اعتبرت أستاذة العلوم السياسية لينا الخطيب، أن عملية طوفان الأقصى التي شنتها كتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الفلسطينية حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر/ تشرين أول المنصرم، جاءت في لحظة تفتقر فيها الدول العربية لتبني موقف موحد ضد دولة الاحتلال حيث كان لكل دول علاقتها الخاصة مع تل أبيب.
ولفتت إلى أن هجوم حماس جاء بعد 50 عاما من شن الجيش المصري والسوري هجوما مباغتا على إسرائيل، وفي ذلك الوقت، وقف العالم العربي متحداً ضد إسرائيل.
وفي حينها لجأت الدول العربية المنتجة للنفط إلى سلاح حظر إمدادات الخام للدول الداعمة لإسرائيل لكسب النفوذ في مفاوضات السلام بعد الحرب، وكانت الجيوش العربية تدعم الحملة العسكرية المصرية السورية بكل السبل.
لكن اليوم أصبحت الصورة الإقليمية أكثر تعقيدا بكثير، فمصر والأردن لديهما اتفاقات سلام مع إسرائيل منذ عقود مضت، كما أبرمت الإمارات والبحرين اتفاقيات إبراهيم (التطبيع)في عام 2020، وقبل هجوم حماس، كانت السعودية تضع اللمسات النهائية على اتفاق لتطبيع العلاقات مع تل أبيب برعاية أمريكية.
وبالإضافة لذلك هناك قطر، الملتزمة بموقفها المنفتح على التواصل مع جميع الأطراف، لكنها في الوقت ذاته أبقت على علاقة غير رسمية مع إسرائيل، بينما تستضيف القيادة السياسية لحركة حماس في الدوحة.
وبالنظر إلى الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الذي شهد توترا متزايدا قبل هجوم حماس، فقد ركزت تلك الدول على أهدافهم السياسية والاقتصادية، والتي كانت تعني في كثير من الأحيان التعامل مع الحكومة الإسرائيلية.
لكن الرد الإسرائيلي على هجوم حماس والذي أسفر عن استشهاد أكثر من 15 ألف شخص، أدى إلى تغيير هذه العلاقات بين عشية وضحاها.
ووفق الخطيب فإن التصعيد الإسرائيلي ضد غزة يدفع الدول العربية نحو موقف عام أكثر توحيدا بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
وبحلول الوقت الذي ضربت فيه إسرائيل مخيم جباليا للاجئين في نهاية أكتوبر/تشرين الأول، أصبح رد فعل مصر والأردن وقطر والسعودية والإمارات موحداً تقريباً، حيث أدان الجميع الهجوم بشدة ودعوا إلى وقف إطلاق النار.
ومع ذلك، فإن هذه الوحدة الظاهرة تخفي حقيقة مفادها أن النهج الذي تتبعه كل دولة عربية في التعامل مع الحرب بين إسرائيل وحماس يحركه في المقام الأول المخاوف بشأن أولوياتها الخاصة.
وينطبق هذا بشكل خاص على القوى العربية “الخمس الكبرى” وهي مصر، والأردن، وقطر، والسعودية، والإمارات.
ومع استمرار الحرب في غزة، تستخدم هذه الدول نقاط الضغط الدبلوماسية الخاصة بها لتشكيل الصراع لصالحها وتحقيق الأولويات الفردية.
ولكن إذا تمكنوا من تنسيق توجهاتهم، فسوف تتاح لهم فرصة أفضل للتوصل إلى نتيجة للصراع تعود بالنفع عليهم جميعا ويتمثل ذلك في إمكانية التوسط في عملية سلام إسرائيلية فلسطينية، ووضع استراتيجية أفضل لمواجهة إيران.
وتسبب تواصل العدوان الإسرائيلي على غزة، في تصاعد الغضب في جميع أنحاء العالم العربي. والآن تجد العديد من الأنظمة العربية نفسها في موقف صعب يتمثل في الحفاظ على هدوء شعوبها وفي الوقت نفسه حماية علاقاتها الاقتصادية والدبلوماسية مع إسرائيل.
