التصعيد الإيراني في العراق وسورية: التداعيات والخيارات الأمريكية

مايكل نايتس, فلاديمير فان ويلجنبرغ, ديفورا مارغولين, أندرو جيه. تابلر

يناقش أربعة خبراء ما يمكن أن تفعله واشنطن بشأن الارتفاع الحاد في هجمات الميليشيات ضد القواعد الأمريكية والشركاء المحليين للولايات المتحدة في المنطقة في المدة الأخيرة – حتى أثناء محاولتهم مواصلة مهمة مكافحة الإرهاب ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”.

“في 15 تشرين الثاني/نوفمبر، عقد معهد واشنطن منتدى سياسي افتراضي مع مايكل نايتس، وفلاديمير فان ويلجنبرغ، وديفورا مارغولين، وأندرو جيه تابلر. ونايتس هو “زميل برنشتاين” في المعهد وأحد مؤسسي منصة “الأضواء الكاشفة للميليشيات” التابعة للمعهد. وفان ويلجنبرغ هو مؤلف مشارك لكتاب “الأكراد في شمال سوريا: الحكم والتنوع والصراعات”. ومارغولين هي “زميلة بلومنشتاين-روزنبلوم” في المعهد، حيث تركز على حوكمة الإرهاب ودور المرأة في التطرف العنيف. وتابلر هو “زميل أقدم في زمالة مارتن ج. غروس” في المعهد ومدير سابق لشؤون سوريا في “مجلس الأمن القومي الأمريكي”. وفيما يلي ملخص المقرر لملاحظاتهم”.

مايكل نايتس

إن “المقاومة الإسلامية في العراق” كما تُعرف، هي المسؤولة عن الكثير من الأنشطة الحركية ضد القوات الأمريكية في العراق وسوريا خلال الشهر الماضي. وتشمل هذه التسمية الشاملة جميع الميليشيات المشتبه بها المعتادة المدعومة من إيران في العراق. وفي الواقع، يحافظ فريق “الأضواء الكاشفة للميليشيات” في “معهد واشنطن” على إحصاء مستمر عن هجمات “المقاومة الإسلامية في العراق” من خلال تتبع وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الأخرى التي يجري عبرها تبني هذه الأنشطة.

وتُصنف الجماعات التي تنفذ هذه الضربات بأنها تقع ضمن مجالَين رئيسيين من ناحية المسؤولية. ويركز المجال الأول على القواعد الأمريكية جنوب نهر الفرات، في غرب العراق (على سبيل المثال، “قاعدة الأسد الجوية”) وجنوب سوريا (“حامية التنف”). ويركز المجال الآخر على الأهداف الأمريكية شمال نهر الفرات، وفي شمال العراق (على سبيل المثال، “قاعدة حرير الجوية”) وشرق سوريا (الشدادي والرميلان)، من خلال شن هذه الجماعات هجماتها من مناطق في سنجار والموصل وسهل نينوى وكركوك. بالإضافة إلى ذلك، تَطلق جماعات متنوعة مدعومة من إيران في الضفة الغربية لوادي نهر الفرات الأوسط في سوريا صواريخ قصيرة المدى على القواعد الأمريكية والعناصر المجاورة التابعة لـ “قوات سوريا الديمقراطية” (“قسد”) حول حقول النفط في محافظة دير الزور. كما يتم إطلاق بعض الهجمات من هذا الوادي، بطائرات بدون طيار بعيدة المدى على الشدادي ورميلان وتل بيدر.

