الحدود الأردنية السورية، من الكبتاغون إلى الأسلحة

 

تصاعدت عمليات التهريب، في الفترة الأخيرة، من الأراضي السورية إلى الأراضي الأردنية؛ إذ لم تعد تلك العمليات تقتصر على تهريب المخدرات والكبتاغون، بل وصلت إلى تهريب بعض الأسلحة الخفيفة والمتوسطة الحديثة والمتطورة، ففي يوم الاثنين 18 كانون الأول/ ديسمبر 2023، ظهرت أنباء عن شنّ الأردن هجمات جوية استهدفت مهرّبي المخدرات، لكن الأردن نفى قيامه بتلك الغارات الجوية، واكتفى بالإعلان أنه أحبط عملية تسلّل كبيرة نحو أراضيه.

فهل ستشهد الحدود الأردنية السورية في الفترة المقبلة تطوّرات أمنية جديدة وعمليات تصعيد عسكري أكثر؟ وما هو الهدف من هذا التصعيد في هذا التوقيت؟

على الرغم من أن الأردن حاول إبعاد نفسه عن الأحداث في سورية وتطوراتها، فقد تأثر كثيرًا بما جرى في سورية، حيث إن موقعه الجغرافي ومجاورته لسورية، وطبيعة تحالفاته، إضافة إلى استضافته قرابة مليون لاجئ سوري بعد 2011، قد جعلت منه جزءًا من التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة (داعش)، وقد شنّت الطائرات الأردنية العديد من الغارات الجوية في مناطق سيطرة التنظيم في الرقة وغيرها، وسقط أحد طياريه أسيرًا بيد التنظيم، وقد أعدمَه التنظيم حرقًا (الطيار الكساسبة)، وكذلك استضاف الأردن غرفة عمليات (الموك) التي تأسست عام 2013، وكان لها دور في إدارة عمليات فصائل المعارضة السورية العسكرية في الجبهة الجنوبية.

بعد سيطرة النظام السوري عام 2018 على المنطقة الجنوبية؛ بدأت عمليات تهريب المخدرات تزداد بشكل كبير، حتى إن الحدود الأردنية السورية شهدت مئات من عمليات التسلل والتهريب، وتطورت في الفترة الأخيرة، وصارت أكثر كثافة وتنظيمًا وتحميها مجموعات مسلحة، حتى إن تلك العصابات بدأت باستخدام الطائرات المسيرة للتهريب والمراقبة والرصد، وقد وصل عدد الطائرات المسيّرة التي أُسقطت، منذ بداية عام 2023 حتى أيلول/ سبتمبر الماضي، 11 طائرة مسيرة[1]. وربما كان ذلك نتيجة تشديد الأردن حماية حدوده البرية من جهة (نحو 378كم)، وتطوّر إمكانات تلك العصابات من جهة أخرى. وقد وصل الأمر بتلك العصابات إلى الدخول في اشتباكات مباشرة مع قوات حرس الحدود الأردني، ومحاولة التغلغل في داخل الأراضي الأردنية، وتغيير قواعد الاشتباك باستخدام أسلحة متطورة، وبدأ المهرّبون يستخدمون تكتيكات عسكرية، والعبور عبر أراض وعرة، وهذا يعني أن الأردن أصبح يتعامل مع عصابات منظّمة ومدرّبة، وشبكات عابرة للحدود.

وقد أدت الاشتباكات إلى مقتل أحد حرس الحدود الأردني، في مطلع كانون الأول/ ديسمبر 2023، وكذلك في العملية الأخيرة يوم 18 كانون الأول/ ديسمبر، حاول المهربون دخول الأردن ومعهم قاذفات صواريخ وألغام مضادة للأفراد، واستمر الاشتباك معهم نحو 14 ساعة، وهذه هي المرة الأولى التي يجري فيها شيء مشابه، فالعصابات لم تعد تكتفي بتهريب المخدرات والكبتاغون، بل بدأت عمليات تهريب للسلاح الخفيف والمتوسط الحديث، مما يعني أن العمليات أخذت تستهدف استقرار الأردن، وربّما السعودية.

