مع بدء الهجمات الإسرائيلية على غزة، اتجهت مصادر متعددة في إسرائيل للحديث والترويج الفعلي إلى ضرورة ترحيل سكان القطاع إلى الخارج، تحديداً إلى سيناء، وكان الحديث وارداً من مجموعة خطط ومشروعات كان معظمها قد سبق في مراحل سابقة وطرح، ولم يلق قبولاً من قبل الجانب المصري.
كان هذا الطرح في مستوى عربي- إسرائيلي على اعتبار أن تبادل الأراضي سيتم بصورة أو بأخرى بين إسرائيل والكيان الفلسطيني المطروح أياً كان شكله أو إطاره، إضافة إلى الأردن، ضمن خيارات موضوعة تركز على فكرة الكونفيدرالية بين إسرائيل والأردن والكيان الفلسطيني، وغيرها من المشروعات الاقتصادية والسياسية، والجيواستراتيجية والتي تجمع الأطراف العربية- الإسرائيلية في سياق واحد ومتعدد ما يؤكد أن الطرح الراهن لا يختلف كثيراً في مضمونه مع الفارق الكبير بالتأكيد بين نوعين من المشروعات الماضية، والتي جرى طرحها منذ أكثر من 20 عاماً وبين ما يتم التسويق له في الوقت الراهن.
تدوير الرؤى
مع استمرار الطرح الإسرائيلي مجدداً لسلسلة المشروعات الهادفة لترحيل الفلسطينيين من قطاع غزة إلى الخارج وإلى مصر تحديداً أو سيناء على وجه الخصوص، ظل السؤال الرئيس لماذا التركيز على توجيه الأهداف إلى جنوب غزة، والانتقال منها إلى داخل دول الجوار، حيث لوحظ أن الضربات الإسرائيلية انتقلت من شمال القطاع إلى شرق ووسط، وبالاتجاه إلى الجنوب.
يشير التحرك العسكري الإسرائيلي إلى أن مخطط تل أبيب بات يركز على زحزحة الفلسطينيين إلى الجنوب، وفرض استراتيجية الأمر الواقع بإدخالهم بالقوة الجبرية إلى داخل مصر مع التوقع بأن القاهرة، ولاعتبارات عدة لن تعترض على رغم وجود رفض مصري لهذا المخطط بالكامل في الوقت الراهن، والتأكيد على رفض خطط الترحيل أو التسكين، أو الترانسفير ما يؤكد أنها حريصة على ما تبقى من القضية الفلسطينية، وبالتحديد في هذا التوقيت الذي تتعرض لأخطار حقيقية من كل الأطراف، وعلى رأسها الولايات المتحدة والقوى الغربية الداعمة.
وكل ذلك يؤكد أن مصر تتبنى مقاربة واضحة، وحقيقية للتعامل مع أي تطورات تجري في الوقت الراهن، مع العمل على منع أي تمدد للوجود الفلسطيني إلى سيناء انطلاقاً من هذا المخطط الإسرائيلي الراهن، والذي لم يتوقف.
خطط مستجدة
في هذا السياق، يمكن الإشارة إلى أن المشروعات المطروحة الراهنة تختلف بالفعل عن خطط سابقة وأشهرها خطة الجنرال غيورا إيلاند الشاملة، والتي تعد أهم خطط التوطين للفلسطينيين، وتلاها خطة الجنرال عوزي آراد ثم خطة الجنرال الأكاديمي يهوشع بن آرييه، ثم تتالت الخطط التي طرحت منذ سنوات، وكان التركيز بالأساس على إقامة دولة فلسطينية بامتداد العريش غزة، مع إعطاء مساحات مشابهة لمصر في صحراء النقب، وعرفت معظم هذه الخطط بخطط تبادل أو تقاسم أراضي ما يؤكد أن مضمون الخطط كان واحداً على رغم كل التفاصيل التي جرى طرحها إسرائيلياً.
أما في الوقت الراهن، فإن الأمر امتد إلى مشروعات سكنية وإقامة للفلسطينيين، وبدأت جهات عدة في إسرائيل للتسويق إلى خط التسكين، وحسم الأمر بالقوة من خلال مشروعات قدمتها وزارة الاستخبارات، وهي جهة أقرب إلى المركز البحثي، ولا تنتمي إلى مجمع الاستخبارات العام والمعروف باسم “موساد لي” الذي يضم أجهزة الاستخبارات العسكرية “أمان” أو “الموساد” أو “الشين بيت”، وبعض مراكز البحث الصاعدة في إسرائيل، والتي ليس لها وزن سياسي، أو علمي.
