(كواليس النخب السياسيه السوريه التي تطرح نفسها بديلاً ديمقراطياً، والأسباب التي أدت الى ضعف المشاركه السياسيه للمرأه).
.لمى قنوت ناشطه نسويه سوريه وباحثه في شؤون المرأة السورية ومتابعه لها ماقبل الثورة السورية وللآن.
.الكتاب دراسة مهمه سدت نقصا حول هذا الموضوع، يتميز بمنهجيتيه الاستقصائيه، وأسلوب الاستجواب ومتابعاته حالة المرأة السورية السياسية في فترة زمنيه ممتده، وفي حالات متنوعه، كتاب مهم يستحق الاطلاع….
اولا. تبدأ الكاتبة عبر اطلاله على موضوع المشاركة السياسية للمرأة السورية، وانها مقصيه في واقع المجتمع والقوى السياسيه وحتى في الدوله السوريه، ورجعت لبعض الدراسات السابقه على دراستها لتؤكد ذلك، كما انها اطلت على الاتفاقات الدولية المقرة لحقوق المرأة وعلى رأسها اتفاقية سيداو….
ثانيا. لا تمر الكاتبة على أسباب واقع المرأة التي تعيشه كتهميش سياسي ومجتمعي الا بشكل عابر وكتسميه فقط، كالنظرة الأبوية، او سيطرة الرجل على واقع المجال السياسي في المجتمع، او المشاكل المجتمعية عموما وحضور المرأة به كتابع وبحقوق مهضومة، او من خلال قوانين الاحوال الشخصية المجحفة بحق المرأة… الخ.
.ثالثا. تطرح الكاتبه مشاركة المرأة السورية في الثورة وخاصة لجان التنسيق المحليه، التي كانت تقوم بدور المحضر والمتابع للمظاهرات ومكانها وزمانها وامتداداتها وتنسيق شعاراتها واماكن فعلها وفاعليتها..الخ، حيث تنامت التنسيقيات لتصل للمئات على مساحة سوريا، وتطرحها كنموذج لحضور المرأه القوي في اهم مناشط الثورة، وأن اللجان نموذجا يضرب به المثل عن امكانية المرأة ونسبة حضورها وقدرتها وقيادتها للأعمال ايا كانت اللهم ان اعطيت الفرصه المناسبة لممارسة دورها…
رابعا. ثم تنتقل الكاتبة للحديث عن المجالس المحلية التي كانت طورا آخر بعد لجان التنسيق المحلية. حيث انتقل العمل الى ادارة الحياة في المناطق المحررة من النظام، وبتحول الثورة الى مرحلة العمل المسلح، وبداية انحسار حضور المرأه في هذه المجالس رغم انها مشاركة في كل المناشط في المناطق المحررة وحتى العسكرية منها…
خامسا. تطرح الكاتبه مشكلة قلة تواجد المرأه وانعدام فاعليتها في الاحزاب السياسية، فحضور المرأه في حزب النظام (البعث) او في مجلس الشعب هو حضور شكلي تجميلي، كجزء من الصورة التي يقدمها النظام عن نفسه، لكن واقع حضورهن لا يتجاوز تنفيذهن لاجندات النظام، وهن غير معنيات بأي امر له علاقه بالمرأه ومصالحها ومشاكلها وكيفية تطوير حضورها وتحسين حالتها، اما حضور المرأة في الاحزاب المعارضة يكاد يكون هامشيا كعدد وحضور واهتمام، رغم ان بعض الاحزاب تدرج قضية المرأه وحريتها وحقوقها في برامجها السياسية، لكن واقع الحال هي مغيبه او مقصيه، طبعا يؤخذ بعين الاعتبار ان ظروف الواقع وعدم اقبال النساء عموما على العمل السياسي، وضمن ظروف القمع والاعتقال والتخلف الاجتماعي، فقلائل النساء اللاتي استطعن تحدي واقعهن والتحقن في العمل السياسي، بكل الاحوال كان حضورهن قليل وغير فاعل وغير مفعل…
