لم يطرأ أي تغيير على عمليات تهريب حبوب “الكبتاغون” من سوريا إلى الدول العربية خلال الفترة الأخيرة، حسب مراقبين، رغم الخطوات التي اتخذتها عدة عواصم اتجاه النظام السوري، متمثلة بإعادته إلى الجامعة العربية، مع فتح مسارات “تطبيع” تصدّر جدول أعمالها “الملف الكبير”.
ومنذ حضور بشار الأسد القمة العربية في جدّة وما تلا ذلك من سلسلة تحركات للسعودية في دمشق واصلت المملكة الإعلان عن ضبط شحنات كبيرة من المخدرات و”الكبتاغون”، وكذلك الأمر بالنسبة للأردن نقطة العبور الأولى، إذ واصلت خوض “حربها” على الحدود، معترضة حبوبا من الجو والبر.
ويطلق هذا المشهد تساؤلات بشأن مآلات “القضية الكبرى” بين الدول العربية والنظام السوري، وما إذا كان الأخير يمتلك القدرة وجادا في تقديم “خطوات مقابل خطوة”، وهي المقاربة المتبعة في عملية إعادته إلى الحضن العربي، بعد سنوات من القطيعة.
وقال الجيش الأردني، الثلاثاء، إنه أسقط طائرة مسيرة محملة بالمخدرات قادمة من سوريا كانت متجهة إلى منطقة حدودية شمالي المملكة، مضيفا أن الأردن لن يسمح بأن تصبح المنطقة الحدودية جبهة في حرب مخدرات مرتبطة بإيران.
وحمّلت المملكة ميليشيات مؤيدة لإيران مسؤولية تهريب المخدرات عبر حدودها إلى دول الخليج، وقالت إن وحدات تابعة للجيش السوري توفر الحماية لهذه الميليشيات، حسب ما نقلت وكالة “رويترز”.
وجاء ذلك بعد ثلاثة أيام من إعلان السلطات السعودية إحباط محاولتي تهريب اشتملتا على أكثر من 450 ألف حبة كبتاغون، عبر شاحنات قادمة إلى أراضي المملكة عبر معبر “الحديثة” الحدودي شمالي البلاد.
كما ضبطت السلطات السعودية قبل هاتين المحاولتين أكثر من عشر شحنات، في وقت كانت الرياض تسير بإجراءات الفتح المتبادل للسفارات مع دمشق، واستضافة مسؤولي النظام السوري باستمرار، على رأسهم وزير الخارجية، فيصل المقداد.
“جهود فاشلة”
ويقول مسؤولون معنيون بمكافحة المخدرات في دول الغرب وكذلك تقول واشنطن إن سوريا التي أنهكتها الحرب صارت الموقع الرئيسي في المنطقة لتجارة مخدرات تقدر بمليارات الدولارات، كما يعتبرون الأردن نقطة عبور رئيسية لدول الخليج بالنسبة لمخدرات الأمفيتامين المصنعة في سوريا والمعروفة باسم “الكبتاغون”.
ويقول مسؤولون أردنيون إنهم ناقشوا مخاوفهم مع السلطات السورية لكنهم لم يروا أي محاولة حقيقية لتضييق الخناق على التجارة غير المشروعة، وفق “رويترز”.
وفي حين اتخذت الدول العربية خلال الأسابيع الماضية عدة خطوات تجاه النظام السوري، لم يتضح حتى الآن ما قدمه الأخير ضمن المقاربة السائدة (خطوة مقابل خطوة)، وخاصة فيما يتعلق بتهريب “الكبتاغون”.
ومع ذلك زادت تصريحات لوزير خارجية النظام السوري المقداد قبل يومين من تعقيد المشهد، بقوله لصحيفة “الشرق الأوسط” إن “سوريا سارت مئات الخطوات فيما يتعلق بما هو مطلوب منه، في حين لم يتلق أي خطوة من الأطراف الأخرى”.
وطالب المقداد “من الأطراف الأخرى” أن تُبدي حسن نوايا، وأن تتوقف عن دعم الإرهاب وتجويع الشعب السوري وأطفال سوريا، وتساهم في نهضة الشعب السوري الجديدة، حسب تعبيره.