ويحاول الزعماء العرب، الظهور جزئيا على الساحة الدولية باعتبارهم قادة للسلام على الساحة؛ لإظهار تجاوبهم مع الفلسطينيين وبالتالي تجنب الاحتجاجات الداخلية التي يمكن أن تخرج عن نطاق السيطرة.
مخاوف متنوعة
وبحسب الخطيب،تخشى مصر والأردن من تداعيات الحرب بين إسرائيل وحماس على بلديهما لاسيما فيما يتعلق بالأمن والاستقرار.
ولدى القاهرة وعمان قلق خاص من سيناريو دفع إسرائيل آلاف الفلسطينيين – بما في ذلك أعضاء في حماس وغيرها من الجماعات الفلسطينية المسلحة – إلى أراضيهما.
ويدرك الأردن حالة التذمر المحتملة بين سكانه، الذين غالبيتهم من أصل فلسطيني. ومن أجل الحفاظ على هدوء شوارع الأردن، تحدثت الملكة الأردنية رانيا، وهي فلسطينية الأصل، مرتين إلى شبكة سي إن إن منذ بداية الحرب للتأكيد على المسؤولية الدولية عن معاناة الفلسطينيين في غزة.
وسحب الأردن سفيره لدى إسرائيل، وصعّد وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي انتقاداته العلنية لإسرائيل، قائلاً إن “جميع الخيارات” مطروحة على الطاولة رداً على تصرفات إسرائيل في غزة.
وبينما لا تشعر الإمارات بنفس المخاطر الأمنية المتعلقة بالقرب الجغرافي والتركيبة الديموغرافية، لكن جيران الدولة الخليجية يشملون إيران – الداعم الرئيسي لحماس – واليمن، حيث ينشط المتمردون الحوثيون المدعومين من إيران، ويشكل هؤلاء الجيران مشاكلهم الأمنية الخاصة.
ورغم أن الإمارات وقعت على اتفاقيات إبراهيم مع إسرائيل، فإن هجوم حماس اختبر الهالة الأمنية التي كان من المفترض أن يجلبها التحالف مع إسرائيل، لأن حماس كشفت عن أوجه القصور في الأجهزة الأمنية الإسرائيلية.
على عكس الإمارات، لم تبد قطر أي اهتمام بتوقيع اتفاق سلام مع إسرائيل، وتسير الدولة الخليجية على حبل مشدود بين حماس وإسرائيل وتحاول استرضاء الجانبين من خلال العمل كوسيط.
تعتمد استراتيجية قطر على استخدام دورها كوسيط لوضع نفسها على أنها “شريك دولي موثوق به”، وهي عبارة كثيرا ما تتكرر في البيان الرسمي للحكومة القطرية.
ويتركز الاهتمام الرئيسي لقطر في الحفاظ على هذا الوضع السياسي عندما تنتهي الحرب بين إسرائيل وحماس.
وعلى صعيد أخر، فإن لدى السعودية مجموعة من المخاوف الخاصة، فقد أدت عملية طوفان الأقصى إلى توقف محادثات التطبيع بين الرياض وتل أبيب، وربما كان هذا الأمر هو أحد الأسباب التي دفعت حماس إلى شن هجومها.
وباعتبارها الراعي لمبادرة السلام العربية لعام 2002، وهي الخطة التي أقرتها الجامعة العربية لحل الدولتين الذي ينهي الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، فإن السعودية تدرك التوقعات الشعبية الإقليمية بشأن كيفية الرد على تصرفات إسرائيل.
ولمواجهة أي انتقادات ضدها، صعّد النظام السعودي انتقاداته العلنية لإسرائيل. ووصفت صحيفة عرب نيوز المملوكة للدولة عواقب العدوان الإسرائيلي على غزة بأنها “النكبة الثانية”.