سادسا. تنتقل الكاتبه للتحدث عن واقع العمل السياسي للمرأه في الثورة. سواء في المجلس الوطني او الائتلاف او الهيئه العليا للتفاوض. والمشاركة في مؤتمرات جنيف او بالهيئه الاستشارية. وتصل لمجموعة استنتاجات اهمها ان واقع العمل بهذه الهيئات قد جعل نسبة حضور النساء العددي متواضع، والاهم ان فاعليتهم داخل هذه المؤسسات كانت شبه معدومه، حيث كان هناك تواطؤ ضمني على اقصائهن وعدم اعطائهن ادوارا فعاله الا ماندر، وحتى ان وجدن في مواقع مهمه كنيابة رئاسة الائتلاف كان الموقع شكليا دون تفعيل وفاعليه وكن احيانا ضحيه مهاترة او اساءة لكونهن نساء وانهن غير كفؤات لادوار سياسيه مهمه، مما ادى لبعض الانسحابات النسائيه من اللجنه الاستشارية التابعه للهيئه العليا للمفاوضات. ولم يستطع ديمستورا عبر المجلس الاستشاري النسائي السوري الذي انشئ خصيصا لاجل متابعة امور المرأة السورية، سواء في التفاوض بين ممثلي الثورة والنظام، او التفكير بمستقبل سوريا، فقد اصطدمت اللجنة الاستشارية بكون نسائها متناقضات سياسيا ولو انهم متوافقين بخصوص المرأه ، وظهر وكأن اللجنة الاستشارية اصبحت وسيله لتعويم النظام بدل الاهتمام بالحقوق السياسية والمجتمعية للمرأه، وهذا وجه آخر لاختلاف سياسي بين النساء السوريات…
سابعا. ثم تتناول الكاتبه اهم ضوابط مشاركة المرأه في السياسة في سوريا، وكان اول محاور استقصاءها موضوع الديمقراطية، واكدت ان غياب الديمقراطية في الدوله والمجتمع وحتى في اغلب القوى السياسية جعل الحضور النسائي شبه معدوم او رمزي في هياكل القوى السياسيه، ففي الدولة السورية تحتل السلطة الاستبدادية حيز الشأن العام كاملا، فلا حضور الا لما يريده النظام، وان اي وجود سياسي حزبي او مجلس شعب .. الخ يكون مجرد ديكور لاخراج وتنفيذ ما يريده النظام، وحضور المرأه هنا مجرد كوتا شكليه لا معنى لها ابدا في موضوع الحقوق النسوية، فهي مهمة فقط لادعاء السلطه بانها مهتمه بموضوع المرأه وتعمل لتحقيق حضورها وفاعليتها، اما الاحزاب السياسيه المعارضه قبل الثورة وكذلك التي تشكلت كاحزاب او منظمات قوى سياسيه في الثورة؛ فحضور المرأه فيه رمزي ويعاد ذلك لظروف القمع قبل الثورة او العسكرة بعد الثورة، او موقف الاهل والمجتمع الذي لا يفضل العمل السياسي للمرأه، وكذلك لعزوف النساء عن العمل السياسي ضمن هكذا مناخ، كل ذلك يجعل الديمقراطية كفكر وممارسه غير حاضره في هذه القوى، وان حضرت فهي غير فعاله…
ثامنا. وتحدثت الكاتبه عن الكوتا(الحصه العدديه المقره سلفا) النسائية في الاحزاب والهيئات السياسيه، كحد ادنى يجب ان لا ينقص عنه الحضور النسوي، واكدت من خلال استقصائها واستجواباتها ان هذه الحصص غير متحققه، وان تحققت احيانا فهي غير مفعله، ويتحكم بمسار الاحزاب والهيئات مجموعات صغيرة يتحكم فيها قله من الرجال ويقودون العمل وحضور الاخرين -وخاصة النساء- شكلي جدا، وتوقفت ايضا عند النظرة النمطيه للمرأه، المحكومه بالعقليه الذكوريه الابويه المتخلفه للمجتمع او اعادتها لفهم ديني خاطئ… وان ذلك من الاسباب الحقيقيه لاقصاء المرأه وتهميشها سياسيا، وتوقفت عند العنف الموجه ضد المرأه بانواعه الجنسي والقانوني والسياسي، وعنف يتمحور حول امتياز الرجل على المرأه، وحقه في تقويمها ومحاسبتها وحتى قتلها ان كان هناك تعدي على الشرف، وكذلك قوانين الاحوال الشخصيه التي يؤسس بعضها لواقع دوني وتبعيه وظلم للمرأه لمجرد انها امرأه، وكذلك المظلوميه السياسية من استبداد النظام ومن اقصاء المرأه وتهميشها عند الاحزاب والقوى السياسيه قبل الثورة وبعدها….