كل هذا دفع الأردن إلى البدء باستخدام سلاح الجوّ لحماية حدوده، والقيام ببعض الضربات العسكرية لتلك العصابات في داخل الأراضي السورية، بغية تعزيز حماية أمنه، لكن كلّ العمليات العسكرية التي قامت بها الأردن ما تزال حتى الآن عمليات تستهدف بعض العناصر التي تعمل بالتهريب، ولم تصل إلى ضرب الشبكات أو مصانع المخدرات والكبتاغون داخل الأراضي السورية، لأن قسمًا كبيرًا منها يقع في نقاط عسكرية تابعة للنظام أو في مقار الميليشيات، وتتم عملية نقلها بسيارات عسكرية تابعة للنظام والميليشيات، في أغلب الأحيان.

لكن اعتقال الأردن عددًا من المهرّبين في العملية الأخيرة ربّما يساعد في الكشف عن الشبكات المحلية الأردنية، والشبكات داخل الأراضي السورية التي تتعامل معها تلك العصابات، لأن عمليات التهريب تحتاج إلى مُستقبل وإلى موزّع وإلى من يشرف على نقلها عبر الأردن إلى دول الخليج، وهذا يقتضي ضرورة وجود متعاونين محلّيين، فقد أصبح هناك ما يشبه الشبكات العابرة للحدود لتجارة المخدرات والكبتاغون، والأردن إحدى محطاتها.

 معظم تلك العصابات التي تقوم بعمليات التهريب أو الإنتاج تابعة لإيران، أو تتلقى دعمًا مباشرًا منها، وهذا ما أعلنته الأردن، إذ صرّحت بأن من يقف خلف تلك العصابات ميليشيات طائفية ومدعومة من دولة إقليمية. ويُعدّ هذا تطوّرًا في الموقف الأردني الذي كان يتجنّب التصريح بذلك، ويؤكد هذا تصريحُ وزير الخارجية الأردني في أثناء لقائه وزير الخارجية الإيراني، خلال مؤتمر الهجرة في جنيف منتصف كانون الأول/ ديسمبر 2023، بأن الأردن سيستخدم كل الخيارات لوقف تلك العمليات.

وكانت الدول العربية قد طرحت مع النظام السوري ما سُمّي المبادرة العربية، وسوّقت لها الأردن، وكانت الأردن أحد أكبر المؤيدين لإعادة تأهيل النظام، مقابل أن يساعده الأسد في إيقاف تهريب الكبتاغون والمخدرات، وكذلك طُرح مبدأ خطوة مقابل خطوة، لتحقيق العديد من الأهداف، وكان منها تحقيق تقدّم في مجال مكافحة المخدرات. وكان الاتفاق يتضمن تعاونًا أمنيًا وتنسيقًا بين الدول لمواجهتها، مقابل حوافز مادية كافية تُمكّن من إقناع النظام بالتعاون معهم، وعلى الرغم من العديد من الاجتماعات الأمنية التي عقدت بين الأردن والنظام السوري، للتعاون والتنسيق في هذا المجال، فإنّ النظام تهرّبَ من أي التزامات، غير أنه لم يمانع أن تضرب الأردن مهرّبي المخدرات في المناطق الحدودية. وليس خفيًا أنّ تجارة المخدرات والكبتاغون تدرّ على النظام أموالًا أكثر من أي حوافز مالية يمكن للدول العربية تقديمها (قُدّرت بأكثر من 5 مليار دولار سنويًا عام 2021)[2]، وهي في ظل العقوبات المفروضة عليه، وخروج المناطق السورية الغنية بالثروات النفطية والزراعية من سيطرته، أصبحت تشكل المورد الأساسي له، فضلًا عن أنها ورقة ضغط بيده لن يسلّمها إلى تلك الدول بسهولة، فهو يريد استخدامها كسلاح (التطبيع مقابل وقف الكبتاغون)، كما يريد من خلالها الضغط على أميركا لوقف عقوبات قانون قيصر، وربما يطمع حتى بالحصول على دعم للبدء بإعادة الاعمار، كذلك يريد استخدام عمليات التهريب للإيحاء بأنّ ابتعاده عن الحدود، نتيجة الأحداث في درعا سابقًا وتظاهرات السويداء حاليًا، هو السبب في ازدياد عمليات التهريب، وسيبرر بشار الأسد دائمًا بحديثه أن الفوضى والانفلات الأمني والفساد هي السبب في ذلك، وسيُنكر أي علاقة رسمية بها على الصعيد الرسمي.