وعلى الحدود الإسرائيلية اللبنانية، تُعَد قواعد اللعبة – الأهداف المقبولة، والخطوط الحمراء، وما إلى ذلك – مفهومة جيداً. ويصحّ ذلك أيضاً بالنسبة للولايات المتحدة وإيران في سوريا والعراق. فهناك مستوى معين من مضايقات الميليشيات تعتبره واشنطن مقبولاً، لكن ثمة إجراءات حركية أخرى مدعومة من إيران ستثير رد فعل أمريكياً أقوى. وغالباً ما يعتمد المحفّز المحدد على درجة تعقيد هجوم معيَّن وما إذا كان يؤدي إلى وقوع إصابات أم لا. على سبيل المثال، في شهر آذار/مارس من هذا العام، نفذت القوات الأمريكية غارة جوية مباشرة بعد هجوم شنته إحدى الميليشيات، ويرجع ذلك جزئياً إلى مقتل مقاول أمريكي، فضلاً عن أن الهجوم قد أظهر ارتفاعاً نوعياً في القدرة.

واليوم، تواصل الميليشيات المدعومة من إيران اختبار صبر واشنطن وقدرتها على ضبط النفس من خلال زيادة هجماتها، التي يتم شن معظمها في سوريا. ورداً على ذلك، شنت القوات الأمريكية ثلاث غارات جوية وعدداً غير محدد من الضربات المدفعية المضادة للبطاريات (بشكل عام، يكشف المسؤولون الأمريكيون علناً عن الغارات الجوية فقط). وعلى الرغم من أنه يُفترض بالهجمات الأخيرة على القواعد أن لا تكون مميتة، إلا أنها لا تزال تواجه خطر قتل أمريكيين عن طريق الخطأ وتصعيد الوضع بشكل كبير. وفي ظل هذه الظروف، قد تضرب الولايات المتحدة بقوة أكبر بكثير في سوريا – أو حتى ضد قادة الميليشيات في العراق، أو أهداف إيرانية أوسع نطاقاً في المنطقة، أو المصالح الاقتصادية في الأراضي الرئيسية لإيران.

فلاديمير فان ويلجنبرغ

يفرض الوضع الحالي في شمال شرق سوريا تحديات متعددة على “قوات سوريا الديمقراطية”. ومع تباطؤ المعركة الرئيسية في المنطقة ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” في السنوات الماضية، لم تكن “قوات سوريا الديمقراطية” التي يقودها الأكراد مهتمة في البداية باحتلال المناطق المحيطة بالرقة ومدينة دير الزور. لكن الولايات المتحدة شجعتها على دخول تلك المدن، على الرغم من أن الرقة لا تضم سوى عدد قليل من السكان الأكراد، بينما ليس هناك أكراد في دير الزور على الإطلاق.

ودفع هذا الوضع “قوات سوريا الديمقراطية” إلى العمل مع أحمد حامد الخبيل (المعروف بأبو خولة)، وهو شخصية لا تحظى بشعبية ولكن الأكراد يعتقدون أن بإمكانه مساعدتهم على السيطرة على دير الزور. ومع ذلك، فمع مرور الوقت، اشتد الغضب المحلي تجاه “قوات سوريا الديمقراطية” بسبب استغلال أبو خولة للسلطة وفشله في توفير الخدمات الأساسية مثل الوصول إلى المياه النظيفة.

وفي آب/أغسطس، أدت هذه المظالم إلى تمرد قبلي عربي ضد “قوات سوريا الديمقراطية”. وعلى الرغم من أن التمرد كان محدوداً في البداية، إلا أن رقعته اتسعت مع تزايد الخسائر البشرية، ووصل في النهاية إلى ذيبان، وهي بلدة تخضع لسيطرة الزعيم القبلي إبراهيم الهفل. وفي النهاية، فشل التمرد لأن غالبية العرب المحليين لم ينضموا إليه. وبعد استعادة ذيبان، استسلمت مناطق أخرى من دون قتال.

