قراءة في رواية: السفر إلى عايدة

أحمد العربي

علاء الدين حسو روائي سوري، السفر إلى عايدة هي روايته الأولى التي أقرأها له.

يعتمد سرد الرواية على لسان الراوي، أما زمانها المعاش كحدث مباشر فهو شهر تموز من عام ٢٠١٦م.

الشخصية المحورية في الرواية هو المستشار السوري زكريا العاشج “العاشق” وهو متواجد في مدينة غازي عينتاب التركية وانتقل الى اسطنبول ليرى حبيبته عايدة. ومن خلال محطات السفر من المطار إلى الطائرة ووصوله الى اسطنبول ولقائه بحبيبته عايدة، ولقائه ايضا في المطار بحبيبته السابقة هدى وتتابع هذه اللقاءات حتى حصول الانقلاب الفاشل في تركيا في ١٦ تموز عام ٢٠١٦م. ومشاركة زكريا مع الشعب التركي في مواجهة الانقلابيين على جسر البوسفور…

زكريا المستشار يعود في أصله الى جده ابراهيم العاشج وكونه من احدى القرى التابعة لمدينة حلب وذلك منذ ما قبل بداية القرن العشرين. هذا الجد الذي كان ينتقل بين بلدة تل العاشج التي سميت بعد ذلك باسمه وبين بلدات ومدن على الجانب التركي من الحدود السورية التركية في ديار بكر. التي لم تكن قد قسمت بعد نهاية الحرب العالمية الاولى وسقوط الحكم العثماني. كان الجد مشهورا بمهنة قطع الحجر والعمار عموما. حيث كانت حلب متميزة ببنائها بالحجر الأبيض الكلسي الذي ميزها منذ زمن بعيد. عاصر الصراعات التي حدثت في أواخر الحكم العثماني وكان قريبا من الشيخ سعيد بيران الذي اختلف مع أتاتورك وحصل صراع أدى لإعدامه بعد ذلك. مما دفع ابراهيم الجد للانتقال الى جوار حلب بعد تشكيل الدولة السورية عقب احتلالها من الفرنسيين والاستقرار هناك والعمل في قطع الحجر والبناء .هناك تعرف عليه احد رجال الصوفية؛ الداغستاني وأخذ الطريقة على يديه وأصبح مريدا ملتزما شيخه كل الوقت حتى تم اغتياله …

نشأ زكريا في عائلة كانت حريصة على زرع قيم العلم في ابنائها ، نبغ في مدرسته وكان تحت رعاية استاذ احبه وتنبأ له بمستقبل زاهر وشجعه على دراسة الحقوق. وبعد ذلك أصبح قاضيا عرف عنه نزاهته ونظافته…

كان استاذ زكريا رجلا متميزا له دور تنويري لمن حوله. عمل كل الوقت لأن تكون سورية دولة متقدمة في ظل العدالة والديمقراطية. لكن المتغيرات التي حصلت في سورية من احتلال فرنسي اولا ثم انقلابات عسكرية متتالية ودخول سورية منذ سبعينيات القرن الماضي في حكم استبدادي طائفي مديد حعل آماله تتبدد…

حب زكريا الاول كان لهدى ابنة الاستاذ كان حبا قويا وعميقا. كان من المفترض أن يتوج حبهما بالزواج. لكن اغتيال والدها على يد النظام. وذلك اثر اتخاذه موقفا معاديا للنظام أيام الصراع المسلح بين النظام والطليعة المقاتلة والاخوان المسلمين وكانت القوى الوطنية الديمقراطية مشاركة سلميا في موقفها من النظام ومطالبتها بإسقاط الاستبداد وبناء الدولة الوطنية الديمقراطية. وذلك في بداية ثمانينات القرن الماضي. كان لاغتيال الأستاذ أثر سلبي على هدى وعائلتها. مما ادى الى تزويجها من أحد أقربائها وهو دبلوماسي سوري ومغادرتها الى فرنسا وهكذا خسر زكريا حب حياته…

كان زكريا قاضيا ناجحا صديقته منى فتاة متميزة والدها كان من المعارضين الشيوعيين للنظام. ينتمي إلى الجناح المختلف مع قيادة الحزب الشيوعي حول قضية فلسطين وحقوق الفلسطينيين العادلة واتخذوا موقفا معاديا للنظام وطالبوا بالتغيير الديمقراطي في سورية لذلك اعتقل لسنوات طويلة…

تعرّف زكريا من خلال منى على عائدة تلك المرأة التي دخلت شغاف قلبه منذ اللحظة الاولى. فهي ابنة أحد الضباط الكبار في سوريا منذ الاستقلال. شارك في حرب فلسطين ١٩٤٨م وكذلك في حرب ١٩٦٧م. وكان حاضرا ومشاركا في كل الانقلابات السورية التي حصلت. وعندما جاء نظام الاسد الاب تنحى الاب الضابط جانبا و عاش حياته متنقلا بين باريس وسورية بصحبة ابنته عايدة. التي كان لديها مشكلة مع زوجها الضابط المنتمي للنظام ذو السطوة كان عنينا وظالما ويعاملها بقسوة ويضربها احيانا، حاولت الطلاق منه ولم تتمكن، لذلك عرفتها منى صديقتها على زكريا القاضي حتى يساعدها بطلاقها منه. وبالفعل ساعدها حتى تطلقت من الضابط. وعدت عايدة زكريا أن ترد له الجميل. ولكن غادرت الى فرنسا مع والدها خوفا من بطش زوجها السابق. وغابت عشر سنوات وها هي تأتي لاسطنبول لتلتقي بزكريا حبيبها بقصد الزواج…