تاسعا. تقدم الكاتبه استجوابا حول سباب ضعف الممارسه السياسيه للمرأه السوريه في ظروف الثورة، وتقسمها لأسباب متعددة: بدء من ممارسة النظام القمعيه، الى التخوين البيني، الى عزوف المرأه عن النشاط السياسي، الى الاداء السياسي السيئ للاحزاب والمجموعات والقوى، الى عدم خبرة النساء السياسيه الكافيه، والى غياب فكرة الحصه النسائيه (الكوتا) عند هذه المكونات السياسيه، الى سيطرة المحاصصه الطائفيه او الاثنيه، الى سيطرة العقليه الذكوريه والتخلف الاجتماعي بخلفيته الدينيه التقليديه..الخ. وتستمزج اراء المستجوبين حول هذه الأسباب من حيث القوة والاولويه والفاعليه، وما يهمنا ان هذه الأسباب مجتمعة؛ وباختلاف قوة تأثير كل سبب، تمثل العوامل التي ادت لتهميش دور المرأه وتغييبها سياسيا ومجتمعيا…
عاشرا. وتصل اخيرا الى الاستنتاجات والتوصيات، وكلها تنصب على حق المرأه المجتمعي الكامل على قاعدة المساواة مع الرجل، وحقها باداء دورها السياسي، وانها ان كانت تعيش الان واقع الاقصاء والتهميش، فلا بد من الانطلاق بخلق عقليه ديمقراطيه، تنطلق من مواثيق حقوق الانسان والحقوق النسويه، وان يكون نظام الكوتا النسائي الحد الادنى لحضورها وتمثيلها، لنصل لمرحلة اشغالها لموقعها الاجتماعي والسياسي المطلوب، ولاجل ذلك كان لا بد من العمل لمواجهة الاستبداد السياسي، وارجعت الكثير مما يحصل للمرأه لما اسمته (الاستبداد الديني) الذي ينظر لتهميش دور المرأه او تحجيمه…
حادي عشر. وفي مناقشتنا للكتاب نقول: انه رغم كونه نتاج جهد متميز واستقصاء واستجوابات، ويدخل لعمق مشكله المشاركه السياسيه للمرأه السوريه في فعاليات الثورة وماقبلها، لكنه ينصب على دراسة الحاله بماهي عليه؛ ويمر على اسباب ذلك مرورا عابرا، رغم كون فهم اسباب هذا التهميش والظلم السياسي مجتمعيا وفكريا ودينيا وضمن نسق العلاقات الاجتماعيه مهم جدا لمعالجة هذا الواقع، وذلك من باب معالجة اسبابه الحقيقيه العميقه والكامنه فيه على كل المستويات، فمجتمعنا باغلبه وبما فيه اغلب النساء مازال يتعامل مع المرأه من منظور خاطئ؛ يستند بعض منه على اعتقاد بالضعف الفيزيولوجي للمرأه، والبعض ينظر اليها انها اقل من الرجل بقدراتها العقليه، والكثير ينظر لها بصفتها شخص غير قادر على تسيير ذاته دون تدخل الاخرين، وانها عاطفيه، وانها ذات اختصاص معين الانجاب وتربية الاولاد.