وقد حاول نظام الأسد استغلال التمرد واستمر في زرع بذور الانشقاق بين سكان دير الزور. وبعد تباطؤ القتال الأولي، تجلّت عدة علامات على دعم النظام، إذ طلب أبو خولة من دمشق المساعدة في إخراج “قوات سوريا الديمقراطية” من دير الزور. ودعا إبراهيم الهفل إلى شن المزيد من الهجمات ضد “قسد” انطلاقاً من أراضي النظام. وألقت “قوات سوريا الديمقراطية” من جهتها القبض على الكثير من أعضاء “قوات الدفاع الوطني” الموالية للنظام خلال عملهم في المنطقة. وتم شن هجمات جديدة ضد وحدات “قوات سوريا الديمقراطية” في تشرين الأول/أكتوبر.

وتريد إيران ونظام الأسد أن تغادر الولايات المتحدة سوريا، ويستغلان الاضطرابات القبلية العربية ضد “قوات سوريا الديمقراطية” كفرصة لتحقيق هذا الهدف. ومن دون الدعم الأمريكي، لم يكن بإمكان “قوات سوريا الديمقراطية” قمع التمرد القبلي. وبالتالي، في حين أن الوجود الأمريكي في سوريا لا يزال مرتكزاً على مكافحة تنظيم “الدولة الإسلامية”، يجب على واشنطن وضع استراتيجية تتجاوز مهمة مكافحة الإرهاب، بحيث تركز بشكل أكبر على تعزيز مكانة “قوات سوريا الديمقراطية”. ولا يزال الكثير من السكان المحليين يفضلون “قسد” على نظام الأسد، إلا أن مظالمهم الكثيرة تبقى عرضة بشدة للاستغلال من قبل طهران ودمشق.

ديفورا مارجولين

تمكن تنظيم “الدولة الإسلامية” من الحفاظ على درجة معينة من “حكم الظل” في أجزاء من شمال شرق سوريا – حيث لا يزال يجمع الضرائب، ويُصدر الوثائق الإدارية، ويحتفظ بوحدات الشرطة الأخلاقية. والأهم من ذلك أنه لم يتخلَ قط عن طموحه في استعادة السيطرة على الأراضي. وتشير هذه الأنشطة من حكم تنظيم “الدولة الإسلامية” إلى أنه قد يكون أقوى مما يفترضه الكثير من المراقبين.

وفيما يتعلق بالنشاط الإرهابي، أعلن تنظيم “الدولة الإسلامية” مسؤوليته عن عدد أقل من الهجمات حتى الآن هذا العام. وخلال شهر آب/أغسطس، أبلغت “القيادة المركزية الأمريكية” عن تنفيذ سبع وثمانين عملية ضد التنظيم بشراكة مع “قوات سوريا الديمقراطية” وثلاث عمليات أمريكية أحادية الجانب. فضلاً عن ذلك، اعتقلت قوات التحالف القيادي الكبير في تنظيم “الدولة الإسلامية” محمد صخر البكر في وقت سابق من هذا الشهر في الرقة. وزادت عمليات إعادة معتقلي التنظيم وأفراد أسرهم إلى أوطانهم في عام 2023، حيث أُعيد 3200 عراقي إلى وطنهم (معظمهم من النساء والأطفال) إلى جانب 590 مواطناً أجنبياً آخراً.

وفي أعقاب هجوم “حماس” على إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر، امتنع تنظيم “الدولة الإسلامية” عن أي إشارة صريحة إلى الحادثة. فالكراهية متبادلة بين هاتين المنظمتين الإرهابيتين، إذ لا يزال قادة تنظيم “الدولة الإسلامية” ينظرون إلى “حماس” على أنها جماعة مرتدة بسبب تطلعاتها الوطنية الفلسطينية. ومع ذلك، دعا تنظيم “الدولة الإسلامية” إلى شن المزيد من الهجمات ضد اليهود منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، وذكر على وجه التحديد أهدافاً في أمريكا الشمالية وأوروبا.