أما اللاعب الأساسي في المنطقة الجنوبية من سورية حاليًا، فهو إيران وميليشياتها، ولا سيّما أن روسيا قد ابتعدت جزئيًا عن المنطقة الجنوبية، بعد أن اضطرتها حرب أوكرانيا إلى سحب جزء من قواتها هناك، مما أدى إلى زيادة النشاط الإيراني في تلك المنطقة، ومن الملاحَظ أن القصف الإسرائيلي للمواقع الإيرانية أو التابعة للنظام هو قصف استعراضي أكثر من أن يكون قصفًا مؤثرًا، حتى الآن، ولذلك تتحرّك إيران وميليشياتها بحرية شبه كاملة في تلك المناطق.

وبالنسبة إلى الولايات المتحدة الأميركية، فهي تتعاون مع الأردن في إطار مكافحة المخدرات، وقد فرضت الخزانة الأميركية عقوبات على عدد من الشخصيات السورية المتورطة بتلك التجارة، وكذلك وقّعت أميركا اتفاقًا مشتركًا مع الأردن لمكافحة المخدرات. وعلى الرغم من التطور الكبير في عمليات التهريب، فليس هناك أي عمليات عسكرية أميركية ضدّها حتى الآن، ولا شكّ في أن مشاركة القوات الأميركية الموجودة في التنف، أو في داخل الأردن، ستُسهم في الحد من تلك التجارة والتهريب، ويمكن كذلك لأميركا تقديم معدات عسكرية متطورة للرصد والمراقبة، وخاصة كاميرات الرؤية الليلية والنهارية، وذلك لمواكبة التطور في أدوات عصابات التهريب، ويمكنها أيضًا تقديم تدريبات خاصة، وتقديم الدعم المالي للأردن.

وقد تزامن التطور الكبير في عمليات التهريب مع أحداث غزة الأخيرة، والأوضاع الإقليمية المضطربة، فزاد قلق الأردن على أمنه الوطني، وشعر بأن ما يجري على حدوده الشمالية يستنزف قواته وموارده، وخاصة مسألة تهريب السلاح، إضافة إلى الكبتاغون والمخدرات، وربما كانت المخدرات واجهة لتهريب الأسلحة، وتزامن أيضًا مع توافد الحشود العراقية الشعبية التي تتبع بعض الفصائل العراقية التابعة لإيران، التي احتشدت على الحدود الأردنية العراقية بحجة الرغبة في الذهاب إلى فلسطين لمحاربة إسرائيل، كل هذا جعل الأردن يشعر بأن ثمة خططًا إقليمية تستهدف أمنه واستقراره تقودها ميليشيات مدعومة من إيران، وأن إيران تريد إثارة الفوضى في الأردن، لاستهداف أميركا وإسرائيل عبر أراضيه.

 في ظل هذه الأوضاع، يمكن توقّع السيناريوهين التاليين:

السيناريو الأول: استمرار عمليات التهريب، وخاصة أن العصابات والميليشيات المسلحة التابعة للنظام ولإيران، وحتى بعض فرق الجيش التابع للنظام السوري، أصبحت تعتمد في جزء كبير من تمويلها على التهريب وتجارة المخدرات والكبتاغون، وهذا سيدفع الأردن إلى تغيير قواعد الاشتباك مع تلك العصابات، والتصرّف بحزم، وتعزيز مراقبة الحدود، وربما يصل الأمر إلى تعطيل مرور الشاحنات السورية المتجهة من سورية إلى دول الخليج مرورًا بالأردن.

وكذلك يمكن أن يكثف الأردن عمليات ضرب تلك العصابات والشبكات في الداخل السوري، مع تجنّب ضرب أي موقع عسكري يتبع للنظام أو الميليشيات الإيرانية، ويكثف أيضًا المواجهات العسكرية معها على الحدود، مع استمرار تعامل الأردن والتواصل مع النظام السوري، للتنسيق معه لمكافحة عمليات التهريب من الجانب السوري، وذلك على الرغم من قناعته بعدم تعاون النظام معه. ومن المتوقّع أن يسلّمه النظام إحداثيات مواقع أو معلومات عن بعض صغار التجار، أو من يريد النظام التضحية بهم، من أبناء تلك المنطقة من المتعاونين معه، ليقوم الأردن بتصفيتهم، ويوحي النظام بأنه يتعاون في هذا المجال.