والحديث الإسرائيلي يتم في سياق من الخطاب المقترح على دول الجوار مثل مصر بل وامتد إلى الأردن عبر فتح ممر من غزة إلى الضفة وإدخال الفلسطينيين إلى الضفة، ومنها إلى الأردن، أو أي دولة تدخل في هذا السياق السياسي، وبالتالي لم يعد الأمر مقتصراً على مصر أو الأردن أو دول جوار أخرى ومنها لبنان وسوريا والعراق.
موقف صارم
مع الرفض المصري التام لمثل هذه المشروعات وانتقال هذا الموقف في دوائره المحددة في الاتصالات العربية المصرية، ومنذ قمة السلام في مصر إلى لقاءات عقدتها الدولة المصرية مع كبار المسؤولين في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وفي سلسلة الاجتماعات الدولية وداخل مجلس الأمن وفي القمة العربية- الإسلامية، وغيرها تغير الخطاب السياسي الإسرائيلي تدريجاً في اتجاه البحث عن البديل في مواجهة الرفض المصري على رغم استمرار تل أبيب في التحريض، وتبني استراتيجية مواجهة من خلال الدفع بالفلسطينيين إلى الجنوب مع البدء في امتداد العمليات إلى منطقة خان يونس ما يؤكد أن المخطط الإسرائيلي بترحيل الفلسطينيين يمضي في إطاره.
لم تتراجع تل أبيب عن تلك الاستراتيجية على رغم ما يجري على الجانب المصري، وفي ظل حرص بالغ من القاهرة واستعدادات غير مسبوقة عسكرياً في سيناء، وتوجيه رسائل إلى الجانب الإسرائيلي ما يؤكد أن مصر واعية تماماً بطبيعة المخطط.
ولهذا اتجهت إسرائيل إلى مسار بديل ظهر جلياً في إعادة تكرار الحديث عن إمكانية فتح منفذ في اتجاه قبرص واستخدام موانئ قبرص في نقل المساعدات إلى داخل القطاع بدلاً من معبر رفح أو في الأقل المكمل له في هذا التوقيت، ما يؤكد أن تل أبيب بدأت في البحث عن حل.
ويمكن لدولة في حجم قبرص ولاعتبارات دورها أوروبياً أن تكون أيضاً البديل لنقل الفلسطينيين تحت متابعة إسرائيلية- أوروبية- أميركية، مما يؤكد أن الحل قائم، ومن ينقل البضائع والمساعدات يمكن أن ينقل سكان القطاع متى أرادوا.
وفي مراحل معينة من تاريخ المواجهات الإسرائيلية مع الفصائل الفلسطينية طرح مطار لارنكا للتوظيف والاستخدام، وهو ما يمكن الإشارة إليه كأساس للتنقل والتحرك، كما طرح بالفعل إمكانية وقوف بواخر عملاقة أمام سواحل القطاع للاستخدام بدلاً من الحصار الراهن على القطاع، وعدم وجود سوى معبر رفح منفذاً رئيساً في مواجهة المنافذ الأخرى التي تضم منافذ إسرائيلية، وأهمها منفذ كرم أبو سالم، ومنفذ صوفيا، ما يؤكد أن الخيارات البديلة قائمة وموجودة شريطة أن تتوافق الرؤى، وتتوحد المجهودات، ويعود بالأساس إلى تنسيق إسرائيلي- أوروبي عبر طرف آخر قد يكون قبرص أو اليونان، وغيرها ما يؤكد وجود البديل.
تطورات مفصلية
في ظل هذه التطورات الجارية في استمرار العمليات العسكرية في قطاع غزة فإن الإشكالية الحقيقية التي تعمل عليها إسرائيل استكمالاً لما يجري الحديث عن دور أوروبي مباشر يتم من خلال نقل الفلسطينيين إلى أوروبا، وللدول التي يمكن استيعاب الفلسطينيين من نوعية كندا وأستراليا والنرويج والدنمارك وأيسلندا وبعض دول جمهوريات آسيا الوسطي، ما يؤكد هذا الأمر أن هناك جاليات فلسطينية عدة تعمل وتعيش في الخارج، بخاصة في جمهوريات أميركا اللاتينية، وهو ما قد يطرح في هذا السياق، ويحسم الأمر الذي يمكن أن يؤكد أن المسألة مرتبطة بما يتم طرحه.
