اختتم مجلس سوريا الديمقراطية “مسد” قبل ثلاثة أيام أعمال مؤتمره الرابع، وتلا بيانه الختامي محمود المسلط، الرئيس المشترك “العربي” الجديد خلفاً لرياض درار، إلى جوار الرئيسة المشتركة “الكردية” ليلى قره مان التي أتت خلفاً لأمينة عمر، في حين توارت القيادية المعروفة إلهام أحمد بحكم إلغاء الهيئة التنفيذية للمجلس التي كانت برئاستها. وأهمية المؤتمر الحالي أتت من زخم الإعداد له، إذ سبق انعقاده بأقل من أسبوع إقرار ما سُمّي “العقد الاجتماعي للإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا”.
حمل البيان الختامي للمؤتمر رسائل إلى جهات عديدة، وأخذت صياغته إلى حد كبير طابعاً توفيقياً. أما العقد الاجتماعي فهو بمثابة مدوّنة داخلية للإدارة الذاتية، لكنه ربما حمل رسائل إلى الخارج تفوق ما حمله البيان الختامي من حيث الأثر، خاصة أنه منذ ديباجته حمل إشارة إلى النظام الكونفدرالي الذي تشكل الإدارة الذاتية نواته “أساساً لبناء جمهورية سوريا الديمقراطية”.
والنقلة من الحديث عن الفدرالية إلى اعتماد الكونفدرالية لا يُتوقع لها بالطبع أن تلقى الترحيب لدى المعارضة “العربية”، أو من جهة الأسد الذي أصر في التفاوض مع الأكراد على مفهومه للّامركزية بما لا يتعدى الانتخابات البلدية. أي أن مخرجات اجتماعات ومؤتمر مسد مؤخراً تكرّس ما بات معلوماً ضمن الانقسام الثلاثي السوري: الأسد يرفض الديموقراطية واللامركزية، وهيئات المعارضة العربية تتحدث كثيراً عن الديموقراطية مع رفض صريح أو ضمني للّامركزية، والإدارة الذاتية التي يهيمن عليها حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي تتحدث كثيراً عن اللّامركزية وتتحدث بحماس أقلّ عن الديموقراطية.
وإذا نحّينا جانباً الاعتراضات العروبية على الإدارة الذاتية، فإن من مشاكل الأخيرة المستمرة تقديمها خطاباً قليل التماسك، بسبب الإصرار الشديد على تقديم برنامج حافل بكل شيء، وبالمتناقضات في الكثير من الأحيان. فنصُّ العقد الاجتماعي تتكرر فيه كلمة الكونفدرالية ضمن مناطق الإدارة نفسها، لكن المضمون سرعان ما يتكشف عن مقولات لطالما استُخدمت لهندسة المجتمع وتطويعه حسب الأيديولوجيا الحاكمة. من ذلك مثلاً ما ورد في الفقرة 61: “تحرص الإدارة الذاتية على تعزيز القيم التاريخية للقبائل والعشائر بما يخدم التطور والتعايش السلمي بين المجتمع، وتناهض كل الأعراف العشائرية التي تتنافى مع العقد الاجتماعي”! فهذا التدخل لتعزيز قيَم عشائرية إيجابية والتصدي لأخرى سلبية معياره الفعلي هو السلطة نفسها، وأهم ما يُفهم منه واقعياً أنه محاباة لقيادات العشائر العربية ما دامت ملتزمة بتأييد السلطة، والرئيس المشترك الجديد هو عربي من الوسط العشائري، وقد انضم مؤخراً إلى مسد على نحو يوحي بانتسابه إليها ضمن اتفاق مسبق على تسلمه المنصب.
أيضاً ينص العقد على تنظيم المجتمع بدءاً مما يُسمّى “الكومين” الذي يُعرَّف بأنه أصغر وحدة إدارية، و”يتشكل من عدد من العوائل التي تسكن ضمن الحدود الإدارية والجغرافيّة للكومين”. ثم في الفقرة التالية: ” كل مواطن في شمال وشرق سوريا هو عضو في الكومين”. هذه الهيكلية المرتبطة بتنظيم اجتماعي هرمي تستدعي إلى الأذهان التجارب البائسة لما كان يدعى “الديموقراطية الشعبية”، خاصة أن ديباجة العقد تنص في جزء منها على هجاء الرأسمالية: “نحن شعوب شمال وشرق سوريا عانينا من الأنظمة اللاديمقراطية المتعاقبة في سوريا ومن سياسات آلاف السنين من المركزية الدولتية والسلطوية وأيضاً من ممارسات الحداثة الرأسمالية المهيمنة على المنطقة”!.