انتقم الضابط من زكريا وتم ابعاده من السلك القضائي لم يؤثر ذلك عليه فقد بدأ العمل في المحاماة…

كانت سورية موعودة مع تغيرات وُعدت بها القوى المعارضة بعد موت الاسد الاب واستلام الابن كوريث…

 لم تصدق الوعود التي قدمها الوريث الابن نشطت قوى ربيع دمشق في بياناتها واجتماعاتها وندواتها في السنوات الأولى بعد الألفية. لكن النظام اعاد القبضة الامنية واغلق المنتديات واعتقل قادة الناشطين. ونامت سورية تحت سلطة الاستبداد الطاغي حتى جاء الربيع العربي وتحرك الشعب السوري مطالبا بإسقاط الاستبداد وتحقيق الحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية في ربيع ٢٠١١م. كان زكريا من الناشطين ولكن استعمال القوة والعنف جعل الساحة السورية مسرحا للصراع بين النظام وحلفائه والمجموعات المسلحة التي ارتهن اغلبها للقوى الدولية ومصالحها. لذلك قرر زكريا مغادرة سوريا الى تركيا التي كانت الصدر الرحب المُستقبل لملايين السوريين الهاربين من الموت المعمم من النظام في سورية…

زكريا يصل الى اسطنبول ليلتقي بحبيبته عايدة بعد غياب عشر سنوات. يلتقي بها ويعيش معها ليلة حب جنسي بعد حرمان سنوات طويلة. كانت عائدة بعد زواج فاشل تتمنى أن تعيش حياتها كزوجة مع زكريا. لكن زكريا وبعد الوصال الجنسي مع عايدة واكتشاف الزمن الذي مر عليها وأنه لم يعد يراها خياره المستقبلي. هرب من لقائها حيث كانت تبحث عن شيخ يعلن زواجهما…

تعرف زكريا على والد عايدة الضابط السابق المسن وعلم الضابط من زكريا و من والده ومن جده. وكان ذلك مفاجئا للضابط ومؤلما. وسرعان ما ستكشف لزكريا الحقائق أن الضابط والد عايدة هو من قتل جده العاشق منذ سنوات بعيدة. لقد علم زكريا بذلك من خلال رسائل كان قد كتبها جد زكريا وأودعها عند شيخه الصوفي في اسطنبول، ودارت الايام والتقى زكريا عن طريق عايدة بشيخ الطريقة في اسطنبول وكان قد ورث أمانة شيخه السابق المتعلقة بجد زكريا وأخبره بالقصة كاملة واقرأه تلك الرسائل…

في مطار إسطنبول التقى زكريا بحبيبته الاولى هدى التي كانت قد تطلقت من زوجها الدبلوماسي أثر اختلافهم على الموقف من الثورة السورية ومجيئها الى تركيا لتقوم بدور إغاثي مع جمعيات تقوم بذلك. عادت منتمية لقضية الناس والثورة والحقوق…

في هذه الأجواء التي عاشها زكريا في اسطنبول علم بالمحاولة الانقلابية على الرئيس أردوغان. ونزل الى الشارع مشاركا الناس في مواجهة الانقلابيين منتصرا لخيار الشعب التركي الديمقراطي. أصيب هناك واستشهد دفاعا عن الديمقراطية التركية…

هنا تنتهي الرواية.

في التعقيب عليها اقول:

 اننا امام رواية مكثفة جدا ومتداخلة ايضا.

حاولت الرواية ان تختصر تاريخ يصل الى القرن تقريبا من حياة السوريين. من خلال خلق شخصيات مشاركة وفاعلة في الأحداث عبر هذه السنوات الطويلة. وبنفس الوقت اظهرت حياة ابطالها وحضورهم الطاغي وبصماتهم وشخصياتهم ومصائرهم المتميزة والمتنوعة.

بدء من الحدود السورية التركية السورية وما قبل سقوط العثمانيين والصراعات البينية قبل إعلان الدولة التركية ومن ثم التحدث عن سوريا في عهد الفرنسيين والانقلابات واستلام الاسد الاب للسلطة السورية والصراع مع الطليعة المقاتلة وآلاف الضحايا وتحول سوريا لجمهورية القمع والقتل. وبعد ذلك حكم الأسد الابن بعد عام ٢٠٠٠م وحلم ربيع دمشق واعادة البطش والتنكيل والاعتقال والخوف وغياب الأمان. وبعد ذلك الربيع السوري بعد عام ٢٠١١م وعنف النظام وحلفائه وهروب السوريين بعدما وصل ضحايا القتل لمئات الآلاف ومثلهم مصابين ومعاقين وملايين المشردين داخلا وخارجا.. واحتضان تركيا لملايين السوريين…

ثم الانقلاب الفاشل في تركيا واستشهاد ذلك السوري دفاعا عن الديمقراطية التركية كمؤشر على تمازج المصير التركي السوري مجددا والى أفق مستقبلي..

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. رواية “السفر إلى عايدة” للروائي السوري “علاء الدين حسو” قراءة جميلة وتعقيب موضوعي من الكاتب “احمد العربي” الرواية ان تختصر تاريخ يصل الى القرن تقريبا من حياة السوريين. من خلال خلق شخصيات مشاركة وفاعلة في الأحداث عبر هذه السنوات الطويلة. وبنفس الوقت اظهرت حياة ابطالها وحضورهم الطاغي وبصماتهم وشخصياتهم ومصائرهم المتميزة والمتنوعة

زر الذهاب إلى الأعلى