تايوان ومصادر الردع الحقيقية

جيسيكا تشين فايس  توماس جاي كريستنسن  بوني إس غلايسر

 لماذا يجب على أميركا طمأنة الصين بدل الاكتفاء بتهديدها؟ تمثل القوة المتنامية للجيش الصيني وموقفه العدواني المتزايد تجاه تايوان الردع في مضيق تايوان تحدياً باتت صعوبته حاضراً تفوق أي وقت مضى. ويتعين على الولايات المتحدة دعم جهود تايوان في تطوير “استراتيجية النيص” porcupine strategy الدفاعية [النيص حيوان قارض يشبه القنفذ. وتشير عبارة استراتيجية النيص إلى الصراع اللامتوازي أو غير المتكافئ، بمعنى المجابهة بين قوتين غير متساويتين لكن الأضعف بينهما يستطيع المقاومة بكفاءة].

وتستطيع واشنطن مساعدة الجيش التايواني في تخزين أسلحة للدفاع الساحلي والدفاع الجوي والتدرب عليها، ونشر قوة دفاع مدني قوية، وإنشاء احتياطات استراتيجية من المواد الحيوية كالأغذية والوقود، بغية ردع غزو أو حصار للجزيرة وهزيمة أي من هذين الخيارين إذا لزم الأمر. ويجب على الجيش الأميركي أيضاً أن يستعد بشكل أفضل للتعامل مع ترسانة الصين المتزايدة من الصواريخ التي تشكل تهديداً للقواعد الإقليمية الأميركية وحتى حاملات الطائرات الأميركية، من خلال إنشاء وجود عسكري أقوى وأكثر رشاقة وأكثر انتشاراً جغرافياً في المنطقة.

في المقابل، لا يقتصر الردع على وجود أسلحة في الترسانات، أو قوات على الأرض، أو طائرات في الجو، أو سفن في البحر، أو استراتيجيات على طاولة التخطيط. وليست الإشارة إلى تهديد عسكري موثوق به سوى جزء من استراتيجية ردع ناجحة. إذ يتطلب إبعاد الخصوم المحتملين أيضاً وجود ضمانات. ولا يكون لدى الدولة المهدَّدة حافز يذكر في تجنب الحرب إذا خشيت أيضاً عواقب غير مقبولة قد تأتي من عدم القتال. ووفق ما كتب الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل توماس شيلينغ قبل سنوات، “لا يمكن لعبارة ‘إذا خطوت خطوة أخرى، سأطلق النار’ أن تكون تهديداً رادعاً إلا إذا كانت مصحوبة بالضمانة الضمنية ‘وإذا توقفت، لن أفعل ذلك'”.

في الحقيقة، كلما كان تهديد طرف ما بعمل عسكري أكثر قوة وصدقية، كانت من الأكثر أهمية وصعوبة طمأنة الخصم المحتمل بصدقية. لا تقدم الأطراف الثلاثة المعنية بمضيق تايوان إلى بعضها بعضاً ضمانات كافية. مثلاً، بغرض تعزيز الردع، يجب على واشنطن أن توضح أنها تعارض أي تغيير أحادي الجانب في الوضع الراهن، ما يشمل أية محاولة من بكين لفرض التوحيد بين البر الصيني والجزيرة، وكذلك أية خطوة سياسية من تايبيه للسعي إلى الاستقلال. وبينما تعمل الولايات المتحدة مع تايوان على تعزيز أمن الجزيرة، يجب عليها تجنب إعطاء الانطباع بأنها تتحرك نحو استعادة العلاقات الدبلوماسية الرسمية أو نسج تحالف دفاعي مع الجزيرة.

 [طوال الفترة الممتدة بين نهاية الحرب العالمية الثانية وعام 1979، التزمت واشنطن باعتبار تايوان هي الصين الشرعية، مع معاداة النظام الشيوعي الذي أرساه ماو تسي تونغ بعيد تلك الحرب مباشرة. وآنذاك، استولى الحزب الشيوعي الصيني على السلطة في بكين، وطرد منها حزب كومينتانغ، بعد فترة من التحالف بين الطرفين أثناء الحرب العالمية الثانية. وفر رئيس حزب كومينتانغ إلى جزيرة تايوان، معتبراً نفسه السلطة الشرعية للصين كلها. وتخلت الولايات المتحدة عن تأييد ذلك الأمر في عام 1979، حينما شرعت بالتقارب مع الصين الشيوعية].

وإذا اقترنت ضمانات كهذه بتهديد مشروط وموثوق برد عسكري من جانب الولايات المتحدة وتايوان على استخدام القوة [من بكين]، فستساعد في منع نشوب حرب.

إن التصريحات غير الحكيمة التي أدلى بها في الماضي مسؤولون أميركيون سابقون وحاليون، وتتضمن أن الولايات المتحدة يجب أن تعترف رسمياً بتايوان كدولة ذات سيادة أو استعادة التزام تحالفي واضح بالدفاع عن الجزيرة، فمن شأنها، في حال تبنيها، أن تقوض الضمانات وتضعف الردع بالقدر نفسه من اليقين مثل الافتقار إلى الاستعداد العسكري.

