سحر خليفة روائية فلسطينية واكبت القضية الفلسطينية عبر رواياتها لعشرات السنين، تكاد تكون من أهم من كتب روائيا، حول مفاصل القضية الفلسطينية، الشعب والارض واللجوء والثورة، عاصرت كل الأحداث وصنعت مع غيرها ذاكرة فلسطين بامتياز.
.اصل وفصل رواية سحر خليفة تغوص عميقا في تاريخ فلسطين، من إسقاط الحكم العثماني وبداية الانتداب الانكليزي ووعد بلفور الذي اعطى لليهود حقا قوميا في فلسطين، ورعاية الانكليز لحركة الهجرة، وإعطاء اليهود الفرص في شراء الأراضي، ووضع اليد على أراضي الدولة ومحاباة اليهود وإطلاق يدهم في فلسطين بالتوسع والاستيطان، وصناعة نموذجهم الحياتي على حساب الفلسطينيين شعبا وارضا. في هذا الزمان، وهذه الاجواء تتحرك احداث الرواية عبر الام زكية سليلة قحطان المؤسس للعائلة، قحطان ابن صحراء الجزيرة العربية الذي حضر مع الوالي العثماني لفلسطين واستقر في نابلس حيث أصبح ذراع الوالي المتنفذه ومالك الأمر، رجل العثمانيين القوي، مما صنع للعائله هالة توارثها الأبناء جيلا بعد جيل. زكية وزوجها سليل قحطان الذي يعمل على البابور(القطار)، يصلحه عند الحاجة، يسكنون في بيت العائلة مع اولادهم الاربعة وحيد الكبير وامين ووداد وسمير الصغير، يعيشون حياة هانئة عاديه، لكن موت الاب فجأة بين آلات القطار، وتسليم أمواله لكبير العائلة بعد وفاته، كسر ظهر الأسرة الصغيرة، المعيل مات، وكبير العائله اكل الامانه، مما اضطر العائلة للعمل من أجل العيش، وحيد يعمل سائقا ووالدته على ماكينة الخياطة، استمرت حياتهم على حالها إلى أن عاد اخ الام من السعودية بعد أن كان رحل إليها منذ سنين بعيدة، وتواصل خال الأولاد مع عائلة اخته ادخلت متغيرات جديدة إلى حياتهم، الخال الذي كان استقر بالسعودية وتزوج هناك وأنجب الأولاد، عمل بالتجارة ونجح ، وعندما توفيت زوجته عاد الى نابلس مع ابنه الذكر الوحيد رشاد واخواته البنات، عاد وتواصل مع اخته وطمأنها أنه لن يقاسمها تركته من بيت العائلة الكبير، واشتكى لها دلال ابنه وانفلاته، طلب منها ان يشكلوا مع بعضهم عائلة متكاملة، كان يفكر ان يزوج ابن اخته وحيد باحدى بناته، ويزوج ابنه راشد من ابنة اخته وداد، ليضمن وجود وحيد إلى جانب أعماله وتجارته، ويضمن زواجا يعقّل ابنه الذي فاحت ريحته في نابلس، باراتها ومراقصها ونسائها من يهود وجنكيات (قرباط او نور). تقبلت الاخت الفكرة، احسّت ان السعد جاءها ولأولادها مع اخيها وأولاده وامواله، وحصل الزواج، تزوج وحيد من رشا ابنة خاله، ورشاد من ابنة عمته وداد، ومع الزمن تبين أن الصفقة خاسرة، فوحيد انهك بأعمال عمّه وتجارته في الميناء فهو المسؤول الوحيد تقريبا، وزوجته لم تنجب له ابدا، أما اخته وداد فلم تستطع ان تقنع زوجها رشاد بها، رشاد الذي اودع رحمها طفلا وتركها لمجونه وسكرة وسوء اخلاقه، وداد التي تحملته لعله يتغير، ووحيد الذي تحمل زوجته وخاله لعل حياته تتحسن، لكن رشاد لم يتغير