الخ.. وهذه الافكار وما يتبعها من سلوكيات متأصله بالواقع الاجتماعي، يدعمها عقليه متخلفه تقليديه غير علميه في فهم الحياة والاخرين، وعقليه تسلطيه ضمن منظومة الاستبداد العمودي من اعلى هرم الدوله والمجتمع ليصل الى المرأه التي تقع في قاع الهرم قمعا واستغلالا، ولا يلغي هذه الصورة القاتمه دخول المرأه منذ عقود باب التعليم وباب العمل لحاجات اقتصاديه بالاغلب، وقد نجد بعض النساء قد خرجن عن هذه المنظومه القهريه، لكن لم يصلن الى مستوى الظاهره الاجتماعيه المتناميه، فما مشاركة المرأه في بعض المناشط السياسيه او المجتمعيه العامه الا مقدمه لممارسه بعيدة المدى قد تحتاج لعقود حتى تحصل المرأه على حقوقها الانسانية كاملة على قاعدة التساوي الانساني والتكامل العائلي والمجتمعي، ويحتاج ذلك الى عمل دؤوب فلا يكفي الوصةل للدولة الديمقراطيه لتصل المرأه الى حقوقها، الديمقراطيه في الدوله والمجتمع الوسيله التي ستكون مع غيرها مقدمة تغيير العقليه والسلوك، وكذلك الدستور والقوانين المنصفه للمرأه هي ضمانات يجب ان تحصل للوصول لحقوق كل الناس ومنهم المرأه، وهذا يستوجب اعادة قراءة الدين متناغما مع العقل ومع العصر ومع الحقوق النسويه الانسانيه، فالراسب الديني (الذي ليس بالضرورة ان يكون صحيحا او مطابقا لجوهر الدين ومقاصديته)، يحتاج لتنقيه واعادة تنوير الدين في المجتمع والحياة، واستتباعا لذلك نقول عن قوانين الاحوال الشخصيه وكون المدونات الموجوده تحتاج لمراجعات عميقه، لان اغلبها لم يعد صالحا لهذا العصر، والانطلاق من فردية المرأه وحقوقها وتميزها عن/ وتكاملها مع الرجل، وانها كاملة الاهليه انسانيا لتأخذ كل حقوقها،
واما عن القول ان هناك استبداد ديني كما ان هناك استبداد سياسي فهو توصيف غير دقيق لواقع الحال، فالتخلف في قراءة الدين او تأويله في هذا العصر، مربوط بعضه برجال الدين في دولة الاستبداد -كسوريا- فهم مجرد ادوات تنفذ رغبات السلطه بلبوس ديني تنتزع فتاويها من مدونات الدين الكثيره، كما ان الدين هو اعتقاد اجتماعي يراه البعض عقيدته التي يسير بهديها في الحياة ولا تصح حياته الا بها، وهم الاغلبيه المجتمعيه، فتنوير الدين وتزاوجه مع العقل والعلم والعصر مهم جدا، وتحوله لخيار انساني وقبول منتسبيه للخيار الديمقراطي في الدولة والمجتمع، سيجعل الدين والمتدينين يقتربون رويدا رويدا الى مفاهيم العصر اتجاه كل القضايا ومنها المرأة، من الخطأ وضع حقوق المرأه في مواجهة الدين او المجتمع، فذلك يخلق شرخا اجتماعيا ومقدمة لانفصام اجتماعي وسلوكي ومقدمة صراع اجتماعي…
. ان موضوع المرأه في الدولة الديمقراطيه القادمه، هو اهم واعقد واصعب موضوع يحتاج لمعالجه، وبتحقيق حقوق المرأه تكتمل مصداقية عمل الثوار والشعب لتحقيق: الحريه والكرامة الانسانيه(نساء ورجال) والعدالة الاجتماعيه والحياة الافضل…
3.6.2017…