وستفقد التهديدات العسكرية الأميركية قوتها إذا اعتقد القادة الصينيون بأن الولايات المتحدة ستستفيد من ضبط النفس الذي يمارسونه كي تعزز استقلال تايوان الرسمي أو تمنع توحيد البر الصيني والجزيرة تحت أي ظرف كان، حتى لو نتج ذلك من مفاوضات سلمية وغير قسرية. وقد تعتبر بكين أن امتناعها عن الهجوم سيعني أنها ستفقد إلى الأبد إمكان توحيد البر الصيني والجزيرة أو سيسمح للولايات المتحدة باستعادة شيء أقرب إلى تحالف دفاعي مع تايوان.

وإذا توصلت الصين إلى هذا الاستنتاج، فقد يفشل تركيز واشنطن على تعزيز القوة العسكرية في المنطقة في منع نشوب حرب.

على رغم أن منطق الردع من خلال القوة الغاشمة جذاب حدسياً، تظهر النظرية والتاريخ أن التهديد بالعقاب يفشل في الردع إذا لم يقترن بضمانات بأن تلك القدرات العسكرية نفسها لن تستخدم لإيذاء الجانب الآخر بطريقة أو بأخرى. ويلاحظ الخبير في العلوم السياسية ريد بولي أن “الغرض من الجمع بين الضمانات المشروطة والتهديدات المشروطة، يتمثل بتقديم خيار، خيار لا يدفع الطرف المستهدف إلى الاعتقاد بأن الأمور تسير وفق مقولة ‘ملاعين إذا فعلوها وملاعين إن امتنعوا عن ذلك'”.

من أجل الردع الفاعل، يجب أن تكون التهديدات والضمانات ذات صدقية. ووفق ما يلاحظ الباحثون ماثيو سيبول، وألان دافو، ونونو مونتيرو، “تعزز القوة صدقية التهديدات لكنها تقوض صدقية الضمانات”. ومنذ فترة طويلة، يصف خبراء العلوم السياسية تلك الديناميكية بأنها معضلة أمنية. من أجل إصدار تهديدات وضمانات ذات صدقية في وقت واحد، يجب على القادة أن يرعوا “سمعة قوامها ضبط النفس في مواجهة الامتثال” بدلاً من مجرد سمعة تستند إلى إنزال العقاب من دون قيد أو شرط. ولأن الولايات المتحدة على وجه التحديد يجب أن تعزز وجودها العسكري في المنطقة وتنوعه، وتساعد في تعزيز دفاعات تايوان، يجب عليها أيضاً أن تقدم ضمانات أكثر وضوحاً وتبلغ عنها بشكل أكثر استمراراً.

إذ تركز كل من بكين وتايبيه وواشنطن على إظهار العزم وبناء قدرات حربية مقنعة للإشارة إلى استعدادها ونيتها على صعيد استخدام القوة. وتأمل بكين في منع تايوان من تعزيز انفصالها عن البر الرئيس، بينما تأمل تايبيه وواشنطن في ردع بكين عن مهاجمة تايوان لفرض التوحيد بين البر الصيني والجزيرة. ومع ذلك، أهملت الأطراف الثلاثة كلها الجهود المقابلة على صعيد الإشارة إلى بعضها بعضاً بأن هذه الاستعدادات العسكرية لا يقصد بها تغيير الوضع الراهن أو منع احتمال التوصل في نهاية المطاف إلى حل سلمي للخلافات عبر المضيق [الذي يفصل جزيرة تايوان عن البر الصيني]. ومن المؤكد أن قادة الأطراف كلها استمروا إلى حد ما في تقديم الضمانات إلى بعضهم بعضاً. إذ يكرر كبار مسؤولي إدارة بايدن التأكيد بأن الولايات المتحدة لا تدعم استقلال تايوان، ويكرر قادة الصين أن “إعادة التوحيد السلمي” تظل خيارهم المفضل (ولو أنهم يميلون إلى اعتبار الجهود القسرية، باستثناء الحرب، لا تزال سلمية)، ويمتنع القادة في تايبيه عن الضغط من أجل تحقيق الاستقلال الرسمي. لسوء الحظ، يوسع المسؤولون في العواصم الثلاث أيضاً نطاق ما يعتقدون بأنها تدابير مشروعة للإشارة إلى العزم في الرد على التهديدات المتصورة، مما أدى إلى تأجيج دوامة خطرة محتملة من الأفعال وردود الفعل. ولا تكرر بكين وتايبيه وواشنطن تصريحات محورية جعلت الحل السلمي في نهاية المطاف ممكناً في الأقل. ولم يكن القصد من هذه الضمانات أبداً الترويج لحل في الأجل القريب أو تحديد تفاصيل أي حل في نهاية المطاف، بل تمثل القصد منها بأنها تبلغ الطرف الآخر عن وجود طرق سلمية ماضياً وحاضراً، في تسوية الخلافات عبر المضيق.

مثلاً، تصبح مقترحات بكين في شأن حكم تايوان المستقبلي الموحدة مع البر الصيني الرئيس أقل سخاء بمرور الوقت. وتضمن العرض المسمى “دولة واحدة ونظامين” الذي قدمته بكين في ورقة بيضاء عام 1993، السماح للجزيرة “بالحصول على سلطاتها الإدارية والتشريعية الخاصة بها، وقضاء مستقل، والحق بالتقاضي” إضافة إلى “شؤونها الحزبية والسياسية والعسكرية والاقتصادية والمالية”، وتضمن تعهداً بأن بكين لن ترسل قوات أو موظفين إداريين للتمركز في تايوان. واختفت الضمانة الأولى في ورقة الصين البيضاء الصادرة عام 2000 حول هذا الموضوع. وأزيلت الضمانة الأخيرة من نسخة الورقة الصادرة عام 2022. ولم يحظ مفهوم “دولة واحدة ونظامين” بشعبية في تايوان، وتقلصت شعبيته الآن بعدما شددت بكين قبضتها على هونغ كونغ، إذ طبقت النهج المذكور للمرة الأولى. وبالترافق مع عمليات عسكرية صينية عدوانية ومتكررة في شكل متزايد بالقرب من تايوان، يؤدي الفشل في تقديم خيارات أكثر جاذبية في شأن مستقبل تايوان إلى جعل بكين تبدو أكثر تهديداً وأقل جدارة بالثقة.

