تعطي المواقف الرسمية الصادرة عن إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية مؤشرا على أن حماس “لن يكون لها أي دور مستقبلي” في حكم قطاع غزة.
وبينما تتضارب القراءات والتحليلات بخصوص وضعها الآني والمرحلي ككيان عسكري على الأرض، تتسلط الأضواء على الخيارات التي قد تتخذها في المرحلة المقبلة، وما إذا كان الرجوع إلى الوراء من جانبها سيمثل دفعة إلى الأمام على صعيد إنهاء الحرب.
ويرتبط الرجوع إلى الخلف بمدى اتجاه حماس “بناء على قناعة” ووفق مراقبين إلى “خيار التخلي عن الحكم بصورة ذاتية”، من دون أن يؤدي ذلك إلى تحييد اسمها بالكامل عن مستقبل القطاع، وما إذا كان هذه العملية ستكون بناء على شروط أم لا.
يخوض الجيش الإسرائيلي في الوقت الحالي عمليات برية “هي الأكثر شراسة” حيث وصل غلى قلب مدينة خانيونس في جنوبي القطاع، فيما يصر مسؤولوه على إكمال الحرب حتى “القضاء على حماس وتحرير جميع الرهائن وعدم عودة غزة إلى ما كانت عليه سابقا”.
ولا توجد أي بوادر حتى الآن من جانب إسرائيل للتراجع عن أهدافها الثلاثة، وكان قصفها المتواصل خلال الأسابيع الماضية قد أسفر عن مقتل أكثر من 15 ألف شخص غالبيتهم نساء وأطفال، وفق وزارة الصحة التابعة لحماس.
وفي المقابل تواصل الحركة التأكيد على استمرار عملياتها في شمال القطاع وجنوبه، لصد القوات الإسرائيلية المتوغلة، ولا تناقش كثيرا تفاصيل سيناريوهات “ما بعدها في غزة”.
ونادرا ما تطرقت الحركة إلى مسارات الإدارة الخاصة بها في القطاع، خلال أيام الحرب الماضية أو عندما طرحت القضية ضمن السيناريوهات المستقبلية، والتي لم يحجز فيها أي اسم لحماس، بينما أعطت على العكس خيارات عن الجهة التي ستكون بديلة عنها، وأبرزها السلطة الفلسطينية.
دور أم لا دور؟
وفي الثاني من نوفمبر الحالي، قدمت الحركة، بحسب رئيس مكتبها السياسي، إسماعيل هنية، للوسطاء “تصورا شاملا يشمل فتح المسار السياسي لإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس وحق تقرير المصير”.
وقال هنية في كلمة متلفزة نشرت في ذلك الوقت إن “التصور الذي قدمته الحركة يشمل صفقة لتبادل الأسرى وفتح المعابر ووقف إطلاق النار”، من دون أن يتحدث عن أي خطوات تتعلق بحكم غزة على الخصوص، وكذلك الأمر بالنسبة لبقية أعضاء حماس المتحدثين.
لكن إسرائيل تعتبر هذه الرؤية “مستحيلة” وعلى عكس الأهداف التي تريد تحقيقها من الحرب التي تقترب من إكمال مدة الشهرين، وفق أستاذ العلوم السياسية بالجامعة العبرية في القدس، مئير مصري.
ويقول مصري لموقع “الحرة” إن “إسرائيل لا ولن تقبل أي خطوة متوقعة من جانب حماس لإنهاء الحرب، ولو من ضمنها إنهاء حكمها في القطاع. يجب محاكمة مجرمي الحركة والجهاد الإسلامي وكل من شارك في مذابح السابع من أكتوبر، ولن ندعم يفلتون من العقاب”، حسب تعبيره.
ويستبعد مصري، وهو أستاذ العلوم السياسية وعضو “حزب العمال”، أن يكون لحماس “أي دور في مستقبل غزة”، من منطلق أنها “المشكلة ولا يمكن أن تكون جزءا من أي حل”.
وفي آخر البيانات السياسية الصادرة عن الحركة، قالت عبر موقعها الرسمي، إنه “لا يمكن الانتصار عليها، ولا على الشعب الفلسطيني”، مؤكدة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين “نتانياهو وأركان حربه يغرقون أكثر فأكثر في مستنقع غزة”.
وجاء ذلك بعدما أعلن الجيش الإسرائيلي دخول مناطق جديدة في شمال غزة، ومحاولته التوسع على الأرض، في مسعى لاستكمال مخطط فصل القطاع جغرافيا إلى 3 بلوكات كبيرة.
وبتقدير أستاذ العلوم السياسية بـ”جامعة الأمة” في قطاع غزة، حسام الدجني، “لن تقبل حركة حماس أي طرح ممكن أن يحيدها عن المشهد السياسي”، و”لا سيما لو كان ذلك ضمن وصايا خارجية”.
ويأتي ذلك من كونها “تركيب سياسي إيديولوجي لها من مكانة أو زخم جماهيري وعمق عربي وتجسيد مؤسسي على الأرض”، وفق الدجني.
لكن ما يمكن أن تقبله بحسب الدجني الذي تحدث لموقع “الحرة” هو “مقاربة سياسية فلسطينية تؤسس لشراكة في الإدارة والحكم والإعمار والتحضير للانتخابات كمرحلة لاحقة تعبر عن الإرادة الشعبية”.
ويضيف أن “حماس ستشارك في هذه الانتخابات وتجدد شرعيتها، كونها إن لم تكن الفصيل الأول والأكبر ستكون بالتأكيد الفصيل الثاني”.
