أين هي شرعة حقوق الإنسان حتى نحتكم إليها بمواجهة ما فعلته وتفعله أنظمة القتل والجريمة والطغيان العربية؟ وبمواجهة ما فعلته وتفعله وستفعله حليفتهم “إسرائيل” في فلسطين؟ أين هو القانون الدولي؟ أين هي مفاهيم عصر التنوير؟ أين هي تلك “الفضائل” التي تُدرّس في المدارس والجامعات ويتبجحّ بها جميع الليبراليّون والديمقراطيون؟ فكيف تكون الدولة- أي دولة- ديمقراطية؟
حتى تكون الدولة ديمقراطية فعلى الأقل يجب أن تتوافر فيها بعض الشروط:
– مثل المساواة السياسية فجميع المواطنين متساوين أمام القانون، بغض النظر عن الجنس أو العرق أو الدين أو أي اعتبار آخر.
– إضافة الى الحرية السياسية التي هي بمعنى ما أن المواطنين يتمتعون بحرية التعبير والرأي والتجمع والتنظيم.
– وسيادة القانون التي تعني أن جميع المواطنين، بما في ذلك المسؤولين الحكوميين، يخضعون للقانون، وأن القانون يحمي ويصون حقوق الإنسان، وذلك من خلال ضمان الحريات السياسية والمساواة أمام القانون.
وهذه أبسط مقومات الدولة الديمقراطية، ولن استرسل بل سأكتفي بما ذكرت محاولاً فهم أسس ديمقراطية (دولة) الاحتلال الصهيوني!!
فهي أقامت مؤسساتها (الديمقراطية) وبيوت مواطنيها على أراضي الغير، تمارس كل موبقات الدولة المستبدة بل وتزيد، فهي تمارس أبشع أنواع الاعتقال التعسفي فقد بلغ عدد الأسرى في 3 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 في سجون الاحتلال أكثر من (5250) أسيراً، بينهم (39) أسيرة، و(170) طفلاً، و(1913) معتقلاً إدارياً.
وقد سجلت بعض المنظمات الحقوقية أن أكثر من (53) ألف فلسطيني/ة، تعرضوا للاعتقال منذ شهر تشرين الأول/ أكتوبر عام 2015 تاريخ اندلاع (الهبة الشعبية) وحتى بداية تشرين الأول/ أكتوبر عام 2023، وكان من بينهم نحو (9200) طفل، و(1261) من النساء والفتيات، فيما وصل عدد أوامر الاعتقال الإداري إلى أكثر من 13 ألف أمر اعتقال.
ومازالت ذاكرتنا تحتفظ بصورة تكسير عظام الأطفال التي شرّعها “رابين” (الحائز على جائزة نوبل للسلام) إبان انتفاضة الحجارة التي اندلعت في عام 1987.
فإذا أضفنا إلى الاعتقال هدم المنازل أو مصادرتها حيث يقدر عدد المنازل التي هدمها الاحتلال منذ 1948 إلى ما قبل عملية طوفان الأقصى نحو 170 ألف منزل، بل إن هدم منازل الفلسطينيين كان مدعاة للفخر من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي تباهى بهدم 1000 منزل في عام 2016 “لأن البناء العربي غير القانوني مرض يجب التخلص منه” على حد تعبيره.
بل تعدى ذلك إلى مصادرة أراضي تابعة بشكل كامل للسلطة الفلسطينية (المنطقة ” أ “) حيث شهد عام 2021 مصادرة 311 منشأة، مما دعى “ستيفان دوجاريك” المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة لإصدار بيان قال فيه “مثل هذه الأعمال تتعارض مع القانون الدولي، ويمكن أن تقوّض فرص إقامة دولة فلسطينية متواصلة (جغرافياً) وقابلة للحياة”.
وتشير كثير من شهادات من زاروا دولة الاحتلال إلى أنها دولة فصل عنصري بامتياز، حتى أن منظمة العفو الدولية أصدرت في بداية 2022 تقريراً يثبت فيه أن إسرائيل تفرض نظاماً من القمع والهيمنة ضد الفلسطينيين في جميع المناطق الخاضعة لسيطرتها في “إسرائيل” والأراضي الفلسطينية المحتلة، من أجل مصلحة اليهود الإسرائيليين؛ ويرقى هذا النظام إلى مستوى الفصل العنصري، الذي يحظره القانون الدولي.