يشير هذا الأمر إلى أن إسرائيل ماضية في مخططها، وإن كان الخيار الأوروبي لترحيل الفلسطينيين سيواجه أيضاً بمشكلات متعلقة بالتخوف من حدوث حالة من عدم الاستقرار في هذه الدول جراء تسكين بعض الفلسطينيين، وإعادة توزيعهم على الدول، في إطار ما أطلقت عليه تل أبيب الهجرة التطوعية، وليست الجبرية التي طرحتها في توقيتات سابقة.
ويوضح هذا التوجه أيضاً أن إسرائيل تعيد ترتيب خياراتها وحساباتها مع العمل على إعادة تنظيم أولوياتها السياسية والأمنية في الوقت الراهن تخوفاً من استمرارها على ما هو عليه، أو القبول بوقف إطلاق النار، والانتقال إلى مرحلة أخرى من المواجهة مع التخوف من تكرار المواجهات مجدداً، وبقاء الأخطار محدقة بالدولة العبرية.
ومن ثم فإن هذا الهدف الرئيس لإسرائيل سيمضي في إطار الحديث عن حل نهائي لغلق ملف قطاع غزة، وتهديداته سواء بتدمير القطاع بالكامل لكي لا يكون صالحاً للحياة، أو من خلال تقديم عروض لسكانه بالرحيل، والخروج من حالة الحصار ما ينبه إلى أن إسرائيل ستمضي في تسويق، بل وتنفيذ هذا الخيار من خلال مقاربة أميركية- أوروبية.
ومن خلال توافق عام قد يطرح في مؤتمر دولي سيتم الإعداد له في الوقت الراهن أوروبياً، وبتأييد دولي أي الانتقال إلى إعادة تدوير الفكرة، والعمل عليها ما يؤكد أن إسرائيل انتقلت من داخل الإقليم، ولدول الإقليم إلى دول أخرى، واستثمار ما يجري، ويخدم الفكرة المطروحة منها بضرورة حسم ملف وجود الفلسطينيين في القطاع، وإنهاء حكم حركة “حماس”.
الخلاصات الأخيرة
يمكن الإشارة إلى أن إسرائيل ستستمر في طرح الرؤى والمقاربات التي تستهدف الحل لسكان القطاع، وإنهاء وجود الفلسطينيين ما سيتطلب العمل على تنفيذ مخطط تدريجي، ومرحلي عبر آليات مستجدة، تتجاوز الرفض للترحيل إلى دول الإقليم وللجوار، إنما أيضاً إلى خارج المنطقة ما يؤكد أن الهدف سيبقى في اتجاه أوروبا، وليس إلى الداخل فقط.
ولعل ما يؤكد ذلك حرص إسرائيل على نشر الرؤى، والمقترحات مع الاستمرار في تبني سياسة القوة والحسم، والمواجهة بهدف فرض استراتيجية الأمر الواقع عند الضرورة حال رفض ما يطرح بخاصة مع وجود بعض الإشكاليات المتعلقة بمخاوف أوروبية من انتقال الفلسطينيين إلى أراضيهم، مما قد يجدد الإرهاب مجدداً في القارة العجوز، وقد يؤدي إلى مزيد من المواجهات، ومن ثم فإن التأني في ما يطرح إسرائيلياً سيكون مطروحاً بقوة في الفترة الراهنة انتظاراً لما سيأتي من خيارات، وبدائل محددة.
المصدر: اندبندنت عربية
الحروب تبدأ بسقف عالي من الأهداف والطموحات لتحقيقها ومع مسيرة الحرب تبدء التراجعات ، هل مخطط التهجير الى مصر والأردن كحلم نتنياهو ومخطط أوروبي يمكن تحقيقه بعد رفض مصري اردني ؟ وهل يمكن التهجير على دول العالم “الترانسفير” ضمن تشبث الفلسطيني بأرضه ؟ تراجعات الاحتلال بدأت بقبول الهدنة ، وبعد 46 يوماً ، فإلى أين ستنتهي التراجعات ، وليكون الحل ؟.