فها هو يلاحق سارة ابنة التاجر اليهودي شريك والده، وها هو وحيد يكتشف أن التجارة المدعاة انها فواكه وسلع غذائية يتبين انها اسلحة تأتي لليهود، وعندما يواجه خاله يجيبه ليكن هم يحضرون أسلحة ونحن كذلك، لم لا نستفد نحن..؟!!. اليهود الذين بدأوا يتوافدون على فلسطين، برعاية الحاكم الإنكليزي آرثر ميلر، يبنون مستعمراتهم بنماذجها المختلفة الاشتراكية وغيرها، والفلسطينيين الضائعين بين زعاماتهم السياسية وتجّارهم الذين يبيعون الأراضي لليهود دون وعي او رادع، ويستمرون بالتعامل مع الانكليز واليهود على أساس ان المصلحة واحده. وحده الفلسطيني الفقير الفلاح الإنسان العادي هو الضحية، ويكاد يكون دون تمثيل، وحيد يتعرف على “الشيخ الجليل” الذي بدأ يدق ناقوس الخطر، ويؤكد ان الانكليز المستعمرين جاؤوا باليهود ووطنوهم في فلسطين، وأن بعض السماسرة وتجار الأراضي يبيعون الأرض دون احساس بحجم الكارثة، وهي خسارة فلسطين، ادرك الشيخ ذلك وبدأ يجهز حوله الأتباع للوصول الى لحظة إعلان الثورة ضد الانكليز، وطردهم واليهود من فلسطين. في الجانب الآخر نرى اليهود يعملون في دأب لبناء المستوطنات، وشراء الاراضي ، وتجهيز انفسهم ليوم يأخذوا فيه فلسطين، و يطردوا أهلها و يبنوا دولتهم، سنرى وايزمن وبن غوريون و جابوتنسكي، اباء الكيان اليهودي في فلسطين، وهم يتبادلون الادوار اتجاه الفلسطينيين، البعض يطرح التعايش والبعض الآخر الفصل والعداء، الكل يثبت جذوره في الأرض ويعمل لدولته القادمة، سنتعرف على ليزا الفلسطينية المثقفة المؤمنة بتحرر المرأة، وضرورة مشاركتها في بناء الحياة مع الرجل، وفي السياسة في مواجهة اليهود والانكليز أيضا، سنتعرف عليها وعلى امثالها من الفلسطينيات اللواتي قدمن النموذج الانساني و الوطني والتحرري للمرأة الفلسطينية، يواجهون الحاكم الانكليزي ويقمن بالتظاهر ضد الانكليز ومحاباتهم لليهود، يواجههم اليهود بمظاهرات مضادة، سيعبر الحاكم عن تضامن انساني شخصي مع الفلسطينيين، لكنه يمارس السياسة البريطانية الاستعمارية الداعمة لليهود، سيحتضن بعض المشاريع التي عملت على الدمج بين اليهود القادمين المستعمرين والفلسطينيين كأهل بلاد مستباحه، مشروع الخضوري لبناء جامعة ولم ينجح، مشروع روزا التروتسكية التي تريد أن تمول مركزا للتمريض يضم عربا ويهود، ولن تنجح، يتبادل قادة اليهود الادوار فالبعض يتكلم بمنطق التعايش والاخرين يعدون العدة من اجل اقتلاع الفلسطينيين وبناء دولتهم الصهيونية مستفيدين من امكانات الانكليز كسلطة انتداب، وبدعم خارجي من دول العالم ويهوده المنتشرين في كل البلدان، اما الفلسطينيين فبعضهم يدرك ما يحصل ويعد العده لمواجهة قادمة حتمية كشيخ الجليل الذي التحق به وحيد بعدما اكتشف ما يعمل اليهود وما يحضروة لايام قادمه، وبعض الفلسطينيين من رجال المال والوجهاء يتصرفون دون ادراك للخطورة القادمة، مخافظين على شبكة المصالح مع اليهود والانكليز.
