وسط البلد في يناير

محمد حماد

ذكرياتنا مع “وسط البلد” لها طعم ونكهة خاصة، أو هكذا أظن، كنا ننتهي من يومنا الجامعي لنتحرك إلى منطقة وسط البلد، إما لندخل السينما جماعة، لنستمتع بمشاهدة كل روائع السينما العالمية في تلك الفترة من حياتنا، وإما لندور معا على دور النشر والمكتبات التي تزين وسط البلد.

جلسنا ساعات طوال على كل مقاهيها، ولنا بصمة قدم على كل شبر منها، من ميدان التحرير حتى ميدان الأوبرا، ومن آخر القصر العيني حتى شارع 26 يوليو، ولنا في فنادقها المتوسطة الحال جولات وجولات، وسكن البعض منا بنسيوناتها.

لنا ذاكرة جماعية مع وسط البلد، ولكل فرد منا ذكرياته الخاصة جدا، التي ربما أشرك فيها غيره من الأصدقاء أو احتفظ لنفسه ببعضها خاصاً ولصيقاً بأسراره المكنونة بين جوانحه، نعرف شوارعها شارعا شارعًا، ونعرف أرصفتها طوبةً طوبة، ونحتفظ رائحة كل مكان فيها.

في يناير 2011 وما بعده كان المكان يلعب معنا، لأنه أرض ملاعبنا في الشباب الباكر، اختلطت فيه مشاعر وأماني وتصورات وتوقعات وأحلام وأهداف جيل حلم بالثورة لأكثر من ثلاثين سنة مع مشاعر وأفراح وأماني وتصورات وأحلام جيل تحرك ليقطف قرص الشمس هدية لمصر.

 أذكرني وبعض الأصدقاء يحتضن بعضنا بعضًا في قلب الميدان حولنا جمع من الشباب، ونحن نقول والعيون تملؤها دموع كلها فرح:

ـ “الحمد لله، عمرنا ما راحش هدر”.

بعد مرور أكثر من عقد من الزمان الرديء على أعظم وأنبل ثوراتنا أحس أن دموعا بطعم الحزن تحتبس في مآقينا، وقد ملأ الدم كل ساحات وسط البلد، وأصبح كل شبر فيها يحمل اسم شهيد، ويتوجع من أجل شهيد، ويصرخ فينا طلبا للقصاص لكل شهيد.

وسط البلد يا أرض النبل والشهادة، هنيئا لك بشهدائك، وهنيئاً لنا بك يا أطهر بقعة على أرض مصر.

 

المصدر: صفحة محمد حماد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. ذكريات وبوح عن ساحات القاهرة بيناير 2011 ، الساحات التي شهدت ثورة شعبنا ضد الطغاة المستبدين ، بعد مرور أكثر من عقد من الزمن لأعظم وأنبل ثوراتنا أصبحت دموعنا بطعم الحزن وملأ الدم كل ساحات وسط البلد، وأصبحت شوارعها تحمل اسم شهيد، ويتوجع صارخاً طلبا للقصاص لكل شهيد إنها أرض النبل والشهادة .

زر الذهاب إلى الأعلى