وقد أشارت التصريحات الرسمية لوزارة الخارجية السعودية إلى قوات الدفاع الإسرائيلية باسم “جيش الاحتلال الإسرائيلي” وأصرت على تنفيذ حل الدولتين لحل الصراع.
كما أن السعودية معرضة لخطر الهجوم من إيران ووكلائها الإقليميين، وكما هو الحال مع الإمارات، زادت المملكة من مشاركتها الدبلوماسية مع إيران لتهدئة التوتر.
أوراق منفردة
وبعد اندلاع الحرب رفضت طلبا أمريكيا بإدارة أمن غزة ما بعد الحرب حتى تصبح السلطة الفلسطينية مستعدة لتولي السيطرة، وقال الرئيس المصري إن مصر لن تساعد في القضاء على حماس لأنها تحتاج إلى حماس للمساعدة في تأمين معبر رفح.
وترى القاهرة أن وجود حماس في غزة يمنح مصر أداة مفيدة يمكنها استخدامها للضغط على إسرائيل. ولن الحكومة المصرية في خسارة هذه الورقة طالما استمر الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
وذكرت المحللة أن ورقة النفوذ الحقيقية الوحيدة التي يستطيع الأردن أن يلعب بها هي استثمار الغرب فيه باعتباره جزيرة استقرار في الشرق الأوسط.
ويثق الأردن في قدرته على الضغط على إسرائيل دون خسارة دعم الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة، لأن كلاً منهما يحتاج إلى الأردن للمساعدة في حماية مصالحه الأمنية في الشرق الأوسط.
ومن هذا المنطلق، يحاول الأردن التأثير على إسرائيل للموافقة على وقف إطلاق النار من خلال رفض التوقيع على اتفاقية المياه مقابل الطاقة التي كانت ستزود إسرائيل بالطاقة النظيفة مقابل قيام إسرائيل بتزويد الأردن بالمياه. وكان من المفترض أن يصدق البلدان على الاتفاق الشهر الماضي.
على الرغم من أن الإمارات لن تنسحب من اتفاقيات إبراهيم، إلا أن الاتفاقية لا تزال تمنح الإمارات بعض النفوذ.
وحذرت الإمارات إسرائيل من “تداعيات لا يمكن إصلاحها في المنطقة” إذا نفذ الجيش الإسرائيلي هجمات عشوائية ضد المدنيين، مما يشير إلى أن مثل هذه الهجمات ستزيد من تهديدات الجماعات المدعومة من إيران.
يهدف هذا البيان إلى توضيح أن الموقعين العرب على اتفاقيات إبراهيم لم يعطوا إسرائيل تفويضا مطلقا، خاصة عندما تزيد تصرفات إسرائيل من التهديدات لأمنهم.
وتتمثل نقطة النفوذ الرئيسية لقطر في علاقتها الوثيقة مع حماس، والتي تمكنت من استخدامها لصالحها في الوقت الحالي.
وبوصفها المقر الإقليمي للقيادة المركزية للجيش الأمريكي، التي تشرف على الشرق الأوسط، وكوسيط الولايات المتحدة مع حماس، تتمتع قطر بنوع من الحماية الأمريكية التي تطمح إليها الدول العربية الأخرى.
وسوف ترغب قطر في مواصلة البناء على هذه الوساطة للمساعدة في إحياء عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية، حيث يمكنها بعد ذلك أن تلعب دوراً دبلوماسياً أكبر. ويتركز نفوذ السعودية على التطبيع المحتمل للعلاقات مع إسرائيل ودورها كراعي لمبادرة السلام العربية.
وأكدت السعودية للولايات المتحدة وإسرائيل بأنها ستفقد مصداقيتها في العالمين العربي والإسلامي إذا مضت قدماً في التطبيع مع إسرائيل دون حل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
وبحسب الخطيب فقد أدى اندلاع الحرب في غزة إلى تعزيز دعم السعودية لحل الدولتين ومنحها الفرصة لتأكيد نفسها كزعيمة للعالمين العربي والإسلامي.