ماذا عن السلطة؟
وعلى مدى الأسابيع الماضية لم تتوقف المناقشات والمحادثات المتعلقة بمستقبل قطاع غزة “بعد الحرب”. وبينما كشفت وسائل إعلام غربية عن سيناريو نشر قوات عربية اتجهت أخرى لتحليل واقعية القوات الدولية.
وما تزال هذه الطروحات “في الهواء” من دون أن يتم تبني واحد منها.
ومع ذلك كان أكثر ما تردد هو أن تتولى السلطة الفلسطينية مسؤولية الحكم، أي أن تعود إلى ما كانت عليه قبل صعود حماس في 2006.
مجلة “بوليتيكو” الأميركية ذكرت في تقرير لها، الثلاثاء، أن مسؤولين في إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد بدأوا بالفعل في وضع تصوّر لمرحلة ما بعد الحرب في قطاع غزة تقوم بالأساس على سيطرة السلطة الفلسطينية عليه في نهاية المطاف.
ووفقا للمجلة فإن التصور الأميركي لوضع غزة بعد الحرب الذي استغرق وضعه أسابيع ربما يضع إدارة بايدن على مسار تصادمي مع الحكومة الإسرائيلية، التي أعلن رئيسها بنيامين نتانياهو مرارا رفضه عودة السلطة للقطاع الذي أخرجتها منه حماس بالقوة قبل 16 عاما.
كما أنه وعلى الرغم من أن وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، وآخرون في الإدارة الأميركية أعلنوا علنا أن السلطة الفلسطينية “المعاد تنشيطها” يجب أن تدير القطاع، إلا أنهم لم يكشفوا عن تفاصيل حول كيفية عمل ذلك.
لكن، جمال نزال، عضو المجلس الثوري لحركة “فتح” والناطق باسمها يعتقد أن إسرائيل تريد “التخلص من السلطة” الفلسطينية، مبينا في حديث لموقع “الحرة” أن السبب وراء المسعى الإسرائيلي هذا هو أن السلطة الفلسطينية “قادرة للوصول إلى مجلس الأمن ومحكمة الجنايات الدولية ووزراء خارجية العالم ودول الاتحاد الأوروبي”.
ويعتقد نزال أن الولايات المتحدة الأميركية “تتماشى مع ما تطرحه إسرائيل” بشأن السلطة الفلسطينية.
ويشير نزال إلى أن إسرائيل “تريد سلطة بلديات تختص بالنفايات والماء والشرب والكهرباء بدون سقف وبرنامج سياسي وهوية فلسطينية مرتبطة بالتاريخ الفلسطيني في بعده المتصل بالقدس وحق العودة”.
من جانبه، يقول مصري إن “السلطة الفلسطينية غير مؤهلة للقيام بأي دور في قطاع غزة التي فقدته قبل سبعة عشر عاما”.
وأضاف أن السلطة الفلسطينية “لم تقم بإدانة حماس على جرائمها بل إنها تغدق على أسر الإرهابيين بالمساعدات وإعلامها الرسمي يمجد قتل اليهود”، وفق تعبيره.
علاوة على ذلك “تفتقد (السلطة الفلسطينية) إلى الحد الأدنى من الشرعية، فلم تنتخب قيادتها منذ عقد ونصف”، وفق مصري الذي يعتقد أن السلطة الفلسطينية “غير قادرة على حماية مقراتها من دون مساعدة إسرائيل، فكيف لها أن تحكم قطاع غزة وكيف لإسرائيل أن تثق بها”؟
ويرى مصري أن “إسرائيل معنية بإعادة احتلال القطاع بالكامل وفرض سلطة مدنية من سكان غزة تكون خاضعة لها”.
بدوره يؤكد نزال أن “السلطة الفلسطينية مازالت راغبة في مواصلة تحمل مسؤوليتها عن الشعب الفلسطيني في غزة”.
ورغم أن “إسرائيل تقول إن هدفها إزاحة حماس من غزة، يعرف كل خبير عسكري ويؤكد قاطعا أن الوسائل التي تستخدمها لن تحقق ما تريده، لأن الحركة تحت الأرض وليست فوقها”، وفق نزال.
ويتابع نزال حديث بالقول إن “الممارسات الإسرائيلية ضد السلطة في الضفة الغربية مرشحة بأن تنجح في إزالتها قبل أن تنجح إسرائيل في هدفها المكذوب بغزة”، مشيرا إلى “الاقتحامات والعنف وإرهاب المستوطنين وتقطيع التواصل الجغرافي بين مدن الضفة، إلى جانب الضغط المالي على السلطة ما يمنعها من ممارسة عملها الطبيعي تجاه الشعب الفلسطيني”.
ويوضح أن “مسيرة تراجع إسرائيل عن اتفاق أوسلو كانت على مدى 23 عاما ومنذ بداية الانتفاضة الأولى عملية خنق تدريجي للسلطة الوطنية، وتوجت اليوم بوصولها حالة عدم القدرة على أداء التزاماتها المالية، بسبب سرقة أموال الضرائب الفلسطينية على يد إسرائيل”.
المصدر: الحرة نت
هل لن يكون لحماS أي دور مستقبلي في حكم قطاع غزة. وفق رؤية الكيان الصhيوني والولايات المتحدة ؟ وهل تقبل حماS التخلي عن السلطة بالقطاع ؟ أم يمكن أن تغير أسمها وهيكليتها لتدخل الانتخابات وتعود للسلطة مستقبلاً ؟ إن فشل أوسلو بسبب عدم التزام الاحتلال والدول الضامنة خلق العنف ضد الاحتلال ، وإن لم تتحقق الدولة الفلسطينية المستقلة سيعود من جديد .