 وقد يضغط الأردن بإيقاف التزاماته بخطوة مقابل خطوة والمبادرة العربية، لإجبار النظام على القيام ببعض الإجراءات، وزيادة التعاون لضبط عمليات التهريب، ومن المتوقع أيضًا أن يصعّد الأردن إعلاميًا وسياسيًا، مع استمرار تحفّظه على توجيه الاتهام المباشر، على الصعيد الرسمي، إلى النظام وحزب الله وإيران، بصناعة وتهريب المخدرات وتهريب الأسلحة، وكذلك الإعلان أن حربه ضد تجار المخدرات ليست فقط لحماية شعبه وحدوده، بل لحماية كل دول الخليج، حيث إن الأردن يؤكد أن 85% من المخدرات التي تُضبط معدة للتهريب إلى خارج الأردن[3]، فالسوق الأردني صغير، والقدرات الشرائية للشعب الأردني محدودة، والمستهدف الأكبر هو أسواق دول الخليج، والأردن هو البوابة الأولى للتصدي لتلك التجارة، ولذلك فمن المتوقع أن يحصل على بعض المساعدات المالية والعسكرية من أميركا وبعض دول الخليج.

أما السيناريو الثاني، وهو لا تتوفر شروط تحقيقه، لكن ربما يكون ذلك على المدى الأبعد، وهو أن يسعى الأردن مع الإدارة الأميركية لإقامة منطقة عازلة في جنوب سورية، وخاصة أنه من الصعب ضبط الحدود ومنع التهريب بالمطلق، وهذا الأمر يحتاج إلى موافقة دولية ودعم مالي وعسكري، وسيؤدي إلى اشتباكات مع النظام السوري والميليشيات التابعة له ولإيران، ولكنه ليس مستحيلًا، في حال موافقة أميركا ورغبتها في تحقق ذلك، وهذا يقتضي تغيير أميركا لسياستها ولمقاربتها للقضية السورية، وخاصة أن الأردن يرتبط مع أميركا باتفاقية تعاون دفاعي تم توقيعها عام 2021، ووفّر الأردن من خلالها 15موقعًا للقوات الأميركية، ويتحكم الجانب الأميركي في عملية الدخول والخروج منها، وفي حيازة وحمل الأسلحة، وهناك وجود للقوات الأميركية في التنف وفي شرق الفرات، وربّما يلعب جيش “سوريا الحرة” الموجود في التنف دورًا في ذلك، ولا سيّما أن الاهتمام الأميركي به ازداد في الفترة الماضية.

فالأردن يواجه تحديًا خطيرًا في هذه الفترة، وخاصة مسألة تهريب الأسلحة المتطوّرة إليه، إضافة إلى المخدرات والكبتاغون، مع تجرؤ عصابات التهريب على التسلل والاشتباك المباشر مع القوات الأردنية، ويأتي ذلك في ظلّ رغبة إيرانية ربما لإثارة الفوضى في المنطقة، ومنها الأردن.

[1] – الأردن يسقط مسيرتين تحملان مواد مخدرة قادمة من سوريا، وكالة الأناضول، تاريخ النشر 27 أيلول/ سبتمبر 2023، شوهد بتاريخ 21 كانون الأول/ ديسمبر 2023 على الرابط : https://bit.ly/3RTbx5l

[2] تدفق المخدرات من سورية إلى الأردن، أي خيارات لعمان، العربي الجديد، تاريخ النشر 19 كانون الأول 2023، شوهد بتاريخ 22 كانون الأول 2023 على الرابط التالي: https://bit.ly/487ixRW

[3] – الأردن يسقط مسيرتين محملتين بمخدرات من سوريا، موقع الجزيرة، تاريخ النشر 26 أيلول/ سبتمبر 2023، تمت المشاهدة بتاريخ 21 كانون الأول/ ديسمبر 2023 على الرابط : https://bit.ly/48wLvKR

  تحميل الموضوع

المصدر: مركز حرمون للدراسات المعاصرة

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى