من يهاجم “بوسطة” السوريين في لبنان التي تقل عمالا فقراء ولاجئين ونساء وأطفالا؟ سؤال من المفترض أن تجيب عليه الأمم المتحدة، حيث جاء في تقريرها التمهيدي لمعاينة مشكلة اللاجئين الصادر عام 1951، أن “اللاجئ هو بالضرورة من لا يملك وطناً.. هو ضحية ضعيفة ومحزنة وبريئة لأحداث لا يمكن أن يتحمل مسؤوليتها”، وهو ما يواجهه السوريون اللاجئون إلى لبنان الذين وضعتهم القوى السياسية اللبنانية في “بوسطة الترحيل” المشابهة لبوسطة عين الرمانة.
ظل الأسد لم يغادر لبنان
في مقابل التطبيع العربي، بدأ النظام السوري وإيران بمد أيديهم وتحريك أذرعهم في المنطقة، في استغلال لضعف اهتمام إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بالملف السوري والإيراني لحساب مواجهة الصين وروسيا في آسيا وأوروبا، رغم أن نفوذ بكين وصل ما بين الرياض وطهران وباتت الصين حاضرة في الشرق الأوسط، في حين يبرز لبنان المشتت إقليميا ودوليا والمنقسم طائفيا كأنسب ساحة للعب النظام وإيران والتأثر بنتائج التطبيع العربي.
عبر وسيلة إعلامية لبنانية، اعتبر الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط أن رئيس النظام السوري بشار الأسد “ربح المعركة” في سوريا، وأن الجامعة تسرّعت حين جمّدت عضوية سوريا.
وقال أبو الغيط خلال لقاء مع قناة الجديد، إن بشار الأسد “ربح المعركة حين حسمها عسكرياً، وهذا مضى عليه على الأقل 5 أو 7 سنوات”، مضيفاً: “عندما فشلت المعارضة والمقاومة في دخول دمشق نجح الحكم السوري”.
وأشار إلى أنه كان ينبغي “عدم التعجل في عملية طرد وتجميد العضوية السورية (في الجامعة العربية) وإتاحة الفرصة وقتئذٍ للمزيد من المفاوضات والحوار”.
الأمين العام أوضح أن الدول “تتفاهم مع إيران اليوم، لكن لن يُسمح لإيران بالوجود في هذه القاعة”، معتبراً أن “حزب الله له وضعية خاصة لأنه جزء من المكون اللبناني الدستوري الشرعي، هو في الحكومة، هي حقيقة وواقع”.
كلام أبو الغيط دعوة واضحة لفتح الأبواب المغلقة أمام النظام السوري، ورغم إشارته إلى أن إيران لن تكون حاضرة في جامعة الدول العربية عبر النظام السوري، إلا أنها ستكون حاضرة في المنطقة العربية بقوة مثل ما دخلت طرفا في اجتماعات التطبيع بين تركيا والنظام السوري في موسكو، وبعد أن رسخت نفوذها العسكري في سوريا ها هي تتابع ترسيخ نفوذها الاقتصادي والديني أيضا براحة بال بعد بدء التطبيع مع الرياض. ومن تحت غطاء هذا النفوذ يعلن سليمان فرنجية رئيس تيار المردة والمرشح المحتمل لرئاسة لبنان عبر تغريدة على تويتر أنه مرشح النظام وإيران بقوله “أنا أملك شيئاً لا يملكه الكثيرون وهو ثقة حزب الله وثقة الرئيس السوري بشار الأسد وأنا أستطيع أن أنجز معهم ما لا يستطيع أن ينجزه آخرون”.
وبخصوص اللاجئين السوريين في لبنان قال: “لن أوافق على بقاء اللاجئين السوريين من أجل بشار الأسد ولن أوافقه في حال أراد ذلك وأُدرك أنه لن يرفض”، يعلم فرنجية أن النظام لا يريد عودة اللاجئين على الأقل دون أن تسبقهم “الأموال الخليجية” وترفع العقوبات عنه، لأن ذلك يعني ضرب قانون التجانس الذي أعلنه الأسد نفسه وهو التجانس البشري الخاضع لحكمه ولميليشياته.
من يهاجم بوسطة السوريين في لبنان؟
“التوازن اللبناني” و”الخصوصية اللبنانية”.. تحت هذه الشعارات الناتجة عن الحرب الأهلية اللبنانية واتفاق الطائف، تتعامل الحكومة والأحزاب اللبنانية مع قضية اللاجئين السوريين في لبنان، حيث تشهد البلاد منذ سنوات حملات على المستوى الرسمي والشعبي لإعادة اللاجئين السوريين قسريا إلى بلادهم، لكنها زادت اليوم مع التطبيع العربي والانهيار الاقتصادي وبدأت تتخللها أعمال عنف، وكأن لبنان ما زال يعيش في العام 1975.
