قد تكون حماس واثقة بأمر واحد، وهو أن صديقها المقرب في أنقرة لا ينوي هجرها. “لا يمكنني الموافقة على تعريف حماس كمنظمة إرهابية، ولا يهم ما الذي سيقوله الآخرون”، قال اردوغان في محادثة مع المراسلين السبت عندما عاد من مؤتمر المناخ الذي عقد في دبي. “حماس جزء لا يتجزأ من الواقع الفلسطيني. هي حزب سياسي، وقد تنافست في الانتخابات كحزب سياسي وفازت فيها”.
حسب أقوال أردوغان، ستكون حماس جزءاً لا يتجزأ من الحل السياسي للنزاع بين إسرائيل والفلسطينيين. “تصفية حماس أو عدم شملها في الحل السياسي ليس سيناريو واقعياً”، أوضح. هناك ثلاثة عوامل تشكل موقف تركيا من حماس، وهي أنها ليست منظمة إرهابية بل حزب سياسي وجزء من الحل للقضية الفلسطينية، ويمكن اعتبارها بحد ذاتها “سياسة غير واقعية” لأردوغان إزاء أهداف الحرب التي وضعتها إسرائيل، المدعومة بشكل كامل من قبل الرئيس الأمريكي الذي قال “يجب تصفية حماس”. في الوقت نفسه، نرى في أقوال أردوغان بداية للمنافسة على التأثير في فلسطين في الفترة التي ستعقب الحرب. مسار التصادم غير متبلور حتى الآن بين الإدارة الأمريكية وتركيا في قضية النظر لحماس، مسار أصبح في الفترة الأخيرة في مقدمة الحلبة السياسية أثناء زيارة نائب وزير المالية الأمريكية لشؤون الإرهاب والمخابرات، بريان نلسون، لتركيا الخميس الماضي. وصل نلسون إلى تركيا لنقل رسالة استثنائية في شدتها ضد الدعم المالي الذي تحصل عليه حماس من تركيا. “نقلق بشكل خاص من قدرة حماس على مواصلة تجنيد الأموال أو الحصول على الدعم المالي لعملياتها وعمليات محتملة في المستقبل، هنا في تركيا”، قال.
وأوضح نلسون أيضاً بأنه منذ بداية الحرب والإدارة الأمريكية لم تشخص أي تحويلات مالية من تركيا لحماس. ولكن تركيا منحت حماس أرضية خصبة لنشاطات تجارية خلال سنوات، بما في ذلك إقامة شركات عقارية وتحويلات بنكية واستشارة أمنية ومساعدات عسكرية، بواسطة الشركة التركية “سدات”، التي هي بملكية جنرال تركي مقرب من أردوغان. في تموز الماضي نشر أن “الشاباك” ضبط 16 طناً من المواد المتفجرة مصدرها من تركيا وكانت مخصصة لحماس في “المناطق” [الضفة الغربية]. في تشرين الأول وبعد أسبوع على الحرب، فرضت وزارة المالية الأمريكية عقوبات على عدة شركات وأشخاص في تركيا متهمين بالتعاون مع حماس، تقريباً بعد خمس سنوات على كشف “الشاباك” في 2018 لشبكة نشطاء ورجال أعمال في تركيا عملوا وسطاء لتجنيد الأموال ونقلها إلى حماس.
لكن على تركيا قطع علاقتها مع حماس أمام الضغط الأمريكي، أو على الأقل وقف نشاطاتها في “المناطق”، وثمة إجابة قاطعة لأردوغان، وهي: “نشكل سياستنا الخارجية حسب مصالحنا وتطلعات شعبنا”، قال بعد المؤتمر الصحافي الانتقادي الذي عقده نلسون. الحوار اللاذع بين أردوغان ونلسون يطرح معضلة أمريكا ومعها علامة استفهام حول قدرة أردوغان على البقاء، وحتى أن يكون عاملاً مهماً في السياسة الفلسطينية بعد انتهاء الحرب، لأن من يتطلعون لتصفية حماس مثل إسرائيل والولايات المتحدة، لا يمكنهم تجاهل أن لحماس قاعدة عمل واسعة ومنفذاً لقطاع غزة.
جزء من قيادة حماس يقيم في قطر ولبنان، إضافة إلى بعض أعضائها الذين حصلوا على الجنسية التركية. وتحصل على دعم من ماليزيا وبعض الدول الإفريقية ودول أمريكا الجنوبية. للوهلة الأولى، يظهر أن النضال ضد حماس لا يمكن أن يقتصر على تدمير قدرتها العسكرية في غزة. وقد كان يمكن توقع معركة مالية ضدها لتجفيف مصادر تمويلها. صحيح أن الولايات المتحدة فرضت سلسلة من العقوبات على نشطاء وشركات يرتبطون مباشرة بحماس، لكن كان متوقعاً فرض العقوبات على الدول التي تنشط حماس على أراضيها.
