع مخلفات تلك الأسلحة الخطيرة.
كما طالب كل وكالات الأمم المتحدة المختصَّة ببذل مزيد من الجهود على صعيد المساعدات الإنسانية الغذائية والطبية في المناطق، التي توقَّفت فيها المعارك، وفي مخيمات المشردين داخلياً ومتابعة الدول، التي تعهدت بالتَّبرعات اللازمة.
دعا التَّقرير إلى تطبيق مبدأ مسؤولية الحماية (R2P)، خاصةً بعد أن تم استنفاذ الخطوات السياسية عبر جميع الاتفاقات وبيانات وقف الأعمال العدائية واتفاقات أستانا، مؤكداً على ضرورة اللجوء إلى الفصل السابع وتطبيق مبدأ مسؤولية الحماية، الذي أقرَّته الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وأوصى التقرير كلاً من لجنة التحقيق الدولية المستقلة (COI) بفتح تحقيقات في الحوادث الواردة فيه وما سبقه من تقارير وأكَّد على استعداد الشبكة السورية لحقوق الإنسان للتَّعاون والتزويد بمزيد من الأدلة والتَّفاصيل. ودعا إلى التركيز على قضية الألغام والذخائر العنقودية ضمن التقرير القادم.
طالب التقرير المبعوث الأممي إلى سوريا بإدانة مرتكبي الجرائم والمجازر والمتسببين الأساسيين في تدمير اتفاقات خفض التَّصعيد وإعادة تسلسل عملية السلام إلى شكلها الطبيعي بعد محاولات روسيا تشويهها وتقديم اللجنة الدستورية على هيئة الحكم الانتقالي.
كما أكَّد التقرير على ضرورة توقُّف النظام السوري عن عمليات القصف العشوائي واستهداف المناطق السكنية والمستشفيات والمدارس والأسواق واستخدام الذخائر المحرمة والبراميل المتفجرة، والامتثال لقرارات مجلس الأمن الدولي والقانون العرفي الإنساني.
كما أكَّد أنَّ على الدُّول الداعمة لقوات سوريا الديمقراطية الضَّغط عليها لوقف تجاوزاتها كافة في جميع المناطق والبلدات التي تُسيطر عليها. وأضاف أن على قوات سوريا الديمقراطية التَّوقف الفوري عن تجنيد الأطفال ومحاسبة الضباط المتورطين في ذلك، والتَّعهد بإعادة جميع الأطفال، الذين تمَّ اعتقالهم بهدف عمليات التَّجنيد فوراً.
وأوصى التقرير المعارضة المسلحة والجيش الوطني بضمان حماية المدنيين في جميع المناطق، وضرورة التميِّيز بين الأهداف العسكرية والأهداف المدنية والامتناع عن أية هجمات عشوائية.
وأخيراً شدَّد التقرير على ضرورة قيام المنظمات الإنسانية بوضع خطط تنفيذية عاجلة بهدف تأمين مراكز إيواء كريمة للمشردين داخلياً. وتزويد المنشآت والآليات المشمولة بالرعاية كالمنشآت الطبية والمدارس وسيارات الإسعاف بعلامات فارقة يمكن تمييزها من مسافات بعيدة.
إلى غير ذلك من توصيات إضافية…
المصدر: الشبكة السورية لحقوق الانسان