الإقليم في طريقه إلى الاشتعال وفق ما يتبدى من تصاعد الجبهات في لبنان وسوريا والعراق واليمن.
الاشتباكات الحدودية التي كانت “تحت السيطرة” على جانبي الحدود اللبنانية – الإسرائيلية باتت أكثر عمقاً. والغارات الإسرائيلية على سوريا أكثر كثافة واستهدافاً للفصائل الحليفة لإيران، وبينها تلك التي طاولت القائد البارز في الحرس الثوري رضي موسوي الأسبوع الماضي. وإيران تعهدت بـ”الثأر”، سواء مباشرة أو بمساعدة حلفائها.
وفي باب المندب، تنحو الأوضاع منحى التوتر، والاحتكاكات بين التحالف البحري “حارس الازدهار” الذي تقوده الولايات المتحدة ويضم نحو 20 دولة وميليشيا الحوثيين، تحدث بوتيرة متسارعة وبلغت الأحد مرحلة إطلاق مروحية أميركية النار على أربعة زوارق حوثية كانت تطارد سفينة تجارية تابعة لشركة “ميرسك” الدنماركية، ما أسفر عن مقتل 10 عناصر من المقاتلين الحوثيين. هذا عدا إطلاق النار على مسيّرات وصواريخ بالستية يقول الحوثيون إنهم يطلقونها نحو إسرائيل. أقل ما يقال في هذا المجال إن البحر الأحمر بؤرة توتر خطيرة، جعلت الكثير من الشركات البحرية العالمية الكبرى تعزف عن المرور في قناة السويس واللجوء إلى ممرات التفافية بعيدة من مرمى الحوثيين، لكنها ذات تكلفة أعلى لهذه الشركات وبات تسليم الإمدادات يستغرق مدة أطول.
ولا يمر يوم دون إطلاق صواريخ أو مسيرات على قواعد التحالف الدولي في العراق وسوريا. وإذا كانت معظم هذه الهجمات ليست مميتة حتى الآن، فإن أي ضربة توقع إصابات في صفوف الجنود الأميركيين، ستعمد واشنطن إلى الرد عليها بقسوة. وحدث هذا في الشهرين الماضيين أكثر من مرة.
هذه المناوشات الإقليمية مرشحة لانفجار أوسع إذا استمرت الحرب في غزة. ويخشى مراقبون نشوب مواجهة أميركية – إيرانية مباشرة إذا اشتعلت جبهة لبنان أو اليمن على نطاق واسع. ومنذ الأيام الأولى للحرب، وضعت الولايات المتحدة في حسبانها توسعها إلى حريق إقليمي شامل. ولهذا أرسلت حاملتي طائرات والعديد من القطع البحرية كـ”رسالة ردع لإيران” وحلفائها من الإقدام على توسيع النزاع من أجل نجدة “حماس” في غزة.
وفي الآونة الأخيرة، ثمة خشية فعلية من توسع الحرب. والضغط الذي مارسه الرئيس الأميركي جو بايدن بعد 7 تشرين الأول (أكتوبر) من أجل عدم قيام إسرائيل بتوجيه ضربة للبنان، آخذ في التراجع، بينما تتصاعد يومياً نبرة التهديدات الإسرائيلية التي تشترط انسحاب مقاتلي “حزب الله” إلى شمال الليطاني وتطبيق القرار 1701، كي تمتنع عن عمل عسكري واسع النطاق ضد الأراضي اللبنانية.
والولايات المتحدة، إدراكاً منها لخطورة الأحداث، ستوفد مستشار الطاقة في البيت الأبيض آموس هوكشتاين إلى بيروت في أوائل كانون الثاني (يناير) الجاري للبحث في حل دبلوماسي، يمنع تدحرج الأمور إلى حرب واسعة النطاق. هوكشتاين سبق أن قام بمسعى في تشرين الثاني (نوفمبر)، عارضاً أفكاراً من أجل ترسيم الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل، على غرار نجاحه في ترسيم الحدود البحرية في أواخر عام 2022.
ليست مهمة هوكشتاين مضمونة النجاح، لكنها تبقى الأمل الوحيد في تفادي تمدد نزاع غزة إلى لبنان، مع ما سيجره ذلك من انعكاسات أخرى في الإقليم ستشتعل معها جبهات سوريا والعراق واليمن، من دون استبعاد بلوغ مرحلة تتصادم فيها الولايات المتحدة وإيران.
وتتزايد داخل الكونغرس الأصوات المطالبة بضرورة توجيه الولايات المتحدة ضربة رادعة لإيران، وذلك بهدف منع طهران من التمادي في تحريك وكلائها في المنطقة لضرب إسرائيل أو المصالح الأميركية.
بيد أن بايدن يتريث في توجيه ضربة استباقية لإيران، مخافة تطور الأمر إلى حرب أوسع، تجد الولايات المتحدة نفسها في قلبها. وكون بايدن ذاهباً إلى حملة انتخابية ضد الرئيس السابق دونالد ترامب في تشرين الثاني المقبل، فإنه يفضل أن يكون أكثر حذراً في مسألة توجيه ضربة ضد الأراضي الإيرانية نفسها.
المصدر: النهار العربي