وتعتقد المحللة السياسية في مركز “نيو لاينز” للاستراتيجيات والسياسات بواشنطن، كارولين روز أن “النهج الحالي للتعامل مباشرة مع النظام بشأن جهود مكافحة الكبتاغون سيستمر بالفشل”.
وتوضح لموقع “الحرة” ان الفشل يرتبط بـ”عدم وجود حافز كبير حتى الآن للنظام لتقليل وكالته على التجارة غير المشروعة”.
وتقول روز: “بينما رأينا تدفقا مستمرا لمصادرة الكبتاغون والاعتقالات داخل مناطق سيطرة النظام السوري كدليل على حسن النية، لا يزال النظام يرغب في الحفاظ على سيطرته على التجارة”.
وتتابع: “لأنها تمثل مصدر دخل كبير ووسيلة للمحافظة على السواء على هياكل السلطة المحلية”.
ويرى عامر السبايلة، وهو أستاذ جامعي ومحلل جيوسياسي أردني أن “ملف الكبتاغون كبير”، وأن “القصة لم تعد تختصر بعمليات تهريب، بل بوجود شبكات مستوطنة منذ سنوات”.
وهذه الشبكات “لها حلفاء وشركاء، وأصبحت تشكل ما يسمى بالاقتصاد الموازي في المنطقة”، ولذلك “من الصعب إنهائها”، وفق السبايلة.
ويقول لموقع “الحرة”: “لم يكن هناك أي عبء على السوريين للحصول على كل المكتسبات التي حصلوا عليها بالعودة للجامعة، لذلك دون أي التزامات حقيقية، من الخطأ الاعتقاد أنه على المدى والقصير والمتوسط ستحصل نتائج”.
ومع ذلك يعتقد الباحث الأردني أنه و”مع سريان قانون مكافحة الكبتاغون يمكن أن تبدأ الأمور بالتغير”.
ويوضح حديثه أنه “لا بد من اتخاذ خطوات عملية مع الولايات المتحدة الأميركية”، وأن “التحالف لمواجهة داعش صحيح، لمن يجب أن يضاف إليه الكبتاغون وميليشيات التهريب”.
ويجب أن يتحول العمل “بإطار تعاوني ومظلة أكبر، والاستفادة من القانون، ما يضطر السوريين على تقديم شيء”، ويعتبر السبايلة أن “هذا الأمر هو الوحيد لإحداث تغيير”.
مؤشر تنسيق أم تضارب؟
ويقول خبراء وتقارير لخارجيات الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إن الغالبية العظمى من إنتاج “الكبتاغون” العالمي يحدث في سوريا، مع كون منطقة الخليج وجهته الأساسية.
في غضون ذلك تعتبر السعودية السوق الرئيسي له، والأردن كذلك مع تحوّلها أيضا إلى نقطة العبور ومحطة عمليات التهريب.
ودفعت الزيادة الحادة في محاولات التهريب الأردن، منذ العام الماضي، لتعديل قواعد الاشتباك للجيش على الحدود، ما منح الجيش سلطة استخدام القوة الساحقة.
وبعدما أعيد النظام السوري إلى “الحضن العربي” بأيام نفت عمّان ضربات جوية نادرة على جنوب سوريا الشهر الماضي، حيث استهدفت مصنعا للمخدرات مرتبطا بإيران وقتلت مهربا تردد أنه كان وراء تهريب كميات كبيرة عبر الحدود بين البلدين.
وقال مسؤولون لوكالة “رويترز” الثلاثاء إن الضربات كانت رسالة إلى دمشق لتنبيهها إلى ضرورة عدم إساءة فهم عمان، في الوقت الذي شاركت فيه في الجهود العربية لإنهاء القطيعة مع سوريا.
وأفاد المسؤولون من جانب آخر أن “الأردن طلب مزيدا من المساعدات العسكرية الأميركية لتعزيز الأمن على الحدود”، حيث قدمت واشنطن منذ بدء الصراع المستمر منذ أكثر من عقد في سوريا نحو مليار دولار لإنشاء مراكز حدودية.
وبوجهة نظر الباحث الخبير غير مقيم في معهد “نيولاينز” الأميركي، كرم شعار لا يمكن تفسير الضبوطات التي حصلت في مرحلة ما بعد التطبيع على أنها “مؤشر على تحسين التنسيق والتعاون بين النظام والدول المستهلكة أو أنها تعكس فكرة أن النظام لا يقدم على ضبط الشحنات الخارجة من مناطق سيطرته”.