الذي مزق قناع الأكاذيب لنظرة الدول المزدوجة تجاه حماس هو وزير خارجية الإمارات، عبد الله بن زايد، الذي قال في مقابلة مع قناة “الجزيرة” في حزيران 2021 إنه “من السهل على المجتمع الدولي التحدث عن تنظيمات مثل القاعدة و”داعش”، ولكن من المؤسف أن بعض الدول تخشى من التحدث عن “حزب الله” وحماس بنحو أكثر وضوحاً. ومن المسلي أيضاً رؤية كيف أن الدول التي تعتبر الذراع العسكري لحماس إرهابياً، في حين أنها تعتبر الذراع السياسي غير إرهابي. في حين أن المنظمة نفسها تقول إنه لا فرق بين ذراعها العسكري والسياسي”.
أقوال بن زايد هي في الحقيقة هي الزيت في عظام إسرائيل والولايات المتحدة، لكنها تؤكد أيضاً معضلة أبو ظبي السياسية، وفي السياق نفسه معضلة واشنطن؛ لأن الإمارات نفسها تستثمر المليارات في تركيا، التي لا تعتبر حماس منظمة إرهابية، وكذلك أيضاً مصر التي ألغت اعتبار حماس منظمة إرهابية. مثل الإمارات أيضاً، تتأرجح الولايات المتحدة بين توبيخ تركيا بسبب سياستها تجاه حماس وتجاهل العقوبات المفروضة على روسيا، وبين أهمية تركيا كدولة يمكنها أن تصادق على انضمام السويد لحلف الناتو.
هكذا هي الحال أيضاً بالنسبة لنظرة واشنطن إلى مصر. فمن جهة؛ تطلب من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تلبية معايير حقوق الإنسان في مصر، وحتى إنها تقلص مساعداتها العسكرية له لتبين أن الضغط غير لفظي فقط. ولكن بسبب مكانة مصر كدولة وساطة بين حماس وإسرائيل وربما تكون شريكة لاحقاً، حتى لو من بعيد، في قضية السيطرة على غزة بعد الحرب، فقد “جمدت” واشنطن خطابها الهجومي في موضوع حقوق الإنسان، وباتت تدفع بصندوق النقد الدولي لزيادة حجم القروض لمصر، وتثني وبحق على إسهامها في إطلاق سراح المخطوفين.
العلاقات المزدوجة والثلاثية هذه تعطي زعماء مثل أردوغان والسيسي والشيخ تميم بن حمد حاكم قطر، وزعماء آخرين، سبباً جيداً للتمسك بموقف المراقب وعدم الانضمام لحملة تصفية حماس من خلال التفكير بأن ما ينتظر حماس بعد الحرب أن تكون عاملاً في الحل السياسي؛ لأن أي حل كهذا سيكون معتمداً على قيادة فلسطينية، التي لم تسمع منها حتى الآن أي كلمة واضحة وجديدة، بأن حماس لن تكون شريكة، بل بالعكس؛ ففي تصريحات شفوية وفي مقالات ينشرها أعضاء في م.ت.ف، نسمعهم يتحدثون عن ضرورة تشكيل ممثلية فلسطينية جديدة، والقصد هو إرسال القيادة الحالية برئاسة محمود عباس للتقاعد، لكنهم يتحدثون أيضاً عن الحاجة إلى تمثيل يشمل جميع القطاعات والتنظيمات الفلسطينية، وبالطبع حماس من بينها.
يجدر الانتباه أيضاً إلى أقوال وزير الخارجية الأمريكي، الذي قال في المؤتمر الصحافي الذي عقده في إسرائيل، السبت، عندما سئل عن حلم “السلطة الفلسطينية المجددة” وكيف ستكون، أشار إلى أن الولايات المتحدة تؤيد إجراء الانتخابات. ولكنه أضاف بأنه أمر “سيستغرق المزيد من الوقت”. في اللحظة التي سيتم فيها وضع فكرة الانتخابات على الأجندة، يصعب وصف كيف يمكن تجنبها، فإن حماس ستشارك فيها حتى لو اضطرت إلى تغيير اسمها إلى “حركة من أجل فلسطين خضراء”، مثلاً. وإذا كان لحماس مستقبل سياسي، فسيرغب أردوغان في أن يكون شريكاً بعد أن تم إبعاده عن أي انشغال في العمليات السياسية التي تناولت النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين.
المصدر: هآرتس /القدس العربي
قراءة متفائلة لتصريح الرئيس التركي الطيب أردوغان “لا يمكنني الموافقة على تعريف حماس كمنظمة إرهابية، ولا يهم ما الذي سيقوله الآخرون” هل سيكون على قد هذا التصريح بمشاركة حماسS بالحل النهائي للقضية الفلسطينية ومشاركتها بالسلطة ؟ أم ستكون ضمن التصريحات البروباغندا الإعلامية لامتصاص غضب الشارع الشعبي ؟. وإن تصريحات الغرب الأمريكان حول حل الدولتين أيضا بروباغندا إعلامية .