وفي ما يتعلق بتايوان، يملك “الحزب التقدمي الديمقراطي” الحاكم تقليداً طويلاً في دعم استقلال الجزيرة، لكنه توقف منذ عام 1999 عن الدعوة إلى إنشاء جمهورية تايوان ويؤكد بدلاً من ذلك أن تلك الجزيرة، المعروفة رسمياً باسم جمهورية الصين، تشكل بالفعل دولة مستقلة ذات سيادة. وتمتنع الرئيسة الحالية المنتمية إلى “الحزب التقدمي الديمقراطي”، تساي إينغ وين، عن السعي إلى الاستقلال الرسمي، وتسعى إلى تخفيف أسوأ مخاوف بكين، عبر تمسكها بتعهدها عام 2016 بالعمل وفق دستور جمهورية الصين، الذي يعرف الصين بأنها تشمل جانبي المضيق. وفي الوقت نفسه، ترفض قبول “إجماع عام 1992″، وهو تفاهم مزعوم بين ممثلي بكين وحزب “كومينتانغ” (الحزب القومي الصيني) بأن البر الرئيس للصين وتايوان ينتميان إلى بلد واحد والبلد نفسه، حتى إن اختلفوا في شأن كون ذلك البلد هو جمهورية الصين أو جمهورية الصين الشعبية.

وكذلك يشكك أعضاء في “الحزب التقدمي الديمقراطي” وعدد من العلماء في أن إجماعاً كهذا وجد بالأصل. ومع ذلك، تتهم بكين تساي بتغيير الوضع الراهن من خلال عدم قبول “إجماع عام 1992” الذي يواصل منافسوها في حزب الكومينتانغ تأييده. وقاومت تساي ضغوطاً يمارسها الراديكاليون في حزبها كي تطبق إجراءات من المرجح أن تفسر في بكين بأنها خطوات في اتجاه الاستقلال، على غرار التوقف عن استخدام النشيد الوطني لجمهورية الصين أو الإصرار على استخدام اسم “تايوان” بدلاً من “تايبيه الصينية” في المنابات الرياضية الدولية. وفي المقابل، سمحت تساي بتدريس تاريخ تايوان في شكل منفصل عن تاريخ الصين في المدارس الثانوية.

ولا تزال ثمة أسئلة تدور حول استدامة ضبط النفس في تايوان مستقبلاً. وفي الماضي، أبدى نائب الرئيس الحالي المنتمي إلى “الحزب التقدمي الديمقراطي” والمرشح الأوفر حظاً في الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها يوم الـ13 من يناير (كانون الثاني) 2024، لاي تشينغ تي، مناصرته للاستقلال في مواقف أكثر حدة مقارنة بتساي، واصفاً نفسه عام 2017 بأنه “عامل سياسي من أجل استقلال تايوان”. في وقت أقرب، في يوليو (تموز) 2023، أخبر لاي أنصاره في حدث انتخابي أن طموح حزبه يكمن في أن يتمكن رئيس حالي لتايوان من “دخول البيت الأبيض”، مما يعني أن هدفه يتمثل بتحسين علاقة تايوان بالولايات المتحدة. وأثار ذلك الأمر القلق في بكين، ودفع واشنطن إلى طلب توضيح.

وفي الولايات المتحدة، تكرر إدارة بايدن بانتظام أنها “لا تدعم استقلال تايوان” وتعارض التغييرات الأحادية الجانب في الوضع الراهن من أي لمن الجانبين. وتتفق هذه التصريحات مع السياسة الأميركية التقليدية المتمثلة في “الغموض الاستراتيجي” التي تتجنب بموجبها الولايات المتحدة تحديد الظروف التي ستتدخل فيها في نزاع يندلع عبر المضيق، وبالتالي لا تعطي الضوء الأخضر لمناصري الاستقلال في تايوان أو تستفز بكين من خلال الظهور كأنها تستعيد الالتزام التحالفي الأميركي تجاه تايوان. في المقابل أضحت صدقية تلك التصريحات موضع تشكيك بسبب إصرار بايدن المتكرر على أن الولايات المتحدة ستدافع عن تايوان إذا تعرضت إلى هجوم لأنها التزمت بذلك، على رغم أن الولايات المتحدة ليس لديها التزام رسمي بالدفاع عن تايوان منذ أن ألغت التحالف مع تايبيه عام 1979 كشرط مسبق لتطبيع العلاقات الدبلوماسية مع بكين. وفي شكل ملحوظ، يفشل مسؤولو إدارة بايدن في تأكيد أن الولايات المتحدة ستقبل أي حل سلمي للخلافات القائمة عبر المضيق يجري التوصل إليه من خلال المفاوضات ومن دون إكراه. ويؤدي إغفال إدارة بايدن لهذه الضمانة إلى زيادة شكوك بكين في أن واشنطن لن تقبل أبداً بأي شكل من التكامل بين طرفي المضيق، حتى لو تحقق ذلك عبر وسائل غير عنيفة. وكذلك تفعل تصريحات إيلي راتنر، مساعد وزير الدفاع لشؤون المحيطين الهندي والهادئ، بأن تايوان “تقع في عقدة مهمة داخل سلسلة الجزر الأولى” في غرب المحيط الهادئ، مما يعني أن الجزيرة لا غنى عنها استراتيجياً للدفاع عن حلفاء الولايات المتحدة، ويعني بالتالي أن أي شكل من أشكال التوحيد بين البر الصيني والجزيرة لن يكون مقبولاً من الولايات المتحدة.

لا شك في أن المسؤولين الصينيين يعتبرون جهود واشنطن في تعزيز العلاقات مع تايوان والسعي إلى موقف عسكري أقوى ضمن المنطقة، دليلاً على جدية العزم الأميركي. لكن الإجراءات الأميركية، مقترنة بخطاب المسؤولين في واشنطن، تثير أيضاً مخاوف بكين من أن الولايات المتحدة تسعى إلى “استخدام تايوان لاحتواء الصين”، وفق اتهام أطلقه عضو مجلس الدولة وزير الخارجية الصيني وانغ يي في مؤتمر صحافي في أغسطس (آب) 2022، وإلى استعادة شيء مشابه للتحالف الذي كان قائماً بينها وبين تايبيه قبل عام 1979. ويخشى بعض المحللين في بكين من أن المحاولات الأميركية الأخيرة لإعادة فتح القنوات الدبلوماسية الرفيعة المستوى مع بكين تخفي جهوداً مستمرة لإضعاف الصين ومنع أي توحيد بين البر الصيني والجزيرة، حتى لو حدث ذلك بصورة سلمية. وتتفاقم مخاوف كهذه بسبب تصريحات يدلي بها أعضاء في الكونغرس الأميركي ومسؤولون كبار سابقون وباحثون بارزون يدعون إلى خطوات تشمل استعادة العلاقات الرسمية مع تايوان وإحياء التحالف الأميركي معها وتمركز أعداد كبيرة من القوات الأميركية في الجزيرة.

شكوك ومخاوف في المضيق

بهدف دعم السلام والاستقرار في مضيق تايوان، يجب على الأطراف كلها أن تدرك أن الضمانات الموثوقة ضرورية في الردع الفاعل. ليست الضمانة الموثوق بها مكافأة أو رشوة. إنها ضمان بأن التهديد مشروط تماماً بالسلوك الذي يستهدفه. لا تتساوى ضمانات كهذه مع تدابير بناء الثقة، فالأخيرة كناية عن تنازلات بسيطة تقدم بطريقة تدريجية ومتبادلة. على النقيض من ذلك، ليس من الضروري أن تكون الضمانة متبادلة، لأنها ليست تنازلاً أو جهداً لبناء الثقة. يمكنها، وينبغي لها، أن تقدم من جانب واحد بهدف تعزيز الردع، طالما أنها لا تضعف الصدقية أو القدرة على الرد على التهديدات المتصورة. ومن شأن الضمانة الموثوق بها في حد ذاتها أن تعزز الردع. وإذا قوبلت بالمثل، يمكن أن تؤدي بمرور الوقت إلى بناء الثقة بين الأطراف والحد من التوترات.

ولطالما هددت بكين بتبني وسائل “غير سلمية” إذا بدا أن تايبيه تسعى إلى الانفصال الدائم أو الاستقلال الرسمي. في المقابل، أدى الحشد العسكري الصيني والتدريبات العسكرية المكثفة الصينية بالقرب من تايوان، إلى تغذية المخاوف من أن بكين تتحول من سياسة تعتمد على ردع أي سعي إلى استقلال تايوان إلى أخرى تستند على التوحيد القسري للبر الصيني والجزيرة من خلال الإكراه أو القوة العسكرية. ومع تضاعف هذه الشكوك والشبهات، ستفقد الأطراف كلها الحافز لتجنب التحركات الاستفزازية. وحينما تفشل بكين في طمأنة تايبيه إلى أن استعداداتها العسكرية ليست نذيراً بهجوم وشيك، فإنها تقوض الحوافز الموجودة لدى شعب تايوان في دعم اعتدال قادة البلاد السياسيين. كذلك يقود الافتقار إلى الضمانات الصينية الموثوقة إلى تعزيز نفوذ الساسة والمعلقين الأميركيين الذين يريدون التخلص من الغموض الاستراتيجي، ورفع مستوى العلاقات مع تايوان من علاقات غير رسمية إلى علاقات رسمية، واستعادة الالتزامات الدفاعية الخاصة بالجزيرة على غرار تلك التي حصلت عليها قبل عام 1979.

وبالتالي، بغية تعزيز صدقية التزام بكين بعملية سلمية، ينبغي على الصين أن تراجع عملياتها العسكرية بالقرب من تايوان. وبعد استخدام عمليات كهذه للتعبير عن الاستياء من زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي إلى تايوان في أغسطس 2022، يجب إعادة ضبط التدريبات الجوية والبحرية الصينية كي تعود إلى الممارسة التي استمرت عقدين وتمثلت في المراقبة الضمنية لخط الوسط الخاص بمضيق تايوان. كذلك أدرجت بكين في قانون صدر عام 2005 حقها في استخدام القوة ضد تايوان إذا رأت أن التوحيد السلمي للبر الصيني والجزيرة لم يعد ممكناً. وهكذا، تفشل الظروف الغامضة ونفاد الصبر الضمني إزاء تهديد كهذا في إقناع شعب تايوان بأن الجزيرة لن تتعرض إلى هجوم طالما أنه لا يحاول الانفصال في شكل دائم عن الصين. وفي غياب ضمانة كهذه، ليست لدى تايبيه أسباب كثيرة تحملها على الامتناع عن السعي إلى تحقيق تغييرات أحادية الجانب في الوضع الراهن. يجب على الصين مراجعة هذه اللغة لتضمين الضمانة بأنها لن تستخدم القوة طالما أن تايوان لا تسعى إلى الاستقلال الرسمي. وإذا فضل قادة بكين حقاً التوحيد السلمي بين البر الصيني وتايوان، بحسب ما يزعمون باستمرار، ينبغي لهم أن يبقوا الباب مفتوحاً أمام هذه النتيجة على وجه التحديد.

وفي مسار مواز، يجب على تايوان أن ترفق التدابير اللازمة لتعزيز دفاعها بضمانات موثوقة تقدم إلى بكين بأنها لن تسعى إلى الاستقلال أو الانفصال الدائم طالما امتنع الجيش الصيني عن مهاجمتها. ويجب على تايوان الامتناع عن الأعمال الاستفزازية المحتملة، على غرار إجراء استفتاء لتغيير اسمها الرسمي، جمهورية الصين، أو مراجعة مطالباتها الإقليمية لاستثناء البر الرئيس للصين. ومن شأن تلك التغييرات أن تشير إلى إعلان الاستقلال رسمياً. وبغض النظر عمن سينتخب رئيساً جديداً لتايوان، ستحتاج تايبيه إلى طمأنة بكين في شكل مقنع بأنها لا تنوي تغيير الوضع الراهن تغييراً جذرياً. وستتزايد الحاجة إلى ضمانات كهذه إذا فاز لاي، مرشح الحزب التقدمي الديمقراطي، بالرئاسة. إذ لا يثق المسؤولون الصينيون به بشدة منذ أن أيد السعي إلى تحقيق استقلال تايوان الرسمي في الماضي. وجاء بمثابة بداية جيدة ذلك التعهد الذي قطعه لاي، في خطاب ألقاه في تايبيه في أكتوبر (تشرين الأول) 2023 خلال مأدبة عشاء حضرها ما يقرب من 100 من كبار الشخصيات والضيوف الأجانب، ونص على الحفاظ على السياسة التي تتبعها تساي عبر المضيق، بما في ذلك رفض الرضوخ إلى الضغوط الصينية واستفزاز بكين. وفي حال انتخاب لاي، يمكن أن يستخدم خطاب تنصيبه بهدف إعادة تأكيد الالتزامات التي تعهدت بها تساي في خطاب تنصيبها عام 2016 حول إدارة الشؤون عبر المضيق وفق دستور جمهورية الصين وقانون عام 1992 الذي يحكم العلاقات بين جانبي المضيق، أي القانون التايواني المتعلق بكيفية إدارة الجزيرة للعلاقات مع بكين.

وبينما تعزز تايوان ردعها العسكري الذي يشمل زيادة قدرتها على الصمود في وجه الحصار وهزيمة قوة صينية غازية، يتوجب عليها أيضاً تنفيذ تدابير إضافية لتعزيز صدقية ضماناتها. وفي أغسطس (آب) 2023، اتخذ لاي خطوة في الاتجاه الصحيح حينما أوضح موقفه من مسألة التسمية، “تستخدم الرئيسة تساي مصطلح جمهورية الصين (تايوان) لوصف بلدنا. سأواصل القيام بذلك في المستقبل”. يوفر هذا التصريح وغيره من التصريحات للصين ضمانة خطابية. وفي المقابل، لأن ميثاق حزبه لعام 1991 لا يزال يدعو إلى إنشاء “جمهورية تايوان” ووضع دستور جديد، تستمر الشكوك في بكين حول استعداده للاحتفاظ بهذا الموقف حين يتولى الرئاسة. وإذا فاز لاي في الانتخابات، يتعين عليه أن يفكر في إعادة النظر في اقتراح قدمه مشرعو “الحزب التقدمي الديمقراطي” عام 2014 بتعليق بند الاستقلال في ميثاق الحزب الصادر عام 1991، وتلك خطوة غير ملزمة وقابلة للإبطال لكن من شأنها أن تعطي أي التزام خطابي بالوضع الراهن مزيداً من الوزن والصدقية. وكذلك يمكن لخطوة كهذه أن تشكل جزءاً من عملية تدريجية متبادلة للحد من التوترات وبناء الثقة، وهي خطة ناصرها ريتشارد بوش، الرئيس السابق لـ”المعهد الأميركي في تايوان”.

وفي سياق متصل، يجب على الولايات المتحدة ألا تستبعد إمكان التكامل السلمي في نهاية المطاف بين جانبي المضيق (طالما أن خطوة كهذه تحظى بموافقة شعب تايوان)، وينبغي لتايبيه أيضاً ألا تتخذ إجراءات من شأنها أن تمنع في شكل دائم التوصل إلى هذه النتيجة. وتوخياً للتوصل إلى ردع الحرب، يتعين على تايوان أن تسمح للقادة في بكين بالاعتقاد بأن التوحيد السلمي بين البر الصيني والجزيرة لا يزال ممكناً.

التقدير والانضباط

باعتبار الولايات المتحدة الطرف الثالث في هذا النزاع، يتوجب عليها أيضاً أن تفكر ملياً في مزيجها الخاص من التهديدات والضمانات. وإذ تتمثل أولويتها في منع الجيش الصيني من مهاجمة تايوان، يجدر التذكير بأن الردع لن ينجح إذا لم تصدق بكين الضمانات الأميركية. مثلاً، من مصلحة الولايات المتحدة أن تظل الصين متفائلة بأنها قد تتمكن في وقت ما في المستقبل من حل خلافاتها مع تايوان من دون اللجوء إلى العنف. وسيتعين على الصين إقناع الرأي العام التايواني بمزايا شكل من أشكال التكامل السلمي، وذلك أمر صعب، لكنه ليس مستحيلاً نظراً إلى نفوذ الصين الاقتصادي واحتمال ظهور حكومة أكثر جاذبية يوماً ما في بكين. وبقدر ما تستطيع واشنطن التأثير في تفكير الرئيس الصيني شي جين بينغ في شأن هذه المسألة المهمة، يتعين عليها أن تفعل ذلك. كذلك يتوجب على الولايات المتحدة تجنب الإدلاء بتصريحات أو اتخاذ إجراءات قد تقود بكين إلى استنتاج مفاده بأن توحيد البر الصيني والجزيرة لا يمكن تحقيقه إلا من خلال القوة.

تماشياً مع سياسة “الصين الواحدة” المتمثلة في عدم دعم استقلال تايوان أو السعي إلى استعادة تحالف رسمي مع تايبيه، يجب على الحكومة الأميركية ألا تستخدم في اتصالاتها الرسمية رموز سيادة تايوان، على غرار علم جمهورية الصين، أو الإشارة إلى تايوان كدولة أو حليف، وفق ما فعلت إدارة ترمب في تقرير وزارة الدفاع لعام 2019. وبالتالي، يتحتم إصدار تصحيح سريع إذا فعل مسؤولون أميركيون أحد تلك الأمور من غير قصد، على  غرار ما حدث حينما أشار وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى تايوان كدولة في مناسبتين عام 2021. من الأمثلة على التعامل الجدير بالثناء مع خطأ فادح كهذا، اعتراف البيت الأبيض بأنه ارتكب “خطأ صريحاً” بعد تضمين صورة علم جمهورية الصين في تغريدة حول تزويد الولايات المتحدة تايوان لقاحات “كوفيد- 19” العام نفسه. وإذ تخشى بكين أن تكون تايوان مجرد بيدق في لعبة احتواء أميركية أوسع نطاقاً، يجب ألا يلمح المسؤولون الأميركيون إلى أن تايوان تعتبر من الأصول الاستراتيجية الضرورية للأمن القومي الأميركي.

في ملمح متصل، تصر إدارة بايدن على أنها لم تجر أي تغييرات في سياسة “الصين الواحدة”. لكن تصريحات بايدن خالفت مراراً الغموض الاستراتيجي وأساءت وصف السياسة الأميركية. خلال مقابلة أجرتها معه شبكة “إيه بي سي نيوز” في أغسطس 2021، صرح بايدن، في شكل غير صحيح، أن الولايات المتحدة لديها التزام تعاهدي للدفاع عن تايوان، مقارناً “الالتزام المقدس” الأميركي بالتعهدات التي قطعتها الولايات المتحدة لليابان وكوريا الجنوبية. وفي أفظع بيان خاطئ يتعلق بسياسة الولايات المتحدة في شأن تايوان حتى الآن، أبلغ بايدن صحافيين في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021 أن تايوان “مستقلة” و”تتخذ قراراتها الخاصة”، ويتعارض ذلك الوصف مع السياسة الأميركية القديمة التي لا تعترف بتايوان كدولة مستقلة تتمتع بالسيادة.

تؤثر هذه التصريحات كثيراً في صعيد تقويض الردع بأكثر مما تؤثر في تعزيزه. تتوقع بكين منذ فترة طويلة أن تتدخل واشنطن إذا حاولت الصين فرض التوحيد بين البر الصيني والجزيرة. ينص قانون العلاقات مع تايوان، الذي أقره الكونغرس عام 1979 لتحديد العلاقات التي كانت وقتذاك غير رسمية بين واشنطن وتايبيه بعد تطبيع العلاقات بين واشنطن وبكين، على أن “أي جهد يبذل في تحديد مستقبل تايوان بوسائل أخرى غير الوسائل السلمية، بما في ذلك المقاطعة أو الحظر”، سيعتبر “تهديداً للسلام والأمن في منطقة غرب المحيط الهادئ ومصدر قلق بالغ للولايات المتحدة”. لا يحتاج التزام الولايات المتحدة تجاه تايوان إلى مزيد من التوضيح أو التعزيز، وبالتأكيد لا ينبغي لأي مسؤول أميركي أن يتذرع أو حتى يقترح أي شيء أقرب إلى استعادة تحالف رسمي. ويرجع ذلك إلى أن التزاماً غير مشروط تجاه تايوان من هذا النوع سيعتبر على جانبي المضيق ضوءاً أخضر للأصوات الأكثر صرامة المؤيدة للاستقلال في تايوان كي تسعى إلى انفصال رسمي عن الصين.

في الإطار نفسه، يجب على حكومة الولايات المتحدة تقديم بيان شامل ورفيع المستوى يحدد سياسة “الصين الواحدة” ويشرح سبب أهمية تايوان للولايات المتحدة بلغة مفهومة للشعب الأميركي. ويفترض أن يتجاوز [ذلك الشرح] التكرار عن ظهر قلب لسياسة “الصين الواحدة” الأميركية باعتبارها تشمل قانون العلاقات مع تايوان، والبيانات المشتركة الثلاثة بين الولايات المتحدة والصين الصادرة في أعوام 1972 و1979 و1982ـ والضمانات الست التي قدمتها إدارة ريغان إلى تايبيه عام 1982. وبالتالي، يستلزم الأمر أن يتضمن ذلك الشرح تقديم بيان أكثر اكتمالاً، على هيئة خطاب لمستشار الأمن القومي أو وزير الخارجية، بغية تأكيد المواقف التي يروج إن بايدن أوضحها للرئيس الصيني شي. ويشمل ذلك تأكيد أن الولايات المتحدة لا تدعم استقلال تايوان، وتعارض أي تغيير أحادي الجانب للوضع الراهن من أي من الجانبين، ولا تسعى إلى “صينين” أو “صين واحدة وتايوان واحدة”، ولا تسعى إلى استخدام تايوان كجزء من استراتيجية لاحتواء الصين أو تشجيع تايبيه على الضغط من أجل الاستقلال. وينبغي أن يتضمن بيان كهذا الضمانة التي قدمتها الإدارات السابقة بأن الولايات المتحدة ستقبل أية نتيجة يتوصل إليها الجانبان سلمياً وتحظى بموافقة شعب تايوان.

حتى وقت قريب، لم يدع أي مسؤول في إدارة بايدن علناً إلى استئناف الحوار عبر المضيق للحد من سوء الفهم وإدارة المشكلات، واحتل ذلك الموقف مكانة محورية في السياسة الأميركية قبل إدارة ترمب. من المرحب به أن رئيسة “المعهد الأميركي في تايوان”، لورا روزنبرغر، أوردت خلال حوار حول طاولة مستديرة مع وسائل الإعلام في تايبيه في أكتوبر 2023، إن الولايات المتحدة تدعم الحوار عبر المضيق ودعت بكين إلى بدء حوار مع تايوان. على رغم أن بكين مسؤولة عن انهيار الحوار عبر المضيق، إلا أن فشل الولايات المتحدة في تشجيع العودة للمحادثات تفسره بكين دليلاً إضافياً على أن واشنطن لا تريد أن يسوي جانبا المضيق نزاعاتهما. إذا اعتقدت بكين أن واشنطن لا تريد حقاً حل التوترات عبر المضيق، سيكون من الصعب على الولايات المتحدة ردع أي هجوم على تايوان.

واستكمالاً، يجب على المسؤولين الأميركيين أيضاً العمل على ضمان عدم زعزعة تايوان الوضع الراهن. لقد بدأت تايوان بشكل جدير بالثناء في تعزيز دفاعاتها في عهد تساي، لكن إدارتها امتنعت أيضاً بلباقة عن الدفع بالمبادرات المؤيدة للاستقلال. ويمثل ذلك خروجاً عن سياسة سلفها في الرئاسة المنتمي إلى “الحزب التقدمي الديمقراطي”، تشن شوي بيان، الذي أجرى استفتاء عام 2008 على السعي إلى نيل العضوية في الأمم المتحدة تحت اسم تايوان، بدلاً من جمهورية الصين، وفسرت بكين وواشنطن في حق، ذلك الأمر على أنه حيلة ترمي إلى تعزيز الاستقلال. نظراً إلى أن الأمم المتحدة مؤسسة دولية تشترط للعضوية أن تكون الجهة المتقدمة دولة، من شأن التقدم تحت اسم تايوان بدلاً من جمهورية الصين أن يؤكد الفصل السيادي الكامل للجزيرة. وإذا بدا أن حكومة مستقبلية أو شخصيات سياسية رئيسة في تايوان تروج لتغيير في الوضع الراهن كهذا، يجب على المسؤولين الأميركيين أن يعبروا عن مخاوفهم سراً أو علناً أو سراً وعلناً. يجب على الولايات المتحدة ألا تنسق أبداً سياستها تجاه تايوان مع بكين، لكن إذا وجه سراً توبيخ إلى تايوان في شأن جهود أحادية لتأكيد الاستقلال، يجب على واشنطن إبلاغ بكين بهذا التحذير من خلال القنوات الدبلوماسية حتى تظل الضمانات الأميركية ذات صدقية.

واستكمالاً، تستطيع الولايات المتحدة أن تكون أكثر شفافية في شأن معايير “علاقتها غير الرسمية” مع تايبيه، بما في ذلك القيود المفروضة ذاتياً على زيارات الرئيس ونائب الرئيس ووزير الخارجية ووزير الدفاع الأميركيين إلى تايوان. ويسمح لرئيس تايوان ونائبه منذ فترة طويلة بالقيام بزيارات عابرة عبر الولايات المتحدة في طريقهما إلى بلدان أخرى، لكنهما لا يزوران واشنطن. وتكون الزيارات العابرة كهذه خاصة وغير رسمية ومرتبة من أجل “سلامة المسافر وراحته وكرامته”، وفق كلمات وزارة الخارجية الأميركية. وعلى هذا النحو، لا ينبغي أن تغدو تلك الزيارات العابرة فرصاً لعقد مناسبات واسعة النطاق وعامة ومشحونة سياسياً. ومن شأن تكرار هذه السابقة والتصرف بمقتضاها باستمرار، تعزيز موقف أميركي مفاده بأن الولايات المتحدة لا تعامل تايوان كأنها دولة مستقلة تتمتع بالسيادة.

في نفس مماثل، يجب على المسؤولين الأميركيين، بمن فيهم أعضاء الكونغرس، الامتناع عن الإدلاء بتصريحات لا تتفق مع قانون العلاقات مع تايوان. ومن المفارقات أن القرارات التي تدعو الولايات المتحدة إلى الاعتراف بتايوان كدولة مستقلة تتمتع بالسيادة أو تقديم التزام دفاعي غير مشروط، تضعف الردع من خلال الإشارة إلى أن واشنطن تعتزم استعادة التحالف مع تايبيه الذي ألغته عام 1979. ويتوجب أيضاً أن يركز التشريع على مساعدة تايوان في الدفاع عن نفسها مع تعزيز القدرات العسكرية الأميركية في شرق آسيا بطرق تتفق مع قانون العلاقات مع تايوان، إضافة إلى تجنب الإجراءات الرمزية التي لا تفعل شيئاً لتعزيز تايوان أو القوات الأميركية لكنها قد تقوض صدقية الضمانات الأميركية للصين.

وفي ذلك الصدد، يفترض ألا ترسل السلطة التنفيذية أصحاب المناصب الأربعة الأولى في الحكومة الأميركية إلى تايوان. وعلى نحو مماثل، وكمسألة تتعلق بالسياسة، لا ينبغي للكونغرس أن يرسل إلى تايوان رئيس مجلس الشيوخ (الذي هو أيضاً نائب رئيس الولايات المتحدة)، أو رئيس مجلس الشيوخ الموقت، أو رئيس مجلس النواب. ثمة قنوات غير رسمية كافية لهؤلاء المسؤولين كي يوصلوا رسائل إلى تايوان ويتلقوا رسائل منها، وكذلك الحال بالنسبة إلى دعم تايوان، من دون إتاحة فرصة مناسبة لبكين كي تزيد الضغط العسكري مع إلقاء اللوم على واشنطن وتايبيه في إثارة التوترات. إن تعبيرات من هذا النوع عن دعم الولايات المتحدة لتايوان تأتي بنتائج عكسية لأنها تجعل الجزيرة أقل أمناً.

الردع الحقيقي

يرتكب بعض واضعي السياسات والمحللين خطأ الخلط بين الضمانات والاسترضاء أو الاستسلام الصريح. هذا خطأ. إلى جانب التهديدات ذات الصدقية، تشكل الضمانات الموثوقة جزءاً لا يتجزأ من الردع. بالنظر إلى التحديث الدراماتيكي المستمر للجيش الصيني وإصرار الصين المتزايد، تحتاج الولايات المتحدة إلى تعزيز موقفها العسكري في شرق آسيا والمساعدة في تحسين القدرات الدفاعية لتايوان ومساعدة الجزيرة في تحمل حصار محتمل. وستحتاج الولايات المتحدة إلى تعاون الحلفاء الإقليميين لإجراء التعديلات اللازمة في موقفها العسكري. في المقابل، إن الفشل في تقديم ضمانات إلى بكين حول الغرض من تعديلات كهذه سيقلل من احتمال تعاون الحلفاء، ويجعل ردع الصين أكثر صعوبة.

قد يجادل كثيرون بأن الضمانات من شأنها أن تشير إلى الضعف وتدعو إلى العدوان الصيني. على العكس من ذلك، ستساعد ضمانات من ذلك النوع في تعزيز استراتيجية الردع التي تشمل تعزيز الوجود العسكري الأميركي في شرق آسيا وتمتين دفاع تايوان. وبسبب الحاجة إلى اتخاذ تدابير صارمة على وجه التحديد، من الضروري أن ترفق واشنطن وتايبيه تلك التدابير بأخرى تستند إلى دبلوماسية مثمرة، وتضمن لبكين أنها لن تعاقب إذا تخلت عن استخدام القوة.

* بوني إس غلايسر، المديرة الإدارية لبرنامج المحيطين الهندي والهادئ في صندوق مارشال الألماني للولايات المتحدة.

** جيسيكا تشن فايس، أستاذة كرسي مايكل جاي زاك لدراسات الصين وآسيا والمحيط الهادئ في جامعة كورنيل، وزميلة عليا في مركز تحليل الصين التابع لمعهد جمعية آسيا للسياسات، وعضو سابق في فريق التخطيط للسياسات في وزارة الخارجية الأميركية.

*** توماس جاي كريستنسن، أستاذ العلاقات الدولية في كلية الشؤون الدولية والعامة بجامعة كولومبيا ومستشار أول في مكتب تنسيق الشؤون الصينية بوزارة الخارجية الأميركية. الآراء المعرب عنها هنا هي آراؤه الخاصة.

فورين أفيرز نوفمبر (تشرين الثاني)/ ديسمبر (كانون الأول)

المصدر: اندبندنت عربية

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. على أميركا طمأنة الصين بدل تهديدها ضمن تنامي القوة العسكرية للجيش الصيني وموقفها العدواني المتزايد تجاه تايوان والردع في مضيق تايوان تحدياً باتت صعوبته حاضراً تفوق أي وقت مضى. لأنها ستحتاج إلى تعزيز موقفها العسكري في شرق آسيا والمساعدة في تحسين القدرات الدفاعية لتايوان ومساعدة الجزيرة في تحمل حصار محتمل ، وهي ضمن حروب ومخاطر جديدة بالشرق الأوسط وانتخابات قادمة .

زر الذهاب إلى الأعلى