ستحاول وداد التمرد على زوجها وتهرب من البيت الى ليزا، ولن تجد مخرجا سوف تعود منتظرة مولودا، ومتأملة أن تتحرر بعد الولادة وتعمل وتصنع مستقبلها، لكنها ستفاجأ بزواج زوجها عليها من فتاة يهودية، أما وحيد فيترك العمل مع خاله ويلتحق بشيخ الجليل ويخططون لمواجهة مسلحة قادمة ضد الانكليز واليهود سوية؛ ضمن محاولة يائسة لشد أنظار الدول العربية لحجم المخاطر على فلسطين والفلسطينيين، ولجذب الفلسطينيين لقتال الأعداء اليهود والانكليز، سيكون دور الوجهاء متفرجا ومنتظرا، سيحاول الحاكم الانكليزي ان يحتضن التعايش المستحيل، ويكون مستهدفا من اليهود الذين يرونه عقبة في وجه طموح بناء الدولة الصهيونية، ومن الفلسطينيين الذين يرونه راعي لمصالح اليهود، بكونه ممثلا للاحتلال الانكليزي في فلسطين، لذلك يستهدف في مركز حاكميته عندما كان يقود اجتماعا لتسهيل مشروع المشفى المشترك وحاصروه ثم قتلوه. أما شيخ الجليل ووحيد والمجاهدين معهم فقد عقدوا العزم على إطلاق شرارة الثورة لتحرير فلسطين من الانكليز وطرد اليهود، وتكتشف الحركة باكرا وتلاحق ويقتل الشيخ، ويستمر وحيد ومعه بعض الثوار، لا امل في الافق، الإضراب الذي فرضه الفلسطينيين اضرهم ولم ينفعهم، والدول العربية دفعت الفلسطينيين للانصياع وفك الاضراب بدلا من دعمهم لمقاومة المحتل. أدت نهاية الإضراب وموت الحاكم البريطاني واستشهاد شيخ الجبل وعدم نجاح الثورة على الإنكليز إلى نهاية مرحلة من المأساة الفلسطينية، وتبدأ مرحلة جديدة بوجود ودور امين الاخ الاصغر لوحيد من الجيل الجديد المثقف. هنا تنتهي الرواية.
في قراءتها نقول:
.الرواية هي جزء اول، يعني لها اجزاء قادمه لا نعلم ان كتبت أم لا، الرواية تغوص مجتمعيا في الواقع الفلسطيني للعمق؛ التخلف الاجتماعي الفقر الأمية التمايز الشديد بين فقراء الشعب والملاك والتجار، إلى درجة التحاق هؤلاء بالانكليز واليهود بحكم المصلحة، المرأة الفلسطينية و قراءة في حالتها، وإرهاصات تحررية نسوية كجزء من النشاط السياسي المواجه للاحتلال الانكليزي و التغلغل اليهودي في فلسطين.
.الرواية تقول أن فلسطين كانت تحت حالة سطو علني، والفلسطينيين ضائعين بين انتهازي وجاهل وفقير لا يكاد يصل للقمة عيشه، الدول العربية متفرّجة، والعالم كله يشارك بجريمة سرقة فلسطين والتأسيس لدولة اليهود الصهيونية، وتشريد شعبها، لكن الثورة كمكوّن وواقع حضرت واسست لما سيأتي وسيستمر الى ان تتحرر فلسطين و يسترد الشعب الفلسطيني حقوقه كاملة؛ ولو بعد حين.
2.12.2015.
رواية “أصل وفصل” للروائية الفلسطينية “سحر خليفة” قراءة جميلة وتعقيب واقعي من المبدع “احمد العربي” الرواية تغوص عميقا في تاريخ فلسطين، من إسقاط الحكم العثماني وبداية الانتداب الإنكليزي ووعد بلفور الذي اعطى لليهود حقا قوميا في فلسطين، ورعاية الإنكليز لحركة الهجرة، وإعطاء اليهود حق شراء الأراضي و…