ويقول شعار لموقع “الحرة”: “حتى الآن لا يمكن الوقوف على خلاصة متماسكة من الضبوطات في ظل حالة عدم التأكد”.
ويعتقد أن النظام السوري والدول العربية “سيتعاونون في ملف الكبتاغون، لكن مدى جدوى وعمق ذلك من المبكر الحديث عنه”.
بدوره يشير الباحث الأردني السبايلة بقوله: “إذا تركت الأمور كما هي لن يتغير شيء وقد نشهد هبات وموجات مختلفة من تهريب المخدرات”.
ويضيف: “ستتراوح الهبّات وتخف سياسيا لكن في فترات أخرى قد تصبح قوية لأنها بات يبنى عليها اقتصاد حقيقي”.
“مافيات لا ترى بالعين”
وأدت عملية “المصالحة” إلى عودة سوريا الشهر الماضي إلى جامعة الدول العربية، التي كان قد تم تعليق عضويتها فيها عام 2011 بسبب القمع الوحشي من نظام الأسد للمتظاهرين.
وفي 20 مايو، قوبل الأسد بترحيب حار في قمة جامعة الدول العربية في جدة بالسعودية، بينما زار وزير خارجيته الرياض ثلاث مرات خلال شهر واحد.
وقال محللون لوكالة “أسوشيتد برس”، الأسبوع الماضي إن الأسد يأمل من خلال القيام بمجرد تحركات محدودة ضد تجارة هذا المخدر أن يفوز بتمويل عربي لإعادة إعمار البلاد، والعودة إلى الصف العربي، بل وممارسة بعض الضغط من أجل إلغاء العقوبات الغربية.
ويعكس حديث المحللين ما قاله المقداد قبل يومين، بينما كان قد صرّح قبل شهر أن علاقة سوريا مع الدول العربية لا تسير بمقاربة “خطوة مقابل خطوة” بل على أرضية اتخاذ خطوات جماعية للحل السوري.
ويرى الخبير العسكري والاستراتيجي السعودي، اللواء عبد الله غانم القحطاني أن “الحكومة السورية تستطيع المساهمة في الحد من صناعة وتصدير المخدرات، لكن الموضوع يتعلق بميليشيات إرهابية وإيران وحزب الله، وفي المنطقة وخارجها”.
ويقول القحطاني لموقع “الحرة”: “كل هذه الأشياء متراكمة، وسوريا الآن ليست بوضع الدولة كاملة السيادة على أراضيها”، إذ هناك ميليشيات كثيرة وقوى عالمية و”مافيات لا ترى بالعين”.
ويضيف القحطاني أن “الموضوع معقد جدا ويخطأ من يظن أن باستطاعة فلان كرئيس دولة أو رئيس وزراء أن يمنع ذلك”.
ويعتقد الخبير السعودي أن بلاده “تنظر للموضوع على أنه جهد متكامل، مع وجود بؤر ربما تشكل خطورة أكثر من غيرها”.
“سوريا ليس لديها سيادة كاملة على أراضيها وأجزاء منها محتلة، وكل هذه بيئة خصبة لكل أنواع الإرهاب والخراب والتجهيل”، وفق ذات المتحدث.
وبحسب تقارير أمنية لعدة دول، فإن النظام السوري يعتبر المسؤول الأول عن تهريب وتصنيع ما تحتويه هذه الشحنات، والتي تحولت شيئا فشيئا إلى “مكسب تجاري كبير”، يعود بالفائدة الاقتصادية عليه من جهة، وعلى “حزب الله” اللبناني الذي ينتشر وكلاؤه في مناطق متفرقة داخل سوريا من جهة أخرى.
وتشير تقديرات الحكومة البريطانية إلى أن 80 في المئة من إنتاج “الكبتاغون” في العالم يصدر من سوريا، وإن ماهر الأسد شقيق رأس النظام السوري يشرف شخصيا على هذه التجارة في الخارج. وكذلك الأمر بالنسبة لتقديرات الولايات المتحدة الأميركية، ما دفع واشنطن في أواخر مارس الماضي لفرض عقوبات على عدد من الشخصيات السورية واللبنانية، بينهم سامر كمال الأسد ووسيم بديع الأسد.
المصدر: الحرة. نت