وأضاف التقرير “إن حرمان الفلسطينيين من منازلهم هو أمر في صميم نظام الفصل العنصري (الأبارتهايد) الذي تمارسه إسرائيل ضد الفلسطينيين”، ولم يتوقف نزع ملكيات الفلسطينيين وأصبحت النكبة رمزاً للاضطهاد الذي يواجهه الفلسطينيون كل يوم منذ عقود.
إلا أنها تبقى في نظر من اخترعوها على شاكلتهم الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، حتى أنهم- وأقصد من اخترعوها- يسمحون في بلادهم أن تعبر عن رأيك أو تنتقد كل السياسات والمؤسسات التي تصدّر تلك السياسات من أصغر مؤسسة إلى أكبر مؤسسة، بما في ذلك الأديان إلا- وإلا هنا حازمة وصارمة- السياسة الإسرائيلية وكل ما يمت لجذر كلمة “إسرائيل” بصلة!
يبدو أنها ظاهرة فريدة في التاريخ بكل ما تعنيه الفرادة من معنى، فنظام الفصل العنصري واعتقال النساء والأطفال بل نظام الإبادة الجماعية واستهداف الأطفال والمستشفيات يسمى: “الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط!” للأسف.
أصبحنا في عالمٍ همّه الإدّعاء بالفضيلة أكثر من الفضيلة نفسها، أصبح تركيزنا على الاعتذار عن أخطاء سابقة بدل العمل الدؤوب على أن لا تتكرّر هذه الأخطاء، فما معنى التعاضد مع “الهنود الحمر” ومع غيرهم ممن أرتكب الخطأ بحقهم، وما معنى الاعتذار عن جرائم من الماضي البعيد فيما تُمارَس (أو تُغطى) منذ العام 1948 ضدّ الشعب الفلسطيني ممارسات العنصريّة والتطهير والقتل والترويع، وفيما يتم السكوت عم ممارسات نظام الإبادة الأسدي في التطهير والقتل والترويع أيضاً في سورية أي الممارسات نفسها التي مُورِست ضدّ سكان القارّة الأمريكيّة (من شمالها إلى جنوبها) ولا يمكن لأحد أن يوقف ذلك اليوم؟ ما معنى التعاضد مع من قُتلوا أو أُنقذوا من المحرقة وإدانة مسبّبيها، فيما العالم يُبرّر المحرقة التي تقوم بها “إسرائيل” وأمريكا والغرب ضدّ أهل غزّة؟ ما معنى أن نتغنى بالمبادئ والأخلاق والقوانين إذا تم اتخاذ القرار بالسكوت عمّا يحصل للفلسطينيّين والسوريين والعراقيين واليمنيين.. إلخ أو رضينا به أو تجاهلناه أو ارتعدنا منه وصرخنا “لا حول لنا ولا قوّة”؟
عادة لا يمكن إطلاق صفة شرير على مجتمع بأكمله ولكن هنا في هذا المثال فأنت أمام حفنة من السُراق وشُذاذ الآفاق التي شكلت “دولة”، وعادة ما يقابَل فعل الإجرام بالإدانة والاستنكار أو حتى الاستهجان ولكن مع هذه الظاهرة الفريدة فالضحية هي من يقع عليها اللوم، وتدين بالاعتذار!
إنّه عصر النفاق الذي يتلطّى وراء الفضائل والمبادئ والأخلاق والإنسانيّة والحقوق والقوانين والأعراف ..إلخ، عصرٌ أنتج مقابل كلّ ميزة جميلة من ميزاته آلاف المآسي والويلات، حروب لم يشهد لها التاريخ مثيلاً، وتلوث لم يبلغ هكذا مستويات، وتهجير ولجوء وهجرة لم يجابه البشر مثيلاً لهم من قبل، وفُحش لا حدود له، وثروات فاقت قدرتنا العقليّة على تصوّرها، ويأس لا علاج منه؛ إنه عصرٌ يُبيدُ الإنسانيّة في الإنسان.
المصدر: الحرية أولًا