التطرف … أشكاله وأسبابه ||  سبل مواجهته أو التخلص منه

أحمد العربي

بداية إن الحديث عن التطرف. بشكل عام حديث ملتبس. وهو بالمعنى العام: تجاوز الحد المتعارف عليه في موضوع ما. كموقف او سلوك. مع التسليم بتعدد وجهات النظر في الموضوع

اولا.التطرف هنا يتعلق في موضوع التطرف الديني عموما. والاسلامي خصوصا… وهنا ايضا نقول ان مرجعية اي موقف ديني او عقائدي سماوي او وضعي. هو قراءة معينة تؤدي لحصول الموقف المتجاوز المسمى تطرفا… وهنا لدينا ايضا مشكلة. فلا يوجد هناك في اي فكر توافق جامع مانع. وخاصة الأديان. وان حصل اتفاق على نص القرآن . فهناك التفاسير التي تصل لدرجة التناقض في المذاهب والفرق والجماعات السياسية التي تأخذ من الإسلام… وكل يستند في موقفه للنص عينه بقراءته المختلفة.. وهنا يكون التطرف كسلوك هو نتاج موقف فكري عند صاحبه نابع مما يراه حق وصواب وعليه اتباعه. والأسوأ في هذه الحالة. هو حق الإجبار والإلزام للغير لما يراه صاحب الرأي او التفسير لما يراه حق او دين. و قد يطال الوضع حياة الأفراد واملاكهم وسبل عيشهم.. وقد تهدر الأرواح وتستباح الارزاق.. وهنا اسوأ ما في المواقف المتطرفة…

.ثانيا. التطرف لا يقف عند مرجعيته الفكرية. ومدى صحتها فقط. بل يتجاوز الى النظر للمناخ الاجتماعي السياسي والاقتصادي والثقافي الذي يتواجد فيه وينمو.. التطرف والفكر المتطرف.. فحيث يكون هناك مظلومية ما تطال حق الحرية. او الكرامة الانسانية. او غياب العدالة الاجتماعية. وحيث يكون هناك أنظمة استبدادية. قهريه تستغل الناس وتهدر انسانيتها. وحيث يسود الفقر والجهل ويعيش الإنسان في بحثه عن حده الأدنى للقمة العيش. ولا يصلها. وعندما يكون هناك احتلال تاريخي كواقع فلسطين. او مظلومية تاريخية كواقع تبعية بلاد العرب والمسلمين للغرب.. سيكون كل ذلك المناخ المناسب جدا. لقراءة العقائد قراءة جهادية. تحض على التعامل العنفي لمواجهة الظالمين بكل صورهم… وبغض النظر عن صحة هذه القراءة وعن قدرتها أن تحل مشكلة المظلومية. وقد تؤدي لمزيد من الظلم او الاحتلال والقهر والاستغلال.. وتقدم المشروعية لكل الاعداء ان يستعملوا العنف بكل اشكاله.. ضد هؤلاء المتطرفين الذين يوصمون بكونهم إرهابيين. ويتم التجمع دوليا عليهم والعمل لتصفيتهم. ويعتبروا ضارين بوجودهم ويجب استئصالهم لتسلم البشرية… وهذا ما حصل فعلا عندما تم تجميع الاسلاميين في افغانستان لقتال الروس بصفتهم ملحدين. ثم وبعد انتهاء دورهم حولوا لارهابيين بنظر الغرب والانظمة الاستبدادية. وتحول المجاهدين لمرحلة الجهاد العالمي ضد الغرب والأنظمة التابعة. واعتبروا أنفسهم مسؤولون تاريخيا عن اعادة الخلافة الاسلامية. وهيمنتها على العالم وفي العالم

.كل ذلك ينظر له ضمن موضوعنا على انه التطرف الفكري والديني. ها هنا مصادره ونتائجه في حيز الواقع الاجتماعي السياسي الاقتصادي. والاصطفاف الدولي الذي صنعه واستخدمه ايضا..

ثالثا. عودة الا التطرف في الدين ومدى مشروعيته. ومدى صحته وكيفية معالجته.. نقول ان الاسلام مثله مثل كل العقائد والاديان. دخل عليه كثير من التوابع والحواشي. التي كانت نتاج صراع الفرق الدينية السياسية عبر التاريخ. اضافه للقراءات المختلفه للاسلام نفسه. من الطوائف والمذاهب والفرق السياسية وغير السياسية. وهنا لابد من القول الجريء بان الإسلام نفسه بحاجة لتحرير من الرواسب التاريخية والمجتمعية. وأن ندخل في عصر تنوير ديني. يجعلنا نعود لأصل الإسلام ومقاصده وكونه جاء من أجل الإنسان فردا وجماعة. ولأجل حياتهم الافضل. صونا لكرامتهم. ولاجل تعزيز حريتهم. وبناء المجتمع الاكثر عدالة. وصيانة لانسانية الانسان. وان البشر يتبارون في العمل للصالح العام. وان الاختلاف في الافكار والعقائد. هو حق وجودي. وان المسؤوليه الانسانية المتبادله تتعلق بالمصالح المشتركه مجتمعيا… ولكل حقه في فكرة ومعتقده وممارسته لما يراه طريقة تعامله مع الله واعتقاده…

.كل ذلك لا يحصل دون حركة تنوير ديني من جهة. وعمل عام من اجل رفع المظلومية عن الأفراد والشعوب. وبناء الدول الديمقراطية (الشوريه) محققة الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية. وبناء الحياة الأفضل…

رابعا. ولا بد من المرور على مشكلة عدم التفاهم على قراءة العقائد وما حصل في التاريخ بعد وفاة الرسول ص خاصة عند المسلمين. الذي ادى عبر الزمن لتشكيل الفرق والمذاهب. والذي اقترن عند البعض بعقلية التطرف والتكفير ووصم الآخر. أسست لحالة نكران متبادل أدت لصراع يستخدم في حروب الأنظمة ضد شعوبها. كذلك في حروب الغرب والعدو الصهيوني ضد امتنا العربية والاسلامية. فها هو الشباب المسلم السني ينخرط في معارك الصراع ضد الأنظمة في العراق وسوريا. وها هم الشباب العلوي او الشيعي يقاتل ضد الشعب السوري والعراقي في معركة دينية يرونها ضد الارهابيين السنة.. والكل أدوات في معركة استئصال للوجود المتعايش للشعب العربي والمسلم في هذه البلاد التي ترسخت عبر آلاف السنين.. وكله يستخدم لسيطرة حكم مستبد طائفي في سوريا. او لهيمنة المستبدين الطائفيين في العراق. او لمصلحة ايران كدولة طائفية قمعية استبدادية فارسية.. كل ذلك جزء من تبعات الفهم الخاطئ للدين. والاستخدام من الأنظمة المستبدة القاتلة للإسلام. ولضياع الشباب فكريا وحياتيا عبر الموت في المعارك الخطأ

.خامسا. ان الحديث عن التطرف ومن ثم الإرهاب وعن التنوير الديني وعن رفع المظلومية وبناء الدول الديمقراطية الشورية. لا يمكن ان يكتمل صوابه. دون التطرق إلى معادلة النظام العالمي الدولي. والذي جعلنا كعرب ومسلمين ضحية أنظمة استبدادية استغلالية تابعة للغرب و تعمل لخدمته. ولا يكتمل فهم المعادلة المنتجة للتطرف دون الأخذ بعين الاعتبار فهم العصر الرأسمالي الغربي ودور دوله واحتلاله لبلادنا في المئة سنة الأخيرة التي أنتجت دولة (اسرائيل) المحتلة لفلسطين. كذلك خلقت انظمة تابعه تخدم الغرب وتستعبد وتستغل شعوبها

 اخيرا : إن موضوع التطرف والإرهاب. يجب أن نفهمه ضمن حملة الرأي العام التي يقودها الغرب وحلفائه الأنظمة المستبدة. بالقول ان مشكلة العرب والمسلمين تكمن في إسلامهم كدين وعقيدة. انهم مرضى نفسيين وأن عقائدهم تدفعهم للتطرف. ويجب أن نعالجهم من مشكلاتهم الفكرية النفسية تلك.. وكل ذلك لكي يتبرأ الغرب ويتنصل من مسؤوليته مما يحصل معنا . ومما يفعلوا في بلادنا وحياتنا.. فهم من تعامل مع الربيع العربي كتهديد استراتيجي. حيث ساعدوا الدول المستبدة مثل النظام السوري لكي يقتل الشعب. وأن ندخل في دوامة قتل ممنوع ان ينتصر بها أحد.. ولو توسعنا لنرى الحالة في مصر واعادة استبداد العسكر. وليبيا وخلق الصراع البيني بارادة الغرب والنظم المستبدة. والعراق في خلق ظروف الحرب الأهلية سنة وشيعة مع هيمن امريكية ايرانية.

كل ذلك يضاف إليه النفخ في نار القاعدة وبعدها داعش بدء ثم تحويلها لأثر بعد عين عند انتهاء دورها . حيث انتشار فكر مناقض لجوهر الإسلام. لكن يحمله المظلومين يقتلون الآخرين ويموتون تحت رايته. والمستفيد الوحيد أعداؤنا من الأنظمة الاستبدادية التابعة والدول الغربية وعلى رأسها أمريكا وروسيا. أصحاب  المصلحة في حصول ما حصل

.بالمحصلة لا يوجد تطرف وإرهاب في أي مكان وزمان إلا وهناك ظروف تصنعه وترعاه. او ظروف تحدّه وتخفف من وجوده وفاعليته

24.6.2016

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. هل التطرف والإرهاب وفق حملة الرأي العام التي يقودها الغرب بقيادة أمريكا وحلفائهم الأنظمة المستبدة هي الإسلام كدين وعقيدة ؟ اليس التطرف مقيت بكل المعتقدات كالصه.يون.ية وقطيع المستوطنين ، والعنصرين النا.زيين ضد الأعراق الأخرى ؟ ومؤيدي ترامب الأمريكان البيض ضد الأعراق الأخرى الأميركية .

زر الذهاب إلى الأعلى