كأنّ نشأة حزب العمال الكردستاني كحزب ماركسي ما تزال تلقي بظلالها على أدبيات مسد، فيطالعنا هذا التوصيف عن حداثة رأسمالية مهيمنة على المنطقة! ويغيب عنه الربط بين الحداثة والديموقراطية، وأيضاً الربط بين الأخيرة واللامركزية المعاصرة. هكذا تُحشَر المفاهيم اعتباطياً، ولا تخضع للتدقيق لأن هذا ليس من شأن أنصار مسد، وليس من شأن خصومهم المتشككين سلفاً بما يصدر عنها من أقوال. والطريف أن مسد تطرح نموذجها كنموذج قابل للتعميم في بلد افتراضي هو “جمهورية سوريا الديموقراطية”، فلا تترك لأبناء تلك الجمهورية مجتمعين ومتفرقين تقريرَ النموذج المناسب أو النماذج المناسبة.
نؤكد على أن المشكلة ليست في عناوين سيئة بحد ذاتها، وإنما في التعاطي معها على نحو لا يتقدم بالنقاش السوري إلى الأمام. فمفهوم العقد الاجتماعي مثلاً يختلف عن هندسة المجتمع التي جرّبها البعث من قبل، ومن المفيد أن تدرك مسد ذلك جيداً، إذا كانت جادة حقاً في طرح مبادئ من أجل مستقبل سوري ديموقراطي مُتّفق عليه، وهذا الاتفاق مكتوباً كان أم لم يكن هو العقد الاجتماعي الفعلي. أي أن الأخير هو سؤال الدولة نفسها، والإجابة عليه لا تأتي من قسم واحد من مواطنيها، سواء أكانت الإدارة الذاتية أو غيرها.
وبقدر إلحاح مسد على موضوعة اللامركزية، قد يكون مفيداً تكرارُ القول أن ربطها بالديموقراطية ضروري. فالفكرة الشائعة هي أن طرح اللامركزية من قبل الإدارة له أولوية مطلقة على الديموقراطية نفسها، وعلى نحو يُفهم منه أنها مطلب كردي لا يخص باقي السوريين، أو يخصهم بوصفهم إثنيات وطوائف لا بوصفهم أيضاً مواطنين بالمفهوم المعاصر. هذا ليس في صالح الأكراد ولا باقي السوريين، لأنه يختزل اللامركزية إلى مطلب فئوي خاص، في حين أن التخلص ما أمكن من المركزية هو تخلص من دعامات الاستبداد، وهو تالياً لصالح جميع المنادين بالتحول الديموقراطي.
لقد كانت واضحة رغبة مسد في نفي النزوع الانفصالي عن الأكراد، وقد عبّرت عن التمسك بوحدة الأراضي السورية في العديد من المناسبات بما فيها البيان الصادر عن مؤتمرها الأخير. ولا يخفى أن الإدارة تسوّق لنفسها كنموذج مقبول وسط نموذجَي الأسد والمعارضة، هذا التسويق مع القول بوحدة سوريا يرتّب عليها تقديم نموذج للمستقبل، نموذج لا يقوم على المباهاة بالتفوق هنا أو هناك على سلطة الأسد من جهة وسلطة الجولاني أو أبي عمشة من جهة ثانية.
الواقع اليوم هو أفضل أمام مسد مما كان عليه قبل سنوات، فالتذمر يعمّ مناطق سيطرة الأسد بأكملها، وهناك انتفاضة مستمرة في السويداء من المستحسن أن تتعاطى معها مسد بإيجابية فلا تستثمرها فقط للقول أن اندلاعها دليل على مساوئ الحكم المركزي. أيضاً، ثمة عوامل عديدة تجعل هيئات المعارضة غير قادرة على كسب ما يخسره الأسد من جمهور؛ هذه قد تكون فرصة تشاركية واقعية لمسد بدَلَ تأليف جمهورية افتراضية.
المصدر: المدن
مجلس سورية الديمقراطي يختار محمود المسلط رئيساً مشترك للمجلس بعد مجيئه من أمريكا وانضمامه للمجلس كمستقل مع السيدة ليلى قره مان من كوادر الـ PKK وذلك بعد إقرار “العقد الاجتماعي للإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال شرق سوريا” عقد اجتماعي يمثل وجهة نظر الـ PKK وبالكونفدرالي نواتها الإدارة الذاتية “أساساً لبناء جمهورية سوريا الديمقراطية” كخليط من الرؤية الماركسية والتبعية للإمبريالية الأمريكية ومصادرة لرأي السوريين، قراءة موضوعية .