ومن ملامح الفوضى اليوم في لبنان اعتداء عدد من الأشخاص على شابين لبنانيين داخل محلّهما في منطقة “نهر إبراهيم” بقضاء جبيل شمالي العاصمة بيروت، ظنّاً من المهاجمين أن الشابين من اللاجئين السوريين، بحسب تسجيل مصور تداوله ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، اللبنانيون أشاروا إلى أن المهاجمين ينتمون لحزب القوات اللبنانية.
وتعتبر أطراف عديدة في الحكومة اللبنانية على رأسها التيار العوني وحزب الله، أن مخيمات اللاجئين السوريين ملجأ “للمتطرفين وتنظيم الدولة” وهو ما تروج له الجهات الحليفة للنظام وأخرى يمينية مسيحية معادية للاجئين وصاحبة خطاب عنصري أصيل، حيث ظهرت كتابات مؤخرا على جدران بلدية الطيبة جنوبي لبنان يُزعم أن لاجئين سوريين قاموا بكتابتها.
أما الترهيب والتحريض الرسمي فقد وصل إلى نقطة فارقة حيث “أكد وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال القاضي بسام مولوي، خلال رعايته افتتاح المركز الإنقاذي للدفاع المدني، في عمشيت، أن “جميع اللبنانيين والمسؤولين لا يقبلون بأن يتحول النزوح السوري إلى لجوء، وأن يتحول هذا اللجوء إلى وجود مسلح”، قائلا: “هذا ممنوع على الإطلاق”.
لبنان المفلس
قال تقرير لقناة إم تي في إن لبنان “غارق في بحر أكثر من مليوني نازح”، واصفاً المشهد بالمخيف ومطلقاً على اللاجئين السوريين لقب “غزاة” وأن نصف سكان لبنان هم من النازحين بالتزامن مع ولادات بأعداد “فلكية”، مما سيغير وجه لبنان في السنوات العشر المقبلة.
إلا أن الانهيار الاقتصادي اللبناني أعطى دفعة كبيرة للخطاب العنصري بل يمكن القول إنه يقوده من خلال تحميل الانهيار وتحويل الاحتقان الشعبي نحو اللاجئين بعد الفشل الحكومي في معالجة الأزمات المتتالية، وكان مروان شربل وزير الداخلية السابق قال لوكالة سبوتنيك الروسية: “إن لبنان مفلس ولم يعد باستطاعتنا التحمل اقتصادياً واجتماعياً، اللبناني غير قادر على إيجاد عمل وهذا الأمر يخلق حساسية بين السوري الذي يتلقى أموالاً من المنظمات الخارجية واللبناني الذي يعيش في لبنان من دون مأكل ولا مشرب”.
في حين كشفت دراسة أعدتها “مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا” أن نحو ثلث اللاجئين الفلسطينيين السوريين في لبنان بلا إقامات قانونية، مشيرة إلى أنهم “محبوسون في المخيمات والتجمعات التي لجؤوا إليها”.
عام 1973 كان “الكفاح الفلسطيني المسلح” جاذبا وجذابا لبعض القوى العربية واللبنانية، لكن لا جاذبية للجوء السوري والفلسطيني عقب الثورة على النظام السوري.
طرابلس تحتج وجنبلاط يرفض الترحيل
من جهته أعلن الحزب “التقدمي الاشتراكي” الذي يتزعمه وليد جنبلاط، رفضه عمليات إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم قسرياً، وذلك ردا على ترحيل السلطات اللبنانية نحو 50 لاجئاً سورياً خلال الأسبوعين الماضيين. مطالبا بالالتزام التام بموجبات مبادئ حقوق الإنسان التي يرسخها الدستور اللبناني والقوانين الدولية.
كذلك شارك المئات في مدينة طرابلس اللبنانية، يوم الجمعة، في مظاهرة ضد العنصرية والتمييز تجاه اللاجئين، مطالبين بوقف عمليات ترحيل السوريين غير القانونية، خشية أن يتعرضوا لـ”تعذيب واضطهاد النظام السوري”.
وتجمع مئات المحتجين أمام سرايا مدينة طرابلس، رافعين لافتات تحمل عبارات مثل: “لن نسمح بترحيل إخواننا إلى حضن النظام المجرم وفينا عرق ينبض”، وأكثر من نصف أهل لبنان مهاجرون في العالم هل تقبلون بطردهم”، “ترحيل اللاجئين خطوة في تعويم النظام المجرم والتطبيع معه”.
وكان وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان زار لبنان الجمعة، والتقى وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب ورئيس الوزراء نجيب ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه بري وأيضا حسن نصر الله.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا