عباس يشترط حلاً سياسياً شاملاً وواشنطن تطالب بإصلاحات في السلطة برام الله قبل عودتها. مع أن الإدارة الأميركية تعتبر أن السلطة الفلسطينية هي “الخيار الوحيد للتعامل معها بصفتها كياناً سياسياً ومؤسسياً”، فإن المسؤولين الأميركيين يعتقدون أن تلك السلطة “لا تحظى بالصدقية اللازمة لاستعادة حكمها لقطاع غزة”، فيما يربط الرئيس الفلسطيني محمود عباس عودة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة “بوجود حل سياسي شامل، وليس أمنياً”. يأتي ذلك فيما يرفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تسلم السلطة الفلسطينية مهامها في غزة، بزعم “تمويلها الإرهاب، ودعم عائلات الإرهابيين”.
وفي ما يشبه الأجواء التي رافقت ولادة خطة خريطة الطريق في عام 2002، تسعى واشنطن ودول أوروبية إلى إجراء “إصلاحات في السلطة الفلسطينية لإحيائها، بحيث تكون قادرة على تلبية تطلعات وحاجات الشعب الفلسطيني”، وفق المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي.
ونصت الخطة التي جاءت في أوج الانتفاضة الثانية على أن “السلام لم يتحقق إلا من خلال إنهاء العنف والإرهاب، وعندما يصبح لدى الشعب الفلسطيني قيادة تتصرف بحسم ضد الإرهاب وراغبة في وقادرة على بناء ديمقراطية فاعلة ترتكز إلى التسامح والحرية”، لكن تلك الخطة لم تفضِ إلى اتفاق على الحل الدائم ونهاية الصراع مع نهاية عام 2005 كما نصت بنودها.
السلطة مستعدة
وتبدي السلطة الفلسطينية استعدادها لتسلم كامل صلاحياتها في قطاع غزة، لكن بشرط أن يكون ذلك ضمن حل سياسي يضمن إقامة دولة فلسطينية على حدود 67. ويطالب عباس “بتنفيذ حل الدولتين عبر حصول دولة فلسطين على عضويتها الكاملة في الأمم المتحدة بقرار من مجلس الأمن، وعقد المؤتمر الدولي للسلام، من أجل توفير الضمانات الدولية والجدول الزمني للتنفيذ”. وأشار عباس إلى أن “الحلول الأمنية والعسكرية أثبتت فشلها، ولن تحقق الأمن والاستقرار للمنطقة”. وفيما ترفض حركة “حماس” التدخلات الخارجية لرسم معالم ما بعد الحرب الإسرائيلية على غزة، فإن دولاً عربية تعتبر أنه من السابق لأوانه “كيف سيتم حكم غزة، لأننا غير متأكدين من النتيجة النهائية لهذا العمل العسكري”، بحسب وزير الخارجية المصري سامح شكري.
ومع ذلك، فإن شكري شدد على أن “القاهرة تعتبر منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني” مع إشارته إلى أن “الشعب الفلسطيني هو من يحدد من سيحكمه”.
لكن نتنياهو شدد على أنه “في اليوم التالي ما بعد حماس، يجب أن تكون غزة منزوعة السلاح، وهناك قوة واحدة فقط يمكنها أن تكون مسؤولة عن ذلك، وهي الجيش الإسرائيلي، ولن أكون مستعداً لأي ترتيب آخر”.
رفض إسرائيلي
ويصر نتنياهو على رفض عودة السلطة الفلسطينية، واستمرار الحرب ضد قطاع غزة حتى إنهاء حكم حركة “حماس” وقوتها العسكرية، مع بقاء الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة لفترة غير محددة.
وأشارت وثيقة مسربة لوزارة الاستخبارات الإسرائيلية إلى تفضيل إسرائيل “تهجير فلسطينيي قطاع غزة إلى مصر” على عودة السلطة الفلسطينية إلى القطاع. واعتبرت الوثيقة عودة السلطة إلى غزة وإنهاء الانقسام بين حركتي “” و”حماس” “انتصاراً غير مسبوق للحركة الوطنية الفلسطينية، لأنه سيمهد الطريق لإقامة دولة فلسطينية”.
ومع ذلك فإن رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية كشف عن “مباحثات مع مسؤولين أميركيين لوضع خطة لما بعد الحرب، ووضع آلية لعودة السلطة إلى غزة”. وشدد اشتية على أن السلطة الفلسطينية “لن تذهب إلى هناك وفق خطة عسكرية إسرائيلية”. وأشار مسؤول فلسطيني لـ”اندبندنت عربية” إلى وجود تباينات أميركية- إسرائيلية حول أموال المقاصة الفلسطينية، وإقامة إسرائيل منطقة عازلة في القطاع، وبقاء السيطرة الإسرائيلية عليه، لكن المسؤول أوضح أن واشنطن لا تمارس ضغوطاً على تل أبيب لإعادة الأموال، أو القبول بعودة السلطة الفلسطينية إلى غزة. وأوضح المسؤول أن السلطة “ستعود إلى قطاع غزة فقط ضمن حل سياسي، وبأنها ليس شرطياً أو وكيلاً أمنياً عند إسرائيل”.
وعقب لقائه الرئيس الفلسطيني ووزير الداخلية الفلسطيني زياد هب الريح، كشف وزير الدفاع البريطاني غرانت شابس عن إمكانية تعزيز فريق أمني بريطاني موجود في رام الله “لمساعدة السلطة الفلسطينية على إعداد نفسها لتولي إدارة قطاع غزة”. ويعتبر الرفض الإسرائيلي لعودة السلطة الفلسطينية إلى غزة “غير نهائي”، مع ترجيح خروج نتنياهو من الحكم بعد الحرب الإسرائيلية الحالية، بسبب “إخفاقاته في منع هجوم حماس في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، والاحتجاجات الشعبية ضد تعديلاته القضائية”.
استدراج السلطة
هذا واعتبر رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة الخليل بلال الشوبكي أن الحديث الأميركي عن عودة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة “غير منفصل عن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وأن ذلك الحديث يهدف إلى إعطاء الحرب غطاء سياسياً أميركياً”.
وحذر الشوبكي من “استدراج السلطة الفلسطينية لتصبح جزءاً من الأطراف التي تتحمل مسؤولية ما يجري حالياً في قطاع غزة”، واصفاً ذلك بـ”الخطأ الاستراتيجي الكبير”.
وأوضح الشوبكي أن الفلسطينيين يجب ألا يقعوا في خطأ عام 2002، عندما وافقوا على خطة خريطة الطريق حتى في ظل رفض ثم تحفظ إسرائيل على بنودها”.
وشبه الشوبكي الوضع الآن بما كان عليه في أوج الانتفاضة الثانية، عندما طالبت واشنطن الفلسطينيين “بإصلاحات سياسية وأمنية ومالية في السلطة الفلسطينية للإيفاء بمتطلبات عملية السلام”.
وأشار الشوبكي إلى أن حديث واشنطن عن حل الدولتين يتوجب أن “يوجه لإسرائيل التي يرفض مسؤولوها الحل ويتفاخرون بإفشاله، وليس إلى الفلسطينيين في ظل تأييد أهم قوتين سياسيتين لديهم، فتح وحماس، حل الدولتين”. وأضاف الشوبكي أن “حماس أصدرت وثيقة سياسية في عام 2017 أيدت في بندها الـ20 حل الدولتين كصيغة وطنية مشتركة”. ورأى الشوبكي أن “حركة حماس ستستخدم ورقة الأسرى الإسرائيليين لديها ليس للإفراج عن الأسرى الفلسطينيين فقط، بل للضغط على إسرائيل للانسحاب الكامل من قطاع غزة، وفك الحصار عن القطاع، وإعادة الإعمار”.
وتابع الشوبكي أن “حماس” “ستكون منفتحة حينها على إمكانية إعادة ترتيب السلطة الفلسطيينة، فحماس لا تمانع بإدارة السلطة لغزة لكنها تريد الاحتفاظ بسلاحها”.
وعن مطالبة السلطة الفلسطينية بأن تكون عودتها إلى غزة ضمن حل سياسي كامل للقضية الفلسطينية، قال الشوبكي إن تلك “خطوة تهدف إلى رمي الكرة في الملعب الأميركي والإسرائيلي”، مضيفاً أن ذلك “خلق تباينات بين واشنطن وتل أبيب”.
واعتبر المحلل السياسي محمد مشارقة أن دعوة واشنطن لإصلاح السلطة الفلسطينية “حق يراد به باطل”، مشيراً إلى أن إسرائيل هي من أضعفت السلطة الفلسطينية وقوضت صلاحياتها، وأذلت قادتها عبر سياستها التهويدية، واستمرارها بقتل الفلسطينيين والاستيطان”.
ويرى مشارقة أن بحث واشنطن عن حلول بعد “حماس” “بضاعة لا تشترى، فمن يريد حل الدولتين عليه اتخاذ إجراءات عملية ملموسة للبدء بتنفيذه على الأرض”.
المصدر: اندبندنت عربية
رؤية أمريكية لليوم التالي لا تنسجم مع طروحات نتنياهو ، السلطة الوطنية الفلسطينية مؤسسة معترف بها وتتمتع بهيكلية مؤسساتية يمكن الاعتماد عليها ، ولكن محمود عباس مستعد مع حل شامل بالدولتين ، أين حق الشعوب بتقرير المصير ؟ أين الديمقراطية بفرض سلطة غير ديمقراطية فاسدة ؟ اليوم التالي يقرره شعبنا بأسلوب ديمقراطي .