تجميع النفوذ
ورأت الخطيب أنه على الرغم من أن هذه الجهود المنفصلة تعمل على تعزيز مصالح كل دولة، إلا أنه من الممكن تحقيق الكثير إذا قامت الدول الخمس الكبرى بتجميع نفوذها، مع التركيز على التنسيق بدلاً من المواءمة الكاملة.
وذكرت أنه ينبغي أن يكون الهدف هو إطلاق مفاوضات السلام التي تشمل هذه الدول بالإضافة إلى حماس وإسرائيل والولايات المتحدة. وسوف تشارك الدول الخمس الكبرى بنشاط، ولكن في ظل توازن قوى أكثر عدالة بالنسبة لها في مواجهة إسرائيل والولايات المتحدة.
وأضافت أن على الدول الخمس الإصرار على إعادة إطلاق عملية السلام كشرط مسبق لتطبيع إسرائيل مع السعودية حفاظاً على مصداقية السعودية ومكانتها.
كما يتعين عليهم أن يصروا على الحل السياسي وليس العسكري لاحتواء حماس، وهذا يعني تنفيذ الاقتراح الذي قادته السعودية والذي خرجت به القمة المشتركة بين جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي الداعي إلى إنشاء ائتلاف سياسي فلسطيني تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية.
لكن هذا لا يمكن أن ينجح إلا إذا وافقت الولايات المتحدة على التعاون مع السعودية والإمارات بشأن استراتيجية طويلة المدى لاحتواء تدخلات إيران الإقليمية.
لقد كانت إسرائيل والولايات المتحدة، وليس السعودية، هما من يدفعان بقوة من أجل التطبيع. ولسنوات، كانت العلاقة بين إسرائيل والسعودية تجري خلف أبواب مغلقة ويغذيها القلق المتبادل بشأن إيران.
وعلى الرغم من أن السعودية مهتمة بإخراج علاقتها مع إسرائيل إلى العلن، إلا أنها ليست في حاجة ماسة إلى التطبيع.
وبدلا من ذلك، كانت إسرائيل حريصة للغاية على تحسين العلاقات. وعلى الرغم من أن السعودية ستستفيد من نقل التكنولوجيا والحوافز المالية والأمنية والسياسية التي سيجلبها تحسين العلاقات مع إسرائيل، فإن التطبيع ليس عنصرا لا غنى عنه في خطط التحول الاقتصادي في المملكة.
ولم تكن السعودية لتمنح إسرائيل التطبيع بالمجان أو بثمن رخيص. إذ أن الهدف النهائي السعودية هو تعزيز مكانتها الإقليمية والدولية حتى تتمكن القوى الاقتصادية والسياسية الكبرى في العالم من الاستثمار في المملكة.
وخلصت الخطيب إلي أن الحرب بين إسرائيل وحماس لم تؤد إلا إلى تعزيز موقف السعودية التفاوضي، وبوسع المملكة الآن أن تستخدم هذا النفوذ الجديد للدفع نحو إحياء عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية بموجب شروط جديدة وهي:الاعتراف بأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني لا يمكن تجزئته ولابد من حله إذا كان للشرق الأوسط أن يحقق أي استقرار حقيقي.
المصدر | لينا الخطيب/ فورين أفيرز- ترجمة وتحرير الخليج الجديد
الأنظمة العربية المطبعة باتفاقيات الإبراهيمي أو وادي عربة أو كامب ديفيد أظهرت جميعها ضعف الاستخبارات الصhيونية التي كانت تعمل على الاستفادة منها بهذه الاتفاقيات وضعف الدولة وسرعة انهيارها ، إن توجه الأنظمة العربية لحلول مستقبلية بالمنطقة تنطلق من مصالحها كأنظمة ودولة لذلك سيكون تعاملها وفق ذلك فقط ، ليكون ما بعد غزة وضع جديد .