شملت جائحة الكورونا 165 دولة في العالم حتى الآن، لم تنج منها الدول الغنية والقوية، من الصين الى الولايات المتحدة، ومن روسيا الى البرازيل، وفاق نصيب الدول الأوروبية الغنية والمتقدمة كفرنسا والمانيا وايطاليا واسبانيا من الأزمة ما أصاب دولا أقل ثراء وتجهيزا وتقدما، كالدول العربية، الى حد أن اليمن المنكوبة بحروبها لم يظهر فيها أثر للفايروس حتى الساعة رغم البحث الجدي عنه! ولا بد أن المتابعين عربا وغير عرب لاحظوا أن البلدان العربية بالإجمال كانت من أقل بلدان العالم تعرضا للجائحة، وكانت دولها وحكوماتها من أنجح الدول كفاءة في التعاطي معها، مما خفف كثيرا من آثارها المؤذية، على الرغم من أن الدول العربية محاطة بالدول الأكثر اصابة بالوباء، كإيران شرقا، وايطاليا وفرنسا واسبانيا غربا.
وحتى اللحظة أي بعد شهرين من تفشي الوباء، ما زالت الدول العربية كافة، من لبنان الى المغرب مصنفة ضمن البلدان الأقل تعرضا أو المتوسطة. وما زالت إجراءاتها الحكومية أفضل من دول تتفوق عليها تقدما وامكانات اقتصادية وعلمية وصحية، وما زالت الآثار الاقتصادية والاجتماعية والانسانية للجائحة في الدول العربية أقل من معظم دول الغرب والشرق.
هذه الحقيقة تمثل ظاهرة حضارية ايجابية، ونجاحا للعرب في تحد غير سهل، يدعو للتفاؤل ويستحق الإشادة طبعا، ولكنه على العكس استفزت العديد من الصحف الأوروبية العريقة والكبرى، وبدل أن تثني على الدول العربية أخذت تشكك بكل المعلومات والاحصائيات التي تصدر عنها جميعا، وبالجملة، وتنسب لها أشياء غير صحيحة، وبدون أدلة مقنعة.
مجلة ايكونوميست البريطانية الرصينة عادة، تعاطت مع تعامل الدول العربية مع الجائحة بطريقة مغرضة ومشككة، فنشرت يوم 27 مارس مقالا جاء فيه (إن انتشار وتفشي كورونا، دفع بالعديد من الحكومات العربية لزيادة قمعها لشعوبها، إلى جانب التجسس عليهم وتوسيع صلاحياتها). وأضافت (إن الفيروس دفع قادة عربا لإجراءات متطرفة للحد من انتشاره وفرض منع التجول، وإغلاق محال تجارية وحجر مدن بالكامل. وأعلنت معظم الحكومات حالة الطوارئ، مما سمح للحكام بالحكم عبر المراسيم، مع أن معظمهم يفعل هذا من قبل، ونشرت القوات المسلحة. ففي مصر أُرسل الجيش للقيام برش المناطق بالمطهرات. وفي الأردن يحرس الجيش الساحات العامة ويساعد على فرض منع التجول والتأكد من عدم خروج الناس من بيوتهم). وأضافت (احتجز المغرب أشخاصا لنشرهم الشائعات. وحذر الرئيس الجزائري بملاحقة من ينشرون الأخبار الزائفة. وحدد الأردن عدد الصحافيين المسموح لهم بنقل الأحداث حتى قبل تسجيل أي وفاة. ومنعت مصر مراسلة “الغارديان” لأنها نقلت معلومات لدراسة أعدها علماء أوبئة في كندا، وقالوا إن انتشار المرض في مصر أوسع مما تحدثت عنه الحكومة).
أي قارئ مستقل لهذا المقال سيتوصل الى أن الاتهامات الموجهة للدول العربية صادرة عن تحامل ظاهر، فكل الدول التي تعرضت للجائحة استعانت بالجيوش واتخذت اجراءات مقيدة للحريات لا الدول العربية فقط، ولم تقدم المجلة دليلا على زيادة القمع بحجة الكورونا، ومتى كانت الانظمة العربية بحاجة لذريعة لكي تعتقل أو تقيد الحريات …؟!
في المحصلة إن ما ذكرته الايكونوميست لا يبرر النتيجة التي توصلت لها، ونجد مثل مقالها مقالا مشابها على موقع معهد واشنطن يوم 27 مارس أيضا يرصد تعاطي الدولة مع الجائحة، والحد من أثاره المدمرة. ومع الاعتراف سلفا بوجود أخطاء وجوانب قصور، إلا أنها في المحصلة اقل من مثيلتها في الدول الغربية الكبرى، والاكثر تفوقا. ولا معنى لذلك غير أن الصحافة الغربية ساءها واستفزها نجاح الدول العربية في حماية نفسها من الوباء، وخففت الأثار الى الحد الادنى حسب المعدلات الدولية.
لقد كشفت الجائحة الكثير من جوانب ومظاهر القصور والعجز والشيخوخة في القارة الاوروبية، الاقتصادية، والادارية، والسياسية، الى درجة أنها هددت دولا رئيسية مثل ايطاليا واسبانيا وفرنسا، ودفعت وزيرا المانيا للانتحار على سكة القطار خجلا من شعبه، ونبهت الشعوب الاوروبية الى أن اتحادهم العملاق خرافة خيالية، لا وجود له على أرض الواقع، كما قال أحدهم. وتوقع آخرون انهياره في المستقبل القريب، لأن ايطاليا مثلا لم تلمس الحد الأدنى من التضامن معها في محنتها، ورفضت فرنسا والمانيا بيعها أجهزة طبية، ولم تجد يدا تمتد لها سوى الصين وروسيا.
ويمكن لمتابعي الشؤون الأوروبية والدولية إضافة مصداقية الاعلام الاوروبي الى قائمة ضحايا الجائحة، لأن الأزمة فضحت مهنيته المعتلة، وعنصريته وعدم نزاهته في تناوله لشؤون الدول غير الغربية، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالشؤون العربية، فتتجلى العنصرية وتغيب المهنية والموضوعية للأسف! هذا ما باحت به أفواههم، وما تخفيه صدورهم أشد غيظا وكرها وحقدا للأسف.