وفي الأشهر والسنوات المقبلة، سيتعين على الولايات المتحدة وشركائها مراقبة الكثير من التفاصيل “المجهولة المعروفة” في شمال شرق سوريا. فمن ناحية، من غير الواضح كيف ستؤثر الحرب بين “حماس” وإسرائيل على وجود التحالف ومهمة مكافحة تنظيم “الدولة الإسلامية” على المدى الطويل. فأعمال التخريب والاضطرابات العامة في الأراضي الخاضعة لسيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” تصرف بالفعل انتباه القوات الشريكة عن تلك المهمة. وقد يكون لتغير المناخ أيضاً تأثيرات متزايدة على الأرض، حيث تتقاتل الفصائل المختلفة على الموارد. كما أن الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي تلوح في الأفق تلقي ظلال الشك على مستقبل الوجود الأمريكي أيضاً.

أندرو جيه تابلر

تعرضت القوات الأمريكية في العراق وسوريا لأكثر من خمسين هجوماً في موجة العنف الحالية، مما أدى إلى إصابة تسعة وخمسين جندياً أمريكياً حتى تاريخ كتابة هذه السطور. ولحسن الحظ، عاد جميع هؤلاء الأفراد إلى الخدمة، ولكن مع استمرار الهجمات، يتزايد احتمال مقتل عدد أكبر من الأمريكيين. ولا شك في أن هذا السيناريو من شأنه أن يولد المزيد من الدعوات في الولايات المتحدة لسحب القوات الأمريكية، وهذا بالضبط ما تريده إيران ونظام الأسد وروسيا. وفي سوريا، تحرص هذه الجهات الفاعلة بشكل خاص على إثارة النعرات في المناطق الخاضعة لسيطرة “قوات سوريا الديمقراطية”. ويمنح الوجود الأمريكي “قوات سوريا الديمقراطية” القوة اللازمة للعمل في دير الزور، لكن القوة التي يقودها الأكراد ستواجه صعوبة في العمل هناك بمفردها نظراً لضعفها الديموغرافي المحلي.

وفيما يتعلق بالوضع في غزة، يعتقد البعض أن هجوم “حماس” كان جزءاً من خطة إيرانية تهدف إلى تطويق إسرائيل واستدراج الولايات المتحدة إلى أزمة إقليمية. لكن هذا ليس هو الحال بالضرورة. ومع ذلك، تعتبر إيران أن التحالف بين الولايات المتحدة وإسرائيل وثيقاً للغاية لدرجة أن مهاجمة إحدى هاتين الدولتين تعني عملياً مهاجمة الأخرى. كما تدرك مدى حساسية الولايات المتحدة تجاه الخسائر الأمريكية – حيث ستزداد هذه الحساسية خلال عام الانتخابات الأمريكية المقبلة. وبناءً على ذلك، قد تعمد طهران قريباً إلى تكثيف جهودها لإخراج القوات الأمريكية من المنطقة.

وفي هذا السياق، فإن مهاجمة أهداف أمريكية في سوريا تطرح مخاطر أقل وتُقدم مكافآت أكبر من مهاجمة أهداف في العراق أو في أي مكان آخر. فسوريا تتمتع بقدر أكبر من حرية المناورة وقواعد لعبة أكثر مرونة. لكن غياب القواعد الصارمة قد يؤدي إلى تصعيد غير مقصود بين الجيوش الأجنبية المتعددة والوكلاء الذين ما زالوا يعملون في سوريا.

تم إعداد هذا الملخص من قبل كايل روبرتسون.

المصدر: معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. أي تصعيد تقوم به أذرع ملالي طهران في سورية والعراق ؟ قصف محدود زمنياً ومكانياً وتأثيراً باسم دعم المقاومة الوطنية الفلسطينية بفلسطين/غزة ضمن حلف المقاولة والمماتعة ووحدة الساحات ، لقد تعرت ميليشيات هذا الحلف وقيادته ملالي طهران بسقوط آخر أوراق التوت التي تغطي قذارتها وتآمرها على العرب باسم تحرير القدس .

زر الذهاب إلى الأعلى